كُتبت المقالات والأبحاث عن تملُّك صناديق استثمارية خليجية لأندية كرة قدم أوروبية، مثل نيوكاسل يونايتد الإنجليزي (صندوق الاستثمارات العامة السعودي) ومانشستر سيتي الإنجليزي (مجموعة أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار) وباريس سان جيرمان الفرنسي ( جهاز قطر للاستثمار). وتعددت التفسيرات بشأن اهتمام صناديق الاستثمار الخليجية الغنية بأموال النفط والغاز بالاستثمار في الرياضة، منها ما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، ومنها ما يتعلق بتعزيز القوة الناعمة لتلك الدول، بينما يرى آخرون أنها نوع من «الغسيل الرياضي» Sportswashing.
قد يخرج القارئ لتلك التقارير بانطباع مفاده أن العلاقة بين النفط وكرة القدم في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا هي علاقة طارئة سببها عوائد النفط الضخمة، بيد أن العلاقة بين النفط وكرة القدم تعود إلى فترة التنقيب عن النفط في النصف الأول من القرن العشرين، حين وفد عمال الحفر البريطانيون إلى إيران والعراق وقطر وشكلوا فرقًا لكرة القدم، ثم تبعهم العمال الهنود والعرب لاحقًا.
لم تكن الكويت استثناء، إذ مورست اللعبة على نطاق أوسع، واتخذت صفة أكثر «تنظيمية» لا تخلو من تمييز أو نزعة «تبشيرية» بالقيم الغربية. ويجادل الصحفي العراقي منتظر العطية بأن «استراتيجية التبشير التي استعملها البريطانيون، في محاولتهم تصدير القيم الغربية، لم تكن تقتصر ضمن أدوات القوة والإكراه فحسب، بل استعملوا أيضًا "القوة الناعمة" ليضفوا بعدًا ثقافيًا على مشروعهم لحكم البلدان المستعمرة».
شركة نفط الكويت وكرة القدم
في 23 ديسمبر عام 1934، حصلت شركة نفط الكويت المسجلة في بريطانيا والتي تعود ملكيتها بالتساوي إلى شركة النفط الأنجلو فارسية (BP حاليًا) وشركة الخليج للنفط الأمريكية (شيفرون حاليًا)، على حقوق التنقيب عن النفط في الكويت من حاكمها آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح.
بدأت شركة نفط الكويت أعمالها في عام 1936، وتحديدًا في بحرة (شمال الكويت). واستطاع المؤرخ والصحفي مرزوق العجمي أثناء عمله على كتابه «نادي الحبارى والنشاط الرياضي لشركة نفط الكويت» أن يعثر على صور لم تنشر من قبل كُتب على ظهرها «اليوم الرياضي - بحرة 1936»، تشير إلى «وجود أنشطة رياضية تنافسية في العام 1936، أعطت منطقة بحرة قصب السبق في "التنظيم الرياضي" الذي كان حتى اليوم مرتبطًا بمنطقتي المقوع والأحمدي».
كانت فترة شركة النفط في بحرة «قصيرة جدًا» عمليًا ورياضيًا بحسب وصف العجمي (من مايو 1936 إلى أكتوبر 1937)، لكنها فترة شابتها واحدة من أشهر الحوادث المتعلقة بكرة القدم في البلاد، هي وفاة عامل كويتي يدعى بدر يوسف البدر بعد لعبه شوطًا واحدًا في مباراة بين عمال شركة النفط. كانت الرواية السائدة أن البدر قد توفي بسبب شربه للماء البارد عقب المباراة، إلا أن العجمي يورد حكاية مختلفة عن وفاة البدر في 30 يناير 1937 مستندًا إلى وثيقة تعود إلى شركة نفط الكويت، وهي اليوم ضمن مقتنيات الأرشيف الوطني البريطاني.
