في ديسمبر 2014، استشهدت دار الإفتاء المصرية بإحصائية غامضة، وأعلنت وفقًا لما جاء فيها أن عدد المصريين المُلحدين يبلغ 866 شخصًا، لكن الإحصائية ذاتها أبرزت أرقامًا بنفس الدقة عن أعداد الملحدين في البلدان العربية الأخرى.
بحسب تلك الإحصائية، يبلغ عدد الملحدين في المغرب 325، و320 في تونس، و242 في العراق، و178 في السعودية، و170 في الأردن، و70 في السودان، و56 في سوريا، و34 في ليبيا، و32 في اليمن، ممَّا يعني وجود 2,293 ملحدًا بين 300 مليون مواطن عربي، فهل هذه الأرقام صحيحة؟
هذا ما حاول الكاتب والباحث المغربي أحمد بنشمسي كشفه في مقال كتبه لموقع «New Republic».
ملحدون أكثر من الأرقام الرسمية
ردًّا على سؤال صحيفة الغارديان عن مدى اقتناعها بوجود 866 ملحدًا فقط في مصر، قالت الناشطة العلمانية رباب كمال بسخرية: «بإمكاني أن أحصي عددًا أكبر من ذلك داخل جدران جامعة الأزهر وحدها».
كذلك، علَّق «براين ويتيكر»، أحد المراسلين الصحفيين المُخضرمين في الشرق الأوسط ومؤلف كتاب «عربٌ دون إله»، بأن الرقم الذي قدمته الإحصائية عن الأردن، 170، قريب من عدد أعضاء إحدى مجموعات الملحدين الأردنيين على فيسبوك، وهو ما قد يعني أن الباحثين كانوا يحاولون معرفة أرقام الملحدين النشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حتى مع هذه المعايير تظل الأرقام التي طرحتها دار الإفتاء المصرية ضئيلة، فعندما بحث كاتب المقال عن كلمة «ملحد» وإلى جوارها أسماء الدول العربية على فيسبوك، باستخدام اللغتين العربية والإنجليزية، صادف أكثر من 250 صفحة ومجموعة، يترواح أعضاء الواحدة منها بين عدة أشخاص إلى 11 ألف عضو، وهذه الأرقام لا تعبِّر سوى عن الملحدين العرب، أو العرب المهتمين بالإلحاد، الذين لا يأبهون بترك دلائل عن أفكارهم على الإنترنت.
«أعتقد أنك ستجد ملحدًا بين أفراد كل أسرة مصرية، أو على الأقل ستجد من لديه أفكار متعارضة مع الإسلام، لكنهم خائفون للغاية من البوح بأي شيء لأي شخص»، يقول ذلك مؤمن، أحد الملحدين المصريين، متحدثًا إلى الكاتب المصري حامد عبد الصمد.
التعامل الغربي السطحي: ليس كل عربي مسلمًا بالضرورة
مع حَطِّ الدول العربية من شأن المُلحدين بين مواطنيها، فإن الغربيين يعجزون عن إدراك وجود هؤلاء الملحدين العرب.
النقاشات المطروحة في الإعلام الغربي لا تتساءل عن تديُّن العرب من عدمه، بل عن إلى أي مدى قد يؤذيهم ذلك التديُّن العربي المزعوم. ففي أوروبا، يتمحور السجال حول إن كان «المهاجرون المسلمون» سيعارضون حرية المجتمعات العلمانية، بينما يدور النقاش في الولايات المتحدة الأمريكية عن الإرهاب وما إذا كان المسلمون سيتعاطفون معه.
وفي النقاش السياسي، يتهم اليمين المسلمين بمعاداة حريات الأفراد والتعاطف مع الجهاد، بينما يحاول اليسار تبرئتهم بإبراز التديُّن الوسطي الذي يدعو إلى السلام، لكن واحدًا من الطرفين لا يسمح لأي عربي بأن يخرج من تحت عباءة الإسلام، لأن كليهما يبني آراءه بفرض حتمية تديُّن العرب كافة، كما لو أن ذلك موجود في جيناتهم.
كما نعرف الآن، عُرقل ما يسمى بالربيع العربي إن لم يكن قد قُتل، لكنه لا يزال في أَوجِه بالنسبة إلى المعتقدات ووجهات النظر الدينية، فقد خرج عدد كبير من العرب عن السياق الديني المحفوظ الذي يربطهم به الغرب دون وعي.
قد يعجبك أيضًا: الفرار من الربيع العربي: تجارب الجزائر وعُمان والأردن
في إحصائية أعدتها مؤسسة «غالوب» بالشراكة مع الشبكة العالمية المستقلة (WIN/Gallup) على نطاق واسع، وُجد أن 5% من المواطنين السعوديين (نحو 1.5 مليون فرد) يصنفون أنفسهم على أنهم ملحدون عن اقتناع، وهي نفس النسبة في الولايات المتحدة. ويصنف 19% من السعوديين (5.5 مليون شخص) أنفسهم على أنهم غير متدينين، أي أكثر من نسبتهم في إيطاليا، التي تبلغ 15% وقت كتابة المقال.
