تربية اليابان: الأثر الذي أحدثه «عدنان ولينا» في جيل الثمانينيات

لقطة من مسلسل «مغامرات عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation Co.

حسام هلالي
نشر في 2017/10/13

هذا الموضوع ضمن هاجس شهر أكتوبر «في مصنع خيال الطفل». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


بعد حضور عرض في مسرح الفلكي بالجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2014، وقفت مع مجموعة من الشباب كان بينهم آمنة الحواج، مخرجة بحرينية استلطفتها جدًّا لذكائها وخفة ظلها، وسِرت معها بصحبة المجموعة في اتجاه مقاهي باب اللوق مرورًا بشارع محمد محمود، الذي كان قد بدأ يفقد تدريجيًّا زخمه الثوري الذي اكتسبه مع مظاهرات 2011 واشتباكات الجماهير مع جنود الأمن المركزي هناك في محيط مبنى وزارة الداخلية القديم.

قررت أن أضع آمنة أمام اختبار بسيط ونحن نقطع الشارع باتجاه شارع يوسف الجندي، فطلبت منها أن تتعرف على رسم غرافيتي محدد على مبنى المجمع اليوناني للجامعة الأمريكية في الشارع نفسه، كواحد من الأماكن القليلة في وسط القاهرة التي لم تطل رسوم الغرافيتي فيها ذلك المحو الممنهج لكل ما يمُت بصلة لحراك ثورة يناير ومسح ذاكرتها من الوعي الجمعي للمصريين.

كان الرسم لفتاة برداء أحمر تحيط بها طيور النورس، عرفتها آمنة فورًا وصاحت: «لينا»، وقررتُ بعدها أننا نملك ما يكفي من المشتركات لنصبح صديقين.

لينا هي إحدى الشخصيات المحورية في المسلسل الكارتوني «عدنان ولينا» الذي كان يسهل على أي شاب نشأ في الخليج، وفي بقية أنحاء العالم العربي، مشاهدته طفلًا.

الصورة: Beshoy Fayez

كان اكتشاف الغرافيتي للمرة الأولى مفاجأة سارة لي، ليس فقط لأن الإنتاج البرامجي للتفلزيون المصري «الرائد» كان في شق كبير منه مختلفًا عن بقية ما يقدَّم في الخليج وبلاد الشام، بل أيضًا للألمعية التي دفعت رسام الغرافيتي المجهول هذا إلى الربط بين تلك الشخصية الكارتونية الأثيرة لدي، والروح الثورية لمحيط ميدان التحرير التي اندثرت تمامًا مع فشل الثورة.

«مغامرات عدنان ولينا» هو العنوان العربي لمسلسل الأنيمي الياباني «Future Boy Conan»، المقتبس من رواية «The Incredible Tide» للأميركي «ألكساندر كي»، وأخرجه «هاياو ميازاكي»، الذي يعتبر مسلسله هذا أول علاماته البارزة في الرسوم المتحركة، قبل تأسيسه «استديو جبلي»، وطبعت عناصر المسلسل والقيم التي تحملها القصة معظم أسلوبه لاحقًا، ليصنع اسمه كأحد أعظم رسامي «الأنيمي» في اليابان والعالم، بعد حصول فيلمه «Spirited Away» على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة عام 2003.

انتشار «عدنان ولينا» عربيًّا كان نتيجةً لمشروع طموح آخر، هو مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، التي نفذت عملية الدوبلاج والتوزيع بعد عام واحد من إنتاج المسلسل في اليابان (1978).

طَوَال ثلاثة عقود، شكَّل هذا المسلسل أيقونة لجيلَي الثمانينيات والتسعينيات في دول الشرق الأوسط الناطقة بالعربية، وجمع في فترة الوفاق العربي السابقة لحرب الخليج الثانية جملةً من الممثلين من العراق والكويت ومصر وغيرها، فكان من الطبيعي أن يتشارك كاتب سوداني ومخرجة بحرينية وجدانيًّا بسبب كارتون ياباني، شكَّل بالنسبة إلي أهم قصة شاهدتها في حياتي.

