عن الغزل: لأن أحدًا لا يحب أن يموت وحيدًا

الصورة: Getty/Philip Lee Harvey

محمد جمال
نشر في 2017/11/18

جهاز الكمبيوتر المحمول مفتوح على برنامج «Microsoft Word»، أتعمد أن أبدو رائعًا، عميقًا، ذكيًّا. أستند بمِرفقي إلى حافة المائدة وأسند رأسي إلى كفي المفرود، لا بد أني أبدو رائعًا بينما أنا سارح في تفكير عميق. هل تأكدتُ من تحديد لحيتي جيدًا هذا الصباح؟ لا أذكر.. تبًّا.

أشد ذراعي المستندة إلى حافة المائدة بقوة محاولًا إبراز عضلة «الترايسبس» أكثر، أو ربما يجب أن أغير وضع ذراعي لتبدو عضلة «البايسبس»؟ إنها أكبر وأكثر بروزًا ورجوليةً، نعم، يبدو هذا حلًّا أفضل، و... هل تراني أصلًا؟

أحاول أن أنظر ناحيتها بشكل لا يبدو متعمدًا، وكأني أبحث عن النادل، لمحتها، كانت منخرطة في حديث ضاحك مع صديقتها، تبًّا، متى جاءت صديقتها؟ إنها جميلة مثلها بالضبط، كلتاهما جميلة وأنا وحيد.

لماذا لا تلاحظان عضلة «التراي» البارزة في ذراعي؟ لقد تعبت في التمرين والله لتصبح هكذا.

منذ بدأت الكتابة لـ«منشور» كان تركيزي منصبًّا على علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، السؤال الذي كان يحركني دومًا هو «لماذا أفعل ما أفعل، ولماذا يفعل الآخرون ما يفعلون؟»، بضعة شهور من القراءة والبحث في مثل هذه الأمور جعلتني أفكر في نفسي كشخص حكيم رائع يفهم بسهولة ما بين السطور وما يدور في عقول الآخرين. أين تلك الحكمة الآن؟ لماذا لا تخرج مني أكثر الكلمات ذكاءً وجاذبيةً لكسر الجليد والانخراط في حديث طويل جميل؟

حان الوقت للوصول إلى استفادة عملية واقعية من كل هذا الإطناب السايكولوجي، دعنا نفتح غوغل ونكتب: «Psychology flirting techniques» (طُرُق المغازلة عن طريق علم النفس).

عن الغزل

طيور تؤدي رقصات موسم التزاوج

في عالم البشر الأمر معقد جدًّا، هناك خيط رفيع لا يكاد يُرى يفصل بين الغزل والتحرش، فلا ندرك أين يقع هذا الخط إلا بعد عبوره.

لا أظن أن الغزل يحتاج إلى تعريف علمي، لكني سأفعل على أي حال على سبيل العادة ليس إلا. يعرّف الغزل بأنه «لغة غير منطوقة، يتحدثها الرجال والنساء عبر العالم، هدفها إرسال إشارات الإعجاب والاهتمام بدون استخدام الكلمات».

في عالم الحيوان الأمر أكثر سهولة، كل نوع من الكائنات له طريقة شبه ثابتة للغزل بين أفراده يختار بها شريكه: هناك من يؤدي رقصة، ومن يطلق رائحة، ومن يغني أغنية، بينما يفضل بعض الحيوانات القتال حتى الموت.  قد يبدو هذا وحشيًّا، لكنه على الأقل طريقة ثابتة واضحة القواعد والشروط ويلتزم بها الجميع.

أما نحن في عالم البشر فالأمر معقدًا جدًّا، هناك خيط رفيع لا يكاد يُرى يفصل بين الغزل والتحرش. لا ندرك، نحن الرجال عديمي البصيرة، أين يقع هذا الخط إلا بعد عبوره، بعد أن تنطلق الصرخة المتهمة. تهانينا، أنت الآن «منحرف».

يؤمن بعض الناس، وأنا منهم، أن كل الرجال منحرفين. ربما ينطبق الحديث على الجنس البشري بشكل عام، لكن دعنا نعترف لأنفسنا أننا، كرجال، تقودنا غرائزنا أكثر من النساء، إن كنت ترى نفسك كشخص مهذب ورائع ومتحضر، فتذكر أن هذا ليس أمرًا غريزيًّا، بل نتج عن سنوات من تهذيب النفس علمتنا إياه الحضارة والأديان والفكر والفلسفة والضغوط الاجتماعية، لا تدع الغرور يقودك إلى الإيمان بأنك رائع ومهذب بالفطرة.