كان السبب وراء قصر فترة بحرة هو عدم اكتشاف النفط بكميات تجارية، لذا انتقلت عمليات التنقيب جنوبًا إلى المقوع، حيث طرأت «نقلة نوعية على صعيد النفط والرياضة، فتدفق الذهب الأسود بكميات تجارية، وكان من الطبيعي أن تشغل الرياضة جزءًا لا بأس به من اهتمامات العمال». ويستعرض العجمي في كتابه الهيكل التنظيمي للرياضة في شركة نفط الكويت على النحو الآتي:
- رياضة كبار الموظفين: برعاية شعبة الرياضة في المقوع المنبثقة من نادي المقوع (1937-1951)، ثم نادي الحبارى في الأحمدي (منذ 1951)، الذي يراه العجمي امتدادًا لنادي المقوع
- رياضة صغار الموظفين: تضم ناديي الاتحاد (الممتدة جذوره إلى فريق الكتبة الهنود 1940) ونخلستان (الذي أسسه حرفيون هنود وباكستانيون)، ثم انضم لهما نادي الأحمدي في 1957
كانت الرياضات التي تمارس بين تلك الفرق تضم الهوكي والكريكيت والرغبي وكرة القدم (مع رتبة إعلائية واضحة لكبار الموظفين على كامل الأنشطة الرياضية). ولو اقتصر الحديث على كرة القدم، فإن العجمي يوضح أنه كانت هناك لجنة فرعية تدعى لجنة كرة القدم تتبع الشعبة الرياضية في المقوع، وهي المسؤولة عن الإشراف على أنشطة كرة القدم، ثم سميت لاحقًا «نادي الكويت لكرة القدم»، قبل أن تصبح من لجان «نادي الحبارى لكرة القدم».
وبذلك، كانت شركة نفط الكويت «قد سبقت مؤسسات الدولة في تشكيل أول "مظلة رياضية معاصرة" لرعاية اللعبة». وبعد انتقال أعمال الشركة من المقوع إلى مدينة الأحمدي، شيدت الشركة ملعبين لكرة القدم مع بداية الموسم الرياضي 1949/1948، الذي انطلق في 4 نوفمبر 1948 بمشاركة ثماني فرق تمثل كبار الموظفين وصغارهم، بالإضافة إلى فرق الشركات البريطانية المتعاقدة مع شركة نفط الكويت.
يعلق العجمي قائلًا إن «هذه البيئة الرياضية الحية التي خلقها البريطانيون في مدينة الأحمدي، كان لا بد أن تحفز العمال العرب والكويتيين على حد سواء، لذا ظهر أول فريق كرة قدم "كويتي" في مدينة الأحمدي في 8 نوفمبر 1951 (أقدم ظهور أمكن التوصل إليه)». أُطلق على الفريق اسم فريق «قرية العرب» (عرب فلج) نسبة إلى المعسكر المخصص لسكن العمال العرب، ولعب الفريق في ما عرف بدوري نادي الاتحاد لمعسكر العمال الداخلي. فيما شكل الفلسطينيون فريقًا خاصًا بهم فاز ببطولة دوري الأحمدي في موسم 1951/1950، وضم لاعبين مميزين شكلوا لاحقًا نواة لمنتخب الكويت الوطني، مثل جميل صالح وأحمد أبو طه.
تزامن ظهور الفرق العربية مع ما أسماه فلاح المديرس في كتابه «المجتمع المدني والحركة الوطنية في الكويت» بـ «بروز الطبقة العاملة» الكويتية المكونة من أفراد تركوا المهن التقليدية (الغوص والسفر البحري والرعي) للعمل في القطاع النفطي. ويصف المديرس ظروف تلك المجاميع العمالية بـ «البائسة»، إذ «يسكن العمال الكويتيون والعرب في الأكواخ [قرية العرب] التي لا يتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، في حين يسكن الغربيون المنازل الفخمة». لذا برزت شخصيات عمالية قادت الإضرابات ما بين عامي 1948 و1952، للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والأجور.