«اندلعت الحرب العالمية الثالثة عام 2008، استخدمت فيها الشعوب المتحاربة أسلحة مغناطيسية تفوق في قدرتها الأسلحة التقليدية، ونتيجةً لذلك، حلَّ الدمار في البر والبحر، وانقلبت محاور الكرة الأرضية، وباتت الكرة الأرضية تعيش كارثة مؤلمة».

هذه العبارة «الأبوكاليبسية» هي المقدمة الصوتية لكل حلقات المسلسل التي أحفظها عن ظهر قلب، في شريط صوتي ألَّف موسيقاه التصويرية «شينيشيرو إيكيبا».

سحرتني الموسيقى منذ أن بدأت مشاهدة المسلسل في أشرطة فيديو (VCR) مسجلة أوائل التسعينيات، بتوصية من والدتي، التي كانت قد شاهدت المسلسل في شبابها. ارتبطتُ منذ ذلك الحين بشخصيات «عدنان ولينا» وأحداثه، إلى درجة دفعتني لاحقًا لتنزيل حلقاته كاملةً في جهاز الكمبيوتر الخاص بي، ومشاهدته على الأقل مرة سنويًّا دون أي شعور بالملل.

لم يكن «عدنان ولينا» بالنسبة لي محض قصة كارتونية مسلية، بل كان ملحمة كاملة، استنبطتُ عبرها منذ سن مبكرة كثيرًا من المشاعر الإنسانية والقيم السياسية، التي كان يندر أن تلامس وعي الطفل من المناهج الدراسية أو حتى من كتب الأطفال، وهذه النقاط العشرة هي أبرزها.

1. حتمية الحاجة إلى رفقة

تبدأ القصة بمغامرة طفل في العاشرة لصيد سمكة قرش. يعيش الطفل في جزيرة معزولة مع جده، الذي كان في الحقيقة أحد زملاء والديه في رحلة فضائية باءت بالفشل، إثر سقوط مركبتهم قبل اختراق المجال الجوي فوق جزيرة قُتل كل سكانها في الحرب. وبعد نجاة الطاقم بسنوات، مات كامل طاقم الرحلة التسعة، ولم يبقَ منهم سواه وعدنان، الذي كان ثمرة علاقة بين اثنين من رواد الفضاء الناجين.

ورغم شجاعته الخيالية في اصطياد القرش في المحيط، يصاب عدنان بالذعر عندما يجد على الشاطئ كائنًا غريبًا، فيركض بحثًا عن جده داخل المركبة الفضائية المنكوبة،  التي باتت سكنًا لهذه الأسرة الذكورية، ليكتشف أن هذا الكائن الذي ألقت به أمواج المحيط هو فتاة في نفس سنه، والأنثى الأولى التي يراها في حياته الواعية.

لينا، التي نجت من الغرق، كانت هاربة من جنود اختطفوها، وجاؤوا لاحقًا للبحث عنها في الجزيرة بطائرة صغيرة. وبسبب دفاع جد عدنان الشرس عنها، وتهديده للخاطفين بقذيفة صاروخية من داخل المكوك، قُتل بالرصاص وهرب الجنود بعد اختطاف لينا مجددًا.

اختطف الجهاز العسكري لينا حفيدة الدكتور رامي بغرض ابتزازه، لرفضه الصارم إعادة استخدام التكنولوجيا التي كانت سببًا في فناء الأرض.

وصية الجد لعدنان وهو على فراش الموت كانت: «ستبقى وحيدًا بعد موتي، ولكن لا يمكن للإنسان أن يعيش بمفرده»، وبعد أن يقص عليه كيف جاؤوا إلى الجزيرة، يوصيه بألم: «ابحث عن لينا، ابحث عن أصدقاء وعش من أجلهم».

