كش ملك: قصة النزاع الخفي بين تركيا وإيران للسيطرة على سوريا

الصورة: TASNIM News

ندى حنان
نشر في 2017/05/14

في الشطرنج، تتحكم حركة الجندي في مسار الجولة بأكملها: قد يموت الملك، ويُشنق الوزير، وتُحاصر الطابية، فقط لأنك دفعت بالجندي ذي المكانة المتواضعة خطوتين بدلًا من خطوة واحدة. والسياسة ما هي إلا رقعة شطرنج كبيرة، فلو اعتبرنا محمد البوعزيزي، التونسي الذي أضرم النار في جسده في 17 ديسمبر 2010، جنديًّا تُفتتح به اللعبة، فلقد نجحت خطوته في إخماد سطوة بلاد وإعلاء شأن بلاد أخرى.

استعرض مقال على موقع «ميدل إيست مونيتور» سطوع نجم تركيا على مسرح السياسة العالمية، فمع الاضطرابات التي عمَّت أرجاء المنطقة عقب الثورات الشعبية المتتالية، والتوتر في مصر وسوريا وليبيا وتونس، وبقاء الوضع على ما هو عليه في العراق، وانشغال السعودية بما يحدث في اليمن؛ أصبح طريق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ممهدًا لفرض هيمنته وتوسيع قوة تركيا الإقليمية، وهو يتحرك في كل خطوة بحنكة لاعب شطرنج متمرس.

ما قبل المباراة: فائدة الخسائر الأمريكية

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الصورة: Gage Skidmore

يستمر حضور النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وتتصارع تركيا وإيران في الوقت نفسه لحيازة دور رئيسي في المنطقة، لكن يصعب حسم هذا النزاع بسبب تعادلهما في القوة، أما أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فتجلسان لمشاهدة المباراة من مقاعد المتفرجين.

تسعى كلٌّ من تركيا وإيران لسبق الأخرى من أجل تكوين حلفاء للفوز بسوريا.

يذكر المقال أن الخسارة التي حلَّت بالدبلوماسية الأمريكية نتيجة التصريحات المتضاربة بشأن سوريا، مثل دعم الثُّوَّار ورفض الحظر الجوي وممرات المساعدة الإنسانية في الآن نفسه، كانت سببًا في اكتساب الدبلوماسيتين التركية والإيرانية نفوذًا متزايدًا في المنطقة.

بالنسبة لتركيا، أدى رفض أوروبا المستمر لإعفاء الأتراك من تأشيرة دخول بلدان الاتحاد الأوروبي إلى رضا تركيا باللعب منفردة. ولا تختلف النظرة التركية تجاه أمريكا كثيرًا، بل ربما تكون أسوأ كما ترى كاتبة المقال، إذ يؤمن أغلب الأتراك أن الولايات المتحدة لعبت دورًا في محاولة الانقلاب الأخيرة على إردوغان، أو أنها كانت تعلم تفاصيلها على الأقل، إن لم تموِّلها مباشرةً.

بغض النظر عن صحة الأسباب التي دفعت تركيا وإيران لحجب أعين كل القوى الدولية، عدا روسيا، عمَّا يجري فوق رقعة الشطرنج الخاصة بهما في الشرق الأوسط، فإن الدولتين تخوضان غمار صدام حقيقي في هذا التوقيت، وتسعى كل منهما إلى سبق الأخرى في رحلتهما لتكوين حلفاء من الشرق والغرب، وطرق أبواب من كانوا أعداءً لهما في السابق، لكسبهم أو ضمان حيادهم في هذه المنافسة الخفية.

اقرأ أيضًا: ما لا يخبرنا به الإعلام عن صراع السعودية وإيران في اليمن

الجولة الأولى: تركيا تقوم بحركتها الافتتاحية

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع بوتين رئيس روسيا
إردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - الصورة: Kremlin

انتهز إردوغان تحذير دونالد ترامب لطهران عقب إطلاقها لصاروخ باليستي عابر للقارات، كخطوة استعراضية لإظهار مدى قوتها للعالم، وقام بخطوته الأولى حين صرح بأن «القومية الفارسية» سبب أزمة الشرق الأوسط، كما اتهم وزير الخارجية التركي إيران بدعمها الحروب الطائفية والمشاركة فيها.

الآن، يجلس العالم بأكمله على مقاعد المشاهدين لمتابعة جولة الشطرنج الجارية بين إيران وتركيا، ولا يسعهم سوى انتظار حركة إيران القادمة. كل كلمة وكل تصريح يصدر عن الطرفين لن يخرج عشوائيًّا، وإنما سيُلفَظ فقط لتحريك قطعة معينة على الرقعة بحسب استراتيجية ما، وربما تستغل كلا الدولتين سلوك ترامب المتعجرف لصالحها، لكنهما لن تمنحا الأمان التام لبوتين في الوقت نفسه.

تهدف كلٌّ من تركيا وإيران مع ذلك للحصول على مباركة روسيا، باعتبارها أبًا روحيًّا للصراع الجاري لكسب دمشق. وبحسب المقال، استطاع بوتين مدَّ نفوذه في سوريا، وأنشأ قواعد بحرية وجوية، وحين بدا عليه السأم من سياسات الشرق الأوسط، كانت هذه بمثابة دعوة لتركيا وإيران لمحاولة ملءِ الفراغ الذي قد تتركه موسكو.

