«مزرعة الحيوانات»: الثورات تنهزم بشكل متشابه

الصورة: Getty/Ed Giles

أحمد الشنطي
نشر في 2018/03/29

هذا الموضوع ضمن هاجس «الثورة والثوار». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


عند الحديث عن «جورج أورويل»، الكاتب البريطاني المعروف برواياته ذات الطابع السياسي، فأول ما يتبادر إلى الذهن روايتاه: «1984» التي تتحدث عن عصر ما بعد الثورة (المسروقة)، و«مزرعة الحيوانات» الأقل شهرة، التي تتناول أحداث ما قبل وخلال الثورة، انتهاءً بنتائجها العكسية.

ورغم أن الروايتين إسقاط على الثورة الحمراء والاتحاد السوفييتي، فإنني أعتقد إنه يمكن إجراء إسقاط مشابه على الثورة المصرية: كيف تتقاطع «يناير» مع «مزرعة الحيوانات»؟

التحضير للثورة

عبد الوهاب المسيري خلال الثورة - الصورة: Insan1411

سنعرض تفاصيل الحكاية حتى نتعرف إلى تصور أورويل المذهل للمستقبل، وكيف أن ما كتبه في عام 1943 يمكن تطبيقه بشكل دقيق على أحداث وقعت بعده بنحو 70 عامًا.

القصة تدور في مزرعة تقع في قرية ريفية، ويديرها مُزارع عجوز مهمل وقاسٍ بسبب مشكلات شخصية، إضافة إلى إدمانه الخمر، ما يؤدي إلى تدهور حال المزرعة والحيوانات التي تعيش فيها، بدءًا بقلة الأكل، مرورًا بالإنشاءات الضعيفة بالمزرعة في ظل غياب مطحنة أو عدم صيانة أقفاص الحيوانات مثلًا، وصولًا إلى مطالبة المُزارع للحيوانات بالإنتاج (العمل، والبيض، والحليب) بشكل يفوق الخدمات ووسائل الإنتاج المتوفرة.

الخلاصة أن الحيوانات تجد نفسها مضطرة إلى العمل بجهد كبير، ويقابَل ذلك بالضرب والتوبيخ والرعاية السيئة من المزارع.

رغم كل جهود عبد الوهاب المسيري، ينعدم ذكر دوره في بناء جذور الثورة المصرية، مثل العجوز ميجور في «مزرعة الحيوانات».

أولى شخصيات الرواية هي الخنزير العجوز «ميجور» حكيم المزرعة (مفكر الثورة). يعتقد ميجور أن الإنسان (السلطة) سبب شقاء الحيوانات (الشعب) عن طريق سرقة كل مجهوداتهم، إذ يأخذ البيض والريش والحليب واللحوم ويجبرهم على حرث الأرض، ويستأثر بكل الربح مقابل حفنة طعام بسيطة، والأدهى أنه عندما يكبر أي حيوان قليلًا أو يمرض، يذبحه الإنسان.

يبدأ ميجور بإلقاء خطب يومية لتثقيف الناس، منطلقاتها الأساسية هي المساواة التامة بين كل الحيوانات، وأن لكلٍّ منها صوته (الديمقراطية)، لذلك يموت ميجور وهو يقول إن ثورةً ستندلع، لكنه لا يعلم متى سيتحقق هذا الحلم.

هنا لنا أن نقول إن حياة ميجور هي فترة ما قبل الثورة والتحضير لها. وفي العادة، مَن يبدأ الحراك الفكري للثورات لا ينال القدر الملائم من الشهرة، ولا ينسى الناس مجهوده، كالمفكر عبد الوهاب المسيري، الذي عمل طوال سنوات وسنوات على نقد النظام المصري وخلق معارضة حقيقية له، وبدأ بحزب «الوسط»، لينتقل بذكاء إلى تأسيس حركة «كفاية» التي ليس لها توجه أيديولوجي واضح، بل مجرد الاهتمام والتركيز على تثقيف الناس وزرع نواة الثورة في داخلهم، عن طريق جمع أطياف الشعب كلها على مفاهيم غير جدلية، مثل شعار الحزب «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».

المفارقة هنا أنه رغم كل جهود المسيري، ينعدم ذكر دوره في بناء جذور الثورة، مثل العجوز ميجور. والمسيري أيضًا، مثل ميجور، توفي قبل وقوع الثورة بثلاث سنوات.

اقرأ أيضًا: نقد الحنين كمشروع سياسي: كل جديد ينشأ، يهرم قبل أن يصلب عوده

قيام الثورة

بعد الانتصار على البشر تحدث وفرة في الغذاء، وتُدار المزرعة بهدوء واقتدار، وهنا يُعَلِّم «سنوبول» باقي الحيوانات القراءة والكتابة (شعارات الحرية).

