عيون إلكترونية في كل مكان: كيف تراقبنا التكنولوجيا؟
هذا الموضوع ضمن هاجس شهر نوفمبر «من نراقب؟ من يراقبنا؟». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.
منذ 10 سنوات، كانت فكرة الابتعاد عن الآخرين سهلة، كل ما عليك فعله فقط هو اجتنابهم مكانيًّا في العالم الواقعي، اذهب إلى منزلك، ادخل إلى غرفتك، أغلق عليك بابك، هذا كل ما تحتاجه لتحقق ما تسميه «الهدوء الداخلي» والعزلة والاختلاء إلى نفسك، لكن هذا صار الآن مستحيلًا.
العيون الإلكترونية في كل مكان، عينٌ تراقب لوحات سيارتك في إشارات المرور، عينٌ تحفظ ملامحك جيدًا عند مرورك في أي شارع في العالم، عينٌ ترى ما تشتريه داخل المحال التجارية لتعرف اهتماماتك، وحتى داخل غرفتك المظلمة ستجد عينًا تلمع في مقدمة جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وأخرى في هاتفك الذكي، أليس هناك مَفر؟
الهاتف الذكي: عينٌ ترى وأذنٌ تسمع وعقلٌ يفهم
قد يكون الهاتف الذكي أحد أسوأ اختراعات البشر بعد القنبلة النووية، لأن الأخيرة تقضي على الملايين في دقائق معدودات وتسرق أرواحهم فجأة، أما هذا الصندوق المستطيل الصغير، فمهما تطور شكله سيظل نافذة يطل منها العالم على حياتك وأسرارك وأدق تفاصيلها، وحتى أنفاسك يمكن سماعها إذا أراد ذلك الذي يقف في الطرف الآخر من العالم، ويمكن لأي شخص أن يعرف أدق تفاصيل حياتك متى أراد.
مهما كانت خطورة القنابل فإنها لحظة مدمرة، أما انتهاك خصوصيتك طوال حياتك فإنه دمار «طويل الأجل».
يمكن لأي تطبيق أن يستخدم الكاميرا الأمامية لهواتف آيفون لالتقاط صور ومقاطع فيديو حية لوجهك ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه القطعة المعدنية تحمل أحدث ما توصل إليه البشر من تقنيات حديثة وأكثرها تطورًا، فالهاتف الذكي يفتح شاشته بمجرد أن تلتقط الكاميرا وجهك، لأنه تعرف إلى هويتك من أدق تفاصيلك وملامحك، ويمكنه أن يميز 30 ألف نقطة في وجهك لا مجال فيها للخطأ، إلا إذا كان لك أخ توأم، وهذه حقيقة موجودة في أحدث هواتف شركة «آبل»، آيفون إكس، وميزته الفريدة من نوعها «Face ID».
هذه ميزة رائعة بالتأكيد لحماية خصوصية بياناتك على الهاتف، فلا يمكن لأي شخص أن يفتح هاتفك إلا ببصمة وجهك، لكن ماذا لو تمكن أحدهم من فتح كاميرا هاتفك الأمامية دون علمك وسرقة بصمتك؟
هذا ليس مجرد افتراض، بل حقيقة أثبتها المطور المعروف «فيليكس كروز»، أحد العاملين في شركة غوغل، عبر مقطع مصور توضيحي يشرح كيف يمكن لأي تطبيق أن يستخدم الكاميرا الأمامية لهواتف آيفون عبر أحدث أنظمة تشغيل آبل، «iOS 11»، لالتقاط صور ومقاطع فيديو حية لوجهك ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك داخل التطبيق نفسه دون إذنك.
كذلك، يمكن للهاتف أن يقرأ تعبيرات وجهك ويفهمها ويحديدها، من حيث السعادة والحزن والغضب وغيرها من المشاعر، كل ذلك وأنت لا تعلم أي شيء عما يحدث، وهذا يضمن لمطوري التطبيق الحصول على بصمة مفصلة عالية الدقة لوجهك، مما يضع خصوصيتك على المحك.
قد يهمك أيضًا: المواقع الإباحية هي التي تشاهدك
تطبيقات الهاتف: نعم، يمكننا التحكم في حالتك النفسية
صممت مجموعة من الباحثين جهازًا يكشف مكان وجود أي شخص عن طريق هاتفه دون تشغيل الإنترنت.
