«لا يمكنني انتظار النصيب»: الحرب تغير عادات الزواج في سوريا

الصورة: Getty/David Silverman

عبد السلام الشبلي
نشر في 2018/01/11

هذا الموضوع ضمن هاجس شهر ديسمبر «كيف تشكِّلنا الحرب؟». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


تغير الحرب كثيرًا من ملامح المجتمعات التي تندلع فيها، فيدخل ما كان مستهجَنًا في السابق ضمن إطار «ما تخلقه الظروف»، وتنطلق عادات جديدة تتناسب مع الحياة الجديدة التي تنبلج من ظلام الحرب، التي تؤكد دومًا أنها تؤسس لحيوات جديدة للأفراد الذين لا تقضي عليهم.

في سوريا، يهرب مئات الآلاف من المواطنين خشية أن تبتلعهم الحرب، ليعيشوا حياتهم الجديدة في مجتمعات أخرى. وهناك تختلف طبائعهم، مستمدين ما يمكنهم من العيش والاستمرار رغم كل الظروف، مختلقين أفكارًا جديدة، كثيرٌ منها مبتدَع لحياتهم القادمة بعيدًا عن قذائف الحرب المميتة.

وسط كل هذه الظروف تنشأ عادات جديدة للزواج في سوريا، يلاحق كثير منها صرخات الاستهجان والاستنكار من بعض السوريين بحجة عدم توافقها مع ما تعودوا عليه، بينما يدافع عنها آخرون معتقدين أنها أكثر ما يناسب ظروف البلاد والعباد.

يصبح الزواج بالنسبة إلى جزء من المجتمع ضرورةً لأجل «حماية العِرض» والتخلص من الفاقة، بينما يراه آخرون ترفًا لا بد من تجاوزه لأن الظروف الحالية لا تسمح بتأسيس أسرة على لبنة سليمة، فيما ينظر جزء آخر إلى تلك الزيجات بعين الفاحص، ليعرف الظروف المحيطة بها ويتبين المقدمات التي ترسم نهاياتها المتوقعة.

في سوريا: الزواج خوفًا من العنوسة

الصورة: UK Department for International Development

زواج القاصرات والزواج غير المتكافئ ملامح سلبية تبرز في الحرب، مثلها مثل الزيجات ذات الأبعاد السياسية والإرهابية، كجهاد النكاح.

«كانت الحياة قبل الحرب أسهل، حين كنت شابة أستطيع أن أنتظر نصيبي». هذا ما قالته وفاء (اسم مستعار). الحرب خلقت لديها هاجسًا دائمًا بأنها لن تتزوج، خصوصًا أنها اضطررت إلى النزوح مع عائلتها إلى الأردن، حيث أقامت لأشهر قبل أن تتملكها رغبة عارمة بقبول الزواج من أي شخص يتقدم إليها، فالمهم أن لا تحمل بعد سنوات لقب «عانس».

ما تشعر به وفاء تُعرِّفه ميادة الكبة، الناشطة في الشأن المدني السوري، بأنه إحدى أكبر الأزمات النفسية التي تضرب نساء سوريا: الخوف من العنوسة، التي تؤدي عادةً إلى عدم استقرار مجتمعي ونفسي، ما يدفع كثيرًا من النساء إلى الزواج بأي طريقة ممكنة.

هنا يبرز عديد من ملامح الزواج السلبية، كزواج القاصرات، وزواج المصلحة، والزواج غير المتكافئ، فضلًا عن زيجات أخرى قائمة على أبعاد سياسية وإرهابية، مثل جهاد النكاح الذي ظهر بظهور تنظيم داعش، وزواج المتعة المنتشر في صفوف بعض الفصائل المتحاربة في سوريا، وكل تلك الأنواع نشأت نتيجة قلة التعليم والثقافة، ما أدى إلى بروز عادات جديدة في المجتمع السوري، أسهمت بشكل كبير في تفتيته وخلق حالات من الانهيار الأسري.

تعتقد الكبة أن هذه الأنواع من الزيجات تزيد حتمًا حالات التخلف والأمية، مما يضعف المجتمع ويزيد الفقر، إضافةً إلى تفشي الأزمات النفسية القائمة على العنف ضد المرأة، باعتبارها العنصر الأضعف في المجتمع.

