تبدو كرة القدم دائمًا وكأنها أكبر من مجرد رياضة. ربما أقرب لحالة اجتماعية من نوع ما. الطريقة التي نشاهد بها المباريات، ونتفاعل مع أهدافها وإخفاقاتها، ليست مجرد متابعة بريئة لرياضة من بين الرياضات، لكنها مغرية بالبحث حولها.
تحتل كرة القدم الموقع الأول عالميًّا من حيث الشعبية، طبقًا للإحصائية التي نشرها موقع «Worldatlas»، بعدد مشجعين يفوق أربعة مليارات مشجع. تليها في الشعبية رياضة الكريكت بـ2.5 مليار مشجع، ثم الهوكي بـ2 مليار مشجع، والتنس بمليار مشجع، ثم تحتل باقي الرياضات عالم ما تحت أقل من مليار مشجع، مثل الكرة الطائرة وتنس الطاولة وكرة السلة والبيسبول والرغبي، وأخيرًا الغولف.
كرة القدم ليست الأولى شعبيًّا من حيث عدد المشجعين فقط، بل تحتل المركز الأول عالميًّا طبقًا لثلاثة عشر معيارًا ذكرها موقع «Totalsportek»، من بينها الشعبية، والمشاهدات التلفزية، وعدد الدوريات الاحترافية على مستوى العالم، ومعدل دخل اللاعب في الدوريات الاحترافية، إضافة إلى نسب الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي، والظهور في العناوين الإخبارية المختلفة، وأخيرًا وهو الأهم، سهولة ممارسة تلك الرياضة بين كل أفراد العالم.
مشاهدات بالمليارات
بين هذه المعايير الثلاثة عشر، حققت كرة القدم المركز الأول في الشعبية بمشجعيها المليارات الأربعة، والمركز الأول في المشاهدات التلفزية، فقد وصل عدد مشاهدي كأس العالم عام 2018 إلى 3.4 مليارات مُشاهد في بعض المباريات.
إذا سألت أي شخص في محيطك عن أكثر الرياضات شعبية، سيجيبك بكامل الثقة، بأنها كرة القدم.
عندما يتعلق الأمر بصفقات الحقوق التليفزيونية ومعدل دخل اللاعب، كانت كرة القدم الأعلى على الإطلاق، إذ يصل دخل «كريستيانو رونالدو» إلى 600 ألف يورو أسبوعيًّا. وفي صفقة شهيرة عام 2014، حصل نادي مانشستر يونايتد على 750 مليون جنيه إسترليني من شركة «أديداس»، مقابل أن تكون المصدر الرسمي لإمداد النادي بالمعدات الرياضية اللازمة.
أما عندما يأتي الأمر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإن صفحتي أندية، مثل ريال مدريد وبرشلونة، تحتلان المركز الأول على الإطلاق، عندما يتعلق الأمر بمتابعي الرياضة في العالم كله. إذ يتابع مئة مليون كل صفحة منهما. ليس هذا فقط، بل يبلغ عدد متابعي صفحة كريستيانو رونالدو 122 مليون متابع على فيسبوك، ليصبح أشهر لاعب رياضي في العالم.
قد يهمك أيضًا: هوس التشجيع: ما هربنا منه نحو كرة القدم، وجدناه في كرة القدم
طبقًا لهذه المعايير، تحتل كرة السلة المركز الثاني، تليها الكريكت، ثم التنس. لكن، حتى لو لم يكن لدينا كل تلك الأرقام الرنانة، فإنك إذا سألت أي شخص في محيطك عن أكثر الرياضات شعبية، سيجيبك بكامل الثقة، بأنها كرة القدم.
نزولًا بالاستشهادات إلى المستوى الشخصي، فإنني لم أجد رياضة تملك متابعة واهتمامًا في كل الدوائر المحيطة، مثل التي تحظى بها كرة القدم.
على مستوى كل الرياضات والأنشطة التي حاولت أختي فرضها على ابنها الصغير في أثناء نموه، لم يكبر معه سوى حبه لكرة القدم. أكثر ما أتذكره من طفولتي أنا وأخي هو ذهابه للعب الكرة مع أصدقائه.
شخصيًّا، أستمتع كثيرًا عند مشاهدة مباراة كرة قدم، وتغمرني الإثارة والمتعة. لكني لست من متابعي باقي الألعاب الأخرى، ولا أقضي وقتًا طويلًا في متابعة المباريات المختلفة، لكن لم يخف عليَّ مدى اجتياح هذه الرياضة قلوب جميع من حولي مقارنة بالمباريات الأخرى، بل والعالم أجمع، وخصوصًا في كأس العالم الأخير بعد تأهل أربع بلدان عربية إليه. من وقتها وأنا أشعر بالرغبة الملحة في معرفة سبب الشعبية الطاغية لتلك الساحرة المستديرة.
لماذا نحب كرة القدم؟
الأسباب المقبولة منطقيًّا حتى الآن لتحديد أسباب شعبية كرة القدم، تتلخص في: بساطة القواعد والوقت المحدود ومرونة سِن اللعب.
