هذا الموضوع ضمن ملف «الهوية الجنسية»، لقراءة موضوعات أخرى في الملف اضغط هنا.
عاش المثليون والمتحولون جنسيًّا في مصر حرية غير معهودة، خلال أواخر فترة حُكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، والاضطرابات التي مرت بها البلاد في أثناء الثورة، واستطاعوا أن يلتقوا في البارات والمقاهي، ويتواصلوا مع رفقائهم عبر تطبيقات المواعدة على الهواتف المحمولة، بقدر أكبر من الانفتاح والأريحية عما اعتادوه من قبل، بحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في أغسطس الماضي.
لكنها انتهت فجأة

ووفقًا للتقرير، تغير الوضع مع عودة الحكم العسكري وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في البلاد، إذ ألقت الشرطة منذ ذلك الحين القبض على ما لا يقل عن 250 شخصًا من المثليين وثنائيي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيًّا، في حملة صامتة شرَّدت ذلك المجتمع، الذي كان قد بدأ في الازدهار والظهور على السطح.
وتقود الشرطة حملة مراقبة على الإنترنت للإيقاع بالمثليين والمتحولين جنسيًّا والقبض عليهم، كما أغلقت الأماكن التي كانوا يترددون عليها، وهو ما دفعهم إلى العودة للخفاء ثانية، وأجبر الكثيرين منهم على الخروج من البلاد.
اقرأ أيضًا: أن تكون «بايسكشوال» في مجتمع عربي
ونقلت الصحيفة عن داليا عبد الحميد، الباحثة في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، أنه قبل ذلك «لم تكن هناك حملة متعمدة لمراقبة المثليين والمتحولين جنسيًّا والقبض عليهم، لكن الشرطة عمدت الآن إلى اعتقالهم»، موضحة أنه في الفترة ما بين سقوط الرئيسين مبارك ومرسي؛ لم تعبأ الشرطة كثيرًا بما يحدث في الحفلات الخاصة أو مقاهي وسط البلد الصاخبة، إذ كانت منشغلة بأمور أخرى.
دعاية جيدة للشرطة

«سكوت لونغ» (Scott Long)، الناشط في مجال حقوق الإنسان، الذي عاش في مصر لسنوات وسبق أن كتب تقريرًا قويًا لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» عن الغارة التي شنتها الشرطة المصرية على ملهى «كوين بوت»، أكد للصحيفة أن الحملة الأخيرة لم تشتد إلا بعد حظر التجوال، الذي فرضه النظام بعد عزل مرسي وأنهاه في خريف عام 2013؛ إذ كان ضبط الشارع ينتقل حينها من الجيش، وهو مؤسسة تتمتع ببعض الثقة بين الشعب، إلى الشرطة المصرية، وهي رمز كريه لنظام مبارك.
وأردف «لونغ» مفسرًا: «لقد خطر لأحد المسؤولين في وزارة الداخلية أن هذه الحملة ستكون دعاية جيدة للشرطة».
الشرطة والقضاء والإعلام في مصر يعاملون المتحولات جنسيًّا من رجال إلى نساء على أنهن رجال.
وعلَّقت الصحيفة بأن تلك الاعتقالات أشارت إلى عودة الأسلوب المشدد لشرطة الآداب، التي شاركت في حملة أوسع منذ عام 2013 اعتقلت فيها عشرات الآلاف.
ومن خلال حملات الترهيب والاعتقال التي نفذتها ضد المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًّا على مدار 10 سنوات، استطاعت الشرطة استعادة سلطتها التي فقدتها في أيام الثورة وما قبلها، كما استعادت أفرع أخرى من قوات الأمن نفوذها بعد عودة الحكم العسكري، واعتقلت المتظاهرين ونفذت حملات ضد الباعة الجائلين، وفقًا لبعض النشطاء.
وأضافت داليا عبد الحميد أن «الشرطة تريد أن تُظهر أنها تُحكم قبضتها على المجتمع، لذلك شنَّت شرطة الآداب حملاتها للقبض على المثليين والمتحولين جنسيًّا»، مشددة على أنه ليس هناك قانون في مصر لتجريم المثلية الجنسية على وجه الخصوص، لذلك يحاكَم المثليون والمتحولون بتهمة «ممارسة الفجور» طبقًا لقانون سنة 1961.
وقال التقرير إن الشرطة والقضاء والإعلام في مصر يعاملون المتحولات جنسيًّا من رجال إلى نساء على أنهن رجال، ولا يميزون بين المثليين والمتحولين كما يحدث في الغرب، كما أوضحت داليا أن الأحكام التي يحصلون عليها تتراوح بين سنتين و12 عامًا.
قد يهمك أيضًا: كيف أصبحت إيران الثانية عالميًّا في عمليات التحول الجنسي؟
محادثات جنسية ومداهمات واعتقالات في الشوارع