بعد وفاة ميجور الحكيم، يأخذ خنزيران هما «سنوبول» و«نابليون» على عاتقيهما التحضير للثورة، بما أن الخنازير من أذكى الحيوانات وتستطيع أن تقرأ، بحسب الرواية.

يتحد سنوبول ونابليون وغيرهما من الخنازير (القادة) على مبادئ الثورة والمساواة، يجمعهم ظلم المزارع (النظام) وحلمهم بحياة أفضل. وأخيرًا تقوم الثورة، وتقود الخنازير باقي الحيوانات لمهاجمة مالك المزرعة «مستر جونز» وزوجته  وباقي المزارعين (أعضاء الحزب و المسؤولين).

تنتصر الحيوانات في معركة سقيفة البقر (ميدان التحرير) بجلاء كل البشر من المزرعة لتكون ملكًا للحيوانات فقط، ولهذا أعيدت تسمية المزرعة بـ«مزرعة الحيوانات»، كما حدث من تغيير اسم محطة «مبارك» إلى «الشهداء».

يحاول جونز استرجاع المزرعة بمساعدة بعض أصحاب المزارع المجاورة التي تخشى نفس المصير (دول خارجية تعمل ضد الثورة)، وهنا تتصدى الحيوانات مرةً أخرى للهجوم، وتُحكِم سيطرتها على المزرعة (محاولة أحمد شفيق أو مجلس الوزراء الاستيلاء على السلطة)، ويصاب سنوبول في المعركة برصاصة، لكن في النهاية، وبسبب دوره الفعال، تنتصر الحيوانات على البشر. وبعد أن ذاقت طعم الحرية الكاملة لأول مرة، تقرر الحيوانات الجلوس معًا، وتأكيد مبادئ الثورة والدستور المُلَخَّصَة في سبع نقاط رئيسية:

1. كل من يمشي على قدمين (البشر) عدو (الرفض التام للتصالح أو القبول بالنظام السابق بكل صوره)

2. كل من يمشي على أربع أرجل أو يملك جناحين يُعد صديقًا (كل الثوار إخوة في النضال، اتحادهم قوة، والإقصاء مصطلح ليس في قاموسهم)

3، 4، 5. لا يُسمح لأي حيوان أن يلبس ثيابًا، أو يشرب الخمر، أو ينام على سرير. وهذا دلالة على تجنب أخطاء مستر جونز (السلطة)، أي أن على الثوار أن يترفعوا عن البذخ والإسراف

6. لا يمكن لأي حيوان قتل حيوان آخر (العفو الكامل عن كل ما سبق من الثوار، وعدم محاولة تصفية حسابات قديمة

7. كل الحيوانات متساوية (الاتفاق على مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية)

تبدو الحياة جميلة لوهلة بعد تحقيق هذه الأهداف، وتساعد الحيوانات بعضها، وتحدث وفرة في الغذاء، وتُدار المزرعة بهدوء واقتدار، وهنا يُعَلِّم سنوبول (أحد قياديي الثورة) باقي الحيوانات القراءة والكتابة (شعارات الحرية)، في حين يُعَلِّم نابليون الجِراء (المخابرات) قواعد الافتراس.

من الشخصيات الأخرى الخنزير «سكويلر»، البارع في الخطابات والتواصل مع باقي الحيوانات (الإعلام)، وهو من يشرح دائمًا لباقي الحيوانات القرارات المُتَّخَذة للتصويت عليها في اجتماعات المزرعة، خصوصًا من لا يعرف القراءة والكتابة (معظم الحيوانات). هناك أيضًا الحصان «بوكسر» ذو الدور الحاسم والأهم في معركة سقيفة البقر، وهو مخلص للثورة، ويعمل بجد أكبر من أي حيوان آخر، إنه شخصية أقل ذكاء، وبطيء وساذج نوعًا ما، لكن جميعهم يحترمه بسبب تفانيه في العمل وقوته (أقوى حيوانات المزرعة).

وهناك أيضًا «كلوفر»، الفرسة الجميلة الأكثر تعليمًا، وهي من قلائل الحيوانات التي تعلمت القراءة وتعرف حقيقة الأمور، لكن ليس بيدها شيء لتفعله. أما المهرة «ملوي» فأنانية، وتحب أكل السكر والاهتمام بنفسها (حياة الرفاهية)، وهي مدللة، وتمثل الطبقة البرجوازية. والحمار «بنيامين» ذكي وقادر على القراءة، ودائم السخرية من الأوضاع، إلا أن هذه السخرية لا تُوَظَّف لفعل أي شيء (طبقة المثقفين).

