صارت تركيا موطنًا لأكبر عدد من اللاجئين في العالم، وهذه معلومة لا يجب أن تمر بسهولة، لأن ذلك البلد أصرَّ، عقب توقيعه على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951، على أن يكون مُلزَمًا قانونيًَا تجاه النازحين جرَّاء أحداث متعلقة بأوروبا فقط.
يشير مؤسس ومدير مركز الدراسات التركية، «إبراهيم دوغوس»، في مقاله المنشور على موقع «نيو ستاتسمان»، إلى أن تعداد اللاجئين السوريين في إسطنبول، بعد 60 عامًا من توقيع الاتفاقية، ربما يكون أكبر من عددهم في باقي دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، إذ ساعدت تركيا، التي كانت مترددة إزاء احتواء أزمات جيرانها في الشرق الأوسط، في مواجهة الكوارث الإنسانية في سوريا.
جهود تركيا في بداية اللجوء
بحسب دوغوس، وصل عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا في 15 يونيو 2017 إلى أكثر من ثلاثة ملايين، مع احتمال أن يكون الرقم غير الرسمي أعلى بكثير. أقل من 10% من هؤلاء يعيشون في مخيمات اللاجئين، فيما اتخذ البقية منازلًا في المدن الكبرى على طول الحدود السورية في الجنوب الشرقي، مثل مدن «أورفة» و«كلز»، أو في المراكز الحضرية الكبيرة، مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير.
عندما بدأ السوريون يفرون إلى تركيا في يونيو 2011، توقعت حكومة أنقرة أن نظام الأسد سيتبع نظام مبارك في مصر ويستسلم للموجة التي تجتاح المنطقة العربية، فرحب حزب «العدالة والتنمية» بالسوريين تحت مسمى «الحماية المؤقتة»، لا كلاجئين دائمين، وتمكن السوريون من الحصول على الرعاية الصحية مجانًا، وأُنشئت مراكز للتعليم المؤقت لضمان عدم تفويت الأطفال كثيرًا من تعليمهم المدرسي.
اقرأ أيضًا: أطفال اللاجئين في السويد بين الحياة والموت
يرى دوغوس أن الترحيب التركي بالسوريين عمل إنساني، يعود الفضل فيه إلى الحكومة التركية والمواطنين، غير أن حجم أزمة اللاجئين كان أكبر ممَّا توقعه المسؤولون في أنقرة، الأمر الذي أدى إلى مجموعة من السياسات السلطوية، في ظل محاولة مؤسسات الدولة مواكبة هذه التغيرات.
قوانين تركيا لا تخدم اللاجئين
اضطرت الشرطة لاستخدام غاز مسيِّل للدموع لفض أحداث شغب عقب تعرُّض شاب سوري لامرأة تركية.
يسمي دوغوس القوانين التي تحكم حياة اللاجئين السوريين «قوانين رمادية»، إذ لم يكفل القانون حقوق السوريين في ظل وضع الحماية المؤقتة سوى عام 2014، وعلى الرغم من إصدار عدد قليل من تصاريح العمل، فإن معظم السوريين لا زالوا لا يتمتعون بحق العمل في تركيا.
لهذا السبب، تضطر الأغلبية الساحقة إلى البحث عن عمل بوسائل أخرى، وبالتالي ينتشر الاستغلال، ويقدَّر أن ما يزيد عن 300 ألف طفل سوري يشاركون في أنواع غير رسمية من العمل، وهناك تقارير متزايدة عن الزيجات القسرية، وغالبًا ما يتخذ الرجال الأتراك زوجة سورية ثانية، وهو ما يخالف القانون التركي.
تسبَّب ذلك في توترات مع المجتمعات القائمة في تركيا، لأن المواطنين يرون أن اللاجئين السوريين يُسهِمون في تخفيض الأجور المحلية، ويحصلون على الخدمات بطرق غير عادلة، وهو ما كان سببًا في عدد متزايد من حوادث العنف مؤخرًا.
في إسطنبول مثلًا، وبحسب دوغوس، طُعن رجل عقب تعرُّض شاب سوري لامرأة تركية، ممَّا اضطر شرطة مكافحة الشغب إلى استخدام الغاز المسيِّل للدموع لإيقاف العنف، بينما قُتل رجلان في مدينة سامسون، بعد أن زُعم أنهما التقطا صورًا للنساء على الشاطئ.
قد يعجبك أيضًا: ﻻجئ سوري يحكي تجربته في السفر إلى أوروبا
النتيجة: زيادة الاستقطاب
تُسهم الشائعات جزئيًّا في زيادة الاستقطاب تجاه السوريين في تركيا، لكن لأن المناخ السياسي هناك مستقطب أصلًا، تميل جميع الأطراف إلى الاعتقاد بوجود دافع خفي خلف قرارات الحكومة.
يتقاسم العلمانيون والعلويون المخاوف من تدفُّق كبير للسنة، بالإضافة إلى أن القوميين الأتراك غير مرتاحين لتزايد التأثير العربي في البلاد، ويتهم بعض الكرديين الحكومة بالسعي إلى تغيير ديموغرافيا جنوب شرق تركيا، حيث تقوى الحركة السياسية الكردية.
السوريون هم أحدث شعب يترك بصماته على شكل الديموغرافيا التركية.
هكذا، يتهم الجميع الحكومة بالسعي إلى تحقيق مكاسب سياسية، خصوصًا بعد أن أثيرت إمكانية منح السوريين حقوق المواطنة الكاملة، وحقوق التصويت في الاستفتاء الدستوري الأخير.
قد يهمك أيضًا: قصة النزاع الخفي بين تركيا وإيران للسيطرة على سوريا
هناك بالتأكيد، وفقًا لدوغوس، عناصر من داخل حزب «العدالة والتنمية» يرون أنفسهم قادةً للناس حتى خارج حدود تركيا، وسيسعدهم مشاركة السوريين في الدوائر الانتخابية.
مع ذلك، ورغم وجود شك واسع النطاق في الحكومة، فإن المجتمع المدني التركي يسعى جاهدًا إلى سد الثغرات التي خلَّفتها الحكومة على المستوى الإنساني، فتلعب المنظمات النسائية دورًا حيويًّا في احتواء السوريات، وهناك أمثلة لا حصر لها من المواطنين الأتراك والأكراد العاديين الذين يشاركون في مساعدة اللاجئين، وبعضهم تخلى عن غرف في بيوتهم لأُسر سورية.
كانت منطقة الأناضول دائمًا موطنًا لعدد وافر من المجتمعات المتفاعلة، شكَّلها تاريخ مأساوي لاختلاط السكان المشردين، سواءً عن طريق التبادلات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، أو النزوح الداخلي لمئات الآلاف من الأكراد بسبب الصراع، لذا يعتبر المجتمع السوري حاليًّا، وبحسب دوغوس، أحدث من يترك بصماته على شكل الديموغرافيا التركية.