مثلًا، هناك واجهة برمجية للمطورين يُطلق عليها «UXCam»، تتيح إنشاء أدوات وتطبيقات برمجية ترصد كل ما تفعله على هاتفك وداخل التطبيقات المختلفة، والوقت الذي تستغرقه داخل أي تطبيق، وكذلك أهم المزايا التي تهتم بها في أوقات معينة، وأكثر الكلمات التي تستخدمها، وانفعالاتك الإيجابية والسلبية.
من خلال ذلك، يعرف المطورون ردود أفعالك وحالتك النفسية، ويستخدمون تلك المعلومات لتطوير تجربتك مع تطبيقهم أو موقعهم الإلكتروني، كي يناسب حالتك المزاجية ويقدم لك أفضل خدمة تحتاج إليها في ظروف نفسية معينة.
قد يعجبك أيضًا: ما الذي تفعله الهواتف الذكية في أدمغتنا؟
في عام 2014، أجرى فيسبوك دراسة على مراحل تطور العلاقات العاطفية في حياة البشر، وتأثير ذلك على نشاطهم عبر حساباتهم الشخصية على الموقع.
توصلت تلك الدراسة إلى أنك حين تكون عازبًا يزيد معدل استخدامك للتعبيرات والمصطلحات السلبية، ولا يتعدى معدل إضافة منشورات جديدة منشورين يوميًّا، بينما يختلف الأمر مع دخولك في علاقة عاطفية، فيزداد المعدل اليومي للنشر بشكل كبير، وتتضح فيه المصطلحات والمرادفات الإيجابية مثل الحب والتفاؤل والسعادة، ثم يتناقص معدل النشر مع الوقت، إذ ترغب أنت وحبيبتك/حبيبكِ في المكوث لوقت أطول معًا على أرض الواقع بعيدًا عن العالم الافتراضي.
فيسبوك سبق أن أجرى دراسة عملية على التحكم في الحالة النفسية والمزاجية لمستخدميه، عن طريق التحكم في طبيعة المحتوى الذي يصلهم من أصدقائهم، إذ يفلتر الموقع المحتوى بحيث يُظهر لك معلومات معينة لمعرفة حالتك المزاجية، سواء كان المحتوى سلبيًّا أم إيجابيًّا.
عندما يظهر لك مزيد من المحتوى الإيجابي، ينعكس ذلك على حالتك النفسية وعلى المنشورات التي تشاركها عبر حسابك، والعكس تمامًا يحدث عندما تتعرض لجرعة مكثفة من المنشورات السلبية.
يؤكد الخبراء أن هذا قد يُستخدَم لاحقًا للتأثير على الرأي العام في الأحداث المهمة، مثل الانتخابات واستطلاعات الرأي والقضايا والمواقف المصيرية، كما حدث حين استغلت روسيا فيسبوك لتضليل الرأي الأمريكي خلال انتخابات الرئاسة 2016.
«SMS»: موقعك مكشوف دون إنترنت
تمكنت مجموعة من الباحثين في جامعة أكسفورد من تصميم جهاز يكشف مكان وجود مستخدم الهاتف الذكي، عبر مقاطعة البيانات التي يرسلها الهاتف إلى الشبكة خلال عمليات إرسال واستقبال الرسائل النصية العادية (SMS) دون تشغيل الإنترنت، وتكلفة هذا الجهاز لا تزيد عن 1500 دولار، وهي ضئيلة مقارنةً بالمعلومة الثمينة التي يكشفها، كمعرفة الموقع الجغرافي لأي شخص لديه هاتف.
البوصلة الجيروسكوبية: نقرأ حتى رسائلك التي لا ترسلها
بسهولة يتمكن المخترقون من معرفة كل ما تكتبه على هاتفك عبر لوحة المفاتيح، عن طريق اختراق وتتبع البيانات التي تجمعها مستشعرات البوصلة الجيروسكوبية، وهي مستشعرات داخل الهاتف تحدد اتجاه حركته ووضعه، وبالتالي يمكنهم أن يعرفوا بياناتك الشخصية الحساسة، مثل كلمات سر بطاقاتك الائتمانية، وقد كشف هذا الأسلوب مجموعةٌ من الباحثين من جامعة ستانفورد في مؤتمر «Usenix» للأمن المعلوماتي عام 2014.
يُعتبر هذا أحد أخطر أساليب التجسس المبتكرة، التي تعتمد على حركة الهاتف وحركة يديك ومسار اتجاه الهواء الذي يتحرك خلال عملية الكتابة، لكن كل هذا يمكن ترجمته، بصعوبة، إلى معلومات يمكن للمخترق استخدامها لانتهاك خصوصيتك.
