بشار الأسد: من طبيب خجول إلى ديكتاتور وحشي
لم تبدُ على بشار الأسد في بداية حياته مظاهر الديكتاتور، فالابن الثاني للرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد كان خجولًا إلى حد ما في حديثه، من وجهة نظر صديقه الجامعي أيمن عبد النور، الذي يقول إنه كان يتجنب التجمعات الكبيرة، لدرجة أنك لن تخمن أنه ابن الرئيس إلا إذا كنت تعرفه شخصيًّا.
يأتي قول عبد النور منقولًا في مقال للصحفي «ماكس دي هالديفانغ» على موقع «كوارتز»، يتابع فيه تحولات شخصية بشار الجذرية منذ كان طبيب عيون هادئًا وصامتًا حتى صار ما هو عليه اليوم.
الأسد: طاغية أم إصلاحي؟
ما الذي حول بشار الأسد إلى طاغية يائس يسعى للتمسك بالسلطة؟
وفقًا للمقال، تغيرت حياة بشار بدرجة كبيرة عقب وفاة أخيه باسل في حادث مروري عام 1993، إذ كان يدرس في لندن وقت وقوع الحادث، فاستدعاه والده حافظ إلى سوريا باعتباره الأمل الجديد للشعب السوري. وعقب وفاة والده تولى بشار منصب الرئيس، وانتهى الأمر بالطبيب عام 2013، وفقًا للتقارير، بقتل قرابة 1400 شخص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر استخدام للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين منذ صدام حسين عام 1988.
ينقل المقال إشارة نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، الذي أمضى 11 عامًا في مراقبة نظام الأسد، إلى وجود صراع داخل شخص بشار بين الرجل الهادئ الذي يجري مقابلات مع وسائل الإعلام ويتحدث بهدوء، مخالفًا صورة الديكتاتور العربي مثل صدام أو القذافي، وبين سلوك نظامه الوحشي وجرائم القتل الجماعي التي يرتكبها بحق المدنيين، والقصف العشوائي.
لهذه الأسباب لا أحد يعرف حقًا إذا كان الأسد يهتم بالأفكار الإصلاحية التي كان يدافع عنها في بداية فترته أم لا، إذ كان يميل على الأقل نحو الليبرالية الاقتصادية. لكن ما الذي حوله إلى طاغية يائس يسعى إلى التمسك بالسلطة؟
يرى الكاتب أن الأسباب ربما تتمثل في الاستبداد الراسخ للقوى المحيطة به، والحوادث السياسية التي شكلت شخصيته.
قد يهمك أيضًا: ربما يصبح العالم أكثر سلامًا تحت حكم المجانين
يوضح أستاذ التاريخ في جامعة ترينيتي، «ديفيد ليش»، الذي ألف كتابين عن سوريا في عهد الأسد، أن هذا التحول راجع إلى كون بشار ابنًا للحرب الباردة، بالإضافة إلى كونه ابنًا لحافظ الأسد، وتلك مؤثرات شكلت رؤيته للعالم، وحولته من طالب مجتهد يحب الموسيقى إلى ديكتاتور.
بدايات الأسد وسعيه للانفتاح
عقب 29 عامًا من حكم حافظ الأسد، الذي جاء إلى السلطة بانقلاب، بدا بشار وزوجته بادرة تغيير، إذ دعا خطابه الافتتاحي في عام 2000 إلى الديمقراطية والشفافية والنقد البناء، بل تضمن كذلك انتقادات ضمنية لأبيه، وخلق قدرًا كبيرًا من الأمل بين السوريين.
بدأت رئاسة الأسد بفترة من الانفتاح النسبي عُرفت باسم «ربيع دمشق»، فسُمح بنشاط الأحزاب المعارضة، وحُررت الصحافة بعض الشيء، وأُطلق سراح المئات من السجناء السياسيين، فيما أسس المثقفون الليبراليون صالونات للمناقشة في جميع أنحاء العاصمة السورية، وجمعوا كتيبات سياسية وطلبات للإصلاح.
