أطفال مرعبون: كيف تجسد السينما مخاوفنا الشخصية؟

نُهير عماد
نشر في 2017/12/15

التصميم: منشور

هذا الموضوع ضمن هاجس شهر أكتوبر «في مصنع خيال الطفل». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


في عام 2011، أحصت الأستاذ المساعد في قسم الأدب بجامعة نورث أريزونا الأمريكية «كارِن رينر»، 200 فيلم تدور أحداثها حول ما يطلَق عليه مجازًا «الطفل الشرير»، أُنتج أكثر من نصف تلك الأفلام منذ عام 2000 فقط. وفي إحصاء آخر، بلغ عدد تلك الأفلام نحو 600 فيلم، أُنتج قرابة ثلثيها في الألفية الجديدة، وهذا في السينما فقط.

كثيرًا ما يناقش التلفزيون الموضوع ذاته أيضًا، إذ تتناول الأخبار قصصًا عن أطفال مجرمين، وهو موضوع يبدو أنه مثير للاهتمام لدرجة أن هناك سلسلة أفلام وثائقية كاملة أُنتجت عنه تحت اسم «Killer Kids»، بدأ عرضها على شبكة «لايف تايم» عام 2012، ولا تزال مستمرة حتى وقت كتابة هذا الموضوع.

غزت هذه الثيمة المسلسلات التلفزيونية كذلك، فظهر أطفال مجرمون بصورة متكررة في مسلسلات عدة، مثل «Law and Order» و«Criminal Minds». بينما يعرض تلفزيون الواقع نظرة أكثر قربًا عن المراهقين سيئي السلوك، في برامج مثل «Nanny 911» و«Super Nanny» و«Toddlers & Tiaras» وغيرها.

لا يمكننا كذلك تجاهل التناولات المماثلة في المسلسلات الكوميدية الكارتونية، مثل شخصية «بارت» في مسلسل «The Simpsons»، أو شخصية «إيريك كارتمان» سليط اللسان في مسلسل «South Park»، أو «ستيوي جريفين» المجنون في مسلسل «Family Guy».

لم يكن تاريخ سرديات الأطفال الأشرار سوى جهدًا متصلًا يهدف إلى تأكيد فطرة الأطفال السليمة بإدخال عناصر ذات طابع خوارقي إلى الحبكة الدرامية، مثل الجينات الشيطانية في فيلم «The Omen»، أو الروح الشريرة التي سيطرت على جسد الطفلة في فيلم «The Exorcist»، التي تبرئ الطفل من مسؤولية ارتكاب أشد الأفعال شناعة، وكأنه لا يمكن تفسير أي سلوك شرير يصدر من الأطفال إلا بردِّه إلى أصول غرائبية أو شيطانية، تسيطر عليهم وتدفعهم إلى ارتكاب أفعال تخيف الكبار.

هذه الظواهر الخارقة للطبيعة، التي تحدث للأطفال في تلك الأفلام، ترمز في كثير من الأحيان إلى الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع كل انحراف عن الصورة المثالية للطفل، مثل الجينات المعيبة التي تتنج أطفالًا مشوهين من الناحية الجسدية، أو الأساليب الخاطئة في التربية، التي تتسبب في إصابة الأطفال بتشوهات نفسية، أو حتى المؤثرات السلبية الخارجية، مثل ألعاب الفيديو العنيفة، أو مجرد الخوف من وجود هؤلاء الأطفال في مجتمعات مستهلكة مهووسة جنسيًّا، أو نشأتهم في ثقافة تحرِّض على الحروب.

تُجسِّد هذه الأفلام مخاوفنا الشخصية.

في سرديات الأطفال الأشرار، الشر مجرد أثر لا سبب، أو بمعنًى آخر، الشر استجابة لتأثير ما، لا صفة جذرية في جوهر الطفل ذاته، لذا يرفض أي نَصٍّ يناقش قضية الطفل الشرير تحميله مسؤولية أفعاله، أو حتى تصويره باعتباره كائنًا فاسدًا. ومع أن الأطفال الأشرار كائنات لا تدرك أفعالها، فإن هذه السرديات تنمِّي بداخلنا شعورًا بالرعب منهم، بل أحيانًا تجعلنا نتقبل فكرة قتلهم ضمن الأحداث الدرامية للعمل.