متصفحات الإنترنت: لدينا نسخة من حياتك
إحدى طرق حماية معلوماتك أن تغطي كاميرا اللابتوب الخاص بك، كما يفعل مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك.
لا يمكنك أن تصل إلى أي محتوى على الإنترنت إلا عبر أحد المتصفحات، فالمتصفح يمنحك القدرة على التنقل بين صفحات الإنترنت والاطلاع عليها والتفاعل مع محتواها بكل أشكاله.
في نفس الوقت، تخزن تلك المتصفحات آلاف المعلومات المتعلقة بك، مثل المواقع التي تزورها، والمحتوى الذي يثيرك للتفاعل معه، والملفات التي تحملها على أجهزتك، إلى جانب عشرات من كلمات السر وأسماء المستخدمين وعناوين البريد الإلكتروني، وكل هذا يجعل حياتك متاحة للشركات التي تملك تلك المتصفحات.
جميع المتصفحات تخزن تلك البيانات لتسهل عليك التصفح وتفهمك بشكل أفضل، لكن احتفاظها بهذا الكم الكبير من البيانات خطير للغاية، باعتبار أن تعرض قواعد بياناتها للاختراق سيكشف عورة خصوصيتك أمام العالم، لأن الهاكرز لن يجدوا ما هو أغلى من تلك البيانات كي يبيعونها في السوق السوداء بآلاف وملايين الدولارات أحيانًا، أو يبتزونك من أجل المال قبل تسريبها.
اقرأ أيضًا: مستقبل الخصوصية: هل نخوض حربًا خاسرة؟
كيف تحافظ على خصوصيتك؟
للحفاظ على خصوصيتك، تعامل مع هاتفك ومع فيسبوك بحذر شديد، لأنهما يعرفان عنك أكثر من نفسك.
لا يمكنك أن تخفي كل المعلومات عن هويتك عن العالم كما في الماضي، فحتى داخل غرفتك المظلمة هناك دائمًا عين في كل مكان، لكن يمكنك تقليل الأعين التي تراك بهذه الخطوات:
- تأكد من التطبيقات التي تحمّلها قبل الموافقة على طلبها للحصول على الأذونات (Permissions) من هاتفك، فلا تمنح أي تطبيق إمكانية استخدام الكاميرا مثلًا إلا لو كان تطبيقًا شهيرًا وموثوقًا به، مثل واتساب وفيسبوك، لأن مثل تلك التطبيقات لديها مستخدمون بالملايين، بل بالمليارات، وتستخدم أحدث التقنيات لحماية وتشفير البيانات في مراكزها المنتشرة في دول العالم.
- تأكد من تغية كاميرا اللابتوب الخاص بك، فأنت مهم بالنسبة لـ«شخص ما» يرغب في معرفة أسرارك، كما يفعل مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك مع جهازه الشخصي.
- استخدم تطبيقات تراسل فوري مشفرة، مثل «Signal» وواتساب، وربما وضع حذف الرسائل ذاتيًّا على «Facebook Messenger».
- فعِّل ميزة تأكيد الهوية بخطوتين (Two-Factor Authentication) على جميع حساباتك الإلكترونية، وذلك من إعدادات أي تطبيق في الجزء المخصص لحماية أمانك وخصوصيتك (Privacy & Security). تضمن لك تلك الخطوة إرسال كود تأكيدي في رسالة نصية على رقم هاتفك في كل مرة تسجل دخولك بهاتفك الإلكتروني وكلمة السر، للتأكد مِن أنك مَنْ يحاول فتح الحساب.
- تجنب وضع بصمة وجهك أو يدك أو عينك، ستظل كلمات السر المكتوبة هي الأقوى على الإطلاق.
- لا تثق في أي موقع إلكتروني بشكل كامل، ولا تُدخل بياناتك الشخصية جميعها صحيحة.
- تعامل مع هاتفك بحذر شديد لأنه يعرف عنك أكثر من نفسك، وكذلك فيسبوك.
- لا تثق في أي نظام أمني لأن جميعها قابل للاختراق، حتى أجهزة آبل التي تشتهر بخصوصيتها، فقد حدث واستغل مجهولون ثغرة في خدمة تخزين آبل السحابية «آي كلاود» لتسريب مجموعة من الصور الشخصية لعدد كبير من المشاهير.
- تأكد أنه بمجرد أن تتجاوز كلمات السر الخاصة بك ذاكرتك إلى أي وسيط آخر، فأنت مهدد بالاختراق.