يقول المخرج الأمريكي «وودي آلن»: «لا أريد أن أبلغ الخلود عن طريق أعمالي، أريد أن أبلغه عن طريق عدم الموت».
في محاولة لتفنيد أسباب الموت الذي طالما شغل الإنسان، نسأل بشكل علمي بحت: لماذا لم يستطع الإنسان الوصول إلى الخلود، أو إطالة عمره على الأقل إلى مئتي عام؟ بعبارة أخرى: لماذا نموت؟
إذا عرفت أن الإنسان الصياد، سلفنا القديم، كان يعيش 30 عامًا فقط، فقطعًا هناك أسباب غير ميتافيزيقية للموت. لكن كيف أطال الإنسان عمره؟
في عام 1997، توفيت الفرنسية «جان لويز كالمن»، أكبر معمرة عرفتها البشرية، عن 122 عامًا. متوسط معدل العمر العالمي في القرن التاسع عشر كان من 30 إلى 40 عامًا فقط. أما الآن، فمتوسط أعمار البشر في بلد مثل اليابان أصبح 72 عامًا، وعدد من تعدوا الـ90 هناك تجاوز مليوني شخص في 2017. أما معدل متوسط العمر العالمي، فشهد زيادة من 46.7 في عام 1993 إلى 59.3 في 2013.
هذا الرقم آخذ في التصاعد بسبب الطب، لأننا عرفنا أن الأمراض تسببها الجراثيم. عرفنا «البنسلين»، الدواء المعجزة الذي اكتشفه «ألكسندر فليمنغ»، ومنه بدأ عصر المضادات الحيوية التي أنقذت حياة الملايين. لك أن تعرف أن آلافًا كانوا يموتون بمرض مثل «الدرن الرئوي» الذي صار علاجه لا يستغرق سوى أشهر باستخدام المضادات الحيوية. عرفنا الأمصال، عرفنا تصميم الحمض النووي وانشطار الذرة، عرفنا هندسة الطرق، ابتكرنا طرقًا لحفظ الطعام، عرفنا الهندسة الوراثية.
تحسنت جودة الحياة، فزاد معدل أعمار البشر.
الإجابة تكمن ببساطة في نظام حياتهم: غذاء متوازن، أسماك وحبوب كاملة، خضراوات. الأغذية الغربية المصنَّعة لا تعرفها اليابان تقريبًا. نسبة السِّمنة القاتلة المسؤولة عن أمراض السكر والقلب والسرطان موجودة بشكل قليل للغاية في اليابان. والأهم أن لديهم شيئًا لا نمتلكه: واحد من أفضل الأنظمة العلاجية في العالم.
هل جيناتنا تعرف أعمارنا؟
بحسب منظمة الصحة العالمية، تحتل الأمراض 9 من 10 أسباب هي الأكثر تسبُّبًا في الموت على مستوى العالم.
وفقًا للجمعية الأمريكية للوراثة البشرية، جيناتك قد تحدد معدل عمرك، ما يعني أن الاختلافات الجينية تطيل العمر وتقصره.
أجرت الجمعية دراسة شملت بيانات جينومية لنصف مليون شخص، وقارنتها بمعدل أعمار آبائهم، وأكدت النتائج ارتباط جين معين بأمراض عصبية قد تقلل معدل العمر، وارتباط 21 جينًا آخر بمعدل الحياة.
في عام 1987، كانت نواة اكتشافنا لشيء مثير اسمه التعديل الجيني. بمجموعة من التقنيات يستطيع العلماء التعديل في جزيء الحمض النووي. عرفناه من نظام تعديل جيني موجود بشكل طبيعي في البكتيريا، وعُرِف باسم «كريسبر»، هذا الاكتشاف مثير للعلماء، لكن ما زال محل الدراسة لمعرفة قدرته على علاج الأمراض الوراثية، ولكن هناك جدالًا أخلاقيًّا بشأن التعديل الجيني للصفات التي تنتقل من جيل إلى آخر.
قد يهمك أيضًا: عن المسارات التطورية المحتملة للبشر
للموت أسباب، أغلبها مَرضي
بحسب منظمة الصحة العالمية، تحتل الأمراض 9 من 10 أسباب هي الأكثر تسبُّبًا في الموت على مستوى العالم.
في عام 2016، كان مرض القلب الإفقاري والسكتة الدماغية سبب وفاة أكثر من 15 مليون شخص. الانسداد الرئوي المزمن حصد أرواح ثلاثة ملايين، بينما تسبب سرطان الرئة وسرطان القصبات والشعب الهوائية في 1.7 مليون حالة وفاة. السكر أنهى حياة 1.6 مليون شخص، وتضاعف عدد وفيات أمراض الخرف أكثر من مرتين بين 2000 و2016. عدوى التهابات الجهاز التنفسي السفلي قتلت ثلاثة ملايين شخص، والإسهال والسل قضيا على ثلاثة ملايين ونصف مليون إنسان تقريبًا.
سبب الوفاة الوحيد الذي ليس مرضًا ضمن القائمة هو حوادث الطرق. الحروب ليست ضمن الأسباب العشر أصلًا. المرض يقتلنا طوال الوقت، لكنه لا يفعل هذا وحده. لو عُزلنا عن المرض تمامًا، سنموت أيضًا.
موتنا محسوم من البداية
الموت بسبب الشيخوخة يسمى موتًا طبيعيًّا، لكل كائن متوسط حياة.قد يعيش الفأر عامين، وقد يعيش الإنسان حتى 120 عامًا.
