«هل لديّ كعكة هنا؟ هل هناك طفل ينمو بداخلي بشكل منفصل، أم أن هذا الطفل جزء مني؟ هل صحيح أنني آكل لشخصين، أم أن جزءًا مني زاد حجمه عن المعتاد؟». هكذا تساءلت «بريدجيت» في مشهد من فيلم «Bridget Jones’s Baby»، بعد أن علمت أنها ستُرزق بطفل، متأملةً حجم بطنها الآخذ في التضخم، مقارِنةً إياه بالكعكة التي يزداد حجمها في الفرن. لتعاود التساؤل حين فكرت في الاجهاض: «هل هذا حقًّا جسدي وحدي، ولديّ كامل الاستقلالية في اتخاذ القرارات بشأنه وبشأن ما يحمله؟».
ربما لم تهتم بريدجيت فعلًا بكل هذه الأسئلة، لكنها بالتأكيد أسئلة يهتم بها عديد من الفلاسفة. فعلى عكس الاعتقاد السائد بقدرة العلوم الطبيعية (مثل الأحياء) على تقديم إجابات لمثل هذه التساؤلات الفلسفية، فإن كثيرًا منها يظل لغزًا محيرًا أمام العلماء.
في معرض مثل هذه التساؤلات، تُحدِّثنا أستاذة الفلسفة «سوكي فينّ» في مقالها الأخير الذي نُشر في مجلة «إيون»، عن ميتافيزيقا الحمل وعلاقة الأم بجنينها.
تستخدم فينّ مصطلح «جنين» لتصف بشكل عام ما يتكون داخل الأم خلال مراحل الحمل المختلفة حتى الولادة في كل الثدييات المشيميّة، بدايةً من جنين الإنسان حتى حيوان الهامستر وفرس النهر، بَيْدَ أن هذا الوصف لا يتضمن حيوان الكنغر على سبيل المثال. لذا سنستخدم عبارة «الكائن الأم» للإشارة إلى الثدييات المشيمية الحوامل، بصرف النظر عن كونها تنتمي إلى الجنس البشري أو تمارس دور الأمومة.
جنين: كالرأس والذراعين، أم كضيف عابر؟
في نموذج «بعض من كُل»، يختلف الجنين عن الأم، الأعضاء ليست متماثلة، ويمكن لبعضها أن يغدو كيانات قائمة بذاتها دون التخلي عن كونها جزءًا من كُلٍّ آخر.
ما العلاقة الميتافيزيقية إذًا بين الأم والجنين؟ وهل تتغير هذه العلاقة خلال فترة الحمل؟
هل هناك نموذج أصح من الآخر؟
للعلاقة الميتافيزيقيّة بين الجنين والأم أثر واسع في ممارساتنا الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالحمل، لكن قبل الخوض في هذه العواقب، دعنا نلقي نظرة فاحصة على هذين النموذجين.
«إلسليين كينغما»، أستاذة الفلسفة في جامعة ساوثهامبتون الإنجليزية، تدافع عن النموذج الأول الذي يعتبر الجنين جزءًا من الأم، وذلك في ورقتها البحثية التي تتناول ميتافيزيقا الحمل، والتي ستُنشر قريبًا في مجلة «Mind» المعنية بالفلسفة والعلوم الاجتماعية.
توضِّح كينغما أنه في حالة الحمل، كما هو الحال مع الأشياء الأخرى، يشكِّل الجزء بعضًا من الكل. فالأم تملك أجزاء مختلفة، مثل الساقين والقلب والرئتين، بالإضافة إلى الجنين الذي يُعتبر جزءًا من هذه الأجزاء. لكن يلزم التنويه إلى اختلاف الجنين عن باقي أعضاء الأم، فالأعضاء ليست متماثلة، ومن شأن بعضها أن يغدو كيانات قائمة بذاتها دون التخلي عن كونها جزءًا من كلٍّ آخر. لذا فإن جُلّ ما يقدمه هذا النموذج أن الجنين جزء من الأم، مرتبط بها ارتباط الجزء بالكل، لكن النموذج يعجز عن تحديد ماهية هذا الجنين أو طبيعته.
قياسًا، ولتوضيح النقطة الأخيرة، يمكننا مقارنة العلاقة الميتافيزيقية بين الأم والجنين بعلاقة القط بذيله. فالجنين جزء من كائن الأم تمامًا مثلما الذيل جزء من القط، لكن ذيل القط ليس القط نفسه، فهو مجرد ذيل فحسب. في حين يمكن للجنين أن يكون لاحقًا إنسانًا كاملًا، تمامًا مثل الأم. فهل يمكن للإنسان أن يكون جزءًا من إنسان آخر؟
بالعودة إلى بريدجيت جونز، لا يمكن لعاقل أن يتخيل أنه إذا حلقت بريدجيت شعرها يومًا ما ستصير جزءًا من بريدجيت ما قبل الحلاقة، باعتبارها (قبل الحلاقة، قبل أن تفقد جزءًا منها) كانت نسخة أكثر اكتمالًا. بنفس المنطق، لا يمكننا افتراض أن الأم «تنقص» شيئًا من نفسها بعد الولادة.