كان البحث عن لينا هو الهدف الأساسي لبناء عدنان زورقًا والإبحار لمغادرة الجزيرة الخالية، وخلال رحلته التقى بالفتى المتهور، الساخر والمثير للسخرية في آنٍ، «عبسي»، الذي كان منعزلًا عن الأهالي في جزيرة أخرى ليعيش حياة بدائية في غابة، سرعان ما انتشله منها عدنان في رحلته الوجودية للبحث عن لينا، ليكون رفيقه وصديقه الأقرب إلى الأبد.

2. عنف السلطة للاستئثار بالموارد

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

الأحداث التي تشكل خلفية القصة هي ما دُرِج على تسميته بالكارثة في سردية المسلسل، والكارثة كانت استخدام القنبلة المغناطيسية، السلاح الأكثر عنفًا في القرن الحادي والعشرين، الذي أدى استخدامه من قِبل الدول المتصارعة في الحرب العالمية الثالثة إلى إغراق القارات الخمس وانقراض مليارات البشر، ولم تنجُ سوى مجموعة من الجزر المعزولة التي لا يعرف سكانها بعضهم بعد انتهاء الحضارة.

هذه العوالم المستقبلية، التي كُتبت أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت نتاجًا أصيلًا لفِكر ما بعد الأبوكاليبس الياباني، في ثقافة تقوم أساسًا على فكرة طائر الفينيق الناهض من الرماد، باعتبار يابان ما بعد الحرب العالمية الثانية هي حضارة استطاعت النهوض من هزيمة ساحقة وقنبلتين نوويتين، ظلت هاجسًا لأفكار المخرج هاياو ميازاكي السياسية، في أعماله الناقمة على العنف والتطور التقني للتسليح الحربي، المناهض للوجود والحياة إجمالًا.

تمثلت هذه القيمة في «إندستريا»، التي تُرجمت في النسخة العربية إلى «القلعة»، وهي ثلاث ناطحات سحاب متصلة في جزيرة صحراوية، يديرها مجلس من العلماء، ويمثلهم قائد طموح هو «علَّام»، الذي يسعى مع المجلس للوصول إلى الدكتور رامي، آخر خبير في الطاقة الشمسية على قيد الحياة، والقادر وحده على الوصول إلى القمر الصناعي المجهز لتشغيل هذه الطاقة في جهاز القلعة، التي تعاني شُحًّا متواصلًا في الموارد.

قرر الجهاز العسكري للقلعة اختطاف لينا، حفيدة الدكتور رامي، كرهينة بغرض ابتزازه، بعد هروبه من القلعة ورفضه الصارم إعادة استخدام التكنولوجيا التي كانت سببًا في فناء الأرض.

تمثلت ممارسة العنف في هذا الجهاز العسكري، الذي كان علام يسعى لإحيائه عبر الطاقة الشمسية للسيطرة على ما تبقى من العالم، وتشغيل الطائرة الهائلة «جمانة»، الرابضة تحت أرض القلعة، متسلحًا في سبيل ذلك بقطع بحرية وطائرة صغيرة تقودها نائبته «سميرة»، التي لم تتوانَ في الإبحار بُغية احتلال أراضٍ أخرى، للبحث عن موارد غذائية للقلعة المهددة بالمجاعة.

اقرأ أيضا: «ريك آند مورتي»: كلنا سنموت في النهاية، وابا لابا داب داب

3. الوطن

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

لم يدرك عدنان، مثلي، فكرة دفء الحياة مع عشيرة، المكوِّن الإنساني لمفهوم الوطن الجغرافي في الأساس.

كطفل مغترب في الخليج، يقف كل صباح في طابور المدرسة لتحية علم دولة أخرى لا يشعر بالانتماء إليها، كان مفهوم الوطن ملتبسًا لديَّ طَوَال طفولتي ومراهقتي، خصوصًا أني عشت مع أسرتي في السعودية دون قضاء عطلة واحدة في بلد والدَيَّ، السودان، التي كانت بالنسبة إليهما فردوسًا مفقودًا.

