لا يخلو حديث عن الأطفال من الوقوع في عدد من المآزق، ما بين اختزال وتسطيح والتفاف، وكأن الطفولة اختبار لكيفية تكويننا للأسئلة وتحولاتها الواسعة: كيف نراها الآن بعدما «كبرنا»؟
ما أن تأتي كلمة «طفل» أو «طفولة» في كلام ما، حتى تنزاح عن معناها إلى حمولات معرفية أسقطناها عليها، ومنتج فني يحاول التماهي مع بكارتها المدهشة. يمكن أن نتفق على أن الطفولة هي هذه الأرض المتسعة التي لم تتلوث بعد بأفكارنا وبداهاتنا وسلطات واقعة علينا، لتكون مواجهتنا مع الطفولة مواجهة مع أنفسنا قبل تشكُّلها.
في روايته «قلب طفل»، حاول الروائي الألماني «هيرمان هيسه» انتزاع ذاته من نضجها، والدخول إلى عقل طفله وفهمه ومعرفة طريقة تعاطيه مع المفاهيم، وأولويات الصواب والخطأ.
تلك هي اللعبة التي نريد محاكاتها في هذا الهاجس، لأنها تمثل إسقاطًا من الشخصية على طفولته، فالسارد الداخلي المشارك في الحدث طفل في زمن الأحداث المستعادة عن طفولته وعلاقته بأبيه وأصدقائه، وكذلك بالأمكنة والأشياء التي تتراءى له، رغم أن زمن السرد مستعاد بعد 30 عامًا، لكن الذاكرة هنا مستنفَرة وتعمل بحيوية تجعلها مركَّزة في سنوات الطفولة الأولى. لكن السارد يصف وعيه بالقول إنه «بعد ثلاثين عامًا، لَشَدَّ ما أرى بوضوح بئر السلم ذا النوافذ الطويلة المعتمة، التي تلقي بصيصًا من الضوء على حائط البيت المجاور».
هل نجح هيسه في «التواصل مع طفله»؟ وبعيدا عن الكليشيه الثقيل في هذه الجملة، فإن التحدي صعب وشيق، ومثير للخيال كذلك.
هاجسنا «في مصنع الخيال» نحاول عبره الخوض في ثنائية الفن والطفولة، الفن الذي ينتَج للأطفال والفن الذي ينتجه الأطفال. محاولة الاشتباك هنا مع المسافة بين النوعين، والأسئلة التي تطرحها، ومُساءَلة ما تربينا عليه وأحببناه وتعاطفنا معه، من حكايات قبل النوم إلى أفلام ومسلسلات الكارتون.