قد يهمك أيضًا: كيف تحولت العلاقات في عصر «الشات»

ما نحاول فعله هنا هو البحث عن منطقة آمنة بالقرب من هذا الخيط الرفيع، فلا نحن نرغب في أن يصير أينا اسمًا جديدًا يضاف إلى قوائم #meToo، لكننا أيضًا لا نرغب في الموت وحيدين.

ثلاث خطوات للغزل

عندما يقترب طرف من الآخر مبديًا إعجابه ويتلقى ردًّا ليس إيجابيًّا، تنتهي المحاولة فورًا، فورًا، أرجوك لا تنسَ هذا.

قد يساعدنا مقال بعنوان «ثلاث خطوات لغزل أكثر نجاحًا»، الكاتب بروفيسور في علم النفس، يبدو هذا واعدًا.

يتحدث الكاتب عن أننا عمومًا نتوقع دومًا ترتيبًا معينًا لحدوث الأشياء. مثلًا، تدخل مطعمًا فتتوقع أن تختار المائدة أولًا، ثم يأتي النادل بقائمة الطعام فتختار منها، وبعد قليل يأتي الطعام. هذا هو التسلسل الطبيعي المطمْئِن، سنرتبك ونتوتر إن قدموا لنا طعامًا لم نختره ما أن ندخل من باب المطعم قبل حتى أن نجلس.

قد يعجبك أيضًا: هل يخشى الرجال الارتباط بالنساء الذكيات؟

بالتالي، نحن أيضًا لدينا توقعات معينة للتسلسل الطبيعي لعملية الغزل والتعارف، والخروج عن هذه الأنماط المتعارَف عليها سيؤدي غالبًا إلى فشل المحاولة،  وربما إلى عبور الخيط الذي لا نرغب في عبوره.

ما سنتحدث عنه تاليًا هو أحد تلك الأنماط، اكتشفه العلماء (بينما أقرأ عن العلماء الذين يقضون أوقاتهم في دراسة أنماط الغزل، أبكي على عمري الضائع في دراسة الهندسة) بدراسة وملاحظة أفراد يدخلون البارات فرادى ويخرجون بصحبة آخرين.

1. الاقتراب

هذه هي المرحلة الأولى، عندما يقترب طرف من الآخر مبديًا إعجابه، فإن لم يكن الرد إيجابيًّا من الطرف الآخر تنتهي المحاولة فورًا، فورًا، أرجوك لا تنسَ هذا.

ينصح الكاتب هنا بالابتسام، ابتسامة صادقة حقيقية تعبِّر عن الإعجاب، لأن الابتسامات المزيفة غالبًا ما تبدو كذلك بسهولة. بشكل غير واعٍ، لا يمكننا افتعال كل تعبيرات الوجه المصاحبة للابتسامة الصادقة، وكنتيجة، يشعر الطرف الآخر بزيف الابتسامة فورًا، وهذه أسوأ بداية ترغب فيها في لحظات حاسمة مثل هذه. تذكر، أنت لا ترغب في أن تموت وحيدًا، ابتسم بصدق.

مع الابتسامة تلقي التحية، وبينما يحدث هذا يرتفع الحاجبان بشكل لا إرادي، هذه إشارة غير واعية لكنها فعالة دومًا، تدل على الاهتمام والإعجاب أحيانًا.

2. المزامنة

لاحظ اتساع حدقة العين، فهو دليل كبير على وجود اهتمام وربما إعجاب من الطرف الآخر.

هنا نحتاج إلى عبارة ذكية لفتح الحديث. لم يذكر المقال واحدة مناسبة وفعالة للأسف وإلا كنت ذكرتها فورًا، وإنما أورد نماذج للعبارات التي غالبًا ما تفشل. مثلًا، يقول بعض الرجال: «أهذا شعرك فعلًا؟»، «أنتي تذكرينني بحبيبتي السابقة»، أو قد يبلغ غروره وغباؤه مبلغه فيقول: «عندك أم عندي؟». لهن كامل الحق أن يقلن علينا متحرشين طبعًا.

في هذه المرحلة ربما نقابل أول علامة تدل على أن هناك احتمالية موافقة، فكلا الطرفين، بشكل غير واعٍ أيضًا، يميل إلى محاكاة حركات الطرف الآخر، وضع الجسد وحركات الأطراف وتعبيرات الوجه، كلها تفاصيل تتوافق غالبًا في مثل هذه اللحظات.

لاحظ اتساع حدقة العين في هذه المرحلة، فاتساع الحدقة دليل كبير على وجود اهتمام وربما إعجاب من الطرف الآخر.

3. اللمس

لا لا لا لا لا، لا تفرح هكذا، اهدأ أرجوك.

