كيف يتغير حجاب الإيرانيات بتغير الأنظمة الحاكمة؟

الصورة: Getty/Scott Peterson

شيماء محمد
نشر في 2017/09/07

هذا الموضوع ضمن هاجس شهر سبتمبر حول «ماذا تبقى من الصحوة الإسلامية». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


يبدو الحجاب الإلزامي الآن أحد أهم معالم المجتمع الإيراني، لكن الأمر لم يكن كذلك في عهد الشاه رضا بهلوي، الذي حكم إيران من عام 1925 حتى 1941، بل العكس تمامًا.

رضا، المعجَب بالحضارة الغربية، كان من مشجعي استبدال ملابس الرجال والنساء الأوروبية بالملابس التقليدية الإيرانية، كجزء من تصوره لخطة اللحاق بالغرب، فمرر قانونًا عام 1928 يجبر الرجال على ارتداء البدلات الأوروبية، لكنه لم يستطع فرض خلع الحجاب بنفس السرعة، فأخذ يمهد له عن طريق مؤتمرات تدعو النساء إلى خلعه.

حسم بهلوي أمره عند زيارته إلى تركيا عام 1934 وإعجابه بإنجازات أتاتورك، فقرر فور عودته إصدار أمر البدء في خطوات حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وصدر القانون بالفعل عام 1936، وبدأت الشرطة ملاحقة النساء اللاتي يرتدين الشادور في الشوارع، ومُنعت المحجبات من دخول المدارس والمصالح الحكومية، ممَّا أثار موجة غضب بين الإيرانيين، واتهمه رجال الدين حينها بمحاولة التودد إلى الغرب.

لعبت المساجد في ذلك الوقت دورًا مهمًّا في الحشد ضد الشاه وقانون منع الحجاب، ودعوة النساء إلى التمسك بحجابهن، بل ظهرت دعوات أكثر صرامةً لارتداء النساء الشادور، الذي لم يكن منتشرًا حينها سوى في الريف، وخرجت مظاهرات عديدة يقودها رجال الدين احتجاجًا على قانون خلع الحجاب، إلا أن الأمن الإيراني كان يتعامل معها بمنتهى القوة والحزم.

استمد الشاه قوته لمواجهة الرفض المجتمعي من نساء الطبقات الأرستقراطية اللاتي وقفن بجانبه، وكذلك أعضاء التيار اليساري، الذين عارضوا بهلوي في أغلب سياساته، لكن بعضهم أيد ذلك القرار.

يروي أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران، محمود جعفر زاده، أن الأساليب نفسها التي تستخدمها قوات «الباسيج» (شرطة الأخلاق) الآن لفرض الحجاب كانت تستخدمها الشرطة في عهد الشاه لمنعه.

يوضح زاده لـ«منشور» أنه كانت هناك دوريات تطوف الشوارع من وقت لآخر للتأكد من خلوها من أي امرأة ترتدي الحجاب، والاعتداء بالضرب على من ترتديه، وحتى خلعه بالقوة، وكان من يسير إلى جوار امرأة محجبة، حتى لو كان زوجها أو أخاها، سينال نصيبًا كبيرًا من الإهانات.

عاصرت عائشة تلك الفترة، وكانت من النساء المحجبات حينها، وتعرضت بحسب قولها للضرب من عناصر الشرطة لإصرارها على الخروج إلى عملها في إحدى المؤسسات الحكومية بالحجاب: «ضربني فرد من الشرطة بشدة على رأسي وخلع حجابي عنوة، وتلقيت كذلك تهديدات بالفصل من العمل إذا أصررت على وضع الحجاب».

في عهد الشاه، كان العادي أن تجد نساءً يرتدين ملابس مكشوفة وبجانبهن من ترتدي الشادور.

تستغرب عائشة، خلال حديثها لـ«منشور»، من أن حجاب النساء كان دائمًا محطَّ أنظار قادة إيران: «الحجاب أمر يخص السيدة، وهي وحدها من تقرر متى ترتديه، ولا يمكن أن يصبح بالإجبار»، وكذلك تستنكر إلزام النساء بالحجاب في الوقت الحالي، وتعتبره أمرًا مرفوضًا مثله مثل منع الحجاب، وكلاهما لا يجب أن يكونا محور اهتمام قادة إيران: «الأفضل الاهتمام بوضع النساء وحقوقهن المهدرة، وليس حجابهن».