الحياة ليست سهلة على الملحد العربي
الأرقام السابقة ستكون صادمة بشكل أكبر لو نظرنا إليها في ضوء تطبيق عديد من الدول العربية، مثل السعودية والإمارات واليمن والسودان، الشريعة الإسلامية التي تعاقب المرتدين (الملحدين) بالموت، لكن عقوبةً جذرية كهذه لا تطبَّق نهائيًّا، أو إلى حد كبير، وبدلًا منها يُرمى المدانون بالإلحاد في السجن لفترات متفاوتة، قبل أن يُمنحون فرصًا للتوبة.
حُبس السعودي حمزة كاشغري عامين دون محاكمة لمخاطبته النبي محمد في تغريدات على تويتر.
ففي المغرب والجزائر، تُصدَر أحكام بالحبس على من يُتَّهمون بممارسة «التغرير» بالمسلمين كي يخرجوا عن دينهم، أما مصر فتلجأ إلى قوانينها الواسعة القابلة للتأويل بشأن إزدراء الأديان كي ترسل الذين يعلنون إلحادهم إلى السجن، وفي الأردن وعمان يتعرض الملحدون إلى ما يشبه الإعدام المدني، عن طريق إجراءات قانونية تبُطل زيجاتهم وتحرمهم من حقوقهم في الميراث.
تبلغ هذه العقوبات الرسمية حِدَّةً تصل إلى ما جرى في يناير 2016، حين حُكِم على طالب مصري في الواحدة والعشرين من عمره، يُدعى كريم البنا، بالسجن لثلاثة أعوام بتهمة إزدراء الإسلام، بعد أن أعلن إلحاده على فيسبوك، بل وشهد أبوه ضده في المحاكمة.
وفي فبراير من عام 2012، حبست السعودية الكاتب حمزة كاشغري لمدة قاربت عامين دون محاكمة، ردًّا على تغريدات كتبها مخاطبًا فيها النبي محمد، كان أكثرها إثارةً للجدل تلك التي قال فيها: «في يوم مولدك، لن أنحني لك، لن أقبِّل يديك، سأصافحك مصافحة النِّد للنِّد، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب.. ليس أكثر».
بعدها بشهر، قضت محكمة تونسية بحبس المدونَيْن غازي بيجي وجبور مجري سبعة أعوام بتهمة «انتهاك الأخلاق ومحاولة الإخلال بالنظام العام»، بعد أن نشرا تعليقات ورسومًا ساخرة عن النبي محمد.
وفي 2016، حُكِم على رائف بدوي، مؤسس موقع «السعوديون الأحرار» الذي يناقش الأديان، بالسجن لعشرة أعوام والجلد ألف مرة، كما صدر حكم بالإعدام على الكاتب الموريتاني محمد شيخ ولد امخيطير في ديسمبر من العام نفسه، بعد كتابته مقالًا ينتقد فيه النظام الطبقي في بلده ويربطه بقرارات اتخذها النبي محمد، ولا تزال قضيته محل طعن حتى الآن.
رغم هذه الأحكام القاسية، إلا أن نسبة من يعلنون شكوكهم الدينية في العالم العربي 22%، وهي أكبر من نظيرتها في جنوب آسيا (17%) وأمريكا اللاتينية (16%). وتلك النسبة هي مجرد متوسط، يزيد في بعض الدول العربية إلى 24% في تونس، وحتى 37% في لبنان.
وبالنظر إلى طبيعة المجتمعات العربية والبيئة السياسية التي تقف حائلًا أمام حرية التعبير عن الإلحاد، فإن نِسَب الملحدين وأصحاب الشكوك قد تكون أكبر بكثير من المُعَلنة إذا شعر الناس بحريتهم في التعبير عمَّا يفكرون فيه. «لو حفظت الدولة حقوق الأقليات وحَمَتْها، سيصل عدد الذين يكشفون عن إلحادهم إلى عشرة أضعاف العدد الحالي»، كما يقول الناشط المصري الملحد أحمد حرقان لموقع الأهرام أونلاين.
النظام ومؤامرة الإلحاد
في ربيع 2011، كان العالم العربي يشهد انتفاضة ثورية تشمل المنطقة بأكملها. ففي تونس والقاهرة وعديد من المدن الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، احتل آلاف الشباب الميادين العامة للمطالبة بحريات جديدة.