لا تنسَ أن هذا النموذج ناتج عن دراسة أُجريت في مجتمع غير ذلك الذي تقرأ الموضوع في قلبه الآن، واللمس المقصود ليس ذلك الذي في خيالك، وإنما اللمس العادي الذي يحدث خلال تبادل الحديث، لمس الذراع مثلًا أو ما شابه، لا تنسَ أبدًا اختلاف المجتمعات والأعراف السائدة.

تتضمن تلك المرحلة أيضًا تبادل الكلام، والاستماع الجيد، وتبادل المعلومات الشخصية، مثل أن تتحدث عن نفسك وحياتك وتستمع بانتباه إلى الشخص الآخر يفعل المثل، هذا مهم للغاية لبدء علاقة، نحن بطبعنا نعجَب أكثر بالشخص كلما كشف أكثر عن ذاته.

مهم للغاية أيضًا في هذه المرحلة تبادل المزاح والضحك، هناك دراسة تقول إن كمية الضحك الذي تضحكه الأنثى مؤشر قوي على احتمال تطور العلاقة، أكثر بكثير من ضحك الذكر. يبدو أن عمرو دياب كان يعلم جيدًا ماذا يقول.

اقرأ أيضًا: يعني قلبها مال: لماذا تنجذب الفتيات إلى الشاب المرح؟

يستغرق الأمر من 90 ثانية إلى 4 دقائق لنقرر إذا كنا معجبين بشخص معين أم لا.

ينتهي المقال بقول الكاتب إن هذا لم يكن مقالًا إرشاديًّا للخطوات التي يجب أن يتبعها الذكر والأنثى، بل فقط محاولة استعراض سريع للخطوات المتبعة في أغلب سيناريوهات الغزل.

انتهى المقال ولم أعرف بعد ماذا أقول، والفتاتان تتململان ويبدو أنهما على وشك المغادرة. تبًّا، لنبحث عن غيره.

ما تقوله لن يهم في الغالب

هل تؤدي تجربة بسيطة لوقوع أغراب في الحب؟

التواصل بالعيون لغة مستخدمة في شتى التعاملات البشرية، وليس فقط في حالات التغزل والحب.

جاءت نتائج الأبحاث رحيمة بنا، نحن الذين لا نعرف ماذا نقول.

يستغرق الأمر من 90 ثانية إلى أربع دقائق لنقرر إذا كنا معجبين بشخص معين أو لا، لكن الغريب أن الأمر لا يتعلق غالبًا بمحتوى حديثه، أو بمعنى أدق 7% فقط من اهتمامنا بالشخص يرجع إلى سلاسة كلماته، و38% إلى سرعة الحديث ونبرة الصوت، و55% إلى لغة الجسد.

لكن إن كان الكلام السلس ليس بهذه الأهمية، هناك ما لا يجب أن يقال بالتأكيد، لا تجعل هذا يقودك إلى الحديث عن... ما لا يجب الحديث عنه.

لا تنس النظر في العينين مباشرة، هذه هي الطريقة الأقدم والأكثر ضمانًا لكسب ثقة وتعاطف الآخرين.

«آرثر آرون»، البروفيسور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أجرى تجربة شهيرة وضع فيها مجموعات من فردين (ذكر وأنثى) في المعمل، كل مجموعة على حدة، وطلب منهم أن يتحدثو لمدة طويلة عن حياتهم الخاصة، لكن الشرط الرئيسي كان أن بعد كل هذا الحوار، يجلس الاثنان في صمت لأربع دقائق، يتصلان بالعيون فقط.

بعد التجربة، اعترف كثير ممن شاركوا فيها أنهم شعروا بانجذاب شديد إلى نحو من كانوا معهم، ومنهم من تزوجوا بعد التجربة ببضعة أشهر.

قد يهمك أيضًا: الزواج أم العزوبية: أيهما طريقنا إلى السعادة؟

ليس الأمر فقط في حالات التغزل والحب، التواصل بالعيون لغة مستخدمة في شتى التعاملات البشرية.

أُعيد إجراء تجربة آرون مع لاجئين مروا بتجارب قاسية في الحروب ولا يستطيعون الحديث عنها أو الانخراط في المجتمع الجديد، ويمكنك أن ترى كيف أسهم تبادل النظرات في مساعدة هؤلاء على الحديث والتواصل بعد كل ما عانوه.

 

حسنٌ، أظن أني كوّنت فكرة لا بأس بها عما يجب أن أفعله، حركات الجسد ونظرات العينين وما إلى ذلك، فقط أحتاج إلى قليل من الثقة. عليَّ أيضًا أن أفكر: ماذا كان جيمس بوند ليفعل؟ بعد ذلك سأتحرك إلى الفتاتين، و... لقد ذهبتا. سأموت وحيدًا.

مواضيع مشابهة