لم يستمر فرض خلع الحجاب طويلًا، إذ عُزل الشاه بعد إصدار القانون بخمس سنوات عن طريق تدخل بريطاني وسوفييتي بسبب ميوله لتأييد الرئيس النازي هتلر، واستُبدل به ابنه محمد رضا بهلوي، الذي خفف من قبضة تلك القوانين فعادت النساء المحجبات إلى الشوارع جنبًا إلى جنب مع غير المحجبات، وإن ظلت الدولة أقرب إلى الدعوة لخلع الحجاب مع عدم الإلزام.

في عهد محمد رضا بهلوي، كان من العادي أن ترى على أغلفة المجلات نساءً إيرانيات بلباس البحر، وتشاهدهن في الأفلام بالتنورات والفساتين القصيرة، أو تسير في الشوارع فتجد نساءً يرتدين ملابس مكشوفة وبجانبهن من ترتدي الشادور، وإن ظل خلع الحجاب دلالة على الانتماء إلى طبقة قريبة من النظام.

الحجاب: رحلة المنع والإلزام

مظاهرات ضد الحجاب الإلزامي في إيران

لم يختلف نمط تفكير معارضي الشاه من الإسلاميين عن الشاه نفسه في مسألة حرية الملبس، والتعامل معه كحق للدولة في الأساس لا للناس، وإن اتخذ ذلك اتجاهًا مضادًّا، فعندما جاءت الثورة الإسلامية عام 1979 وعاد الخميني إلى إيران، وبعد أن هدأت الأمور قليلًا، كان أحد أولى قراراته فرض الحجاب الإلزامي على النساء. ووجه القرار بغضب شعبي، وخرجت آلاف النساء إلى الشوارع للاعتراض على إجبارهن على تغطية شعورهن.

تحكي أستاذة المسرح الفارسي في جامعة طهران، فاطمة مجتبى زاده، أن النساء وقت حكم الشاه كُنَّ ينعمن بكثير من الحقوق، وكان هناك نشاط نسائي إيراني وأدوار حقيقية في مناصب الدولة، لكنها تنفي أن يكون لديها حنين إلى زمن الشاه، بل إنها تلومه على منع الحجاب.

نزلت زاده احتجاجات النساء عقب الثورة وفرض الحجاب، وتروي لـ«منشور» أن بين الصفوف كانت نساء محجبات وأخريات يرتدين الشادور، ثم هجمت قوات الأمن وبدؤوا ضرب الجميع بالعِصِيّ وهم يرددون «غطاء الرأس، أو ضرب الرأس»، وكانت تلك أول وآخر مرة تخرج فيها النساء إلى الشوارع للاعتراض على الحجاب الإلزامي.

تُشفق الأستاذة الجامعية الإيرانية على نساء الجيل الحالي: «نزولهن إلى الشوارع للاحتجاج على الحجاب شبه مستحيل، وليس أمامهن سوى الإنترنت للتنفيس عن غضبهن».

قد يهمك أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران: رجال محجبون ونساء سافرات

الحجاب العصرى بديلًا عن الشادور

كيف تطورت ملابس النساء في إيران خلال مئة عام؟

لم تعجِب رجالَ الدين مراوغاتُ النساء لقوانين الحجاب، فأصبحت شرطة الأخلاق الشبح الذي يهدد مرتديات الزي المخالف.

عندما فرضت الثورة الإسلامية الحجاب حددته بالشادور (عباءة سوداء فضفاضة تغطي الجسد من رأس المرأة حتى قدميها)، أما مَن لا تريد ارتداء الشادور فلديها خيار ارتداء زي شرعي يتكون من معطف فضفاض وحجاب أسود أو داكن اللون مُحكَم على الرأس ويغطي الرقبة بالكامل وبنطلون واسع، قماش الجينز ممنوع، وممنوع كذلك لبس حذاء مفتوح يُظهِر أصابع القدم، أو حذاء ذي كعب عالٍ.

