نحن نَعِي الآخرين كنظرات موجهة إلينا، يُشعرنا ذلك بالامتنان أو الفخر أو الخجل حسب نظرتنا إلى تلك النظرات، نسير في العالم معتقدين أن نظرات ما موجهة إلينا دائمًا، متفرجين ما، علينا أن نضعهم في الحسبان دائمًا، تتشكل تصرفاتنا في أحيان كثيرة لشعورنا بأن عيونًا ترانا، نسعى لإبهارها أو نَيْل اعترافها بنا، أو نتخفى منها للاحتفاظ بحقنا في حياتنا الخاصة دون تلصص.
بدورنا، نقضي حياتنا ننظر إلى الآخرين، نراقبهم للتعلم منهم أو لحمايتهم، أو رغبةً في معرفة الطريقة المثلى للتقرب منهم، أولأننا نُضمر حبًّا لهم لا نعرف ماذا نفعل به.
النظرات المتبادلة والرقابة المتفحصة للآخرين هي ألصق خاصية لوجود تجمع بشري ما، تأخذ شكلًا رسميًّا حين تفرض القوة أو الانتخاب أشخاصًا كمراقبين لتصرفات الجميع، يعاقبون من يخرج على التصرفات المتفق عليها.
تخطو الحكومات خطوات أبعد، فتنشر كاميرات في كل مكان لتراقب المواطنين وتضمن تصرفاتهم. يحاول الناس الإفلات من هذه الرقابة ويطالبون بحقهم في مراقبة الحكومات، التي تتحايل هي الأخرى للهرب من نظرات المواطنين. يراقب الوالدان أبناءهما للاطمئنان عليهم، وقد يتماديان فيشعر الأبناء برغبة في الانفلات من هذه الرقابة ليكوِّنوا شخصياتهم بأنفسهم.
حتى في الكتابة، يكتب الناس لأنهم يعرفون أن أشخاصًا سينظرون في كتبهم، يكتبون لتلك النظرات بالأساس، يحاولون استمالتها لأفكارهم أو لحكاياتهم، يخشون غضبها فيخففون لهجتهم قليلًا، أو يناورون في عرض أفكارهم كي لا تشي به عينٌ ما لعين أخرى ذات سطوة فتعقابهم على كتبهم، ولتفادي ذلك الغضب من البداية، كثيرًا ما كتب الناس بأسماء مستعارة ليفلتوا من الرقابة.
تحدث كل تلك العمليات في نفس الأوقات دائمًا، نراقَب ونتحايل على الرقابة ونراقِب ويتحايل آخرون للهرب من عيوننا، ويشكل ذلك هاجسًا مستمرًّا لنا جميعًا، نطرحه هذا الشهر في «منشور» لنتحدث فيه، لنتلفَّت ونرى من يراقبنا، ونصارح أنفسنا بإعلان من نراقبه، وكيف يشكل هاجس الرقابة عالمنا وحياتنا.