ومن اللافت أن نجد هذا التمييز يطول كرة القدم أيضًا، إذ لم يكن يمكن لغير البريطانيين الانضمام إلى فريق الحبارى، ويندر أن يمثل أحد من العرب فريق شركة نفط الكويت الذي يشارك في المباريات الخارجية ضد فرق شركات النفط في قطر والسعودية والبحرين وغيرها من دول المنطقة. لذا، ليس من المستغرب أن تلقى انتصارات فريق قرية العرب (ومنها ضد فريق الحبارى) صدى بين أبناء مدينة الأحمدي، الذين وضعوا صور جمال عبد الناصر في سياراتهم حاضرين المباريات التي تلت العدوان الثلاثي على مصر، حسبما تذكر مريم جويس في كتابها «الكويت 1945-1996: رؤية إنجليزية أمريكية».
ونال الفريق إشادة واسعة بعد فوزه في عام 1953 على فريق البارجة البريطانية نيوفاوندلاند H.M.S Newfoundland بهدفين مقابل لا شيء، إذ كتب المحرر الرياضي لمجلة The Kuwaiti أن «الشباب [الكويتيون] الذين لعب معظمهم حفاة قدموا عرضًا مميزًا، فماذا لو أنهم لعبوا بأحذية؟».
يشير مرزوق العجمي في حديثه مع منشور إلى أن فريق قرية العرب كان نواة نادي الأحمدي، الذي أُشهر في عام 1957 تحت مظلة شركة النفط، ثم نادي الشباب في عام 1963 تحت رعاية حكومية. وكان من تولى رئاسة أول مجلس إدارة للشباب هو القيادي العمالي البارز حسن فلاح بن أحسن، وكان من بين نجوم الفريق خلف سطام أحد العاملين في شركة النفط، والذي مثل منتخب الكويت الفائز ببطولة كأس الخليج الأولى عام 1970.
لكن تبقى المباراة الأبرز، والتي وصفها الباحث سلطان الباهلي بـ «الدافع وراء تأسيس اتحاد رياضي وطني»، وهي المباراة التي لم يكن فريق قرية العرب طرفًا فيها ضد نادي الحبارى، بل فريق محلي آخر مقره مدينة الكويت.
«نهاية مخجلة»
كان هذا عنوان الخبر الذي نشرته مجلة The Kuwaiti في عدد 27 فبراير 1951، عن فوز نادي الحبارى على فريق المعارف في المباراة الفاصلة لتحديد الفائز بالكأس المقدمة من أمير الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح. كانت البطولة محلية شملت أربعة من فرق شركة النفط وفريقين من مدينة الكويت هما الأهلي والمعارف، وأطلقت مجلة The Kuwaiti عليها اسم «دورة عموم الكويت لكرة القدم»، بينما وصفتها مجلة «البعثة» الصادرة عن طلبة الكويت في مصر باسم بطولة «كأس الأمير».
انطلقت البطولة في 7 ديسمبر 1950، وأقيمت المباريات في ثلاثة ملاعب بالعاصمة والمقوع والأحمدي. وجمع كل من فريقي المعارف والحبارى 7 نقاط، ما حتّم عليهما لعب مباراة فاصلة لتحديد البطل في 25 فبراير 1951 (الذكرى الأولى لجلوس الأمير عبد الله السالم، والذي أصبح لاحقًا اليوم الوطني الكويتي).
يورد العجمي في كتابه «نادي الحبارى» تفاصيل المباراة التي أقيمت في مدينة الأحمدي بحضور قرابة ثلاثة آلاف متفرج. ويشير العجمي ومعه الباهلي في لقائهما مع منشور إلى تحيز الحكم الإنجليزي لفريق الحبارى، وقراره المثير للجدل بتجاهل خشونة مهاجم الحبارى ضد حارس مرمى المعارف عبد الوهاب العوضي، الذي سقط مصابًا فاستغل أحد لاعبي الحبارى خلو مرمى المعارف لتسجيل الهدف الثاني قبل ربع ساعة من نهاية المباراة. احتج لاعبو المعارف على إصرار الحكم على احتساب الهدف وقرروا الانسحاب، فيما اقتحمت الجماهير الغاضبة أرض الملعب، فأنهى الحكم المباراة معلنًا فوز الحبارى.