وأكد نشطاء لـ«نيويورك تايمز» أن الحملة استهدفت المثليين والمتحولين جنسيًّا، وأُلقي القبض على بعضهم في غارات شنتها الشرطة على منازلهم، أو في الشارع إذا كان مظهرهم يثير الشكوك، لكن معظمهم ألقي القبض عليه بعد أن أوقع بهم رجال الشرطة من خلال تطبيقات المواعدة؛ مثل (Grindr)، الذي صار يحذر مستخدميه من إمكانية وجود رجال شرطة بينهم.
ولفتت داليا عبد الحميد إلى أن أفراد الشرطة يدخلون في محادثات جنسية مع المثليين على تلك التطبيقات، ثم يحصلون منهم على صور لهم في أوضاع مخلة، يستخدمونها ضدهم في المحكمة لاحقًا، وبعد ذلك يطلبون مواعدتهم، وعندما يصل الشخص المثلي إلى مكان اللقاء يُلقى القبض عليه.
الكثير من المثليين والمتحولين جنسيًّا غادروا البلد أو يأملون في أن يفعلوا.
وقالت الصحيفة إن مظاهر تلك الحملة تمثلت في انتشار أكمنة الشرطة في منطقة وسط القاهرة، وإغلاق المقاهي والأماكن التي كان النشطاء والمثقفون والمثليون يترددون عليها خلال فترات الاضطراب السياسي.
لا مكان لنا في مصر

وضمن التقرير، التقت «نيويورك تايمز» شابًّا مصريًّا مثلي الجنس، في الرابعة والعشرين من عمره، رفض الإفصاح عن اسمه خوفًا من القبض عليه، وطلب الإشارة إليه باسمه الأوسط «علي».
وأكد علي أن هذه الحملة شرَّدت المجتمع الذي ينتمي إليه، حتى باتت «كل الطرق تُوقعك في قبضة الشرطة». واستطرد: «الخطر الأكبر أن يُقبض عليك أو يُسجن أصدقاؤك، لأنه بعد فشل الثورة شنت الشرطة حملة كبيرة على مجتمع وسط البلد بالأخص، وهو المجتمع الذي أنتمي إليه، وقد تفكك الآن».
وأضاف أن الكثير من المثليين والمتحولين جنسيًّا غادروا البلد أو يأملون في أن يفعلوا، وأنه شخصيًّا يرغب في الهجرة إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية؛ لأنه «لم يعد لدي أصدقاء؛ كلهم إما مقبوض عليه أو خارج مصر».
قد يعجبك أيضًا: المثلية المسكوت عنها في دول الخليج
وكانت داليا عبد الحميد قد ذكرت للصحيفة أن الشرطة تستولي على هواتف الأشخاص الذين تحتجزهم، ثم «تبحث فيها عن آخرين»، وعندما تعثر عليهم فإنهم يتعرضون للتعذيب في الغالب؛ للإدلاء بمعلومات عن أصدقائهم من المثليين وشركائهم الجنسيين السابقين، كما أن المحتجَزين يتعرضون للفحص الشرجي؛ الذي تعتبره الشرطة لونًا من التعذيب يمكنها من خلاله إثبات ما إذا كان الشخص قد مارس الجنس المثلي، وهو الأمر الذي ينفيه رجال القانون في مصر.
وذكر «سكوت لونغ» للصحيفة أن أساليب الإيقاع بالمثليين والمتحولين على شبكة الإنترنت أصبحت فعالة في السنتين الأخيرتين، بعد إغلاق الأماكن التي اعتادوا ارتيادها. لم تعد هناك أماكن تستقبل المثليين في وسط البلد أو غيرها داخل القاهرة، بحسب «لونغ»، لذا بدأوا يعتمدون على تطبيقات الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي: «إنهم يشعرون بالوحدة ويجدون شخصًا يتقرب إليهم، ثم فجأة يتم القبض عليهم».
علي أكد للصحيفة أن الإنترنت، رغم مخاطره، يبقى أحد الملتقيات العامة القليلة المتاحة أمام المثليين والمتحولين جنسيًّا، قبل أن يضيف: «ليس هناك مكان آخر، نحن في مصر».