بسبب نشاط أبي السياسي ومعاداته للنظام، تشكَّل حاجز أيدولوجي من قِبله جعلني أعاني لعشرين عامًا من غياب الإحساس بالوطن، لهذا كانت فكرة «أرض الأمل»، وطن لينا وجزيرتها العامرة بحقول القمح والمزارعين والعمال والصيادين، التي طالما حكت لعدنان عنها في لقائهما الأول ولاحقًا عندما نجح في الوصول إليها وتهريبها من زنزانتها في القلعة، أمرًا بالغ التأثير على وعيي المتشكل للتو.

بسبب حياته مع فرد واحد، لم يكن عدنان، مثلي، مدركًا لفكرة دفء العيش مع عشيرة، المكوِّن الإنساني لمفهوم الوطن الجغرافي في الأساس. لهذا كان أول ما فكر فيه، بعد غرق القلعة وهروب سكانها كلاجئين إلى أرض الأمل، أن يعيد سيرة الهجرات البشرية الأولى، مصطحبًا معه عشرات من هؤلاء الذين فقدوا جذورهم مع دمار بلدانهم الأصلية نتيجة الكارثة، والعودة في هجرة عكسية إلى جزيرته الأولى، الجزيرة المفقودة، باعتبارها وطنه.

4. التقنية الحديثة بوصفها شرًّا

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

قال الدكتور رامي لعدنان ولينا وعبسي إن التقنية مهما تطورت فإنها تظل عاجزة عن توفير بديل للحياة تحت ضوء الشمس.

منذ رؤيته للطائرة، التي جاءت على متنها سميرة وجنودها لإعادة اختطاف لينا، ارتبطت الآلة في ذهن عدنان بالشر. الأسلحة الأوتوماتيكية، السفينة الحربية المعروفة بـ«قارب الرماية» المزودة بالصواريخ، القبضة الأمنية المحكومة بالجنود والذخيرة في القلعة، كلها كانت عناصر مقابلة للشر في عمل هاياو ميازاكي، الذي تخيل عالمًا يوتيوبيًّا تُهزم فيه هذه الابتكارات بالكوارث الطبيعية التي أغرقت القلعة في نهاية المطاف، ودفعت سكانها إلى الهرب في سفينة مدنية إلى أرض الأمل، حيث الحياة البدائية التي تحوي قدرًا كافيًا من التقنية النافعة، كطواحين الهواء والمصانع وورش العمل.

كانت المصاعد والمصانع الآلية الحديثة العاملة بالطاقة الشمسية كلها مرادفًا للعنف، ويمكن لو وقعت في يد إنسان أفَّاق وأناني أن تتحول إلى إمبراطورية شر، لهذا لا بد للعالم الجديد أن يتخلص من كل مكتسباتها العلمية.

قد يهمك أيضا: «الأنيمي»: لمحات من تاريخ الرسوم المتحركة في اليابان

5. أمنا الأرض

في المقابل، تمثلت أيدولوجيا هاياو ميازاكي في شخصية الدكتور رامي، بصورة أشبه بشعارات حركة «السلام الأخضر» المناصرة للبيئة. الدكتور رامي، الذي أدت جراح أصابت وجهه خلال هروبه من القلعة إلى تغيير ملامحه، تنكر في شخصية «المهندس بدر»، الذي عمل لاحقًا في أحد مستعمرات القلعة البحرية في طرف الصحراء، في مشروع لاستخراج سفينة إنقاذ غارقة، ستكون هي الحامل لسكان القلعة الهاربين من الزلزال الذي سيغرق مدينتهم الحديثة.

رفض الدكتور رامي التعاون مع مجلس القلعة لتشغيل الطاقة الشمسية قابله إصراره على أن تعيش الأجيال الجديدة لعالم ما بعد الكارثة في أرض الأمل.