يجب أن يعود الطفل الشرير إلى فطرته الأولى بتخليصه من الأرواح الشريرة، إما هذا أو أن يُقتل، فلا مكان له في عالمنا.

ترى كارِن رينر أنه يمكن دراسة عدد من الأنماط التي تستخدمها الأعمال الدرامية في تناولها لثيمة الطفل الشرير، فالطفل يأتي إلى هذا العالم عبر واحد من الطرق الآتية:

1. ميلاد الوحش

تعامل الناس، على مدار التاريخ، مع ولادة الأطفال المشوهين باعتبارها إشارة إلى ما ارتكبه الوالدان من ذنوب، أو كعقاب إلهي على انتشار العيوب المجتمعية والمعاصي.

تنص إحدى النظريات على أن «التأثير الأمومي» (تأثير الأم على الطفل) رَبَط بين مشاعر الأم وتجاربها، وبين تشوهات أطفالها. تناقش الروايات التي كُتبت في الفترة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي كل هذه المعاني الرمزية وراء ميلاد الأطفال المتوحشين، بغرض تقديم نقد لدور الأم والأب والمجتمع.

تختلف أهداف النقد من نصٍّ إلى آخر، فبينما تهاجم أعمال مثل فيلم «Rosemary's Baby»، بطلاتها الرئيسيات لأن أسلوبهن في التربية قديم وغير مواكب للعصر، يمتد النقد في فيلمي «It's Alive» و«It Lives Again» ليشمل فشل الآباء أيضًا، والمشاكل الاجتماعية مثل التلوث وفساد الشركات، وفقدان الاحترام الملحوظ لمبدأ الأمومة والطفولة خلال عهد الثورة الجنسية، حينما صدر قرار «روي ضد ويد».

في بعض الأفلام، يؤثر الحمض النووي الشيطاني في طبيعة الطفل أكثر من إسهامات الأم الجينية، مما يعزز أهمية دور الأبوة.

تعتمد الروايات التي صدرت لاحقًا على تصور أكثر تقليديةً لنظرية التأثير الأمومي، فهي تفسر ميلاد الأطفال المتوحشين بأنه ثمرة تليق بمدى توحش الأمهات أنفسهن. على سبيل المثال، الشخصيات المحورية في نسخة عام 2009 من فيلم «It's Alive»، أو فيلم «Grace»، يستهلكن أنفسهن للغاية في أدوار الأمومة، لذا يلدن أطفالًا يستهلكون من حولهم بالتبعية.

وفيما تلقي نظرية التأثير الأمومي باللوم على الأمهات لتشوهات أبنائهن، فهي تلوم المرأة أيضًا وتُحملها قدرًا كبيرًا من مسؤولية التأثير في ذريتها. ويبدو أن هذا الدور المركزي للأم قد أكده التقدم في التقنيات الإنجابية التي تحصر دور الآباء في مجرد منح الحيوانات المنوية، وهذا في الوقت الذي كانت فيه الموجة النسوية الثانية تمثل بالفعل تحديًا لسلطة النظام الأبوي والأدوار التقليدية للرجل.

ليس من الغريب إذًا أن تتزايد الأهمية الثقافية لاكتشافاتٍ تَحدث في مجال علم الوراثة السلوكي، الذي يؤكد مدى فاعلية الجينات الذكورية، مثل «متلازمة يعقوب» (تسمى أيضًا متلازمة «ثنائية واي» أو «جين المحارب»).

تؤدي سرديات المسيح الدجال، التي ظهرت في أفلام مثل «Rosemary's Baby» و«The Omen»، دورًا أيديولوجيًّا مشابهًا، وذلك بتخيل أن الحمض النووي الشيطاني له التأثير الأكبر في طبيعة الطفل، فهو يتغلب بسهولة على أي إسهامات جينية أخرى من الأم، أو حتى وجود الطفل وسط بيئة منزلية حانية، وتعزز هذه السرديات أهمية دور الأبوة.

هناك مجموعة أخرى من السرديات التي تحكي عن أطفال ذوي أدمغة معدلة وراثيًّا، مثل رواية «Prodigy» التي صدرت عام 1988، ورواية «Mutation» عام 1989، التي تُرجع التحكم في طبيعة الطفل إلى جينات أبيه أيضًا. وفي أحداث الفيلم المأخوذ عن الرواية، يحدث ذلك على يد شخصية عالم مجنون، يتصادف أنه والد الطفل في الوقت ذاته، على عكس عديد من الأفلام المشابهة التي كانت تُرجع التشوهات الجينية أو السلوكية التي تصيب الطفل إلى الأم.

