وجدت أبحاث نفسية أن التعاطف يتفاوت كثيرًا بين الناس، لكنه يتفاوت كذلك بين البلدان والثقافات، فقد توقعت الباحثة «سارة كونراث» هي وزملاؤها عند تحليلهم أكبر دراسة أُجريت عن التعاطف على الإطلاق، وهي دراسة تضمَّنت نحو 104 آلاف شخص من 63 دولة، أن يعرفوا ما إذا كان مدى تفاعل الناس مع مشاعر الآخرين يختلف اختلافًا واضحًا بحسب الثقافة، لكن الدراسة تركت لهم بدلًا من ذلك عددًا من الأسئلة الجديدة بشأن ما نعنيه عندما نتحدث عن التعاطف، هنا أو في البلدان الأخرى.
أوردت الباحثة نتائج دراساتها في مقال نشره موقع «سايكولوجي توداي»، وبدأت هذه الدراسات عندما أخبرها أساتذتها الأكبر سنًّا عن انخفاض محتمل في التعاطف بين طلاب الجامعات. ومع أنها كانت متشككة في البداية، وأرجعت الأمر ببساطة إلى عادة الأجيال الأكبر في التذمُّر من الشباب، فإن بعض البيانات التي حصلت عليها في دراستها للنرجسية وجدت أنها ازدادت مع الزمن فعلًا، مما دفعها إلى إجراء دراسة أكبر عن التعاطف.
السعوديون أكثر تعاطفًا من الدنماركيين
أصدرت الباحثة قائمة بالبلدان العشرة التي حققت أعلى درجات للتعاطف، لفهم الطريقة التي يختلف بها التعاطف بين الثقافات بصورة أفضل.
نشرت كونراث فعلًا عام 2010 ورقة بحثية تشير إلى انخفاض معدل التعاطف بين طلاب الجامعات الأمريكية على مدار الوقت، وهي ورقة سببت كثيرًا من الضجة حولها، ربما بسبب الصور النمطية المتعلقة بالأجيال الأصغر.
لهذا السبب، تلقت الباحثة اقتراحًا بنشر دراسة التعاطف جنبًا إلى جنب مع الاستطلاع الذي يقيس درجة التعاطف، والسماح لأي شخص باختبار نفسه ومعرفة درجاته، وكانت النتيجة أن أكثر من مئة ألف شخص خضعوا للاختبار.
قد يعجبك أيضًا: كيف تنجو بحياتك من الجهل الجمعي؟
فكرت كونراث في استخدام هذه البيانات لفهم الطريقة التي يختلف بها التعاطف بين الثقافات بصورة أفضل، فأصدرت قائمة بالبلدان العشرة التي حققت أعلى درجات للتعاطف، وحققت الإكوادور المركز الأول، وجاءت ثلاث دول عربية ضمن القائمة، السعودية في المركز الثاني، والإمارات الخامس، وتذيَّلت الكويت القائمة في المركز العاشر.
غير ذلك، جاءت بيرو في المركز الثالث، تليها الدنمارك رابعةً ثم كوريا في المركز السادس، بعدها أمريكا وتايوان وكوستاريكا.
تعاطف مفاجئ للجميع
تؤدي الثقافات الـ«جماعية» لبعض البلاد إلى سلوك أكثر تعاطفًا.
لم يندهش أحد من أصدقاء سارة كونراث الأمريكيين من وجود الدنمارك في المركز الرابع، ولم يندهشوا كذلك من رؤية بلدهم الولايات المتحدة في المركز السابع، بينما حلَّت كندا بلد الباحثة في المركز الثاني عشر.