يأخذ رامي حفيدته لينا بصحبة عدنان وعبسي إلى إحدى قاعات البرج الفارغة، ثم يبهرهم بتشغيل تقنية الهولوجرام، التي ترسم صورًا ثلاثية الأبعاد وتحول القاعة الفارغة إلى حدائق ومروج خيالية، يجري فيها الأطفال والحيوانات، وتمر عليها الفصول الأربعة بأمطارها وثلوجها ولياليها ونهاراتها، ليخبرهم بعدها بحكمة أن التقنية مهما تطورت فإنها تظل عاجزة عن توفير بديل للحياة تحت ضوء الشمس.

6. قيادة المرأة

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

لم تكن لينا الشخصية الأنثوية الأساسية الوحيدة في هذا العمل، ففضلًا عنها، كانت شخصية سميرة، القائدة العسكرية لجنود القلعة، شخصية محورية أخرى، قوية وصلبة.

لم تكن سميرة قادرة فقط على تنفيذ المهمات العسكرية واختطاف لينا، بل قادت العملية الحربية لاحتلال أرض الأمل بدافع توفير الموارد للقلعة. أحد المشاهد الأساسية لشخصيتها كان عندما التقت «نمرو»، قائد الميليشيا التي واجهت عملية الإنزال البحري لجنود القلعة في ساحل أرض الأمل. فبعد وقوعه في الأسر، صاح نمرو متفاجئًا ما أن رآها في معسكرها: «أنتَ امرأة»، فأجابته سميرة بسخرية: «وهل ساءك أن تهزمك امرأة؟».

كان مفهوم قيادة المرأة للعمليات الحربية، بل حتى قيادتها للطائرات، أمرًا مسليًا لطفل يعيش في بلد كالسعودية، لا تستطيع المرأة فيه أن تقود سيارة، ما جعلني مسحورًا بشخصيتها، التي أدتها صوتيا الفنانة المصرية الراحلة فوزية عزت.

لكن النقطة الأهم في شخصية سميرة كانت تحولها من مقاتلة تهدف للسيطرة إلى مناضلة ضد قائدها علام، والانضمام إلى صفوف سكان أرض الأمل، وتعاطفها مع عدنان ولينا، لتتحول إلى شخصية طيبة بعد بروزها في معسكر الشر في بداية المسلسل.

اقرأ أيضًا: لم يكُنَّ نساء فقط: رجال دفعوا ثمن دعم حق السعوديات في القيادة

7. البراغماتية والتسامح

مشهد لعدنان والكابتن نامق من مسلسل «عدنان ولينا»

يعزز مخرج المسلسل هاياو ميازاكي نبذ فكرة الانتقام، تحديدًا في شخصية عدنان الطوباوية، الذي نسي تمامًا أن سميرة وزميلها كانا سبب مقتل جده.

إحدى الشخصيات الأساسية في المسلسل هي «القبطان نامق»، قائد السفينة التجارية التي كانت همزة الوصل الأولى بين أرض الأمل والقلعة، والذي تورط في البداية في اختطاف لينا وتسليمها إلى مجلس القلعة.

ورغم صرامته في التعامل مع عدنان وعبسي، اللذين تسللا خلسةً إلى سفينته بغرض السفر بحثًا عن لينا، فإنه تحول إلى صديق لدود لهما، خصوصًا عندما انقلب على القلعة وقرر التمرد وتهريب لينا، التي كان واقعًا في غرامها بشكل مريب يجعله مصابًا بالبيدوفيليا أو «الغِلمانية»، لصغر سنها الشديد مقارنةً به.

بعد أن ينجو بأعجوبة من حكم الإعدام الواقع عليه بالموت مصلوبًا في الصحراء، يساعد نامق عدنان ولينا وعبسي لاستعادة سفينته وطاقمها والعودة إلى أرض الأمل.