قد يهمك أيضًا: كل الزيجات الفاشلة، تفشل لنفس السبب

جريمة ضحيتها قاصرات: لا تزوجوا السوريات رغمًا

استغلال المرأة السورية في الحرب

حين لجأتْ من محافظة إدلب إلى دمشق هربًا من قذائف الموت في 2012، اعتقدت ليلى (اسم مستعار) ذات الـ22 عامًا أنها لن تفقد أحلامها بالعودة إلى التعليم من بوابة مدارس العاصمة التي لم تنغرز أنياب الحرب فيها، إلا أنها صُدمت بأنياب أخرى، مثل قرار غريب من والدها بضرورة زواجها من ابن عمها كي «يستر عليها».

تتزايد حالات الزواج في أيام النزاع والحرب، فيكون الزواج عاملًا لحماية الفتاة ويساعد الأهل على «التخلص من مسؤوليتها».

تروي ليلى لـ«منشور» حكايتها بعد سنوات من الزواج، إذ توضح أنه من حسن حظها أن ابن عمها لم يكن ذاك الشخص السيئ الذي يسبب لها مشكلات حياتية يومية، مثل تلك التي تصادف أي قاصر تُجبَر على الزواج. تشكر القدر على أنه استطاع استيعاب أنها كانت لا تزال طفلة وقتها، لكن السنوات مضت وصار لديها طفل يبلغ من العمر عامين، لجؤوا به إلى ألمانيا خشيةً على زوجها، الذي كادت تطوله يد الحرب.

وإذا كان القدر قد أنقذ ليلى من تداعيات تزويجها قاصرةً، فإن آلاف الفتيات وقعن ضحية لهذه الجريمة البشعة في سوريا، وكُتمت صرخاتهن تحت ستار «العادات والتقاليد»، التي أكدتها الحرب وأسهمت في انتشارها بشكل أكبر، إذ ارتفع معدل زواج القاصرات في سوريا بدايةً من 2016 من 7% إلى 30%، بحسب تقرير أعده المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.

تؤكد مزن دريد، الناشطة السورية في مجال حقوق المرأة، أن حالات الزواج هذه تتزايد في أيام النزاع والحرب، التي ترسم ملامح عدم الاستقرار على العائلات اللاجئة والمشردة، فضلًا عن تعرض اللاجئات القاصرات إلى التحرش والانتهاكات في المجتمعات المضيفة، إلى جانب عدم توفر مصدر للعيش وغياب التعليم، ما يجعل الزواج عامل حماية للفتاة ويساعد الأهل على «التخلص من مسؤوليتها».

توضح دريد لـ«منشور» أن الحرب حالة فوضى ينتصر فيها العنف دومًا، ويمارَس بأقسى أشكاله على المرأة: «معظم هذه الأنواع من الزواج تنتهي بالطلاق، لأنها قائمة على التعامل مع المرأة على أنها ضحية وضعيفة تحتاج إلى الستر، بالإضافة إلى عدم وجود قانون يحميها في المنطقة العربية وبلدان النزاع عمومًا من هذا النوع من الزيجات».

تعتقد الحقوقية السورية تسنيم حمزة، عضو التجمع الحقوقي السوري في مصر، أن زواج القاصرات هو أكثر النتائج كارثيةً في الحروب، ومعظم تلك الزيجات غير مقننة أو مسجلة في المحاكم الرسمية، ويُستَخدم الغطاء الديني لتشريعها، لكنها تبقى غير قانونية، ما يشكل أزمات كثيرة تترتب عليها، مثل وجود أطفال غير مسجلين قانونًا، وبالتالي عدم امتلاكهم أي حقوق كالتعليم والصحة، فضلًا عن مشكلات ما بعد الطلاق حال وقوعه، إذ يتعقد الأمر على الطرفين لعدم وجود إثبات للزواج، وهذه جريمة مركّبة في حق السيدات والأطفال، ويجب على الدولة إيقافها.