اقرأ أيضًا: هل حمت الثورة الإسلامية نساء إيران من التحرش الجنسي؟

مع مرور الوقت تحايلت النساء على صرامة القوانين، أصبح المعطف أضيق، وفي الصيف تصبح أكمامه قصيرة، والحجاب صار مجرد قطعة صغيرة تُظهِر من الشعر أكثر ممَّا تخفي، وصارت البنطلونات الجينز والملابس الملونة منتشرة.

لم يُعجَب رجالُ الدين والنظام بهذه المراوغات، فأصبحت شرطة الأخلاق شبحًا يهدد النساء اللاتي يرتدين الزي المخالف، وبدأت حلقة جديدة من معركة الحجاب بين النساء والسلطة.

خالفوا القانون.. التزموا بالحجاب

الصورة: Amir Farshad Ebrahimi

من الطبيعي أن تجد في شوارع إيران أحد عناصر شرطة الأخلاق يستوقف سيدة لسوء حجابها، وقد يمنحها مخالفة ورقية، وبعد المخالفة الثالثة يكون عليها أن تذهب إلى مركز الشرطة لدفع غرامة مالية تقدر بنحو 260 دولارًا أمريكيًّا.

في حالات أخرى، إذا كان ملبس السيدة مكشوفًا أكثر، ربما تلقي الشرطة القبض عليها وتقتادها إلى المركز حتى يأتي ولي أمرها، سواء كان والدها أو زوجها، لإخراجها.

آية الله جعفر سبحاني: يجب على قوات الشرطة أن تتصرف في بعض الحالات خارج نطاق القانون.

مرَّت ريحانة (25 عامًا) بتجربة مع شرطة الأخلاق، إذ قررت في يوم شديد الحرارة أن ترتدي بلوزة قصيرة نسبيًّا وخفيفة، وذات أكمام قصيرة ومفتوحة قليلًا، وحجابًا قصيرًا.

خرجت الفتاة لشراء بعض حاجياتها ثم فوجئت، بحسب ما روته لـ«منشور»، بسيدة ورجل من شرطة الأخلاق يحاولان دفعها داخل سيارة الشرطة، ويتهمانها بالفجور وارتداء لباس مخالف: «حاولت الفرار منهما لكن لم أفلح. أخذاني إلى مركز الشرطة، وهناك تلقيت سيلًا من الإهانات والشتائم، اتهموني بالعُهر لخروجي إلى الشارع بتلك الملابس».

تكمل ريحانة حَكْيَ تجربتها داخل مركز الشرطة بمزيج من الغضب والأسى، فليست هي فقط من تلقى إهانات، بل إن والدها عندما جاء كي يُخرجها تلقى كثيرًا من العبارات الجارحة، لكن ما أغضب الفتاة الإيرانية أكثر أنه تلقى كل ذلك بصمت تام: «أعلم أنه لا يستطيع فعل شيء، فإذا تكلم أو اشتبك معهم سيكون مصيرنا، أنا وهو، السجن، ومن الممكن أن نُجلَد أيضًا».

تستمد شرطة الأخلاق قوتها وعنفها ضد النساء في الشوارع من رجال الدين والنظام بأكمله، فقد نشرت وكالة «مهر» الإخبارية الإيرانية تصريحات لأحد أكبر رجال الدين في محافظة قُم، آية الله جعفر سبحاني، يدعو فيها قوات الشرطة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً ضد النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب الإسلامي بشكل صحيح، وكذلك إلى أن يتصرفوا في بعض الحالات «خارج نطاق القانون».

بدأ التمرد على الشادور والملابس التي حددها النظام للنساء في منتصف تسعينيات القرن العشرين، فصار الحجاب الشاغل الأكبر لرجال الدين، الذين فسروا التمرد بأنه غزو غربي يريد أن يدمر المجتمع الإيراني.

نتيجةً لذلك، وقف سيد أبو الحسن مهدوي، إمام وخطيب محافظة أصفهان، يومًا على منبر خطبة الجمعة ليتهم المرأة بالمسؤولية عن ثلث الجرائم المرتكبة في إيران، وبأن حجابها غير الشرعي هو المحرض على تلك الجرائم، وليؤكد أن على النساء العودة إلى ارتداء الشادور الذي يغطي المرأة بالكامل، لأن الموجود الآن، في رأيه، ليس حجابًا، بل فجور انتشر بين الإيرانيات. لم يسلم حكومة الرئيس الحالي روحاني من الاتهامات، فقد طالها اتهام بالمساهمة في انتشار الفجور.