قد يعجبك أيضًا: صورة الطفل في الأدب: ميلاد البراءة وموتها

2. الطفل الشبح

يتشابه الفولكلور الشعبي لكثير من البلدان في وجود أنواع من الأطفال الأشباح يتشاركون في تصرفات بعينها. ومع ذلك، ففي القصص المعاصرة التي ظهرت في بريطانيا وأمريكا، تكون الحالة النفسية للطفل الشبح بعد موته غريبة وغير معتادة، وتكرّر في أحداث أفلام عدة أن تكون روح الطفل معلقة في المرحلة ذاتها التي كان عليها قبل وفاته.

ومع أن بعض الأطفال الأشباح لديهم أهداف حميدة أو حتى خيِّرة، مثل الرغبة في كشف جريمة خفية مثلًا، أو إنقاذ بريء من الخطر، لا يسعى بعضهم أحيانًا سوى إلى الانتقام. ولأن هذا النوع من الأطفال الأشباح غالبًا ما يعاقِب الأحياء بطرق تشبه الطريقة التي تعذب بها خلال حياته، فإنه يؤدي دوره بصفته رمزًا لدائرة العنف المروعة، وهو ما يمكن تفسيره بأن الطفل الذي يتعرض للإساءة، يُسيء إلى غيره في نهاية الأمر.

تطرح هذه الروايات حلًّا يفيد أن السلام قد يتحقق بتدخل الأحياء، الذين تتمثل مهمتهم في كشف الجرائم السرية التي عانى منها الطفل الشبح، وبمجرد أن يشعر الطفل بأن العدل تحقق، فإنه غالبًا ما يتخلى عن مظهره المخيف ويرقد في سلام.

تؤكد هذه البنية الشائعة للحبكة الدرامية أن علاج الإساءة يكمُن في أن يواجه المعتدَى عليه فكرة أنه قد تعرض للإساءة من الأساس، وأن يواجه الشخص المسيء، فيما ترمز الشخصية التي تساعد الشبح في كشف الإساءة، والوصول إلى حل مريح، إلى المعالج النفسي في الواقع، الذي يساعد المتعرضين للإساءة على التعافي.

ومع ذلك، انتُقد هذا السيناريو العلاجي ووُصف بأنه مفروض على النص ومثالي أكثر من اللازم. وبالمثل، يمكن اعتبار الرمزية المطمئنة لسردية الطفل الشبح المعتادة (التي تقول بأن دورة العنف يمكن وقفها) متفائلةً بصورة مفرطة، فبعض الأطفال الأشباح يقاومون هذه الخطوة ويرفضون سلك الطريق السهل للوصول إلى الحل.

تؤدي قصص الأطفال الأشباح الذين يطاردون أطفالًا أحياء مهمة أيديولوجية مماثلة، وتُقسِّم دائرة العنف بين الشخصيتين. يعكس الطفل الحي كثيرًا من خصائص الأطفال الذين يعانون حاليًّا من الإساءة، فيما يمثل الطفل الشبح تذكيرًا مظلمًا بما يمكن أن يكون عليه الطفل الذي تعرض للإساءة، إذا لم يعترف أحد بأنه يتعرض لها ويحاول علاجها.

ويعكس الشبح، الذي غالبًا ما يتجاهله الآخرون باعتباره مجرد صديق وهمي، مشاعر الغضب التي يشعر بها الطفل المعتدَى عليه. وبتقسيم الأدوار بهذه الطريقة، يظل الطفل الحي معفيًّا من وطأة العنف.

3. الطفل الممسوس

يتداول الناس قصص الأطفال الممسوسين منذ قديم الأزل، حتى أن بعضها ذُكر في الكتاب المقدس صراحةً، فيصف الإنجيل عدة حالات تُطرد فيها الأرواح الشريرة من أطفال تملّكت منهم الشياطين.

ترمز الكائنات الشريرة التي تتلبّس روح الطفل إلى التأثيرات السلبية التي تسيطر على الأطفال حين يغفل عنهم ذووهم.