كانت أحداث المباراة كما ذكرنا الدافع وراء تأسيس اتحاد رياضي وطني، حسب قول الباهلي. وقبل الخوض في ظروف تأسيس الاتحاد الرياضي الكويتي ثم الاتحاد الكويتي لكرة القدم، يجدر بنا العودة قليلًا إلى المشهد الكروي في مدينة الكويت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
الكرة في «الديرة»
الديرة هي تصغير كلمة دارة في لهجة أبناء الجزيرة العربية، وهو الاسم الذي يطلَق على مدينة الكويت، حيث بدأ الكويتيون في تشكيل فرق كروية أولها الفريق الأهلي، الذي تأسس على يد التربوي مجرن الحمد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، ثم فريق الجزيرة في ديوان البدر، ثم فرق أخرى مثل القبلي والشرقي والعروبة والخليج والجنوبي، وأخيرًا النهضة.
في ما يتعلق بالخلفية المناطقية والاجتماعية لمؤسسي تلك الفرق، فقد قسم الباهلي الفرق مناطقيًا على النحو الآتي:
- فرق الحي القبلي: الأهلي - الجزيرة - القبلي - النهضة
- فرق الحي الشرقي: الشرقي - الخليج - العروبة - التعاون - الجنوبي
أما عن الخلفيات الاجتماعية والميول السياسية لفرق الحي القبلي، فيذكر الباهلي في حديثه مع منشور أن أغلب مؤسسي تلك الفرق كانوا من أسر بسيطة أساسًا، بيد أن فريق الأهلي انضمت إليه لاحقًا (في أوائل الخمسينيات) النخبة المتعلمة الكويتية مثل الراحل أحمد الخطيب. أما فريق الجزيرة فكانت ميولهم السياسية قومية، بينما كان مؤسسو نادي النهضة عام 1954 من أبناء الطبقة التجارية.
وفي الحي الشرقي، نجد أن من بين مؤسسي فرق مثل الشرقي والتعاون أسر عرف عنها العمل «نواخذة» للسفن الشراعية، مثل آل بورسلي (الشرقي) وآل النجدي (التعاون) وآل القضيبي (الخليج).
تنافست تلك الفرق ضد بعضها تحت مظلة دائرة المعارف، التي لم تشكل فريقها الكروي الخاص حتى عام 1949، وحينها ضم الفريق خليطًا من الطلبة الكويتيين والمعلمين الفلسطينيين الذين كانوا لاعبي كرة قدم في بلدهم، مشكلين فريقًا مميزًا لعب ضد فرق المدينة والأحمدي بل وفي خارج الكويت أيضًا. ورغم ذلك، كان الأهلي هو الفريق الذي يفاخر به الكويتيون، لأنه «الفريق الوحيد الذي شكل الكويتيون فيه أغلبية مقبولة، مقارنة مع الفرق الأخرى كالمعارف والحبارى وغونز والهنود والباكستانيين وغيرها»، كما يذكر مرزوق العجمي في كتابه «الأزرق».