الخصلة الأساسية للقبطان نامق هي حبه للمغامرة، الذي كان يدفعه إلى قرارات جنونية لتحدي السلطة، إضافةً إلى براغماتيه الأصيلة، التي كانت تجعل كل وسيلة متاحة من أجل الحصول على غايته، والاحتفاظ بسفينته الأثيرة والإبحار حول الأرض.

ورغم تحالفه الآني مع نمرو، قائد الميليشيا المنشق عن أرض الأمل، ومحاولته إحراق عدنان وعبسي في سبيل هذا التحالف، فإن عدنان وعبسي تعاملا معه بتسامح غريب، خصوصًا مع عودة سميرة بسفينتها لاحتلال أرض الأمل، وتشكُّل عدو مشترك بينهم بشكل منافٍ للطبيعة الإنسانية.

يعزز مايازاكي في المسلسل نبذ فكرة الانتقام، تحديدًا في شخصية عدنان الطوباوية، الذي نسي تمامًا أن سميرة وزميلها عزو كانا سبب مقتل جده، وقرر التعاون معهما لاحقًا ونسيان ما بينهم من أحقاد.

8. قيمة العمل

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

برزت قيمة العمل في خطاب عمدة أرض الأمل عندما قال: «لم يكن لي عهد بالزراعة قبل الكارثة، لكني تعلمت وبذلت جهدي مع الآخرين للحصول على الطعام».

عندما استطاع عدنان ولينا وعبسي الفرار من القلعة بصحبة نامق، والوصول إلى أرض الأمل، لم تكن اليوتوبيا التي رأوها جنة يمكن لأيٍّ كان العيش في نعيمها دون مقابل، بل كان على الكل، رجالًا ونساءً وأطفالًا، أن يعملوا فيها، بين الأنشطة الاقتصادية المحدودة لعالم ما بعد الكارثة، في الزراعة أو الحدادة أو النجارة أو الصيد.

بعد أن يُغرق الصياد فارس سفينة القبطان نامق، انتقامًا من اختطافه لينا، يضطر نامق إلى ترك البحر مؤقتًا والعمل كحداد، فيما ينضم عدنان إلى فارس ويعمل صيادًا، ويُعجب الأخير بشجاعته وقوته.

يختار عبسي، الذي يعمل للمرة الأولى في حياته، مهنة رعي الخنازير، التي كانت، وللسخرية، ينادونها «الحيوانات» أو «الثيران» لأسباب رقابية، جعلت العرب القائمين على عملية الدوبلاج حساسين تجاه هذه الحيوانات المحرمة في الإسلام، بشكل مضحك ومناقض للصورة التلفزيونية التي كانت تعرض حيوانًا آخر يعرف الجميع أنه خنزير وليس ثورًا.

قيمة العمل برزت في شكل أساسي لاحقًا في خطاب «عابدين» عمدة أرض الأمل، في الحلقة رقم 20، عندما وقف أمام جنود القلعة المهزومين ودعاهم إلى الانضمام للقوى البشرية للجزيرة، قائلًا: «الناس هنا ساهموا في البناء ونجحوا في كفاحهم من أجل حياة هانئة سعيدة، ويجب أن تحترموا كفاحهم هذا. انظروا إلى يديَّ، إنهما تشهدان على ذلك، فلم يكن لي عهد بالزراعة قبل الكارثة، لكني تعلمت وبذلك جهدي مع الآخرين للحصول على الطعام».

9. المقاومة

لقطة من مسلسل «عدنان ولينا» - الصورة: Nippon Animation

شخصية العمدة عابدين المثيرة للإعجاب لم تبرز في هذا الموقف فقط، بل أيضًا تبدَّت في دعوته إلى المقاومة في خطاب آخر، حين بدأ جنود القلعة إنزالهم وإلحاق الهزيمة بميليشيا نمرو، واستعدوا للانتشار لاحتلال الجزيرة. وقتها، وقف العمدة أمام الأهالي في ساحة القرية الرئيسية وابتدأ خطابًا حماسيًّا آخر: «لن نستسلم ونفرط في قريتنا بهذه السهولة أبدًا، الموت في سبيل الوطن أفضل من الاستسلام لرجال القلعة. هيا ندافع عن قريتنا».