رواية «The Exorcist» التي ألّفها الأمريكي من أصول لبنانية «ويليام بيتر بلاتي» عام 1971، وتناولها «ويليام فريدكن» سينمائيًّا عام 1973، هي التي وضعت تصور الطفل الممسوس في الخيال الشعبي، وصاغ هذان النصان معًا مخططًا لسردية الطفل الممسوس.

بأبسط تفسير، يصبح الطفل دُمية في يد كيان شيطاني يعلن وجوده بتكتيكات مرعبة، مثل جعل جسد الطفل يتلوى من الألم، أو إجباره على التحدث بلغات لا يعرفها دون تحريك شفتيه، أو على تغيير صوته، أو لون عينيه إلى ظلال سوداء أو ملوّنة، أو إجبار الطفل على الانخراط في سلوك عنيف أو جنسي. وهنا تُقام طقوس لطرد الأرواح الشريرة عادةً (لكن ليس بالضرورة) في الوقت المناسب لإنقاذ الطفل.

سرديات الأطفال الممسوسين هي حكايات رمزية عن التربية السيئة، وكيف تجعل الأطفال أكثر عُرضةً للمؤثرات السلبية.

تتغير الأنواع المحدِّدة للسلوكيات الأبوية المطروحة للنقد بطبيعة الحال بمرور الوقت، وتتبدل جنبًا إلى جنب مع المفاهيم «السليمة» لتربية الأطفال. وبالمثل، مثلما يتغير تصورنا عن الآباء «الجيدين» على مدار التاريخ، تتغير الصفات الجوهرية التي تجعل منهم آباءً «سيئين» أيضًا. وترمز الكائنات الشريرة التي تتلبس روح الطفل إلى التأثيرات السلبية التي تسيطر على الأطفال حين يغفل عنهم والداهم، ومن الواضح أن هذه الأمور تتغير بمرور الوقت كذلك.

نعيش في عصر تؤثر فيه أشياء متعددة في الأطفال. تتعدد الأمثلة، مثل روايات الأدب السريع التي تتسم بالسطحية والتجارية، أو قصص الرعب المصورة، أو حتى كلمات الأغاني المليئة بالرسائل الشيطانية، وكذلك البرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو العنيفة، والمواد الجنسية والمنتجات الاستهلاكية التي تستهدف الأطفال استهدافًا مباشرًا دون مراعاة لخطورة تأثيرها فيهم.

يؤدي الأطفال الممسوسون أفعالًا مفزعة في الأفلام، لكننا نُلقي باللوم على الكيان الذي يتملّكهم.

تتسم الروايات التي تتناول موضوع الأطفال الممسوسين بمرونة كافية تسمح بإدخال صور رمزية، تتناول طُرُقًا خاطئة للتربية، أو يراها صانعو الفيلم أدوات تؤثر سلبًا في الأطفال.

يحدث المَسُّ ببساطة عندما تختار روح قاسية ضحية ما بصورة عشوائية، أو أحيانًا تختار أن تبتلي أشخاصًا ذوي أرواح طيبة، وعندها لا يُلام أحد الأبوين أو الطفل ذاته على إصابته بالمس. مع ذلك، يكشف تطور الشخصية في أغلب سرديات الأطفال الممسوسين، الذي يحدث قبل بدء المس عادةً، شكلًا من أشكال التفكك العائلي. ورغم أن هذه المشاكل ليست سبب إصابة الطفل بالمس، فإن تضمينها في الحبكة يشجع المشاهد على ربطها بمس الطفل، وتوضح هذه السرديات أن هذا الارتباط يفترض ضمنًا أنها السبب.

مِن ثَمّ، بينما يؤدي الأطفال الممسوسون أفعالًا مفزعة، تحاول السردية بطريقة ساخرة أن تحافظ على فكرة براءة الطفولة، وذلك بدفعنا إلى أن نُلقي باللوم في ما يصدر من الطفل من أفعال وأقوال شريرة على الكيان الذي يتملّكه، والذي يرمز إلى المؤثرات «الشريرة» التي يواجهها الطفل في حياته الفعلية، وإلى عائِلِه الذي تركه هشًّا وعُرضةً لمثل هذه المؤثرات من البداية.

يرى بعض النقاد أن موجة الأفلام التي ظهرت في هوليوود، وتناولت في أحداثها ثيمة الأطفال الممسوسين، كانت في الواقع تعبيرًا عن قلق حاد في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت، يتعلق بالمد الشيوعي والبروباغاندا السوفييتية.

