كأغلب الاحتفالات الإيرانية، تعود معظم تفاصيل حفل الزفاف إلى العادات الزرادشتية القديمة، ويحافظ الإيرانيون على تلك العادات قدر المستطاع.
تتميز حفلات الزفاف في إيران بكثرة تفاصيلها وصخبها. والمثير للدهشة أن العروس والعريس لا يلعبان إلا دورًا محدودًا في ترتيبات حفل الزواج، لأن العائلات تستحوذ على كل شيء، وهو الأمر السائد في الأعراس هناك، فحفل الزفاف يكون للأهل والأقارب قبل أن يكون خاصًّا بالعروسين.
قديمًا، كانت الأعراس تمتد إلى أكثر من ثلاثة أيام يملأها الصخب وسط التجمعات الكبيرة من الأقارب والأصدقاء وجيران الحي. وبالرغم من الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها أغلب العائلات، فإن العرس الإيراني لا بد أن يكون باهظ الثمن، ويصل متوسط تكلفته إلى 30 ألف دولار.
يمر حفل الزفاف بخطوات كثيرة، بدايةً من طلب يد العروس وانتهاءً بالاحتفال الكبير.
موافقة الأسرة أهم شيء
عندما يصل أبناء الأسر التقليدية والمحافظة إلى سن الزواج، تبدأ والدته رحلة البحث عن فتاة مناسبة، وذلك بطريقين:
- توصي الخاطب بالبحث عن عروس. ووظيفة «الخاطبة» المعروفة في عالمنا العربي يؤديها رجل وليس امرأة، ولا زال الخاطب موجودًا في بعض المناطق الريفية
- تبحث بنفسها بين بنات العائلة والأقارب والأصدقاء
لكن الخيار الأخير لا يحدث في طهران مثلًا، فالرجل والمرأة قد يكونان زملاء في الجامعة أو العمل، ويعرفان بعضهما.
غير أن هناك نقطة مهمة، سواء كان البحث عن العروس بالطريقة التقليدية أو الحديثة، فلا بد أن توافق أسرة الشاب على الفتاة التي يرغب في الزواج منها، ويعد هذا الأمر مهمًّا وضروريًّا في الثقافة الإيرانية، فموافقة الأسرة تكاد يكون مقدسة.
طلب يد العروس
سواء كان الزواج على الطريقة التقليدية أو الحديثة، فلا بد أن تذهب أسرة العريس إلى منزل أهل العروس لطلب يدها، ومن الممكن أن تتكرر تلك الزيارة مرتين أو ثلاثة. في كل مرة يُحضِر أهل العريس الزهور والهدايا للفتاة، وتقدم أسرة الفتاة الشاي فقط من دون حلوى، فتقديم الحلوى في التقاليد الإيرانية يعني الموافقة.
إذا وافقت الفتاة على الزواج يقام حفل بسيط في منزل أهلها، ويكون مقصورًا على الأقارب، وحينها تُقَدّم الحلوى، وتقدِّم والدة العريس خاتم الخطبة إلى العروس.
يختلف خاتم الخطبة عن خاتم الزواج، فالأول بسيط دون أحجار كريمة، أما الثاني، فلا بد أن يكون باهظ الثمن.
اقرأ أيضًا: بين «النقطة» و«العانية»: عادات الشرقيين في هدايا الأفراح
المهر وأثاث المنزل
تلتزم العروس بشراء كل أنواع المفروشات، في حين يشتري العريس باقي أثاث المنزل، وبسبب الظروف الاقتصادية، يمكن للأسرتين أن تتقاسما شراء الأثاث.
في الفترة بين الخطوبة وقبل الاتفاق على يوم الزفاف، تناقش الأسرتان تفاصيل المهر. والمهر عند الإيرانيين تحصل عليه الزوجة في حالة الطلاق، ويكون عبارة عن مبلغ مالي أو قطع نقود ذهبية، ويُكتَب في عقد الزواج.
بعض الفتيات يشترطن مثلًا أن تعادل قيمة المهر سنها، فلو كانت تبلغ 25 عامًا تحصل على 25 قطعة ذهبية. هذا تقليد قديم عند الفرس، لكن في الماضي كان يُحدّد بناء على العام الذي وُلدت فيه الفتاة، لذلك يُعَد المهر أغلى هدية يقدمها العريس إلى عروسه.
تلتزم العروس في المقابل بشراء كل أنواع المفروشات، في حين يشتري العريس ملابس العروس وباقي أثاث المنزل، لكن حديثًا، وبسبب الظروف الاقتصادية، يمكن للأسرتين أن يتقاسما شراء الأثاث.
«اغد»: مراسم حفل الزفاف
«اغد» كلمة فارسية تعني العَقد، وتعني أيضًا مرحلة كتابة عقد الزواج، وهي أهم جزء في الزفاف الإيراني، وتتميز بكثرة التفاصيل.
تمثل الشموع في الزفاف الإيراني المستقبل الساطع، وتعني أن حياة العروسين ستكون أبدًا ساطعة مليئة بالحب الذي لا ينطفئ.