بالعودة إلى تداعيات المباراة «العاصفة» بين المعارف والحبارى في 1951، نجد في عدد ديسمبر 1951 من مجلة «البعثة» تغطية لندوة رياضية دعا فيها محرر الصفحة الرياضية جاسم القطامي إلى «تكوين اتحاد على غرار الاتحادات الموجودة في جميع بلدان العالم». ثم نجد في العدد التالي (يناير 1952) مقالًا لعيسى الحمد يرد فيه على القطامي كاتبًا: «يظهر أنه حصل توارد خواطر بيننا وبين ندوتكم الرياضية، لأنه في الوقت الذي فكرتم فيه بوجوب تكوين اتحاد، كنا نحن نفكر في ذلك». ويستطرد الحمد: وقد قرر الاتحاد الرياضي الكويتي في جلسته المنعقدة في يوم الأحد 2-11-1951 ما يأتي:
- سن قانون عام للاتحاد الرياضي الكويتي
- سن قانون لاتحاد كرة القدم
- تنظيم البطولة العامة لكرة القدم في الكويت على دورتين
- افتتاح الموسم الرياضي لكرة القدم في يوم الجمعة 15-11-1951 على كأس سعادة الشيخ عبد الله الجابر رئيس المعارف، بين الفريق الأهلي وفريق المعارف
- تنظيم دورة على كأس صاحب السمو أمير البلاد المعظم
- إرسال خطابات للفرق لأخذ رأيها في ما إذا كانت تحب الانضمام إلى الاتحاد
وبذلك، أصبح لكرة القدم في الكويت اتحادان رياضيان، الأول في الأحمدي والآخر في العاصمة، وحلت القطيعة بين فرق العاصمة وفرق الأحمدي التي لم تشارك في البطولات المنظمة في العاصمة، وانتقل التنافس الكويتي الإنجليزي من الملعب إلى خارجه، وتحديدًا في أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).
«لم تكن مثل شربة ماء»
تحقق للاتحاد الرياضي الكويتي ما أراده، وتأسس الاتحاد الرياضي الكويتي عام 1952، وأطلق عليه عام 1957 اسم الاتحاد الكويتي لكرة القدم. وكانت من أهداف الاتحاد الأساسية نيل اعتراف الفيفا وعضويته، فتحقق ذلك في 27 مايو 1962. هذا ما كان معروفًا لدى المهتمين بتاريخ اللعبة في الكويت، إلا أن مرزوق العجمي يسرد في كتابه «نادي الحبارى» حكاية مثيرة (عبر وثائق محلية ودولية)، يستعرض فيها رحلة الاتحاد الكويتي في سبيل عضوية الفيفا، وهي رحلة «لم تكن مثل شربة الماء» حسب وصفه.
يوثق العجمي تلك المحاولات التي كانت أولها قبل إشهار اتحاد كرة القدم، إذ أرسل الأمين العام للاتحاد الرياضي الكويتي خير الدين أبو الجبين خطابًا إلى الفيفا في 19 فبراير 1955 لنيل العضوية بصفة «الاتحاد الكويتي لكرة القدم»، ولم تسفر تلك المراسلة عن نتيجة. أما المحاولة الثانية فكانت في 11 يناير 1958، أي بعد إشهار اتحاد كرة القدم رسميًا، عبر خطاب إلى الفيفا مرفق معه خطاب تزكية من الاتحاد السوري لكرة القدم. لكن جاء رد الفيفا على عكس ما كان مأمولًا، إذ اشترط على الاتحاد الكويتي أن «يبسط نفوذه وإشرافه على نشاط كرة القدم على كامل حدود دولة الكويت»، أي «بما في ذلك دوري كرة القدم الذي تنظمه شركة نفط الكويت بإشراف نادي الحبارى لكرة القدم». أما المحاولة الثالثة فكانت في 5 أغسطس 1961 عبر خطاب تزكية من الاتحاد الأردني، وحصل الاتحاد الكويتي على العضوية المؤقتة في فبراير 1962، ثم العضوية الكاملة في أكتوبر 1964.
كان رد الفيفا على الاتحاد الكويتي في عام 1958 «مربط الفرس» حسب وصف العجمي، الذي استطاع التوصل إلى وثائق تثبت نيل نادي الحبارى لعضوية أقدم اتحاد كروي في العالم، وهو الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في عام 1953. وكانت هذه العضوية، التي حصل عليها النادي عبر رئيسه السيد ماسترستون ذي العلاقات المباشرة مع الاتحاد الإنجليزي ونادي آرسنال، نقطة الانطلاق لسعيه وراء نيل عضوية الفيفا، وفق ما تبين للعجمي عن طريق مراسلات رئيس نادي الحبارى مع رئيس الفيفا الإنجليزي السير ستانلي روس. بيد أن جهود الحبارى قد فشلت بعد انتزاع الاتحاد الكويتي لعضوية الفيفا في وقت لم يعد لأندية العاصمة وجود، ودمجت في أندية حملت أسماء جديدة مثل القادسية والعربي والكويت. ولنشأة هذه الأندية الجديدة محل القديمة حكاية سياسية بحتة.