يعني هذا أنه يمكن تفسير ظهور أفلام عدة، بدايةً من فترة أواخر الستينيات، تدور أحداثها حول أطفال تسيطر عليهم أرواح شريرة، بأنها كانت نوعًا من المحاكاة اللاواعية لفكرة إقناع الأطفال والشباب بالأفكار الشيوعية وتأثرهم بها، وأن ابنك الذي تعرفه وتحبه قد يتحول في أي وقت إلى سوفييتي آخر، عدو ينتمي إليهم، وهو ما ظهر أثره في الأفلام بتحوُّل الأطفال والمراهقين إلى وحوش ضارية بعد سيطرة الكيانات الشبحية الشريرة عليهم.

4. أبناء الغابة

بينما يفُترَض أن الأطفال لا يتأثرون بالعوامل الاجتماعية، تعبِّر الضواري أو الحيوانات المتوحشة عن الطبيعة البشرية في أنقى صورها. ونتيجةً لذلك، تعكس صورًا شديدة التباين.

يتكرر في القصص الخيالية، أو الأعمال الفنية التي تسرد حياة أطفال تربيهم الحيوانات، التركيز على فكرة أن الأطفال يعيشيون بين الحيوانات في بيئة مسالمة لا يعكر صفوها عادةً إلا أشكال واضحة من الشر. إنها ترنيمة هادئة لتصوُّر الحداثة عن الحياة الطبيعية بشكلها البدائي. ورواية «The Jungle Book» (كتاب الأدغال)، للمؤلف البريطاني «روديارد كيبلينغ»، خير مثال على هذا النوع من الحبكات الدرامية.

قد يعجبك أيضًا: شخصيات كارتونية مريضة نفسيًّا

تنقل سرديات أخرى صورًا للأطفال الذين تُركوا يصارعون من أجل البقاء وحدهم في هذا العالم الخطر، لكنهم في الوقت ذاته يحافظون على الخير بداخلهم، مثل شخصية الطفل الوحشي في الجزء الثاني من «Mad Max: The Road Warrior».

ظهور الطفل الشرير في أي عمل فني يرمز لهاجس يعتمل في نفس الفنان، سواء من مخاوف الأبوة والأمومة، أو الخوف مما قد يفعله أطفالنا بنا.

لا تزال العلاجات المفترضة التي تُستخدم في التعامل مع الأطفال من ضحايا الإساءة والإهمال تميل إلى المثالية، ظهر هذا واضحًا في أفلام مثل «Room»، إنتاج 2015.

كتب الناقد السينمائي «روجر إيبرت» عن فيلم «Nell»، الذي استمد أحداثه من قصة حقيقية لطفلة «متوحشة» تُدعى «جيني»، أدّت دورها الممثلة الأمريكية «جودي فوستر»: «في الحياة الفعلية، قد لا نرى حياة الطفل الذي تربّى في البراري ملهمةً أو ممتعةً كما نتصور، لكن في فيلم «Nell»، كانت الأحداث أشبه بقصيدة هادئة تعكس الجانب الأكثر عفويةً من طبيعتنا البشرية».

سرديات الطفل الوحشي لها جوانب مظلمة أيضًا، تنقل إحداها مَشاهدَ لشباب يركضون على أربع، ولا يتحدثون سوى بأصوات النخر والصرير، يمضغون اللحوم النيئة (غالبًا ما يعضون اليد التي تمدهم بالعون، حرفيًّا)، يعانون من شتى مشاكل النظافة. هؤلاء الوحشيون جامحون، وتحركهم شهوتهم، وشديدو الخطورة، ويعكسون أكثر التصورات رعبًا عن الطبيعة البشرية.

الفن مرآة للنفس البشرية في واحدة من أوضح حالاتها، وظهور الطفل الشرير في أي عمل فني يرمز لهاجس يعتمل في نفس الفنان، سواء من مخاوف الأبوة والأمومة، أو الخوف مما قد يفعله أطفالنا بنا، أو غير ذلك. هذا الهاجس سيتكرر إلى الأبد في الأعمال الفنية، التي تستخدم الطفل الشرير أو المتوحش كمجاز عن كل ما هو غير مفهوم أو مرعب.

نُهير عماد