لهذا السبب ينحاز بعض الفلاسفة إلى مبدأ «الحد الأقصى»، وهو مبدأ مستعار من علوم الرياضيات، وفرضيته الأساسية أنه في حال كان الجزء من نفس نوع الكل، فإن هذا ينفي كونه جزءًا من ذلك الكل. لا يمكن للقط أن يكون جزءًا من قط، ولا يمكن للإنسان أن يكون جزءًا من إنسان. وإذا صَحّ هذا المبدأ، فإن النموذج القائل ببعضية الجنين من الأم يفترض إذًا أن الجنين والأم لا يتشاركان الطبيعة نفسها. لا يمكن للجنين أن يكون جزءًا من الأم وفي الوقت نفسه مماثلًا لها في النوع.
ما الجنين، لو لم يكن من نفس نوع الأم؟
لا يسعنا الإشارة إلى الجنين بوصفه «إنسانًا» إلا بعد ولادته، حين تظهر ملامحه وصفاته البشرية. لكن قبل ذلك، فالجنين جزء ينمو في جسد. مجرد مجموعة من الخلايا المتكونة في رحم الأم، لا تبدو ولا تتصرف ولا تفكر كإنسان، ليس منفصلًا بذاته كإنسان مستقل.
لكن إن اعتبرنا الجنين، في تلك الحالة، من نفس نوع الأم، فسنقع في تناقض مع مبدأ الحد الأقصى. والعكس بالعكس، فإن صَحّ مبدأ الحد الأقصى واعتمدنا كون الجنين والأم من نوع مختلف، فسنقع في تناقض مع نموذج «بعض من كل»، ولن يصح أن نعتبر الجنين جزءًا من الأم.
أما النموذج الثاني، الذي تطلق عليه سوكي اسم «نموذج الحاوية»، فلا يعتبر الجنين جزءًا من الأم، بل هو موجود فقط داخلها.
يقول الفيلسوفان «باري سميث» و«بيريت بروغارد»، في ورقتيهما البحثية «ستة عشر يومًا»، أنه وفقًا لهذا النموذج، فإن علاقة الأم الحاوية بالجنين تشبه علاقة المستأجر بالمنزل الذي يسكنه. الجنين يشغل مساحة، كمستأجرٍ، داخل الأم، تمامًا مثل كعكة بريدجيت التي يزداد حجمها داخل الفرن.
كما هو الحال مع النموذج الأول، لا يقدم النموذج الثانى تصورًا عن نوع أو ماهية الجنين، بل ما يطرحه فقط أن الجنين موجود داخل الأم. لكن يمكننا الزعم أنه في الحالات النموذجية للعلاقة بين المستأجِر والمكان، غالبًا ما يخالف المستأجِر المكان في النوع.
ففي المثالين السابقين، نجد أن المستأجِر إنسان بينما البيت جماد، وتختلف طبيعتي الكعكة والفرن في المثال الآخر. ورغم ذلك، يمكننا في حالة الحمل أن نرى بوضوح أنه عند نقطة ما يكون الجنين من نفس نوع الأم، وهو ما يُضعِف قوة هذا الطرح. لذا وجب على الفلاسفة دراسة مثل هذه التعريفات والمفاهيم لإثراء النقاشات حول هذا الموضوع.
لماذا كل هذا التعقيد؟
نموذج الأم الحاوية يبرر دعم قضية تأجير الأرحام.
ربما يكون هذا هو الوقت المناسب للتساؤل عمّا إذا كان لهذه النقاشات معنًى أصلًا. هل نُعقد الأمور؟ لماذا نسمح لأنفسنا بالتجاوب مع أسئلة ليست لها إجابة قاطعة؟ هل هذه الأسئلة من قبيل الترف الفكري الذي لا تطبيقات له على أرض الواقع؟
لا تقتصر تطبيقات هذه النماذج والمفاهيم على المناقشات الميتافيزيقية فحسب، ولا تنحصر أهميتها في مساحات قاعات الدرس في كليات الفلسفة، بل تمتد إلى جدالات الأخلاق الإنجابية. فكثير من الأسباب التي نستشهد بها لدعم مواقفنا تجاه قضايا مثل الإجهاض وتأجير الأرحام، تستند أحيانًا ودون وعي إلى أسباب ميتافيزيقية، وتقوم على أسس فلسفية، وهنا تكمُن أهمية إثراء هذه المناقشات الميتافيزيقية للحمل، إذ يمكن اعتبارها خطوة أولى ضرورية لحل نزاعات القضايا الأخلاقية المتعلقة بالإنجاب.