لجنة الأندية الكويتية
في كتابه «المجتمع المدني والحركة الوطنية في الكويت»، يوضح فلاح عبد الله المديرس أن الكويت شهدت في أواخر الثلاثينيات «ركودًا شمل الجوانب السياسية والثقافية والفكرية» إثر إغلاق النادي الأدبي بعد سنوات قليلة من إنشائه في عام 1924، وإغلاق نادي كتلة الشباب الوطني وحظر نشاطه، بالإضافة إلى حل المجلس التشريعي في عام 1939.
وفي منتصف الأربعينيات، سعت مجاميع طلابية كويتية في بيروت والقاهرة إلى تأسيس ناد ثقافي في الكويت، إلا أن تخوف المقيم البريطاني من ذلك المسعى قد حال دون ذلك، حسبما يذكر المديرس. وبحلول الخمسينيات أصبح عبد الله السالم أميرًا للكويت، وتزامن ذلك مع عودة العديد من طلبة الكويت من الخارج، مثل الدكتور أحمد الخطيب وحمد الرجيب وآخرين من ذوي الهدف الواضح: تأسيس أندية سياسية وثقافية تسهم في الحراك المدني الكويتي، إلا أن الواقع وفق عبد الرزاق أمان أن «السلطة في ذلك الوقت كانت تحرم العمل في السياسة».
يشير الدكتور أحمد الخطيب في الجزء الأول من مذكراته «الكويت من الإمارة إلى الدولة: ذكريات العمل الوطني والقومي» إلى البدء «بما هو موجود دون القفز على الواقع، والواقع قد وفر لنا أندية رياضية، ومع أن هذا يشكل فرصة أقل من متواضعة إلا أن "الشطارة" كانت باستغلالها إلى حدودها القصوى». كانت الفرصة التي يتحدث عنها الخطيب هي الفريق الأهلي الذي أسسه مجرن الحمد في منتصف الأربعينيات، لكنه لم يُشهر بصفته ناديًا حتى عام 1951 بعد السماح بإشهار الأندية الرياضية (أي الانتقال من مرحلة الفريق إلى النادي)، وهو العام الذي شهد انضمام الخطيب ورفاقه إلى النادي بعد إقناع الشيخ عبد الله المبارك الصباح بأن يكون رئيسًا فخريًا. يكتب الخطيب: «وبعد أن ثبت النادي أقدامه رياضيًا، أوجدنا لجنة ثقافية فيه تقوم بنشاطات ثقافية معتمدة على من هم في الكويت من أساتذة وكذلك زوار الكويت».
ثم أتت الانفراجة المتمثلة في السماح بتأسيس الأندية الثقافية، فتأسس النادي الثقافي القومي في عام 1952 «من رحم النادي الأهلي، إذ أن أغلب أعضاء النادي الثقافي القومي كانوا أعضاء في النادي الأهلي»، طبقًا للخطيب. نشط النادي الثقافي القومي ومعه نادي المعلمين ونادي الخريجين في العمل السياسي القومي. وكانت اللحظة الأهم للنادي الثقافي القومي تأييده لقرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ودعوته للأندية الثقافية والرياضية إلى تشكيل «لجنة الأندية الكويتية» التي تكونت من 8 أندية نصفها رياضية، هي الجزيرة والعروبة والأهلي والخليج.