قد يهمك أيضًا: معضلات قد تدفعك إلى إعادة التفكير في أخلاقك
لكن الأنماط الأوضح كانت في تجمع ثلاث دول من المنطقة العربية وثلاثة من أمريكا الجنوبية والوسطى واثنتان من شرق آسيا، أي ثماني دول، ضمن المراكز العشرة الأولى، ويبدو أن أصدقاءها فوجئوا برؤية بلدان الشرق الأوسط ضمن هذه المراكز، وربما يعود هذا إلى نقص المعرفة العام بثقافة هذه البلدان، بما أنه حتى المثقفون والمتعلمون من الأمريكيين يواجهون صعوبة في تحديد البلدان الشرق أوسطية على الخريطة، وقد يعود الأمر أيضًا إلى القوالب النمطية التي يحملها الأمريكيون عن الناس في هذه البلدان.
الثقافات «الجماعية» أكثر تعاطفًا
ومع ذلك فإن هناك آثارًا أخرى محتملة تتجاوز القوالب النمطية، إذ تشير دراستهم إلى بعض الهياكل الاجتماعية التي يمكن أن تزيد من تعاطف الناس، فقد وجدت الدراسة أن الثقافات التي تميل إلى أن تكون أكثر «جماعية» (Collectivist)، تميل كذلك لأن تكون أكثر تعاطفًا.
تتضمن الجماعية رؤية الذات باعتبارها جزءًا من مجموعة أكبر وأكثر ترابطًا، مكوَّنةً من العلاقات العائلية وغيرها من العلاقات الوثيقة، مع إعطاء الأولوية للتوافق مع الآخرين والحفاظ على الانسجام، لذا، لم يكن من المُستغرَب وجود نِسَب أعلى للتعاطف في مثل هذه الثقافات.
اقرأ أيضًا: مساعدة الآخرين تعينك في التغلب على اكتئابك
على الجانب الآخر، وجدت الدراسة أن أكثر الثقافات فرديةً (Individualistic) سجلت نِسَبًا أقل للتعاطف، وتتضمنن الفردية رؤية الذات على أنها منفصلة ومتمايزة عن الآخرين، مع إعطاء الأولوية لإظهار تفرُّد الشخص، وتقدير التعبير عن الذات.
من الممكن أنه عندما يركز الناس على كونهم منفصلين وفريدين، فإن ذلك قد يحجب أحيانًا القواسم المشتركة التي يتشاركونها مع بعضهم، مما قد يُضعف استعدادهم أو قدرتهم على الشعور بالشفقة تجاه الآخرين، أو على تخيُّل أنفسهم مكانهم.
لكن هناك احتمالًا آخر بالطبع تشير إليه كونراث، هو أن السؤال بشأن التعاطف له حمولة أخلاقية كبيرة، وربما يميل الناس في بعض الثقافات إلى ادعاء الخيرية والاهتمام بالآخرين أكثر من غيرهم، الذين يفضلون مثلًا التعبير الصادق عن آرائهم ومشاعرهم الحقيقية. كذلك، لا يعرف الباحثون على وجه التحديد إذا كان مجيبو الأسئلة يفكرون في أقربائهم وأحبائهم عند الإجابة، أم يفكرون في المسألة بصورة تجريدية.
ربما أكثر ما يُستفاد من هذه البيانات في رأي كونراث أن المعرفة الثقافية العميقة ببلدان معينة تُعَد أكثر أهميةً من تطبيق مبادئ عامة عبر عديد من الثقافات عند إجراء مزيد من البحوث في المستقبل، فنحن بحاجة إلى إجراء الكثير من البحوث، وبحاجة خاصةً إلى مقاييس نفسية حساسة ثقافيًّا، صُمِّمَت بواسطة أشخاص من مناطق جغرافية أخرى، وذلك من أجل معرفة معنى التعاطف لديهم معرفةً أكبر.
أما في الوقت الراهن، فإن دراسة كونراث لا تزال أكبر دراسة عن التعاطف على الإطلاق، لكنها تأمل في أن يساعد الباحثون المستقبليون على رسم صورة أكثر حذرًا لفسيفساء التعاطف في العالم.