قد يعجبك أيضًا: لماذا نعتبر تمرد المرأة مرضًا نفسيًّا؟

قائمة ملابس العمل

الصورة: Mina00kazemi

العمل في مؤسسة حكومية يستوجب على النساء ارتداء الشادور أو الالتزام بالابتعاد عن قائمة الملابس الممنوع ارتداؤها في العمل.

تقول مهدية لـ«منشور» إنها تعمل مهندسة صوت في إحدى الإذاعات الرسمية الإيرانية وتتقيد بملبس معين، فيجب عليها ارتداء ألوان داكنة وملابس طويلة وفضفاضة، ولا يُسمح لها بوضع المكياج أو ارتداء أي حُلِيٍّ أو أحذية بكعب عالٍ، وتفعل ذلك مجبرةً للحفاظ على وظيفتها، لكنها في الخارج تتحرر من بعض تلك القيود، وتتمنى لو تحيا يومًا واحدًا دون حجاب.

تستنكر مهدية إلزام النساء بارتداء الحجاب: «هل من الطبيعي أن أستيقظ كل يوم وأقف أمام ملابسي وأفكر: هل هذا البنطلون سيعرضني للاعتقال؟ هل تلك البلوزة ستجلب لي سخافات شرطة الأخلاق؟ إنه حقًّا أمر مرهق وخانق، أتمنى ترك إيران بسبب إجباري على تحمل كل ذلك».

اقرأ أيضًا: النساء.. آلهة استُعبِدن باسم الزواج

إجبار على الجنة

انتشرت موجة الهجمات على النساء بالمواد الحارقة، وانتشرت أقاويل بأن المسؤول جماعة متشددة دينيًّا.

بعد فوز روحاني بولايته الأولى عام 2013، قال خلال لقاء تلفزيوني إنه لا يرى فائدة من مراقبة ملابس النساء، بل إن الشرطة يجب أن تتركز مهامها في حفظ الأمن لعموم الشعب، وليس إجبار النساء على الملابس الفضفاضة والحجاب المحكَم.

عندما سُئِل روحاني مباشرةً عن رأيه في الحجاب الإلزامي، أعلن أنه يفضل ترك الأمر للاختيار الشخصي، فلا أحد يستطيع إجبار الناس على دخول الجنة بالتهديد وضرب السِّيَاط.

تصريحات روحاني أقلقت النظام ورجال الدين، خصوصًا بعد أن خلعت بعض النساء الحجاب خلال الاحتفالات التي أقيمت في شوارع طهران عقب إعلان فوزه، في مشهد أذهل كل المتابعين حينها. وإن كانت تلك الفرحة مفهومة لأن فترة حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد كانت الأسوأ على نساء إيران، من حيث شدة القيود المفروضة عليهن.

حجاب سيئ يقلق المرشد ورجاله

شرطة الأخلاق تناقش امرأة بسبب عدم التزامها بالحجاب - الصورة: Spring of freedom in Iran

لم يقتصر التذمر من حجاب الإيرانيات المراوِغ على رجال الدين العاديين، بل بدأ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، يعبِّر عن قلقه في كل مناسبة يتحدث فيها من ما أسماه انتشار «الحجاب السيئ»، وكيف أنه دخيل من الثقافة الغربية ومحاولة لتدمير تعاليم الجمهورية الإسلامية.

وفي عام 2015، أصدر 194 عضوًا برلمانيًّا بيانًا يطالبون فيه روحاني بمضاعفة اهتمامه بموضوع التزام النساء بالحجاب، وحذروه من أن إهمال تلك المسألة سيكون له عواقب وخيمة قد تؤدي إلى تدمير المجتمع الإيراني.

كذلك، بدأت تنتشر في إيران موجة هجمات بالأسيد (مادة حارقة) على النساء، وانتشرت أقاويل بأن المسؤول جماعة متشددة دينيًّا، اعتراضًا على حجاب النساء السيئ.