دور الأندية الرياضية في لجنة الأندية الكويتية
تمثلت أولى إسهامات الأندية الرياضية في اللجنة عبر عضوية ثلاثة أعضاء من كل ناد في الجمعية العمومية للجنة الأندية، وتمثيل عضو من كل ناد في الهيئة الإدارية للجنة. وشاركت الأندية الرياضية في جمع التبرعات لصالح المجهود العسكري في سوريا ومصر، و«دعم حركات التحرر العربية في المغرب وتونس والجزائر وفلسطين»، وفقًا لما ذكره الخطيب في مذكراته. ومن المبادرات التي نفذتها الأندية الرياضية وفقًا لسلطان الباهلي في حديثه مع منشور، التبرع بريع تذاكر المباريات الكروية لصالح الجزائر، ودعوة فريق جيش التحرير الجزائري لكرة القدم للعب مباريات في الموسم الرياضي 1958/1957، فيما نظم نادي الجزيرة في فبراير 1958 حفلًا خيريًا في أسبوع الجزائر، فضلًا عن دعوة الفرق المصرية للعب مباريات في الكويت.
ووفقًا للمديرس، «أدى النجاح الذي حققته لجنة الأندية الكويتية في قيادتها للعمل الوطني في تلك الفترة إلى تزايد انضمام الأندية إليها، ومن ثم أطلق عليها مسمى "اتحاد الأندية الكويتية" في فبراير عام 1958 بدلًا من لجنة الأندية الكويتية». انضمت إلى الاتحاد خمسة أندية أربعة منها أندية رياضية، هي المرقاب والقبلي والتعاون والنهضة. يقول الرئيس الحالي لمجلس الأمة أحمد السعدون (الذي كان أمين سر نادي النهضة آنذاك) في لقاء صحفي: «لم أكن لاعبًا ولم يكن لي أي نشاط رياضي أو أمارس الرياضة [...] ولكن عقب تأسيس النهضة أصبح لي ولغيري نشاط رياضي، بعد أن أصبح المجال أكثر اتساعًا بالانتقال من مرحلة فريق إلى ناد. ما دفعني للعمل بحماس في الرياضة هو النشاط القومي، الذي كان في أوجه في الخمسينيات، وما زلت أتذكر كيف تحركت الأندية في 1956 لجمع التبرعات للمجهود الحربي».
انضمت شخصية بارزة إلى العمل مع اتحاد الأندية هي جاسم القطامي، الذي استقال من عمله مديرًا للشرطة رافضًا تنفيذ أوامر بفض مظاهرة مناهضة للعدوان الثلاثي على مصر، بيد أنه ظل محتفظًا بصفة رسمية أخرى هي رئاسته للاتحاد الرياضي الكويتي منذ عام 1955 وحتى عام 1957، حين أصبح أول رئيس للاتحاد الكويتي لكرة القدم. ولعل القطامي لم يدر في باله يومًا أن يكون سببًا، أو ذريعة، لقدر جديد للأندية الرياضية في الكويت.
مهرجان ثانوية الشويخ
قرر اتحاد الأندية الكويتية تنظيم حفل جماهيري بمناسبة مرور عام على الوحدة بين مصر وسوريا، ودعا الصحفي خالد خلف (الذي كان حارس مرمى فريق الجنوبي ورئيسه) من القاهرة مدير محطة صوت العرب أحمد سعيد، الذي وصل الكويت في نهاية يناير 1959.
طُلب من أحمد سعيد التكلم في المهرجان الخطابي الذي عُقد في ثانوية الشويخ بتاريخ 22 فبراير 1959، على أن يشارك أيضًا كل من أحمد الخطيب وجاسم القطامي. يقول الخطيب في مذكراته: «كان رأي الإخوان أن يتكلم جاسم القطامي في الأمور الداخلية وأنا في الوضع العربي، لأن جاسم أقل حدة مني لتفادي أي مضاعفات في هذه المناسبة العزيزة على نفوسنا. وقبل المهرجان بساعات التقيت جاسم القطامي والأخ يعقوب الحميضي، الذي اقترح على جاسم أن نطلع على كلمته لنطمئن عليها، ولكن جاسم عدّ ذلك عدم ثقة به، فتراجع يعقوب عن اقتراحه، ولم أتدخل أنا في النقاش».
