هذا الموضوع نتاج فكرة اقترحها أحد قرَّاء «منشور» وعمل مع محرري الموقع على تطويرها، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.
فصام السياسة الفلسطينية: من يدفع ثمن صراع حماس وفتح على السلطة؟
تواجه القضية الفلسطينية اليوم مأزقًا شديدًا بسبب انقسام المتحدثين باسمها، فلم يعد الأمر مقصورًا، بالنسبة إلى هؤلاء، على مواجهة عدو صهيوني مشترك، بل تحول إلى صراع داخلي بين أجنحة السلطة الفلسطينية والمقاومة، دون الانتباه إلى أن من سيدفع ثمن هذا الصراع هو على الأرجح الشعب الفلسطيني نفسه.
وفي الوقت الذي تستند فيه حكومة فتح إلى الاعتراف الدولي في محاولتها فرض الهيمنة على مُجمل القرار الفلسطيني، تلجأ حماس إلى رأسمالها الرمزي الممثل في كونها «حركة مقاومة» ترفض التعاون مع العدو الإسرائيلي، وتحاول في الوقت نفسه تقديم بعض التنازلات من آنٍ إلى آخر لنَيْل الاعتراف الدولي، أو حتى التعاطف، فإلامَ تنتهي هذه المنافسة؟ وما تبعاتها المحتملة؟
لحظات وِحدة هشَّة ومؤقتة
يحاول محمود عباس أن يتخذ خطوات عقابية لإجبار حماس على الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية مع السلطة الفلسطينية.
بعد أن وضعت إسرائيل أجهزة كشف عن المعادن في مداخل المسجد الأقصى، ردًّا على عملية للمقاومة، خرج الفلسطينيون إلى الشوارع احتجاجًا، وسارع رجال السلطة بالظهور عبر وسائل الإعلام، فأشاد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، ببدء هزيمة الاحتلال الإسرائيلي، وشدد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، على وحدة الشعب الفلسطيني، قائلًا إن «الجميع كانوا يقفون كرجل واحد» ضد تدخل قوات الاحتلال في الأماكن المقدسة.
لكن فور أن أزالت إسرائيل أجهزة الكشف عن المعادن وانحسرت حدة التوتر بينها وبين الفلسطينيين، انتهت اللحظة النادرة للوحدة بين السلطة الفلسطينية في الضفة وبين حماس، وهي الوحدة التي لم تكن واقعية بالكامل.
في وقت سابق من عام 2017، تسبب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تقليل إسرائيل حصة قطاع غزة من الكهرباء، وخفَّض رواتب الآلاف من موظفي غزة العاملين في حكومته، ويحاول أن يتخذ خطوات عقابية لإجبار حماس على الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية مع السلطة الفلسطينية.
في الوقت نفسه، ترفض حماس تقديم تنازلات كبيرة أو علنية إلى السلطة الفلسطينية، ولا يدفع ثمن هذا الانقسام سوى سكان غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة، والذين اعتادوا انقطاع الكهرباء لمدة 20 ساعة يوميًّا في بعض الأحيان، وتدهورت البنية الأساسية بشدة في القطاع، خصوصًا الخدمات الطبية والصرف الصحي.
قد يهمك أيضًا: كيف يبدو مستقبل غزة مع الحصار؟
تراهن حكومة حماس على الصمود أمام التضييق الذي تقوده حكومة فتح، كي تحافظ على رصيدها كرمز للمقاومة يرفض التعامل مع إسرائيل، عكس حكومة عباس، وهكذا يقع المواطن بين صراع الحكومتين من أجل الهيمنة على الصوت الفلسطيني.
الصراع على تأييد الفلسطينيين والعالم
يؤدي هذا الصراع إلى تغريب الفلسطينيين خصوصًا عن حكومة الضفة، التي لا تمتلك الرصيد الرمزي لحماس ولا تشاركها خطاب المظلومية نفسه. وتشير الصحفية الإسرائيلية «شيرا روبين» في مقالها المنشور على موقع «Vox» إلى أن معظم الفلسطينيين يقولون إنهم لم يعودوا يؤيدوا السلطة الفلسطينية في الضفة، ويتمنون أن يستقيل عباس.
بحسب روبين، يرفض عديد من الفلسطينيين تعاون عباس مع إسرائيل، ومع أكثر من 350 ألف مستوطِن إسرائيلي يعيشون فى الضفة الغربية إلى جوار 2.5 مليون فلسطيني، في المستوطنات الإسرائيلية المميزة بأسقفها الحمراء وخطوط أنابيب المياه التي توفرها إسرائيل والطرق السريعة المجهزة خصيصًا لهم، والممنوعة على الفلسطينيين.
يشعر الفلسطينيون جرَّاء ذلك كله أن الحكم العسكري الإسرائيلي على الضفة الغربية بات واقعًا، وتتصرف حكومة الاحتلال الإسرائيلية دائمًا باعتبار أن عباس زعيم ضعيف وغير فعال، لا يمكن لوعوده المُعلنة أن تؤثر فعلًا في أي شيء على الأرض.
ستنظر حماس مع السلطة الفلسطينية في أمر إقامة دولة فلسطينية مؤقتة على حدود 1967، دون ترك حقها في استخدام السلاح.