أنكرت الشرطة وجود جماعة مثل هذه، لكنها لم تعاقب الجاني في بعض الحالات رغم تعرُّف الضحية عليه، وهو ما جعل الناس يعتقدون أن تلك الجماعة لا تضم سوى مجموعة من عناصر شرطة الأخلاق، فخرجت مظاهرات كبيرة من الرجال والنساء اعتراضًا على تلك الهجمات وعلى موقف الشرطة «المتراخي» على أقل تقدير، لكن حتى الآن لم تعلن أي جهة رسمية من يقف وراء تلك الهجمات.

الحرية المسروقة

هل تساعد صفحة «حريتي المسروقة» نساء إيران على استعادة حريتهن؟

صورت النساء أنفسهن يقدن السيارات دون حجاب، فاشتد غضب رجال الدين، وأعلنوا أنهم سيطلبون طرد من تفعل ذلك من عملها.

في مواجهة العنف المتصاعد ضد «الحجاب السيئ»، ومنذ عام 2014/ بدأ ما يطلق عليه الإيرانيون «الثورة الصامتة» ضد الحجاب الإلزامي. أنشأت «ماسية آلينجاد»، الصحفية الإيرانية التي تقيم في لندن، صفحة على فيسبوك اسمها «حريتي المسروقة»، تدعو فيها النساء الإيرانيات إلى نشر صورهن بدون حجاب.

بدأت النساء في التفاعل مع الصفحة ونشر صورهن دون حجاب، وإبداء رغبتهن في نيل الحرية والتخلص منه. وخطوةً بخطوة انتشرت الصفحة وتفاعل معها كثير من النساء حتى صارت مصدر غضب للسلطات، وبدأ النظام يشوه سمعة صاحبة الصفحة بشتى الطرق، حتى وصفتها إحدى الصحف المحسوبة على التيار المحافظ بأنها «عاهرة».

ماسية تقول إنها تحترم الحجاب ولا تحرض ضده، لكنها ترى أن ارتداءه يجب أن يكون بالاختيار وليس بالإجبار. وترى أن الصفحة ليس لها أي غرض سياسي، بل هدفها الوحيد مساعدة النساء الإيرانيات لنيل حريتهن.

لم تقف «الثورة الصامتة» عند هذا الحد، فصورت بعض النساء أنفسهن وهن يقدن السيارات دون حجاب ونشرن الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، فاشتد غضب رجال الدين والشرطة، وأعلنوا أنهم سيعرفون من تفعل ذلك ويطلبون من مديرها في العمل طردها، بل وستتعرض للاعتقال إذا ضُبِطت خلال القيادة دون حجاب.

لم توقف التهديدات التصعيد، فبدأت النساء حملة جديدة اسمها «الأربعاء الأبيض»، والفكرة أن ترتدي النساء ملابس بيضاء عكس الشادور الأسود، وتخلع الحجاب وتسير في الشارع أو أي مكان عام لوقت قليل، وتصور كل واحدة نفسها وتنشر مقطع الفيديو على صفحة «حريتي المسروقة»، وتلقى الحملة انتشارًا واسعًا بين الإيرانيات حتى الآن.

«آزاده» (اسم مستعار)، إحدى المشاركات في الحملة، قالت لـ«منشور» إنها كانت تكره الحجاب، وتشعر أنها تختنق عندما تُجبَر كل يوم على ارتدائه، لذلك عندما اكتشفت صفحة «حريتي المسروقة» أعجبتها الفكرة، ووجدت أن مواقع التواصل الاجتماعي هي السلاح الوحيد المتبقي لدى النساء الآن، فصورت نفسها دون حجاب وهي تسير في الشارع المقابل لبيتها.

تروي الفتاة أنها كانت «خائفة للغاية، واخترت هذا الشارع لعلمي أن دوريات الشرطة تكون قليلة فيه، لكن عندما رأيت نظرات الإعجاب وسمعت التشجيع من بعض المارة أحسست بالأمان النسبي، وكنت أتمنى أن أسير لساعات طويلة دون حجاب».

على عكس آزاده، ترى «مهرى» أن هذه الحملات لا فائدة منها، ولا ينال النساء منها سوى التهديدات والاعتقالات: «الأمر المجدي هو النزول إلى الشوارع للاحتجاج مباشرة، مثلما فعلت أمهاتنا بعد الثورة».