في تلك الأثناء، كان الفلسطيني وليد الحسيني يقبع داخل إحدى زنازين سجن في قلقيلية بالضفة الغربية. قبض أحد عملاء المخابرات الفلسطينية على الشاب ذي الاثنين والعشرين ربيعًا قبلها بشهور في أحد مقاهي الإنترنت، كان يستخدمه للتدوين بعد أن تلقى تهديدات بسبب كتاباته في مدونته «نور العقل».
وفقًا لصحيفة النيويورك تايمز، أثار الحسيني غضب المسلمين على شبكة الإنترنت بدعوته إلى الإلحاد، وتأليفه مقاطع ساخرة تحاكي الآيات القرآنية، وسخريته اللاذعة من حياة النبي محمد، بالإضافة إلى إجرائه محادثات عبر الإنترنت تحت اسم «الله عز وجل».
ظلَّ الحسيني في محبسه لعشرة أشهر، تعرض خلالها لانتهاكات جسدية وخضع لتحقيقات لا تنتهي. من بين مئات الأسئلة التي وُجِّهت إليه، لا يزال واحد منها عالق في ذهنه:«مَن الذي يموِّل إلحادك؟»، في تشابهٍ صارخ لطريقة تعامل الأنظمة مع أي حركة احتجاجية سياسية تمثل تهديدًا لها، وكأن الفرد وحده لا يستطيع التفكير وتقرير مصيره.
في حديثه مع كاتب المقال، قال الحسيني إن نشر أفكاره على مدونته لم يكن يحتاج إلى أي تمويل، لكن «سؤالًا كهذا يُبرز عجزهم التام عن إدراك أنني تركت الإسلام بكامل إرادتي، كما يمكن أن يكون هذا خيار أي شخص آخر، حتى هُم، لكنهم دائمًا يفكرون في حتمية وجود مؤامرة خارجية خلف كل ما يحدث، ويفضِّلون أن يتهموا إسرائيل. هذه هي الطريقة الوحيدة التي كان بإمكانهم أن يفهموا بها إلحادي».
حُوِّل الشاب الفلسطيني إلى محاكمة عسكرية بعد اعتبار نشاطه الإلحادي على الإنترنت «تهديدًا للأمن القومي»، بحسب تعبير الحسيني، لكنه أُفرج عنه في النهاية واستطاع الهرب إلى الأردن، حيث قدَّم طلبًا للجوء إلى فرنسا ويعيش الآن في باريس، حيث نشر مذكراته «التجديف! سجن الرب».
عقب مجزرة جريدة تشارلي إبدو، كتب وليد الحسيني افتتاحية جريدة «ليبراسيون» اليومية مُدافعًا عن حق الرسامين الضحايا في التعبير عن آرائهم، ويومها عنوَن المحرر مقاله باسم «أنا، المسلم، أفوِّض العلمانية».
عندما حلَّ المؤلف الأمريكي «سام هاريس»، أحد أعمدة حركة الإلحاد الجديدة، ضيفًا على برنامج «بيل ماهر» الذي يُبَثُّ على شبكة «HBO»، وقع في نفس الخطأ الجوهري حين أشار إلى «المسلمين الاعتباريين الذين لا يأخذون الإيمان مَحْمَل الجد».
لا مفر من التعجب من عبارة هاريس التي تحمل تناقضًا: فإذا كان هؤلاء الأشخاص لا يأخذون الإسلام على محمل الجد، لماذا تسميهم مسلمين؟
التديُّن اتجاه أم قاعدة يَحرُم نقاشها؟
تُعتبر المحاكمات الدينية مثل ما حدث مع وليد الحسيني أمرًا خطيرًا، إذ تنظر إلى المتهم ليس على أنه عدو لله فقط، بل عدو للبلد كذلك.
تلجأ جميع الأنظمة العربية إلى الدين بدرجات متفاوتة لاكتساب قدر من الشرعية، تمامًا كما كان الأمر في أوروبا العصور الوسطى قبل النهضة، لذلك يمثل «الكفر» لهذه الأنظمة تهديدًا غير هيِّن، حتى أن السعودية وصل بها الأمر في عام 2014 إلى تصنيف الإلحاد والتشكيك في العقيدة الإسلامية ضمن الأعمال الإرهابية.
فسَّر براين ويتيكر، مؤلف كتاب «عرب دون إله»، تلك الخطوة بأن السعودية «ترتكز بشكل أساسي إلى الشرعية الدينية، ويضرب قانونها بجذور النظام في الوهابية الإسلامية»، مضيفًا: «في المملكة، أن تكون ملحدًا يعني أن تكون ثوريًّا، وإذا تُرِك الإلحاد وشأنه لن يستمر النظام في الحكم».