ورغم هزيمتهم في البداية، بسبب تحالف نمرو مع سميرة وخيانته لسكان أرض الأمل، فإن العمدة واصل مقاومته وهو في الأسر، فيما انخرط عدنان بشكل منفصل مع الصياد فارس، الخبير في صناعة البارود، لمهاجمة سفينة القلعة الحربية، ونجح في النهاية في تفخيخها بقنبلة أدت إلى غرقها، وكانت السبب في فشل القلعة في احتلال أرض الأمل.

الشخص الآخر الذي قدم مثالًا بطوليًّا في التضحية كان الدكتور رامي، الذي قرر عدم الهرب سابقًا إلى أرض الأمل مع حفيدته لينا وصديقيها، وقرر أن يعود إلى القلعة لتحذير سكانها من الغرق نتيجة الزلزال، ما أدى إلى وقوعه في يد علام، الذي نكَّل به ووضعه تحت التعذيب بالكهرباء لفترة طويلة، دون أن ينكسر أو يقرر التعاون معه لتشغيل الطاقة الشمسية في البرج.  

10. الانتفاض ضد الديكتاتورية

مشهد من مسلسل «Future Boy Conan»K النسخة الأصلية من مسلسل «عدنان ولينا»

تشبع المسلسل، الموجه في الأساس إلى الأطفال، بقيم سياسية كانت للمفارقة قضايا محورية في الدول التي انتشرت فيها نسخته العربية.

سعادتي بوجود صورة غرافيتي للينا في شارع محمد محمود نجمت تحديدًا من هذه النقطة، فقد كانت لينا وجدها رامي، ولاحقًا عدنان وعبسي ونامق، هي الشخصيات التي تقاوم طموحات علام، قائد القلعة وممثل مجلسها التنفيذي، الذي سرعان ما نفذ انقلابًا عسكريًّا للسيطرة على القلعة، وتشغيل الطاقة الشمسية لاحتلال الأرض بالطائرة العملاقة جمانة.

سبقت ذلك محاولة فاشلة لاغتياله عن طريق عدنان، الذي قاد مجموعة من السجناء السياسيين حررهم من سجن القلعة للانتفاض ضد علام وضد مجلس القلعة، الذي لم يكن مهتمًّا بمصير المدنيين وتهديد الزلزال لهم بالغرق، وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها كلمة «ديكتاتور» في مسلسل كارتون، وهو ما وضح بشكل أكبر في قتله كل معارضيه، والحكم بالإعدام حتى على سميرة بتهمة الخيانة.

«الخيانة» كانت الكلمة السحرية التي يتخلص بها علام من كل من يقف في وجه طموحاته الاستعمارية، التي انتهت بسقوط طائرته في البحر، بعد تسلل عدنان ونامق وعبسي إليها وتخريب معداتها بوسائل أقرب إلى حروب العصابات.

قد يبدو غريبًا أن يتشبع مسلسل كارتوني موجه في الأساس إلى الأطفال بكل هذه القيم السياسية التي كانت، للمفارقة، قضايا محورية في الدول التي انتشر فيها المسلسل بنسخته العربية، فنشأت أجيال تشاهده وتتلقف قِيمه المبطنة، ما يشير إلى الأهمية البالغة والسحر الهائل الذي يحيط بمسلسلات الكارتون. وهي أهمية تفوق، في رأيي، ما درسناه في كتب التاريخ والمناهج الدراسية، وكل مواد البروباغاندا التي تنتجها الآلة الإعلامية للدول.

بسبب كل هذا، سيظل هاياو ميازاكي وقصصه الملحمية، وعلى رأسها «عدنان ولينا»، ماثلين في وعيي ما حييت، بصحبة ملايين من أبناء الثمانينيات والتسعينيات في المنطقة العربية.

مواضيع مشابهة