خلايانا تنقسم، وعندما نكبر يقل معدل انقسامها.
هذا ما اكتشفه عالم البيولوجي «ليونارد هايفليك» عام 1965، حين لاحظ الظاهرة التي سُميِّت «حَدَّ هايفليك». أكدت الظاهرة أن الخلية لها حد معين من الانقسامات، أي إنها ليست خالدة كما كان يُعتقد من قبل.
لاحظ هايفيليك أن الخلية تمر بثلاث مراحل:
- انقسام سريع وصحي
- انقسام بطيء
- الشيخوخة
إثبات هايفليك معناه أن الكائنات لها ساعة جزيئية، تبدأ في الدوران من يوم الولادة.
أدركنا تفسير ذلك عندما عرفنا أن هناك ما يسمى «التوليمر»، وهو غطاء يحمي جزيء الـ«DNA». عندما يقصر الغطاء تشيخ الخلية، ولا تعود قادرة على الانقسام. من لديهم توليمرات قصيرة في أجسادهم يتعرضون لأمراض الشيخوخة في سن صغير، وتكون أعمارهم أقل.
الموت بسبب الشيخوخة يسمى موتًا طبيعيًّا، ولكل كائن متوسط حياة. يعيش الفأر عامين، بينما قد يعيش الإنسان حتى 120 عامًا. لكن هناك كائنًا يسمى «الهيدرا» لا بد أن نتوقف عنده قليلًا.
في الأسطورة الاغريقية، «الهيدرا» وحش برؤوس متعددة، كلما فقد رأس تجددت تلقائيا. أما في الحقيقة فهو كائن يعيش في المياة العذبة ويُعتقد أنه لا يشيخ، وذلك لأن معظم خلايا جسده من نوعية الخلايا الجذعية، تتجدد باستمرار.
نحن أيضًا لدينا خلايا جذعية بالغة متخصصة، وهي خلايا ليست لها وظيفة محددة، لها القدرة على التحول إلى أنواع متخصصة من خلايا أخرى تحت ظروف معينة فقط. الخلايا الجذعية القادرة على التجدد والتحول إلى أي نوع خلية أخرى توجد في المرحلة الجنينية فقط، بينما تظل مع الهيدرا بشكل دائم ويستخدمها في تجديد خلاياه.
لا يعيش الهيدرا إلى الأبد. إنه كائن لا يشيخ فقط، لكنه يموت نتيجة مؤثرات خارجية مثل أن يؤكل.
الشيخوخة هي الخطر الرئيسي على الإنسان، أكثر من أي مرض، من السرطان، من أمراض القلب، من السكر، من الألزهايمر.
الشيخوخة ليست مرضًا في حد ذاتها حتى يكون لها علاج، إنها تدهور تدريجي محتوم في الوظائف الفسيولوجية. يمكن تخيل الإنسان في مرحلة الشيخوخة جهازًا يعمل بأقل معدل: حالة وهَن وضعف في العضلات، عدسات عين غائمة، بطء في الحركة وضربات القلب، قدرة أقل على التذكُّر.
تطرح حلقة من برنامج «Explained» بعنوان «هل بإمكاننا أن نعيش إلى الأبد؟» سؤالًا: هل يمكن أن نجد علاجًا للشيخوخة؟
يقول «نير بارزيلاي»، الباحث في علم الشيخوخة، إن الشيخوخة هي الخطر الرئيسي على الإنسان، أكثر من أي مرض من الأمراض التي نخشاها، من السرطان، من أمراض القلب، من السكر، من الألزهايمر. الشيخوخة خطر ذو خمسة آلاف بُعد.
غالبية البشر مهووسون بالظهور في سن أصغر، ما يفرش طريقًا مليئًا بالورد أمام صناعة مكافحة الشيخوخة، التي يُقدَّر أنها ستنمو إلى 313 مليار دولار في عام 2021، بين كريمات تجعل بشرتك تبدو أقل 20 عامًا، وبوتوكس وفيلر لحقن الوجه والشفاه، وعمليات تجميل باهظة التكلفة.
قد يعجبك أيضًا: الإنسان والمرض: من ينتصر في النهاية؟
محاولات الخلود: هل نقتل الموت؟
غير التفكير في محاربة الشيخوخة، فكَّر العلماء في محاربة الموت نفسه بتجميد البشر في ستينيات القرن العشرين.
الفكرة في تزجيج المخ، أي تجميده إلى درجة يصير فيها شبيهًا بالزجاج، إلى حين اكتشاف طريقة لبعث المجمدين. بعض الأجنَّة جُمِّدت بالفعل، لكن بطريقة التجميد الحالية التي تقضي على كثير من الخلايا العصبية، لن يعود أي منهم حيًّا.
طريقة أخرى فكَّر فيها العلماء للقضاء على الموت عن طريق تحميل وعي الإنسان إلى آلة أو جهاز كمبيوتر، وهو ما يراه الفيلسوف الأمريكي «كوامي أبياه» غير معقول، لأن وعي الإنسان متصل جذريًّا بوجوده الحيوي في المخ، ووجود الإنسان مقترن بالضرورة بالوعي.
لا يبدو أننا سنكف عن محاولاتنا في الوصول إلى الحياة الأبدية، وإبطال عمل برمجة خلايانا على الموت. لكن ماذا سنفعل لو نجحنا؟ ماذا بعد أن ننتصر على الموت؟ هل تكفينا موارد الكوكب أصلًا؟