اقرأ أيضًا: إهانة الذات الأدبية: أشرف فياض تحت المقصلة دون تُهَم
لا يتوقف الأمر عند السُّلطات التي لديها مشاكل مع الإلحاد، بل يتخطى ذلك إلى المجتمعات العربية ككُل، تلك المجتمعات التي لا تتقبل بين صفوفها من يعلنون إلحادهم.
إن أول الأسباب التي قد تُجبر ملحدًا عربيًّا على التزام الصمت هو ألا يثير سخط أقربائه. ففي مجتمع يتكئ في أساسه إلى المرجعية الدينية، لن يؤخذ إعلان عدم الإيمان بالله على أنه محض تعبير عن رأي شخصي، وإنما على أنه تحدٍّ للمجتمع ككُل.
ليس التديُّن في العالم العربي مجرد اتجاه سائد، بل هو القاعدة التي يجب أن تُتَّبع دون نقاش، وإلا ستضع نفسك موضع الاتهام بالإلحاد، الكلمة التي تعني حرفيًّا «الانحراف».
ولأن المجتعات العربية تنظر إلى الأديان على أنها مهد الفضيلة، فإن أفراد تلك المجتمعات سيرون الكافرين بالأديان عديمي الوازع الأخلاقي. وينقل ويتيكر عن محمد الخضرا، وهو ملحد أردني ومنسق بالمجتمع المدني، أن «الفكرة السائدة عن الملحدين أنهم يعيشون كالحيوانات، و(الناس) ينظرون إلينا بهذه الطريقة. لقد سُئلت عدة مرات عن ما يمنعني من ممارسة الجنس مع والدتي».
قد يهمك أيضًا: أين المشتاقون للحور؟ نظرة إلى الخطاب الجنسي لشيوخ الدين
يصير الأمر أكثر جدلًا حين يتعلق بالنساء الملحدات، فيقول ويتيكر في كتابه إن النظرة السائدة التي تربط بين الإلحاد وانعدام الأخلاق تكون رادعًا رئيسيًّا للسيدات اللاتي لديهن شكوك بخصوص الدين، إذ تطالبهن المجتمعات العربية بأن يكُنَّ مستقيمات وألا يتصفن بالتمرد كي يحصلن على فرصتهن في الزواج.
تديُّن ظاهري.. نفاق مجتمعي
سيكون من الطبيعي أن يُنظَر إلى مجتمع خالٍ من الملحدين على أنه متديِّن وَرِع يلتزم بالشعائر، لكن الحقيقة عكس ذلك، فبخلاف دوائر المتشددين الصغيرة نسبيًّا، وجد أسلوب الحياة العلماني طريقه إلى أفراد عديد من المجتمعات العربية دون مشاكل.
على سبيل المثال، صار شُرب الخمور اعتياديًّا، خصوصًا بين أفراد المتعلمين من الطبقات العُليا والوسطى، على الرغم من تحريمه في الشريعة الإسلامية.
حتى وقت قريب في المغرب، البلد الذي ينتج كميات كبيرة من الخمور، بجانب الجزائر وتونس ومصر ولبنان والأردن، كانت الكحوليات تُباع في متجر يمتلكه الملك محمد السادس، المُلقب بأمير المؤمنين. وفي الكويت، استهجن البرلماني نبيل الفضل منع بيع الخمور في بلاده، وهو القرار الساري منذ عام 1964، مؤكدًا أنه يدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات، أو الاتجاه إلى شراء أنواع من الكحول تُصنَّع في السر وتكون في أغلبها خطيرة.
اقرأ أيضًا: كيف يُستهلك الكحول في الدول العربية التي تمنعه؟
لا يختلف ذلك عن ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، الأمر المُحرَّم في الشريعة الإسلامية، وهو الفعل الذي يُمارَس في كثير من المدن العربية الكبرى منذ أكثر من نصف قرن. وممَّا يؤيد ذلك ما كشفته دراسة عن إتمام 1400 حالة إجهاض يوميًّا بشكل سري في المغرب، يُفترض أن أغلبها بسبب علاقات خارج الزواج.
قد يهمك أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
يشير كاتب المقال إلى أن كثيرًا من الموظفين المسلمين في الدول العربية يؤجلون صلاتي الظهر والعصر، اللتين يحل وقتهما خلال فترة الدوام في العمل، حتى يعودوا إلى منازلهم كي يؤدوها مرةً واحدة. وفي السعودية، تُجبَر المتاجر على إغلاق أبوابها لربع ساعة عند كل أذان حتى لا تشغل الزبائن عن الصلاة، لكن المشترين يتجمعون على الأرصفة بانتظار المتاجر كي تعيد فتح أبوابها، وبعضهم يعتبرها فرصةً لتدخين السجائر.
