تجذُّر التمييز: إلى متى تشكِّل الذكورة حياة نساء السعودية؟

الصورة: Mojack Jutaily

فاطمة محمد
نشر في 2018/05/18

عندما فهمتْ النسويات في السعودية أهمية إسقاط الولاية عن المرأة، حددنه مطلبًا مهيمنًا يتجدد كل يوم، ويحظى بمتابعة مستمرة وتحديث يومي، ليس فقط على الإنترنت، بل جمعن أكثر من 14 ألف توقيع، وقدَّمنها في برقية رسمية إلى العاهل السعودي للمطالبة صراحةً بإسقاط الولاية، وتحديد سن رشد للمرأة كما هو حال الرجل، لكن التجاوب لم يكن بحجم الحماسة والإصرار، بل كان التجاهل هو المصير الوحيد.

لا توجد بالطبع وصفة مثالية يمكن للناشطات تبنِّيها للانتقال إلى تمكين النساء في السعودية، إلا أن كل حراك نسوي يُسهم في الدفع بالمطالب، ويخلق معه أدوات وردود أفعال تنقِّحه و تُراكِمه وتزيد من تأثيره.

وافقت الحكومة على إلغاء الولاية في عامي 2009 و2013 بعد المراجعة الدورية الشاملة للسعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأقرت تعديلات وقوانين جديدة بعد تَعَهُّدِها، لكنها لم تسهم في إسقاطها، ولم يطرأ أي تقدم واضح في واقع وضع المرأة، إذ إن قيد الولاية لم ينكسر، ما دفع بعضًا ممن يعانين بسببه إلى أن يُقدِمن على رفض التسلط بالهروب منه.

إذا كانت الحكومة السعودية ترمي فعلًا للقضاء على التمييز ضد المرأة كما وعدت وتعهدت في رؤية 2030، وتنوي توسيع الإصلاحات التي بدأتها، فعليها القضاء على القيود في صلب نظام ولاية الرجل.

المرأة السعودية: هروب في دائرة مفرغة

هل تتعرض المرأة السعودية فعلًا للاضطهاد؟

«هربت من عنف لم يتوقف منذ خمس سنوات»، هكذا تقول «دانا» لـ«منشور» ولا تزال ذكرى الوجع عالقة في رأسها، لم تستطع الهرب منه كما نجحت في الهرب من التعنيف الجسدي. أما «مريم» فتقول: «لم تخطر في بالي فكرة الهرب رغم عدم رضاي التام عن حياتي، لكني اضطررت حين أُُجبرت على القبول بالزواج من رجل يكبرني بأكثر من 20 عامًا. كنت أعرف دومًا أن يومًا كهذا سيأتي، لأن زوجة أبي لن تتحمل وجودي أكثر من ذلك، وأبي سيجدها فكرة سديدة للتخلص مني».

وعدت دار الرعاية بحماية الفتاة نورة التي عنفتها والداها، ثم اتضح بعد عامين أنها أجبرتها على الزواج مرتين رغم كونها قاصرًا.

لم تكن مفاجأة حين سألتُ بطريقة مباشرة سبع فتيات حاولن الهرب، بعضهن نجحن والأخريات فشلن: لماذا كان الهروب خيارك؟ الجواب كان «العنف» بشكل واضح.

تضطر الفتاة إلى أن تهرب من منزلها في لحظة يأس من تحسن الواقع الذي تعيشه، تفر نحو «دار رعاية» تعتقد أنها ستكون آمنة وتمنحها حياة كريمة، لتكتشف عند أول خطوة تخطوها نحوها أن ما كانت تظنه ليس صحيحًا، وأن وراء جدرانه الصامتة حكايات لم تُسمَع، وصوت لم يصل، تُعامَل كسجينة لا ضحية عنف، تجد نفسها تخالط من عليهن قضايا جنائية لم تسمع بها من قبل، ولا يُراعَى صغر سنها.  

إحداهن أكدت لي أنها فرت إلى دار الرعاية لأن والدها أجبرها على الزواج من رجل لا تريده، وهي تريد آخر والدها يرفضه. وفيما هي في الدار أُسقِطَت ولاية والدها، لكن القاضي الذي أصبح وليها الجديد في الزواج رفض الزيجة بحجة أن من تريده أجنبي، وأحالها إلى بديل طرق باب الدار بنيَّة الزواج، لكنها رفضت وأصرت على موقفها، وما تزال في الدار من وقتها.

قصتها تشابه قصة «قتيلة جدة 2015» التي ترصَّدها أشقاؤها عند مقر عملها، وحاولوا اختطافها لرفضهم زواجها من رجل يرون أنه غير مناسب. ورغم موافقة والدها، فإن الدار نجحت في إفشال مخططهم بمساندة مواطنين. بعد أسبوعين فقط من الحادثة تمكَّن أحد الأشقاء من قتلها بإطلاق النار عليها أمام مقر عملها.

ومن لا يعرف «نورة الرشيدي»، الطفلة التي عنفتها والدتها بمشاركة والدها في 2015، وكانت الدار قد استقبلتها ووعدت بحمايتها، ليتضح بعد عامين أنها أجبرتها على الزواج مرتين رغم كونها قاصرًا.

سلطة الولي الواسعة تجعله يتحكم في أهم اختيار في حياة المرأة، فهو من يقرر كيف يكون مستقبلها، ومع من، وإلا ستواجه رد فعل لا يخطر على البال.

