عمل خيري بنسبة 5%: هل التنمية الغربية محايدة؟

لوحة «The Submission of Prince Dipo Negoro to General De Kock» - الصورة: Nicolaas Pieneman

مي أشرف
نشر في 2018/03/10

بدأت دراسات التنمية في الظهور كفرع أكاديمي في النصف الثاني من القرن العشرين، بسبب تزايد القلق بشأن التوقعات الاقتصادية لدول العالم الثالث بعد انتهاء الاستعمار، في الوقت الذي تزامن فيه إدراك كثير من الاقتصاديين عدم قدرة مجالهم وحده على معالجة القضايا الاقتصادية المشتبكة مع المجالات الأخرى، كالتعليم والتنمية البيئية والتنمية المستدامة.

منذ تأسيس «مشروع مارشال» الاقتصادي في عام 1947 لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبح مصطلح «التنمية» يعبِّر عن أفكار وممارسات معينة حاضرة بقوة، تحديدًا بعد إضفاء الصفة الاحترافية والطابع المؤسسي عليها عن طريق أدوات وممارسات، مثل التخطيط والمساعدات الخارجية والقروض والاستثمار، لملء «فجوة الادخار» التي تروِّج لها مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

بهذه الطريقة، أصبح من الممكن إدارة الفلاحين على سبيل المثال في دول العالم الثالث، والسيطرة عليهم ضمن الحدود المطروحة من تلك المؤسسات. بعبارة أخرى: يَدّعي بعض الباحثين المنتمين إلى مدرسة «ما بعد الاستعمار» أن هذه الممارسات التنموية تمثل تقنيات غربية تدمج السلطة بالمعرفة، وقد قابلها السكان الأصليون بالمقاومة في كثير من الأحيان.

هكذا تحول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية إلى المادة الخام التقنية والاجتماعية المناسبة للعالم الغربي، ما دفع بعض الباحثين إلى اعتبار دراسات التنمية نفسها شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد، حقل تجارب من نوع جديد.

اقرأ أيضًا: ماذا ينقص العرب كي يبرعوا في ريادة الأعمال؟

دراسات ما بعد الاستعمار والتنمية

تأثير الإمبريالية على الدول المستعمَرة

التنمية مشروع استعماري جديد، يعيد إنتاج التفاوتات العالمية لتبقى دول الجنوب تحت سيطرة دول الشمال بالتوسع الرأسمالي العالمي.

في أواخر القرن العشرين، ظهرت دراسات معنية بالصلة بين الاستعمار والتنمية الدولية المعاصرة، التي تدرس تحليلات آثار الاستعمار واستمرار أشكاله في السلطة والمعرفة في الوقت الحاضر.

وفي معرض الكشف عن الخطابات والممارسات الاستعمارية، يحاول الباحثون في مجال دراسات ما بعد الاستعمار كشف أوجه عدم المساواة بين البلدان الغنية والفقيرة، التي كانت وما زالت تُشكّل عن طريق علاقات القوى الاستعمارية. تتفاعل وجهات النظر هنا، وتدعو إلى مقاومة الطرق التي تُنتَج على أساسها المعرفة الغربية عن «الآخرين» في الأماكن الأخرى. يحدث هذا التفكيك من خلال طرح إشكالية «عالمية المعرفة الغربية» وتفكيكها.

يهتم باحثو مدرسة ما بعد الاستعمار كذلك بالبحث في سرديات التاريخ المهيمنة، التي يعتقدون أنها غالبًا ما تغطي على الآثار المستمرة للاستعمار. ويشيرون، علاوة على ذلك، إلى أن التنمية في بنائها وتنظيمها لهوية العالم الثالث قللت فرص اعتماد طرق بديلة لتحقيق التقدم الاجتماعي وتنظيمه.

يقول الطرح الأول إن التنمية مجرد مشروع «استعماري جديد»، أدواته البنك الدولي والمنظمات التنموية، وإن إعادة إنتاج التفاوتات العالمية يُبقِي على سيطرة دول الشمال على الجنوب من خلال التوسع الرأسمالي العالمي.

يطور الكاتب المعروف «إدوارد غولدسميث» هذه الفكرة، ويعتقد أن التنمية تستنسخ شكلًا من أشكال التجارة غير المتكافئة التي تُذكِّرنا بالأشكال الاستعمارية للرقابة والاستغلال الاقتصادي. ويتمثل هدف التنمية الرئيسي في فتح الأسواق وضمان حرية التجارة أو السوق العالمية الحرة من أجل الحصول على المواد الخام.