قد يعجبك أيضًا: لماذا لا نرضى بممارسة الآخرين شعائرهم في بلداننا؟
لا يُفرض الدين في المجتمعات العربية كتعاملات، بل المهم هو الحفاظ على مظاهره الخارجية فقط. قد يتسامح العرب مع أفكار وأفعال غير المؤمنين طالما بقيت بعيدًا عن العلن، وهو ما خلق متنفسًا للحياة العلمانية عن طريق النفاق المجتمعي، الذي يتطلب الحفاظ على واجهة دينية أمام الناس. ليست المشكلة إذًا أن تكون ملحدًا، بل أن تُعلن ذلك. كل هذا يوضح ببساطة أن الذين يعلنون إلحادهم في المجتمعات العربية لا يقاتلون من أجل حرية الاعتقاد بقدر ما يحاربون في سبيل حرية التعبير.
احتلال العقول
حامد عبد الصمد، الملحد المصري، كان عضوًا في الإخوان قبل أن تعرف الشكوك طريقها إليه.
لم يكن الأمر دومًا بهذا الشكل، ففي ستينيات القرن العشرين كان المفكرون العرب، بحجم الفلسطيني إدوارد سعيد ومواطنه محمود درويش والسوري علي أحمد سعيد إسبر المعروف باسم «أدونيس»، لا يُحجِمون عن مُجابهة التطرف الديني. بل إن الكاتب السعودي الذي يُعتبر الأب الروحي لملحدي الخليج، عبد الله القصيمي، صرَّح علانيةً بأن «احتلال الإله لعقولنا هو أفدح أنواع الاحتلال»، ولم تمثل عبارة كهذه مشكلة كبيرة حينها.
كانت السيادة السياسية خلال الستينيات والسبعينيات في صالح اليسار العلماني، لذا لم يكن إعلان الكفر بوجود الإله مشكلة، لكن الاتجاه المحافظ بدأ في الصعود خلال الثمانينيات، حين صار للإسلاميين نفوذ أوسع، بحسب ما قالته ضياء حديد، مراسلة شبكة أسوشييتد برِس.
قد يهمك أيضًا: تعرف إلى فهد العسكر: التنويري الذي سبق عصره وحارب التقاليد في زمن مظلم
شهد الكاتب المصري حامد عبد الصمد الصعود الإسلامي بشكل شخصي. فرغم أنه، وقد بلغ خمسة وأربعين عامًا، يصنف نفسه كملحد، إلا أنه كان عضوًا متحمسًا في جماعة الإخوان المسلمين وقت أن كان طالبًا في الجامعة، ثم عرفت الشكوك طريقها إلى قلبه حين كان في معكسر صيفي تحت إشراف الجماعة.
يحكي عبد الصمد لكاتب المقال أنه كان يتوقع أن يتمحور المعسكر حول الأنشطة البدنية والروحانية، لكن ما حدث كان مختلفًا.
يقول الكاتب المصري: «ذات يوم أعطوا كلَّ واحد منا برتقالة، وطلبوا مننا أن نمشي تحت الشمس لساعات، وبعد مسيرة مرهقة أمرونا أن نقشِّر البرتقالة. شعرنا بالسعادة لأننا أخيرًا سنروي ظمأنا، لكن قائد المجموعة أمرنا بأن ندفن الثمرة نفسها في قلب الرمال ونأكل قشرتها. أحسست بإهانة بالغة، كان الهدف في غاية الوضوح: أن يكسروا إرادتنا، هذه طريقة صناعة الإرهابيين، وفارقت الإخوان بعد هذه الرحلة».
طريق الشكوك: لماذا يتزايد الملحدون؟
يُلقي الصحفي «توماس فريدمان»، في مقاله على صحيفة النيويورك تايمز، باللوم على الفظائع التي ترتكبها الجماعات المتطرفة، مثل داعش، باسم الإسلام، ويرى أنها السبب الأكبر في تزايُد أعداد العرب الذين يديرون ظهورهم للدين. يعكس هذا الرأي عقلية المفكرين الغربيين، الذين تتمحور رُؤاهم وتحليلاتهم عن الشرق الأوسط في زاوية الإرهاب.
لكن رفض الإرهاب لا يكون دافعًا رئيسيًّا للمسلمين كي يتركوا دينهم إلا نادرًا، ويدعم براين ويتيكر هذا الطرح من خلال سطور في كتابه يقول فيها إنه قضى وقتًا طويلًا يحاول أن يفهم ما يدفع بعض العرب إلى الإلحاد، لكن «لم يذكر أحد ممَّن تحدثت إليهم شيئًا عن الإرهاب أو الجهاد كوازعٍ رئيسي لقراره، ولم يكن ذلك مفاجئًا لي، لأن الإلحاد رفضٌ لكل أشكال التديُّن، ولا يقتصر على رفض الجوانب الشاذة منها».