يُلاحَظ هروب الفتيات من الدار بعد هروبهن من منازلهن إليها، أو محاولة اعتراضهن على ما يحصل من تعامل غير إنساني داخلها عن طريق الشغب المتجدد بين فينة وأخرى، أو حتى اللجوء إلى فكرة الانتحار على البقاء، أو تفضيل السجن على العودة إليه كما حدث لفتيات «دار مكة».

في عام 2015، فر أكثر من 1750 فتاة من منازلهن. وبالرغم من إقرار هيئة حقوق الإنسان وقوع انتهاكات، فإنها لم تستطع أن تحث دور الرعاية على تحسين نظامها القمعي، وتغير طريقة تعامل موظفاتها المتعالي. الهيئة هي من يصنف الدور بالسجون، وهي كذلك، فمن تدخلها مرغمة تحتاج إلى ذكر لإخراجها منها حتى لو كان من يمارس العنف ضدها.

قد يهمك أيضًا: ماذا تعرف عن الولاية على المرأة في الخليج؟

المساواة المفقودة في السعودية

مطالب المرأة السعودية لإلغاء ولاية الرجل

في غياب المساواة بين الرجل والمرأة، يغيب مبدأ المساواة في المجتمع ككل.

التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين هو مقارنة سنوية ينفذها المنتدى الاقتصادي العالمي لقياس مدى النجاح في تقليص الفجوة وتحقيق التكافؤ بين الذكور والإناث في مختلف دول العالم في أربعة مجالات: التحصيل التعليمي، والصحة والبقاء على قيد الحياة، والفرص الاقتصادية، والتمكين السياسي.

في نسخة 2017، أعلن التقرير تونس الأولى عربيًّا وفي المركز 117 على العالم، بينما جاءت السعودية رقم 138 بين 144 دولة، تفصلها ستة بلاد أخرى فقط عن القاع.

بعضهم يرى وضع المرأة السعودية طبيعيًّا، وبعضهم يرى بعين الواقع ويتابع ما يحدث، وقد يمد يد العون، لكنه يدفع ثمن هذا التضامن.

في السعودية، ليس أمام المرأة اختيارات في مجال العمل، بل تُعزَل النساء في أعمال معينة كالتدريس والخدمات الاجتماعية فقط، أو في حشو أدمغتهن بمعلومات تُسهل لهن محو أميتهن الأبجدية، لا الحضارية أو الثقافية على نطاق واسع.

السمات الأنثوية أقل شأنًا من الذكورية، لذلك لا تملك الأنثى ترف الاختيار حتى في ما ستعمله. ستواجَه بتمييز فاضح في الترقيات والأجور. والنشاطات التي تمارسها الإناث أقل أهميةً من تلك التي يمارسها الذكور.

لكن الأمم المتحدة اختارت السعودية لعضوية لجنة حقوق المرأة، المعنية بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، في الفترة بين 2018 و2022.

كان الاختيار صدمة، وبخاصة لنساء السعودية، فمؤشرات العدالة الاجتماعية ناقصة بسبب النظرة السلبية إلى المرأة في المملكة، وكذلك لقوة تأثير العادات والتقاليد التي تفوق قوة القوانين وعدالة الدين.

تحتل المرأة 20% من سوق العمل في السعودية، وهي النسبة الأضعف في مشاركة المرأة في سوق العمل على مستوى المنطقة العربية.

يقول الفيلسوف والاقتصادي الكبير «كارل ماركس» إن التقدم الاجتماعي يُقاس بالوضع الاجتماعي للجنس الأنثوي، لكن للأسف، لكلٍّ منا عين لا تشبه الأخرى: بعضنا سيرى وضع نساء السعودية طبيعيًّا، بل ومثاليًّا، وبعضنا سيرى بعين الواقع، سيتابع ما يحدث، وقد يمد يد العون، لكنه سيدفع ثمن هذا التضامن، وربما يكتفي بالتعاطف لأن ما باليد حيلة.

من يطَّلع على الأنظمة التي وضعتها الحكومة في ما يخص المرأة، والتي جعلت معاناتها تتفاقم على مر الأعوام بدل أن تتقلص، سيدرك مدى حجم المأساة التي تعيشها نساء السعودية، فلا مفر منها، ولا حلول مرجوة لها، لأنها لم تصب جوهر استمرار الظلم الواقع عليها، بل فضلت بقاءه باستمرار تجميله بين فينة وأخرى بتعديلات دورية، أو خلق قوانين إضافية ليصبح الهدف تقنين الظلم لا إنهاءه.

قد يعجبك أيضًا: كيف أصبحت نسوية نكدية؟

تُقر المرأة بأن كوكبنا في مجموعِه عالم ذكور، فالرجال صاغوه، والآن يحكمونه، وجعلوا دورها هامشيًّا وتابعًا للرجل، فهي من دونه لا تستطيع فعل ما تريده، ولن تتمكن من المضي قدمًا دون أن يكون راضيًا عنها. حياة المرأة في السعودية تتشكل بحسب مزاج الذكر، وطريقة تفكيره، وأسلوب تعامله، فهل نشهد تغيرًا قريبًا؟


هذا الموضوع اقترحه أحد قُراء «منشور» وعمل مع محرري الموقع على تطويره، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.

مواضيع مشابهة