هذا النوع من «نظرية المؤامرة» يفسر التنمية على أنها نتيجة مؤامرة محددة سلفًا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي بالطبع في هذه الحالة ليست مسألة خيار حر لدول «العالم الثالث»، بل يجري فرضها بعنف من خلال خلق مجموعة من النُّخب من السكان الأصليين تكون لها قدرة التأثير في صناعة القرارات، والتدخلات العسكرية، وقتل الاقتصاد المحلي، وإقراض المال بشروط ميسرة، والاستعمار المؤسسي الجديد.

يوضح غولدسميث أننا إذا ألقينا نظرة سريعة على الوضع في «العالم الثالث» اليوم، سنكتشف بما لا يدع مجالًا للشك استمرارية الأوضاع بين الحقبة الاستعمارية وعصر التنمية، ولن نجد تقدمًا في المناطق النامية أو البلدان الفقيرة بعد التدخل الإنمائي، بل على العكس من ذلك، تزداد معدلات الفقر والبؤس.

وفي معرِض التشكيك في تاريخ التنمية وأهدافها ووسائلها، يقول الفريق الآخر إن الاعتراف بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي في البلدان النامية، واستمرار اهتمام الغرب بالعالم الثالث، لا يمكن إدراكه على نحو سليم دون فهم كافٍ للخلفية التاريخية، وبخاصة الاستعمارية.

يمكننا تتبع الأصول التاريخية في مجال دراسات التنمية على وجه التحديد من أجل اكتشاف الكيفية التي ترسِّخ القوى الاستعمارية موروثاتها عبرها. يمكن أيضًا فهم التسلسل التاريخي من حيث الكيفية التي يوضح بها الاستعمار والتنمية الدولية مفاهيم معينة للحداثة والتقدم. ويعتقد هؤلاء الباحثون أن هناك أدلة وافرة على أن الاستعمار ينجو من فترة ما بعد الاستقلال في شكل علاقات اقتصادية وسياسية وتمثيل اجتماعي وثقافي.

علاقة سيطرة

«نيكولاس ديركس» - الصورة: UC Berkeley Campus Life

على سبيل المثال، يشير الباحث «نيكولاس ديركس»، في كتابه «الاستعمار والثقافة»، إلى أنه يمكن النظر للاستعمار بصفته مشروعًا ثقافيًّا، وليس مجرد مشروع اقتصادي، فهو يخلق ويحافظ على التصنيفات بين المجموعات المختلفة من الناس.لذلك، فإن تقسيمات ثنائية مثل «الحديثة» و«التقليدية» و«الغرب» و«الآخرين» جزء لا يتجزأ من الخطاب الإنمائي، وغالبًا ما يستدعي هذا الخطاب إعادة تأكيد التصنيفات الاستعمارية المختلفة لتبرير التدخلات الإنمائية.

يوضح ديركس أن وصف الشعوب بمرادفات مثل «العالم الثالث» و«المتخلف» و«التقليدي» و«غير القادر على الحكم الذاتي» يزيد من الفوارق العالمية التي نشأت خلال الفترة الاستعمارية.

على الرغم من هذه الأدلة على الاستمرارية الاستعمارية في الوقت الحاضر، فإن هناك عددًا من الانتقادات الموجهة إلى تنظيرات مدرسة ما بعد الاستعمار، التي ترى مراعاة أن تأخذ الانتقادات الموجهة لدراسات التنمية في الحسبان مسائل مثل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية للتنمية، وليس التركيز فقط على إدامة أشكال السلطة الاستعمارية والحكم من خلالها، وأنها مجرد إعادة صياغة الاستعمار الجديد، لأن التنمية ليست دائمًا وحتمًا امتدادًا للاستعمار.

ردًّا على ذلك، يمكننا استدعاء المقولة الشهيرة والمثيرة للاهتمام لـ«سيسيل رود»، الذي شغل منصب رئيس وزراء مستعمرة الكيب، وشهد عصره توسعًا ضخمًا في الإمبراطورية البريطانية: «كانت الإمبريالية عملًا خيريًّا، لكن مع 5% عائد ربح إضافي»، لذلك قد يكون أكثر إشكالية الادعاء أن الاستعمار لم يكن معنيًّا بهذه المسائل عند انتهاء سطوته على الدول التي استعمرها.

لو صَحّ أننا يجب أن نتوخى الحذر قبل القول بضرورة التخلي التام عن مشروع التنمية بأكمله، فإننا أيضًا بحاجة ماسّة إلى تحليل الخطابات التنموية وكيفية تشكيلها، وتحديد الحقائق المختلفة بدلًا من محاولة وضع حدود مصطَنعة بين استغلال الاستعمار وإنسانية التنمية.

مواضيع مشابهة