بدأ إسلام يدرس القرآن والسنة، لكنه صُدم بكثير من «الأمور المتناقضة والخيالية».
يبدأ الأمر بالنسبة إلى الغالبية العُظمى من الملحدين العرب، مثلما بدأ مع حامد عبد الصمد، بالشكوك. تساؤلات عن الأمور غير المنطقية في النصوص المقدسة: لِمَ سينتهي مصير غير المسلمين بأكملهم في النار، رغم أن كثيرًا منهم طيبون ومهذبون؟ وباعتبار أن الله يعلم الغيب ويتحكم في المصائر، لِمَ يضع أحدهم على طريق الضلال ثم يعاقبه كما لو أن اختياراته كلها بيديه؟ ولماذا يحرِّم الدين الخمر، مع أنه يَعِدُ المؤمنين بأنهار منها في الجنة؟
أسئلة كهذه ضايقت أمير أحمد نصر عندما كان في الثانية عشرة من عمره، فحملها إلى شيخه الذي كان إمام مسجد في قطر، والذي لم تزِد إجاباته عن أن الشك في حِكمة الله حرام، وأن ما يفكر فيه وساوس من الشيطان، وهو ما دفع أمير إلى مزيد من البحث. في ما بعد، ألَّف الشاب السوداني كتاب «إسلامي: كيف سلبت الأصولية روحي وحررت الشكوك عقلي؟».
اقرأ أيضًا: ماذا لو قابلت الله؟
أما إسلام إبراهيم، مؤسس إحدى صفحات الملحدين العرب على فيسبوك، فيقول إنه كان يرغب في دخول الجنة فـبدأ يدرس القرآن والسنة، لكنه صُدم بكثير من «الأمور المتناقضة، بل والدموية»، بالإضافة إلى «أشياء خيالية»، ويؤكد أنه «لو فكَّر أي شخص لخمس دقائق فقط بشكل حيادي سيصل إلى النتيجة التي وصلت إليها».
بعد أن ترك الإسلام، بدأ المدون الفلسطيني وليد الحسيني في قراءة كل ما تقع عليه يداه من كُتُب. أحسَّ الحسيني بإثارة بالغة بعد اكتشاف مفهوم التطور، وفتحت كتب مثل «وهم الإله» لـريتشارد دوكينز و«أصل الأنواع» لـتشارلز داروين عينيه على «نموذج تحليلي لم يكن يدري عنه شيئًا».
قد يعجبك أيضًا: كيف يفتح الوعي بوابة الرعب؟
تحدث كاتب المقال كذلك إلى إيمان ويلوبي، التي تشرح قصتها واحدًا من ضمن أكثر الأسباب التي، بعد الشك، تدفع العرب إلى الإلحاد: القمع الذي يتعرضون له باسم الدين.
في الواحدة والأربعين من عمرها، تعيش ويلوبي حياة زوجية سعيدة ولديها طفلان، كما تمتلك عيادة تدليك خاصة في مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية.
حُبست إيمان 3 أشهر، وكانت تُجبر على الصلاة في زنزانة تضم فراشًا وبضعة صراصير وكاميرا تراقبها.
لم يكن لإيمان أن تصير كذلك إلا بعد أن عاشت كابوسًا استمر لعقدين في وطنها الأصلي، المملكة العربية السعودية، فقد ضربها أبوها بعنف وكسر عظامها، وطاردتها زوجة أبيها بالسكاكين، كما حبستها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتين، كانت الأولى حين شوهدت دون حجاب بالقرب من مجرى مائي على حدود مدينتها، الرياض.
تحكي إيمان ما حدث يومها: «كان المكان معزولًا، وكنت أحب الذهاب إلى هناك، أغلق عينيَّ وأشعر فقط بالهواء يداعب شعري». لكن بسبب منع السعوديات من القيادة، كانت تُضطر إلى اصطحاب سائق يوصلها إلى المكان، لذا اتهمتها الهيئة بأنها على علاقة غير شرعية مع السائق. كان عليها أن تقضي ثلاثة أيام في قسم الشرطة، قبل أن يأتي والدها ليخرجها من الحبس ثم يضربها حتى الموت، كما تؤكد.
المرة الثانية كانت بعد عدة سنوات، حين كانت ويلوبي تدرس في كلية الطب، التي يبعد مقرها 45 دقيقة بالسيارة عن منزلها. في أحد الأيام بعد انتهاء الفصول الدراسية ليلًا، انتظرت إيمان سائقها لكنه لم يأتِ، فعرض عليها أحد زملائها الذكور أن يوصلها إلى المنزل. وفي الطريق أجبرتهما هيئة الأمر بالمعروف على التوقُّف وضربوا زميلها حتى فقد وعيه، ثم اقتادوها إلى مركز الشرطة، حيث أجبروها تحت التهديد بالاعتداء الجسدي على توقيع اعتراف بأنها تمارس الجنس مع زميلها.