لدى حماس رأي آخر هو استخدام القوة، التي نجحت عن طريقها في جلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات أكثر من مرة، كما حدث في صيف 2014، عندما تفاوضت حماس، بمساعدة مصر وليس محمود عباس، مع إسرائيل لإنهاء حرب وحشية استمرت 50 يومًا.
وفي عام 2011، بدلت حماس الجندي الإسرائيلي «جلعاد شاليط» بأكثر من ألف سجين فلسطيني، كان كثير منهم يقضي أحكامًا بالسجن مدى الحياة، ومن بينهم رئيس حماس الحالي في غزة، يحيى السنوار، وتَلْقَى مثل هذه الخطوات ثناءً في الوسطين السياسي والشعبي الفلسطيني.
اقرأ أيضًا: صوت فرقة الراب الفلسطينية «دام» يزعج إسرائيل
حماس تقدم بعض التنازلات
تتغير مواقف حماس هي الأخرى، وفي الوثيقة الجديدة التي نشرتها مؤخرًا، تجنبت إثارة النقاشات بشأن الهيمنة العالمية اليهودية، والمقارنات بين اليهود والنازيين، في محاولة لإعادة تقديم نفسها، بحسب روبين.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر وثيقة حماس الجديدة في موقف إيران من إسرائيل؟
أشارت حماس إلى أنها ستنظر مع السلطة الفلسطينية في أمر إقامة دولة فلسطينية مؤقتة على حدود 1967، لكنها لن تتخلى مع ذلك عن حقها في استخدام السلاح، أو استعادة كل «فلسطين التاريخية»، أي الأرض التي تقف عليها إسرائيل.
فوزي برهوم، المتحدث باسم حماس، أكد للصحفيين خلال مايو 2017 في قطر أن «الوثيقة تتيح لنا فرصة التواصل مع العالم الخارجي. رسالتنا هي أن حماس ليست راديكالية، نحن حركة براغماتية وحضارية. نحن لا نكره اليهود، إننا نقاتل فقط الذين يحتلون أراضينا ويقتلون شعبنا».
كان عباس واحدًا من قادة 55 دولة إسلامية دعاها السعوديون لحضور خطاب ترامب للعالم الإسلامي في الرياض، ولم تُدعَ حماس.
لدى حماس كثير من المكاسب في التحالف مع الولايات المتحدة، تشمل تأمينها لتمويل ولموقف دولي داعم طال انتظاره، ومن شأن هذه المكاسب أن تعزز ادعاء أن حماس، وليس السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني.
توسُّط أمريكي لا يقدم أو يؤخر
لم يحرز ترامب أي تقدم واضح في معالجة القضية الفلسطينية.
زار محمود عباس البيت الأبيض في الثالث من مايو 2017، وأعلن أن المحادثات «جعلته متفائلًا». وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي، قال إنه يعتقد أن ترامب، الذي وصفه بالشجاع والحكيم، قادر على تحقيق معاهدة سلام تاريخية.
وعقب اجتماع البيت الأبيض، أعلن السفير الفلسطيني في واشنطن حسام زملوت، متحدثًا لمجلة «بوليتيكو»، أن «جميع المؤشرات تشير إلى أن الرئيس ترامب جادٌّ وحريص على بدء عملية سياسية، ونحن كذلك».
ما زالت الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان حركة حماس في أي مفاوضات رغم وثيقة حماس. وفي أول زيارة لترامب خارج الولايات المتحدة، كان عباس واحدًا من قادة 55 دولة إسلامية دعاها السعوديون لحضور خطاب ترامب للعالم الإسلامي في الرياض، لكن لم تُدع حماس.
قد يعجبك أيضًا: المتعاطفون مع الفلسطينيين مُدانون في هوليوود
ربما لا يؤدي هذا السباق لإرضاء ترامب، من قِبل أطراف الصراع الفلسطيني-الفلسطيني، إلى أي شيء، إذ لم يحرز ترامب تقدمًا واضحًا في معالجة القضية الفلسطينية كما ترى روبين، واكتفى بتكليف صهره ومستشاره البارز «جاريد كوشنر»، وهو مطوِّر عقاري عمره 36 عامًا وليست له خبرة سياسية أو دبلوماسية، بالتوسط في صفقة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بحسب نص مسرَّب تشير إليه روبين، عندما سُئل كوشنر في مقابلة أجريت مؤخرًا مع المتدربين في الكونغرس عن كيفية إدارة ترامب لمسألة السلام بين إسرائيل وفلسطين، كان رده ببساطة: «لا أعرف».
مخاطر النهاية
يمكن أن يؤدي الانقسام بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين حركة حماس إلى إنشاء دولتين فلسطينيتين منفصلتين تمامًا: واحدة تديرها حماس، ولا تعترف بإسرائيل، والأخرى تديرها السلطة الفلسطينية، والتي فشلت على أي حال فى التوصل إلى اتفاق سلام مع دولة الإحتلال.
من شأن مثل هذا السيناريو أن يزيد عزلة حماس ومعاناة الشعب الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، ويميت القضية الفلسطينية وينهي أي أمل لحلها، إذ سيبقى الصدع بين السلطتين هو اختلاف أيديولوجي بين مفاوضات سلام تنطلق من موقف الأضعف، وبين كفاح مسلح غير محسوب وطامح لاستثمار رأسمال حماس الرمزي أكثر مما يطمح في تحقيق أي مكاسب واقعية.