هذه اللعبة خطرة، ولن تحل عواقبها على الشرق الأوسط فحسب، بل ربما تمتد إلى العالم بأسره.

إذا فازت تركيا بهذه الجولة، فلن تكون إيران وحدها الخاسرة في رأي الكاتبة، بل ستلحق الهزيمة كذلك بتنظيم ما يُسمَّى بالدولة الإسلامية «داعش»، وكذلك بشار الأسد والأكراد، بينما ستكتفي السعودية وحلفاؤها من بلدان الخليج بتقديم تحيات العرفان بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها، وهي أموال النفط، من أجل تمويل منطقة آمنة في جنوب سوريا.

ولأن ترامب لن يخسر شيئًا جرَّاء مد النفوذ التركي، فربما يوافق على إنشاء ممرات للمساعدة الإنسانية تخضع لسُلطة إسطنبول بهدف إزعاج إيران،  لكنه مع ذلك سينسب انحسار النفوذ الإيراني إلى الولايات المتحدة وإليه.

هذا بعض ما قد يترتب على «المباراة» الحالية إذا آلت الأمور لصالح تركيا، ولابد لإردوغان ومؤيديه أن يعلموا خطورة هذه اللعبة، إذ لن تحل عواقبها على شعوب الشرق الأوسط فحسب، بل ربما تمتد إلى العالم بأسره، وفقًا للكاتبة.

الجولة الثانية: هجوم إيران المضاد

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس إيران روحاني
الرئيس الإيراني حسن روحاني مع بوتين - الصورة: Kremlin

هل تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام الهجمات التركية السياسية المتتالية؟ بالطبع لا، فما الذي يحدث إذًا على الجانب الآخر من رقعة الشطرنج؟

بدأ الصراع بين إيران وتركيا للسيطرة وفرض النفوذ منذ عقود، ولا يُتوقَّع انتهاؤه قريبًا رغم بعض محاولات تجاوزه، مثل دعم إيران لإردوغان بعد محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة.

قد يعجبك أيضًا: علمانية أم دينية؟ خلطة إردوغان لمزج الإسلام السياسي بـ«القومية» التركية

تصاعدت المناوشات الدبلوماسية مجددًا في الآونة الأخيرة، فضرب إردوغان ضربته السياسية واتهم إيران بالتسبب في عدم استقرار الأوضاع في المنطقة، وكان على إيران اتخاذ موقف لإدانة هذه الاتهامات، فاستدعت السفير التركي لديها.

لا زالت إيران قلقة من عمليات تركيا في شمال سوريا رغم التنازلات التي قدمها الأتراك.

حان الدور على إيران للقيام بهجمة مضادة تضمن تعادل النقاط على الأقل في هذه الجولة التي تُلعب تحت أنظار العالم كله: نددت طهران بدعم تركيا للإرهابيين في سوريا، وأعربت عن قلقها إزاء العلاقات التي تربط الأتراك وجبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، إضافًة إلى مساعدتها الواضحة لجبهة «أحرار الشام».

وتؤكد اتفاقية وقف إطلاق النار التي وافقت عليها تركيا هذه المزاعم الإيرانية، إذ استُبعدت جبهة «فتح الشام» والجماعات التابعة لها من البند الخاص بوقف الأعمال القتالية، كما رفضت جبهة «أحرار الشام» الاتفاق نهائيًّا، ممَّا يعطينا لمحة عن ماهية المساندة التي تركن إليها تلك الجماعات الجهادية.

حان الوقت كي ترجع تركيا خطوة إلى الوراء، ففي أثناء الاتفاق على بنود وثيقة موسكو لحل الأزمة السورية، تغاضت تركيا عمَّا أصرت عليه سابقًا بخصوص إزاحة الأسد من السلطة قبل الشروع في محادثات السلام، ومنع «حزب الله» الذي تدعمه إيران من العمل في سوريا. لكن هل كانت تلك الخطوة بمثابة إشعار بالاستسلام أم مجرد تراجع طفيف لتمهيد الطريق أمام هجوم آخر؟ لا أحد يعرف.

اقرأ أيضًا: هذا الشبل من ذاك الأسد: كيف يسير بشار على سياسة أبيه حافظ؟

لا زالت إيران قلقة من عمليات تركيا في شمال سوريا رغم التنازلات التي قدمها الأتراك في وثيقة موسكو. قبلت طهران وجود هذه العمليات التركية طالما اقتصرت على محاربة تنظيم «داعش» والأكراد، ولم تمتد لتشمل مناطق جديدة مثل مدينة الرقة على وجه التحديد.  

جولة الشطرنج في بدايتها لم تزل، ويبقى الصراع بين تركيا وإيران في حالة شد وجذب، هجوم ودفاع، إقدام وتراجع.  من سيخسر نصيب الأسد في المنطقة؟ من سيقتنصه؟ ستظل المعركة مبهمة لبعض الوقت، ولكنها حين تنكشف قد تقلب الموازين بالتأكيد.

مواضيع مشابهة