قضت الفتاة ثلاثة أشهر في الحبس لإعادة تأهيلها دينيًّا، حيث كانت تُجبر على أداء الصلوات في زنزانتها، التي لم تضم إلا فراشًا على الأرض وبضعة صراصير، بالإضافة إلى كاميرا تراقبها باستمرار. خرجت ويلوبي من السجن بعدها لتجد أنها أدينت وحُكِم عليها بثمانين جلدة، إلا أن أخيها توسَّط عند أحد الأمراء لتنال العفو، «ليس اهتمامًا بي، وإنما للحفاظ على شرف العائلة»، بحسب قولها.
قبل أن تُسجن، كانت إيمان ويلوبي قد قدمت أوراقها لتحصل على منحة لاستكمال دراسة الطب في كندا. وبعد أن نالتها، توسلت إلى أبيها كي يمنحها جواز سفرها، وهو المشهد الذي تسترجعه كأكثر المواقف إذلالًا لها، ثم رحلت إلى الأبد.
كانت تشعر أن الإلحاد يناديها بشكل طبيعي منذ وقت طويل، وتقول لكاتب المقال إنها لم تصلِّ بشكل حقيقي طيلة حياتها قَطُّ، وحتى في السجن «كنت أؤدي حركات الصلاة كي أُسكتهم».
طريق الإلحاد يشتبك مع السياسة
«الدين ما هو إلا ترصُّد»، يقولها عماد حبيب، الناشط والملحد المغربي ذو الستة وعشرين عامًا. يضيف حبيب في حديثه لكاتب المقال: «لا يتعلق الدين بالله، وإنما بنفوذ أولئك الذين يتحدثون باسمه».
اختار حبيب وويلوبي الإلحاد كفعل ثوري، ليس موجهًا ضد الإسلام بقدر ما هو موجَّه ضد الانتهاكات التي يرتكبها الأشخاص والأنظمة مُستمدين قوتهم من الدين.
أعتقد أننا، الملحدين، سنُؤخذ على محمل الجد لو تجسَّدنا كواقع.
في البدء، لم يكن كثير من الملحدين قد انخرطوا في السياسة، لكن اتضح لهم بعد ذلك ألَّا مفر. وبينما يتحدث الشاب المصري مؤمن مع حامد عبد الصمد، أخبره أنه لم يكن يرغب في تسييس إلحاده، لكن «عندما يكون إيمان الناس أمرًا سياسيًّا، فعدم إيماني سيصبح بالضرورة سياسيًّا هو الآخر».
«طالما عومل غير المؤمنين باضطهاد، وطالما بقي الدين ينتهك حياة الأفراد الشخصية، لن أستطيع أن أكفر به كقضية شخصية. وفي كل الأحوال، صارت السياسة جزءًا أساسيًّا من كل القضايا، ولن نستطيع إلا أن نمارسها»، هذا هو الاستنتاج الذي وصل إليه الناشط الملحد إسلام إبراهيم، وعرضه في برنامج «البط الأسود»، الذي يقدمه على يوتيوب ملحد مصري آخر هو إسماعيل محمد، ويدعو فيه الملحدين العرب ليناقشوا أفكارهم.
يضيف إسلام: «عندما تكون مجهولًا، بإمكانك أن تقول أشياء سخيفة ولا تتحمل مسؤوليتها. أعتقد أننا، نحن الملحدون، سنُؤخذ على محمل الجد لو توقفنا عن لعب دور الأشباح وتجسَّدنا كواقع، لأننا سنكون حينها حريصين على التدقيق في خطابنا، كما أننا لن نحصل على ما نريد إلا لو كانت لدينا الشجاعة للقتال من أجله بأسمائنا ووجوهنا الحقيقية».
قد يكون الملحد أقرب إليك ممَّا تتصور
خلال إحدى حلقات «البط الأسود»، استضاف إسماعيل الشاب المصري إبراهيم سعيد، الذي أكد أنه «قد يكون أخوك أو زميلك في العمل أو صديقك أو أحد أقربائك ملحدًا، مثلك تمامًا، لكنهم لن يجرؤوا على إعلان ذلك حتى يرونك تفعل. حدث ذلك مع جاري الذي أصبح بعد ذلك صديقًا لي، ويحدث مع كثيرين»، ومن أجل ذلك أسَّس سعيد صفحة على فيسبوك تستقبل قصص الملحدين العرب وتنشرها بأسمائهم وصورهم الحقيقية.