تؤكد حمزة أن هناك اتفاقات دولية تعمل على الحد من تلك الظواهر، لكنها غير مجدية في ظل الظرف السوري الحالي، منها:

  1. اتفاقية «Cedaw»: هي الاتفاقية الدولية الرئيسية التي تحدد حقوق الفتيات والنساء، وتطالب الحكومات بإدانة جميع أشكال التمييز ضد الفتيات، واتباع كل السبل المناسبة للقضاء عليه، خصوصًا العنف الجنسي، وصدقت سوريا على هذه الاتفاقية عام 2003.
  2. اتفاقية حقوق الطفل «crc» لعام 1989: اتفاقية دولية مُلزمة بحقوق ورعاية الأطفال دون 18 عامًا، تطلب من الحكومات حماية الأطفال من مخاطر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وزواج الأطفال والإتجار بهم بغرض الجنس.

قد يعجبك أيضًا: النساء.. آلهة استُعبِدن باسم الزواج

زواج online: أهلًا بكم في سوريا

هيّئت الحرب السورية الظروف لزيجات جديدة: بعضها قاسٍ، وبعضها الآخر يحمل الأمل بأن الحياة ممكنة رغم الدمار.

في الحرب، لا يقتصر دور مواقع التواصل الاجتماعي على تقريب البعيد وتحقيق التواصل الافتراضي الذي تعطله المسافات، بل يتعداه إلى مهام أخرى برزت في السنوات الماضية بشكل كبير في سوريا، إذ ظهرت عادة جديدة للزواج عبر موقع تواصل يسهل عملية «رؤية الطرفين وذويهم، فضلًا عن الشهود الواجب توفرهم لأجل إتمام الزواج».

يؤمن محمود وزوجته إيناس، اللذان ارتبطا بهذه الطريقة ثم لحقت الزوجة به في مكان إقامته بالمملكة العربية السعودية، أن هذه الطريقة سهّلت الزواج كثيرًا بعد أن عقّدته الحرب، خصوصًا مع صعوبة العودة إلى سوريا بالنسبة إلى الرجال الذين لا يزالون في سن الخدمة العسكرية، إذ يحدث الزواج عن بعد، ويستكمل أقارب الزوج الأوراق الرسمية قبل إرسال الزوجة إليه.

أهم شيء ينبه عليه الزوجان هو إثبات الزواج في المحكمة، ويؤكدان أنهما تقصّيا الأمر قبل إتمام الزواج فوجداه شرعيًّا وقانونيًّا: «قد يكون غريبًا، لكن الحاجة دومًا أم الاختراع كما يقول المثل، وآلاف الشباب يلجؤون اليوم إلى هذا النوع من الزواج».

الحرية سبيل الاستمرار 

الصورة: UK Department for International Development

ترى الناشطة الحقوقية مزن دريد أن أحد أهم عوامل نجاح الزواج، سواء خلال الحرب أو غيرها، هو الاختيار القائم على الحرية، فأفضل الزيجات هي تلك القائمة على رغبة حقيقية من غير فَرض وإجبار يؤدي إلى انتهاك حقوق المرأة وحرمانها من اختيار شريك حياتها.

قابلت دريد تجارب كثيرة لأشخاص عاشوا مثل هذه الحالات، إحداها لفتاة سورية طلبت المساعدة من حملة «لاجئات لا سبايا»،، بعد زواجها من رجل عربي وتعرضها للانتهاك على يده ثم انفصالها عنه، لترتبط بعد ذلك بشاب تركي اختارته وتعيش حياة هانئة، وتكمل تعليمها في السويد في ظل قانون يحمي حقوقها.

اقرأ أيضًا: بين النقطة والعانية: عادات الشرقيين في هدايا الأفراح

هيئت الحرب السورية الظروف لزيجات جديدة: بعضها قاسٍ، وبعضها الآخر فيه كثير من الأمل بأن الحياة ممكنة رغم الدمار، إلا أن المؤكد في كل ذلك أن أُسُس وعادات وتقاليد الزواج في سوريا اختلفت عما عهده السوريون قبل الحرب، وربما لا ترجع تلك العادات حين ينتهي الصراع، الذي أحدث كثيرًا من التغيرات في طريقة تفكير السوريين وحياتهم.

مواضيع مشابهة