عندما سألت مَن حولي عن سبب تعلقهم بكرة القدم، ولماذا هي أكثر رياضة يستمتعون بها، كان الرد واحدًا بطريقة ما: «من أجل لعبة كرة القدم، لا يلزمك سوى كرة، في الغالب مصنوعة من الجوارب القديمة، وقطعتا طوب لتحديد المرمى، ومجموعة من الأصدقاء للعب»
بمعنى آخر، هل إذا كانت كرة اليد الأكثر شهرة، فربما كان الأطفال سيستعملون نفس كرة الجوارب القديمة، لكن سيحاولون رميها بين قطعتي طوب؟ هل لو كانت الكرة الطائرة هي الأكثر شعبية، لكانت نفس الكرة مع قطعة قماش ممتدة على طول شارع ضيق قليلًا، ومثبتة من الطرفين بأي وسيلة سهلة وبسيطة؟
الأسباب المقبولة منطقيًّا حتى الآن، لتحديد أسباب شعبية كرة القدم، تتلخص في: بساطة القواعد والوقت المحدود ومرونة سِن اللعب. من أجل الحصول على أسباب أكثر وأفضل، بإمكاننا أن نحصر مقارنتنا بين عدة رياضات فقط، وستكون تلك التي تتشابه كثيرًا مع كرة القدم. هذه المعايير ستتمثل في شرط وجود فريقين متنافسين، معدات يمكن إيجادها، أو ابتكارها، بسهولة، سهولة القواعد والالتزام بوقت زمني معين.
الرياضات التي ينطبق عليها الشرط الأول هي كرة القدم الأمريكية والسلة والطائرة والهوكي والرغبي واليد والبيسبول.
من هذه الرياضات التي ينطبق عليها الشرط الثاني هو اليد والسلة والطائرة وكرة القدم الأمريكية، إذ تستلزم الهوكي والبيسبول وجود مضارب، قد يكون إيجاد بديل لها، وبعدد كافٍ، صعبًا بعض الشيء، إضافة إلى الكرة أو القرص الذي يستلزم شروطًا معينة.
اقرأ أيضًا: «فوتبول» أم «سوكر»: صراع الإنجليز والأمريكان على أشهر رياضات العالم
متطلبات تقنية
عند مقارنة كرة القدم مع السلة، ستجد أن كرة السلة تملك متطلبات في بنية اللاعب نفسه، فالطول عامل أساسي في من يريد أن يلعب هذه الرياضة. في كرة القدم الأمريكية، يتعلق الأمر ببنية الجسد، إذ تجسد اللعبة عنفًا يستلزم قوة وجسدًا كافيين لتحمله. في كرة القدم، لا يوجد قيود أو شروط على الطول أو الجسد، كل ما تحتاجة أن تكون قادرًا على تمرير الكرة والتلاعب بها.
الوقف المستقطع في كثير من الرياضات مثل كرة السلة، يكسر إيقاع اللعبة، على عكس كرة القدم.
عند اختزال المقارنة بين كرة القدم وهذه الرياضات الأربعة أيضًا، ستجد أنهم يشتركون في نقطة واحدة لا تشاركها فيهم كرة القدم. سواء في كرة اليد أو السلة أو الرغبي أو الأمريكية، فالفوز يكمن في الفريق الذي يحرز أكبر عدد من الأهداف. لكن بنفس منطق أهداف كرة القدم.
متوسط أهداف كل واحدة من هذه الألعاب: 55 هدفًا لكرة اليد تقريبًا، أول من يصل إلى 25 نقطة في الكرة الطائرة، 75 نقطة في كرة السلة تقريبًا. وأخيرًا 22 نقطة لكرة القدم الأمريكية تقريبًا. لكننا عندما نحاول إيجاد متوسط أهداف مباراة كرة القدم في كأس العالم 2018، ستجد أنها ثلاثة أهداف فقط. أبق هذه المعلومة في ذاكرتك قليلًا، ودعنا نتحدث عن الوقت المحدد لكل لعبة من هذه الرياضات.
في كرة السلة، تتكون المباراة من أربعة أشواط، كل شوط يتكون من 10 إلى 12 دقيقة، قد تختلف هذه المدة باختلاف المكان والمؤسسة المسؤولة، لتصبح مدة مباراة كرة السلة من 40 إلى 48 دقيقة فقط، لكن يجري إيقاف اللعب مع كل حكم أو إنذار، كما يُسمح للمدرب بطلب وقت مستقطَع، وتبديل غير محدود للاعبين.
في كرة اليد، تنقسم اللعبة إلى شوطين من نصف ساعة لكل واحد منهما، ويُسمح لكل مدرب بطلب وقت مستقطع ثلاث مرات، وبعدد غير محدود من التبديلات. في لعبة الرغبي يوجد شوطان، كل منهما 40 دقيقة، بينما كرة القدم الأمريكية تدوم 60 دقيقة على مدار شوطين.
في كل من هذه الألعاب، تستمر المباراة فترة أقل من كرة القدم، لكن يجري فيها إحراز أهداف ونقاط أكثر بكثير جدًّا من كرة القدم. في هذه الرياضات تحبس أنفاسك في أثناء المشاهدة فقط لتعرف من سيحرز الهدف القادم الذي تعرف أنه قادم. بينما في كرة القدم، أنت تحبس أنفاسك لأنك لا تعلم من سيحرز الهدف، وما إذا كان سيُحرَز أصلًا أم لا.
في كرة القدم يوجد وقت كافٍ ومرونة تسمح بأن تُقطع هجمة أو ترتد أو يراقص اللاعبون الكرة حتى تظن أنه لا يوجد كرة في الملعب. أما في باقي المباريات، فالهجمة دائمًا ما تكون قصيرة، والتوتر المتصاعد كثيرًا ما ينتهي بسرعة فائقة.
ما يميز كرة القدم عن باقي الرياضات ويعطيها تلك الشعبية العظيمة، ليس لأنها الأبسط ولا الأسهل ولا الأكثر دعاية ونقودًا، لكن لأنها كرة قريبة من كل الناس، لا تستلزم كثيرًا من الشروط أو القواعد. ولأنك عندما تبدأ المباراة، فأنت تبدأ رحلة من المجهول. رحلة مليئة بالغموض والإثارة والمتعة. عندما تشاهد هذه الدقائق التسعين، أنت على تمام الثقة بأنك ستستمتع باللعبة والأداء والمفاجآت.