إلا أن هذا الانفتاح لم يدم طويلًا بحسب المقال، إذ يشير مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، «جوشوا لانديس»، إلى أن الأمر لم يستغرق أكثر من بضعة أسابيع قبل أن يطالب الناس بتغيير النظام لأنه كان فاسدًا، ففي غضون أشهر، كان الأسد يحذر من أن منظمات المجتمع المدني التي تنتقد الحكومة كانت، بوعي أو دون وعي، تساعد «أعداء البلاد»، وأنه سيضطر إلى التعامل معها، وعقب أشهر، سجن 10 أفراد من زعماء المعارضة.
قد يعجبك أيضًا: كيف يسير بشار على سياسة أبيه حافظ؟
يعتقد الناشط في مجال حقوق الإنسان رضوان زيادة أن ربيع دمشق كان مجرد خطوة تجميلية لمحاولة الحصول على الشرعية، إذ حظي الأسد في البداية بالثناء من قادة دوليين.
لدى زيادة أسباب وجيهة للتشكيك في دوافع الأسد، فقد كان واحدًا من المفكرين المعارضين له، فصادرت الحكومة جواز سفره وفرضت رقابة على كتاباته، وتعقبته أجهزة الأمن لمدة عام تقريبًا، حتى سافر في النهاية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007، ولم يعد أبدًا إلى سوريا.
فساد بشار الأسد
رغم مقاومة الرُّتب القديمة في الأجهزة الأمنية لأي انفتاح من شأنه أن يؤدي إلى معارضة، فإن بشار لم يحقق سوى بعض الإصلاحات الاقتصادية، وخصخص المصارف وشبكة الإنترنت، وأصبح الاستثمار الأجنبي أسهل، ومع ذلك، فإن دوافعه لمثل هذه التغييرات كان خدمة أصدقائه وعائلته بحسب عبد النور، الذي عمل مستشارًا للحكومة في أوائل عام 2000، ويرى أن إصلاح الاقتصاد لمساعدة السوريين العاديين كان بعيدًا عن أولويات الأسد.
كانت المحسوبية من عوامل حدوث انتفاضة 2011، لأنها خلقت استياءً ووسعت الفجوة بين الطبقات.
يشير عبد النور إلى أن هذا الدافع الخفي بدا واضحًا عام 2003، عندما أقر البرلمان السوري مشروع قانون الإصلاح، وكان عم الأسد يقنعه بعدم التوقيع على مشروع القانون إلى أن يتم تغييره ليشمل ست أو سبع فقرات من شأنها أن تعود بالنفع مباشرةً على أعمال ابن عمه، وكانت هذه المرة الأخيرة التي يتحدث فيها عبد النور مع صديقه الجامعي القديم، بعدما أدرك أنه يعمل لمصلحة عائلته، على حد تعبيره.
اقرأ أيضًا: 14 علامة تخبرك أنك تعيش في «مجتمع فاشي»
توقف عبد النور بعد ذلك عن تقديم المشورة إلى الأسد، وأنشأ موقع «All4Syria» الإخباري للمعارضة، الذي يديره حاليًّا من لوس أنجلوس.
كانت المحسوبية من عوامل حدوث انتفاضة 2011 بحسب المقال، إذ خلقت استياءً هائلًا، وأدت إلى اتساع الفجوة بين الطبقات، بينما أسهم التغيير المحدود في تشجيع المعارضة، فالانفتاح وانتشار الإنترنت في سوريا جعلا المراقبة مستحيلة على المستويات التي حافظ عليها الأسد الأب، وأُتيح للناس الوصول إلى المعلومات، ممَّا أدى إلى الحدث الذي من شأنه ترسيخ تحول الأسد إلى قاتل جماعي بدم بارد.
جنون العظمة والارتياب
حاد الأسد عن الإصلاح بالتزامن مع تغير شخصيته، فانغمس في فقاعة السلطة الاستبدادية، ويشير ليش إلى أن هذا السلوك كان سِمة مميزة للقادة السوريين على مدى عقود، فالقيادة السورية منذ الخمسينيات كانت تتسم بجنون الارتياب (Paranoia)، بسبب الانقلابات المستمرة والانقلابات المضادة، لذا كانوا يعتقدون أن أي معارضة مؤامرة.
يرى ليش أن ذلك بات واضحًا عقب حديثه مع الأسد بعد فترة وجيزة من إعادة انتخابه عام 2007، إذ كان المرشح الوحيد، وفاز في الانتخابات بنسبة 97.6٪ من الأصوات. وجدير بالذكر أن ليش أمضى ساعات مع الرئيس خلال إنجازه كتابًا عنه في عامي 2004 و2005، ورأى وقتها أن الأسد شخص شديد التواضع وغير مدَّعِ.