تبدأ مراسم عقد الزفاف في إحدى غرف منزل العروسين الجديد، لكن يجب أن تسمح تلك الغرفة بدخول أشعة الشمس لأهمية ذلك في العقيدة الزرادشتية. توضع في الغرفة مقاعد للضيوف ومقعدان للعروسين، وأمامهما منضدة كبيرة تسمى بالفارسية «سفره اغد»، يوضع عليها جميع النذور حسب التقاليد الزرادشتية.
لكن ما تلك النذور؟ وإلامَ ترمز؟
- المرآة والشموع
المرآة والشموع هما الأكثر قيمة وأهمية على تلك المنضدة. الأسر الثرية تشتري المرآة بإطار ذهبي، والأقل دخلًا يختارونها من الفضة. توضع المرآة في منتصف المنضدة مقابل مقعدي العروسين، وانعكاس صورتهما في المرآة يعني أنهما سيتمتعان بحياة أبدية معًا بحسب التقاليد الزرادشتية.
أما الشموع، فتمثل النار، وتعني المستقبل الساطع، وتوضع على جانبي المرآة، ويعني ذلك أن حياة العروسين ستكون أبدية ساطعة مليئة بالحب الذي لن ينطفئ.
- سلة الخبز
في تلك المناسبة لا بد أن يصنع أهل العروسين نوعًا معينًا من الخبز خصيصًا لمناسبة الزواج، ويكون على شكل أزهار وقلوب، ويعني تمني الرزق للعروسين، إضافة إلى إعداد سلة أخرى للضيوف من نفس الخبر ليشاركوا العروسين طلبهما للرزق.
- سلة البيض المزخرَف والمكسرات
تحتوي السلة على المكسرات والبيض، الذي يشارك في زخرفته كل أفراد الأسرة، وتعني السلة تمني الخصوبة للعروسين.
- وعاء السكر
وعاء من الكريستال يحتوي على سكر مجفف على شكل قوالب، ويطلق عليه الإيرانيون «السكر الصخري». والسكر هنا يرمز إلى أمنية أن يتمتع العروسان بحلاوة الدنيا وبهجتها.
- وعاء العملات الذهبية
يحتوي على قطع نقدية ذهبية، أو فضية، بحسب المستوى المادي للعروسين، ويرمز إلى الأمل في الازدهار المالي للزوجين.
- سلة الفواكه
يجب أن يوضع على تلك المنضدة الكتاب المقدس إذا كان الزوجين متدينين، ووجود كتاب مقدس هنا يرمز إلى الربط بين الزوجين.
- التوابل
توضع في صينية من الفضة سبعة أنواع من التوابل كي يتمتع الزوجان بالإثارة الدائمة.
- البخور
لا بد من وجود البخور على تلك المنضدة، ثم يقف شخص من الضيوف أو أهل الزوجين لتبخير العروس عند دخولها الغرفة التي تختوي مراسم الزواج لدرء العين الشريرة، فالبخور في الثقافة الفارسية يُستخدَم لإبعاد الشر والحسد.
- كثير من الزهور
- ماء الورد
بقدر أهمية الزهور، لا بد أن يكون في حفل الزفاف ماء الورد الذي يرشونه على الزوجين في أثناء دخولهما الغرفة لتعطير حياتهما المستقبلية.
- الكتاب المقدس
يجب أن يوضع على المنضدة كتاب مقدس إذا كان الزوجين متدينين، وإن لم يكونا كذلك، يوضع كتاب أشعار حافظ الشيرازى أو جلال الدين الرومى، ووجود كتاب مقدس يرمز إلى قيمة تربط بين الزوجين.
بعد كل ذلك تجلس العروس إلى الجانب الأيمن من العريس، والجانب الأيمن في العقيدة الفارسية يعني الاحترام، ويقف بجانبهما بعض الإناث من الأهل، ويجب أن يكنّ غير متزوجات، ويمسكن بمظلة عبارة عن قطعة قماش حريرية من اللون الأخضر (اللون المفضل عند الفرس القدامى) أو الأبيض، ويفركن قوالب السكر على المظلة التي تكون فوق رأس الزوجين لتغمرهما حلاوة الدنيا.
اقرأ أيضًا: زواج القاصرات في إيران: إنهاء الطفولة بحكم قضائي
العروس توافق في المرة الثالثة
عند عقد القران، يسأل رجل الدين العريس إذا كان يريد الزواج من الفتاة، وهنا يجب أن يرد على الفور بـ«نعم»، وهذا يعني أنه متلهف للزواج منها. أما عند سؤال العروس، فلا تجيب في أول مرة، ولا في المرة الثانية، بل في الثالثة تجيب بـ«نعم» على مهل، وهذا تقليد فارسي يعني أن العروس لا بد أن تجعل العريس وأهله مشتاقين لسماع الموافقة.
بعد أن يعلن رجل الدين موافقة العروس والعريس، يقدم إليهما كأسين من العسل الأبيض، ويغمس كلٌّ منهما طرف إصبعه في الكأس ليطعما بعضهما، وهذا يدل على أنهما سيتمتعان بالرزق والحظ السعيد طوال حياتهما معًا.
الآن يستطيع العريس تقديم خاتم الزواج إلى عروسة، وتقبيلها ربما، واستقبال التهاني والهدايا من الأقارب والضيوف، ثم يذهب الجميع لقضاء حفل صاخب.