يُعتبر التواصل بين الملحدين العرب في غاية الأهمية، وتقول إيمان ويلوبي إنها بعد أن أسَّست مدونتها وحسابها على تويتر في 2008، تواصل معها عدد كبير من الناس الذين لا تعرفهم ليشكروها على حكاية قصتها، ويطلبوا منها كذلك النُّصح بخصوص مآزقهم الشخصية. تشير ويلوبي إلى أنها ساعدت عديدًا من الملحدين السعوديين على الخروج من البلاد بمنحهم معلومات قد تعينهم، بل وفي بعض الأحيان بإمدادهم بالأموال.
شبكة «المسلمين السابقين»
تأسست شبكة «المسلمين السابقين» في 2007 لدعم اللاجئين وكل من ينتمي إلى خلفية إسلامية، وبدأت في ألمانيا بمبادرة من مجموعة من الإيرانيين المنفيين، الذين تعهدوا بدعم حرية انتقاد الأديان وإنهاء «إرهاب الأديان وتهديداتها».
للشبكة فروع في دول عدة، مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا ونيوزيلاند. لا تجمع أفرادها إدارة مركزية، بل يعمل كل فرع بشكل مستقل عن الآخرين، لكنهم يتعاونون من أجل تنظيم المؤتمرات وحملات التأييد.
تُقام بعض أنشطة «المسلمين السابقين» على الإنترنت وبعضها على أرض الواقع، لكن الأخيرة تتطلب احتياطات أمنية. كيران فاطمة أوبال، الكندية الباكستانية والعضو النشط في فرع الشبكة بأمريكا الشمالية، أخبرت كاتب المقال أنهم يتحرُّون عن كل عضو يرغب في حضور أي فاعلية على أرض الواقع لدواعٍ أمنية.
أسَّس المغربي عماد حبيب فرعًا لـ«المسلمين السابقين» في بلده يضم 20 عضوًا، ينظمون مؤتمرات صحفية وأنشطة أخرى متعددة، دشَّنوا خلال أحدها حملةً للمطالبة بحق الإفطار في نهار رمضان، وهو الأمر الذي يُعدُّ جريمة يعاقِب عليها النظام المغربي بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر.
يحكي حبيب أنه بدأ فرع «المسلمين السابقين» في بلاده كي يتوقف من هُم مثله عن قول «ندعم الملحدين»، ويستبدلون بها «نحن الملحدون»، ويؤكد أنه «تمامًا كالمثليين، حان الوقت كي نطالب بحق الفخر بالإلحاد».
جذب عماد الأنظار في مارس 2013، حين كان مطلوب القبض عليه بسبب سخريته من العقيدة الإسلامية عبر فيسبوك، بتحويل عبارة «لا إله إلا الله» إلى «لا إله إلا ميكي ماوس». توارى الشاب عن الأنظار بينما انطلقت حملات على الإنترنت لمساندته، وعندما ظهر من جديد كانت الشرطة قد صرفت النظر عن ضبطه. وربما، بحسب المقال، يكون وجوده تحت الأنظار الدولية إلى حدٍّ ما، بعد أن أجرت صحف عالمية مثل النيويورك تايمز حوارات معه، هو ما يحميه من الاعتقال حتى الآن.
المستقبل العلماني في المنطقة العربية
ما لا نعرفه هو الثمن الذي ستدفعه البلاد مقابل العلمانية، ويخبرني التاريخ بأنه الدم.
رغم المخاطر السياسية والاجتماعية التي يواجهونها، يؤكد كاتب المقال أن جميع من تحدث إليهم كانوا على قدر من الثقة في أن العلمانية هي مستقبل العالم العربي، بل إن إيمان ويلوبي أكدت له أن الإلحاد «ينتشر كالنار في الهشيم» في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا: كيف غيَّر كارل ماركس وجه العالم؟
يرى براين ويتيكر الإلحاد كأحد أعراض «شيء أكبر بكثير، هو معركة مواجهة القمع»، وحتى عن طريق الموسيقى المستقلة التي تزدهر حاليًا، ويشير كاتب المقال إلى وجود أمثلة عديدة على زخم التغيير الذي لا يمكن مقاومته، والذي يضرب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كامل.
ربما تحتاج «ثورة ثقافية كاملة» إلى مزيد من الوقت، ويؤكد حامد عبد الصمد إيمانه بحتمية تطبيق العلمانية، وليس مجرد كونها خيارًا آخر لمستقبل مصر، لكن «ما لا نعرفه هو الثمن الذي ستدفعه البلاد، ويخبرني التاريخ بأن ذلك الثمن هو الدم».
يقول الفلسطيني وليد الحسيني إنه «متشائم بخصوص العشرين عامًا القادمة»، لكنه متفائل بما سيأتي بعد ذلك. حسنٌ، بإمكان الحسيني أن ينتظر ليرى، فحينها لن يكون قد تجاوز السادسة والأربعين من عمره.