الحجاب الإجباري «غلطة»

الصورة: Gabriel White

لكن حملات النساء، مثلما أثارت غضب الشرطة ورجال الدين، اجتذبت حلفاء غير متوقعين، فقد أثار رجل الدين ورئيس تحرير صحيفة «شهر شهرى»، محمد رضا زائري، كثيرًا من الضجة بعد أن أعلن، خلال وجوده في ندوة بمحافظة قُم، أن الحجاب الإجباري كان غلطة كبيرة من قادة الثورة الإيرانية، التي شارك هو فيها.

أضاف زائري أنه، بعد قيام الثورة وإصدار أمر بالحجاب الإجباري، حاولت شخصيات مهمة في إيران إقناع الخميني بإلغاء القرار، لكنه رفض.

تعرض الرجل لهجوم عنيف من رجال الدين، خصوصًا أنه محسوب على التيار المحافظ، واتهمه حينها أمين المجلس الثقافي لمكتب المرشد، رضا غلامي، بأنه فقد عقله، وقال إن كلامه سخيف ولا جدوى منه، ومن ثَمَّ مُنع زائري من الظهور في أي وسيلة إعلامية رسمية.

اقرأ أيضًا: مريم ميرزاخاني: عالمة رياضيات إيرانية أسقطت حسابات العنصرية

الحلوى المكشوفة

الصورة: Amir Farshad Ebrahimi

بدأ النظام يواجه مقاومة النساء للحجاب بتسيير مظاهرات كبيرة لنساء يرتدين الشادور ورجال يطالبون بفرض الزي الإسلامي المحتشم ومواجهة النساء غير الملتزمات. ظهرت كذلك حملات إعلانية في الشوارع تدعو المرأة إلى ارتداء الشادور، وأن لا تجعل من نفسها حلوى مكشوفة يتجمع عليها الذباب، ممَّا أثار سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف الإيرانيون القائمون على الحملة بالسذاجة و«استخدام وسائل وطرق عفا عليها الزمن».

سوَّق الإسلاميون أنفسهم كمدافعين عن المجتمع ضد طمس الهوية، وكذلك فعل المعارضون.

منذ رضا بهلوي حتى خامئني، تعاملت السلطات الإيرانية على اختلافها مع مسألة لبس النساء كقضية تخصها، فمن حق الدولة تحديد اللباس الجيد، ليعبِّر مرةً عن حداثة الدولة في عهد الشاه، وأخرى عن إسلاميتها في عهد الثورة. وعلى الدوام، واجهت هذه المحاولات مقاومةً من النساء والمجتمع، وإن اختلفت الشرائح والطبقات المقاوِمة لـ«اللباس الجيد» في كل مرة.

الحجاب هو أحد المعارك المهمة في محاولة الإيرانيين نَيْلِ حريتهم من الدولة، وهو كذلك إحدى القضايا التي يتبناها المعارضون لتوسيع قاعدتهم الشعبية، فقد سوَّق الإسلاميون أنفسهم في عهد الشاه كمدافعين عن المجتمع ضد ما اعتبروه محاولات لطمس هويته، وكذلك يسوِّق المعارضون للنظام الإسلامي الإيراني أنفسهم كمدافعين عن حرية المرأة ضد التشدد.

الرئيس روحاني كذلك سوَّق نفسه منقذًا للنساء الإيرانيات من القيود المفروضة عليهن، لكن إلى الآن لم ينفذ وعوده للنساء بمزيد من الحرية، ولم تثمر كل محاولات النساء على مواقع التواصل الاجتماعي عن أي شيء. لم تحقق النساء أي انتصار، سوى فقط انتصارًا صغيرًا بالتمرد على الشادور وارتداء ملابس عصرية وحجاب أقصر من ذي قبل، وهو ما يمكن اعتباره نتيجةً لمفاوضات عملية وشاقة ومكلفة وطويلة مع النظام.

لكن هل تحتاج الإيرانيات حقًّا إلى النزول للشوارع والضغط على النظام لنيل حريتهن المسلوبة؟ أم أن احتجاجهن ونزولهن إلى الشارع سيزيد الطين بلَّة؟

مواضيع مشابهة