اقرأ أيضًا: الإجهاض: ماذا لو تعارضت الرغبة في الحياة بين الأم وجنينها؟
يُعَد نموذج الأم الحاوية مبرِّرًا لدعم قضية تأجير الأرحام.
كما رأينا، يصور هذا النموذج الأم كحاضنة أو بيئة تحوي الجنين، الذي يتطور بدوره ككيان مستقل ومنفصل عن الأم. ويُستخدم لفظ «المضيف» لوصف الرحم المُستأجَر أو البديل دليلًا على اعتباره مسكنًا منفصلًا أو مجرد حاوية، إذ يسكن الجنين الفضاء الذي يوفره المضيف البديل. وتعتبر الاستضافة في هذه الحالة عملًا بدنيًّا تؤجر عليه الأم، لأن بدنها يوفّر المغذيات والرعاية الجسدية للجنين، ليكون بمثابة حاوية آمنة ينمو داخلها بشكل مستقل، مما يدعم صحة نموذج الأم الحاوية في ميتافيزيقا الحمل.
أما طبقًا لنموذج «بعض من كل»، فإن الجنين يُعتبر جزءًا من تلك الأم البديلة، وبدلًا من اعتباره مستأجِرًا لرحم الأم، سيبدو تأجير الرحم هنا كأنه تجارة أعضاء، بل ربما تجارةٌ بالبشر أيضًا. لذا فإنه في حالة اعتبار الجنين جزءًا من الأم، سيزداد التضييق على تأجير الأرحام، وبدلًا من اعتباره عملًا بدنيًّا حياديًّا تؤديه الأم، كما هو الحال مع نموذج الأم الحاوية، سيغدو كبيع السلع.
بالنظر إلى التشريعات التي تسمح بحالات الإجهاض، والتي تروِّج لشعارات مثل «جسدى، اختياري»، فإن صَحّ أن الجنين جزء من الأم، يكون هذا الشعار صحيحًا بالضرورة. لكن المسألة ستصبح أكثر تعقيدًا إذا أعملنا مبدأ «الحد الأقصى»، واعتبرنا الجنين إنسانًا له حقوقه الخاصة، التي قد تتعارض مع حقوق واختيارات الأم رغم كونه جزءًا منها.
لا يبدو الأمر سهلًا الآن، أليس كذلك؟
تزداد صعوبة الأمر إذا صَحّ نموذج الحاوية، لأن شعار «جسدي، اختيار» سيجانب الصواب، فالجنين ليس جزءًا من جسم الأم، وبالتالي سيصبح الشعار مدافعًا عن حق الأم في اختيارها كيفية استخدام جسدها، حتى إن أودى هذا بحياة كائن مستقل.
الحمل: مسألة تستعصي على التبسيط
لن يكون نموذجا «الحاوية» و«بعض من كل» كافيَيْن للوقوف على شرعية مثل هذه المواقف، نظرًا لافتقارها القدرة على تحديد ماهية الجنين أو نوعه.
من المثير هنا ملاحظة أن بعض نظريات السياسة الحيوية يمكن أن تستند إلى آراء فلسفية متضاربة. فعلى سبيل المثال، ينتهي المطاف ببعض التقدميين إلى تأييد نموذجي الحاوية وبعض من كل في آنٍ واحد، من أجل تبرير شرعية استئجار الرحم دون فقدان شرعية الإجهاض.
من ناحية أخرى، فإن الموقف الأكثر تحفظًا، الذي يدعو إلى مناهضة تأجير الأرحام والإجهاض معًا، يؤيد نموذجي بعض من كل والحاوية في آنٍ واحد أيضًا، من أجل التصدي لتجارة الأعضاء مع الحفاظ على استقلالية حياة الجنين تجنبًا للإجهاض.
مع ذلك، ونظرًا لتعقيد هذه المناقشات، لن يكون هذين النموذجين كافيَيْن للوقوف على شرعية مثل هذه المواقف، نظرًا لافتقارها القدرة على تحديد ماهية الجنين أو نوعه، فهي معنية فقط بتحديد ما إذا كان الجنين جزءًا من الأم أم لا.
يمكننا القول بأنه لا مفر من مزيد من التفلسف إن أردنا حسم مثل هذه الأمور. ورغم غياب الاستنتاجات الأخلاقية المباشرة عن مشهد نماذج ميتافيزيقا الحمل، فلا ريب أن حسم النقاشات في مثل هذه القضايا أمر لا بد منه، كي نتمكن من المُضي قُدمًا للتفكير في المسائل الأخلاقية والسياسية المتعلقة بالإنجاب.