لكن مع ذلك، وعندما سأله ليش عن أفكاره بشأن الانتخابات التي أعادته إلى السلطة، وألمح إلى أنها لم تكن انتخابات نزيهة، أخبره الأسد أن فوزه إنما يدل على حب الناس له، ويستنتج ليش أن جنون العظمة لدى الأسد كان قد بدأ يزداد بدرجة ملحوظة.
عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع في 2011 نادوا بإصلاحات سياسية فقط، وكان رد فعل الأسد هو اعتبارهم أجانب أو إرهابيين.
يرى عبد النور كذلك أن بشار كان قد أصبح مريضًا نفسيًّا ومستعدًا لقتل كل من يعارضه، وممَّا فاقم هذه الحالة حرب العراق وخطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بشأن تعزيز الديمقراطية وتغيير النظام في الشرق الأوسط، الذي جعل الحكام الديكتاتوريين في أنحاء المنطقة يرون أن مخاوفهم من الأعداء الخارجيين صحيحة تمامًا.
زاد خطاب الأسد الصريح بشأن الغزو «الأنجلو-أمريكي» من حدة علاقاته مع الولايات المتحدة، ثم أتبع ذلك فرض بوش عقوبات على سوريا بسبب احتلالها لبنان لسنوات طويلة ودعمها للجماعات الإرهابية، ورفض الأسد في البداية سحب قواته من لبنان، ولكن بعد اتهامه بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري انحنى للضغط الدولي وانسحب، ممَّا غذى شعور الأسد بعدم استطاعته التعامل مع الأزمات الإقليمية أو الدولية، وفقًا لرضوان.
اقرأ أيضًا: قصة النزاع الخفي بين تركيا وإيران للسيطرة على سوريا
ثورة 2011: شخصية الأسد تظهر
لم يبدأ القذافي حياته كرجل مجنون، بل انتهى مجنونًا، لذا يكون الاختبار الحقيقي عندما تواجه السُّلطة تحديًا حقيقيًّا.
بلورت ثورة 2011 التراجع النفسي والسياسي للأسد بحسب المقال، فعندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع في البداية لم ينادوا بتغيير النظام، بل بإصلاحات سياسية فقط، وكان رد فعله قاسيًا، إذ اعتبرهم أجانب أو إرهابيين أتوا بالأصولية الإسلامية إلى سوريا، ويسعون إلى تقويض أحد المعاقل الأخيرة للعلمانية العربية.
بمجرد إقناع نفسك بالباطل، على حد تعبير ليش، فإن محاربة التهديد الوجودي يمكن أن يبرر الوسائل العنيفة، فقوات الأسد لا تملك الموارد اللازمة لاستعادة السيطرة على المدينة من المعارضة، لذا يحتاجون إلى استخدام أساليب مثل الأسلحة الكيمائية لتعذيبهم.
غير أن هناك رأيًا آخر يتبناه معارضون مثل زيادة وعبد النور، مفاده أن الأسد اعتنق عقيدة مماثلة لعقيدة الملوك الغربيين في العصور الوسطى، المعروفة باسم «الحق الإلهي للملوك»، مثل والده الذي كان يعتقد دائمًا أنه يحق له أن يفعل ما يريد في شعبه، يقتلهم أو يعذبهم، فالأسد، في رأي زيادة، يرى نفسه أبًا يعاقب أبناءه المخطئين.
قد يهمك أيضًا: علامات قيام الثورات: متى ينفجر بركان الشعوب؟
يشير حوري إلى أن الشخصية الحقيقية للزعيم تظهر عندما يتعرض نظامه للخطر، فالقذافي لم يبدأ حياته كرجل مجنون، بل انتهى مجنونًا، لذا يكون الاختبار الحقيقي عندما تواجه سلطتك تحديًا حقيقيًّا، إذ لم تواجد سلطة الأسد أي تحدٍ قبل عام 2011، وعندما حدث ذلك، ظهرت وحشية الأسد ضد شعبه، وطغت شخصية الديكتاتور الوحشي على شخصية الطبيب الخجول.
أحمد حمدي مسلَّم