ثم يورد الخطيب ما ظنه قد استفز الأمير عبد الله السالم، إذ قال القطامي: «ألا ليتنا أيها الإخوة كحمص أو حماة، يرفرف عليها علم الوحدة الحبيب شامخًا [...] إن رضي الكويتيون أن يُحكموا من عهد صباح الأول حكمًا عشائريًا، فقد آن الأوان لحكم شعبي ديمقراطي يكون للشعب فيه دستوره ووزراؤه».
إثر هذا الخطاب، اتخذت السلطات قرارها بـ «تعطيل كل الصحف في الكويت وإغلاق جميع الجمعيات العامة وحتى الأندية الرياضية»، وفق الخطيب. يقول عادل يوسف المرزوق: «ومع صدور قرار إغلاق الأندية الرياضية، لم يجد الشباب الرياضي مكانًا يجتمع فيه غير الدواوين أو الجلوس في الدروب والأزقة أو التوجه الى البحر في أيام الصيف»، وتحولت أنظار محبي اللعبة إلى دوري المدارس «الذي أصبح البديل عن دوري الأندية الرياضية».
وفي رغبة باستئناف النشاط الرياضي، زار وفد رياضي رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك (الأمير الراحل صباح الأحمد) في 17 أكتوبر 1960، والذي أبدى موافقته على عودة الأندية وفق شروط محددة يذكرها المرزوق في مقاله.
وافق الوفد الرياضي على الشروط الحكومية، و«صدر قرار من رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية بتشكيل اللجنة التأسيسية العليا للرياضة في السبت 22-10-1960». وأُُشهرت أول ثلاثة أندية على أسس الأندية الملغاة، هي الكويت (الأهلي سابقًا) والقادسية (الجزيرة سابقًا) والعربي (اندماج أندية العروبة والتعاون والشرقي والخليج)، ثم تبعتها بقية الأندية الأخرى التي نعرفها اليوم.
ورغم بسط الحكومة سيطرتها (شبه الكلية) على الرياضة، استمر الصراع السياسي في الأندية والاتحادات الرياضية، وخصوصًا في اتحاد كرة القدم، الذي كان الصراع السياسي فيه وحوله «مسألة مستمرة» حسب قول غانم النجار. واستمرت بعض مجالس إدارات الأندية في العمل السياسي عبر الرياضة في فترات معينة، مثل نادي القادسية في الستينيات عبر احتضانه للأنشطة الرياضية للجاليات اليمنية والعمانية (أثناء حربي اليمن وظفار)، بالإضافة إلى فتح أبوابه للأندية الرياضية الفلسطينية التي كانت ترعاها منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت تلك الأندية، حسب وصف شفيق الغبرا في كتابه «النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت» واحدة من عناصر التلاحم بين المجاميع الفلسطينية القروية منها والقبلية.
هذا بالإضافة إلى وصول العديد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية الرياضية إلى مجلس الأمة، مثل مرزوق الغانم (الكويت) وعبد الله الطريجي (السالمية) ومشاري العنجري (كاظمة) وغيرهم الكثير. ولم يقتصر تداخل السياسة بكرة القدم على الداخل الكويتي فحسب، بل وصل إلى أروقة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، عندما حشد أحمد السعدون (رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم آنذاك) الأصوات المؤيدة لطرد إسرائيل من الاتحاد في عام 1976.
في كتابه الأشهر «كرة القدم بين الشمس والظل»، يقول الصحفي والروائي الأوروغوياني إدواردو غاليانو إن «كرة القدم والوطن مرتبطان على الدوام، وكثيرًا ما يضارب السياسيون [...] بهذه الروابط». هذه المضاربات مستمرة في الكويت، وسوف تبقى طالما أن الأندية لا تزال خارج نطاق القطاع الخاص، ولن تؤدي سوى إلى ثلاث نتائج: إنجازات، أو هزائم، أو إيقاف الفيفا للنشاط الكروي بحجة «التدخل السياسي في شؤون اللعبة».