تذكر الرواية الغراب «موسى»، الذي يدَّعي أن هناك جبلًا من الحلوى (الجنة) خلف السحاب، وهو لا يعمل في المزرعة، لكن الخنازير (السلطة الجديدة) تسمح له بالبقاء لأنه يعطي أملًا للحيوانات في حياة أفضل في مكان آخر، وذلك يلهيهم عن قرارات السلطة الجديدة. هذا الغراب يجسِّد رجال الدين الذين تستخدمهم السلطة.

وأخيرًا، هناك الخراف التي تصيح وتهيج مع أي خطاب، ومن السهل التلاعب بها (الحشود الشعبية والغوغاء).

قد يهمك أيضًا: المتعة المرعبة: كيف تُغسل الأدمغة؟

ما بعد الثورة

الصورة: Carl Glover

بعد أن يحل الخنزير نابليون الحكومة، تُلغى الاجتماعات وتحل محلها لجنة تسيير، فيتسارع معدل الفساد، وتتضاعف حصة أكل الخنازير وينقص حق الآخرين.

إذًا، بعد نجاح الثورة وترديد الجميع نشيد «كل ذوو الأربع أرجل جيِّدون، كل ذوو الرجلين سيئون»، وإعطاء مهمة تسيير المزرعة (الدولة) إلى الخنازير (النخبة السياسية)، تعقد الخنازير اجتماعات، وتأخذ قراراتها عن طريق التصويت، ولكل حيوان صوت مساوٍ للآخر.

لكن بمرور الأيام، ومن منطلق أن السلطة تفسد صاحبها، تحاول الخنازير الانفراد بالحكم، ويظهر مع ذلك بعض مظاهر الفساد، مثل قرار الخنازير بأن من حقهم وجبات طعام أفضل. وبعد فترة، ترتفع درجة الصراع على السلطة بين سنوبول، الذي تحبه الحيوانات لأنه يستمد سُمعته من مشاركته في معركة الثورة بشكل بطولي، ونابليون، الذي يحظى بذكاء وحنكة أكبر، وخصوصًا علاقته بمراكز القوة (الجِراء، والغراب، والخنزير سكويلر).

في النهاية، يقرر سنوبول إنشاء طاحونة لتحسين إنتاج المزرعة وتقليل الجهد المبذول، لكن المشكلة أن ثمار العمل لن تُجنَى إلا بعد سنتين أو ثلاث، وسيتضاعف مجهود العمل خلال تلك الفترة.

وفي خضم انقسام الحيوانات بين مؤيد ومعارض، نرى نابليون، أكبر معارضي خطة بناء الطاحونة، يطرد سنوبول من المزرعة عن طريق كلاب متوحشة تدين له بالولاء، لأنه ربَّاها منذ كانت جِراء. تقف الحيوانات عاجزةً من هول الصدمة، فحتى من كان ضد بناء الطاحونة لم يكن يؤيد فكرة طرد أحد الثوار، لكن لم يجرؤ أيٌّ من الحيوانات على الاعتراض خوفًا من الكلاب، ولا حتى الحيوان الأقوى: الحصان بوكسر.

يحل نابليون الحكومة ويلغي الاجتماعات، ويحل مكانها لجنة لتسيير الأمور يرأسها هو والخنازير، فيتسارع معدل الفساد بشكل غير مسبوق، إذ تتضاعف حصة أكل الخنازير وينقص حق الآخرين، فتعترض بعض الحيوانات، خصوصًا الذكية (الحمار والفرسة كلوفر) لكن بشكل ضعيف، وفقط أمام الحيوانات الأخرى وليس الخنازير. يحاول سكويلر (الإعلام) تهدئتهم واستمالتهم عن طريق خلق ذرائع لما يحدث، وإلقاء مسؤولية كل المشكلات على ظهر سنوبول. وبعد فترة قصيرة يقرر نابليون أن يبني طاحونة للمزرعة، لكن: ألم تكن هذه خطة سنوبول في الأساس؟

يغيِّر سكويلر الحقائق مرةً أخرى، ويقنع الحيوانات بأن الخطة في الأساس كانت لنابليون، وأنه عند الانتهاء من العمل ستكون حياة المزرعة أفضل بكثير. تعمل الحيوانات بجهد مضاعف على أمل الحصول على حياة أفضل، لكن حياتها في الواقع تصير أصعب، أسوأ من ذي قبل، فيقل الغذاء وتزيد ساعات العمل.

اقرأ أيضًا: علامات قيام الثورات: متى ينفجر بركان الشعوب؟

العدو الوهمي

خنزير يقف أمام قواعد ثورة الحيوانات - الصورة: Animal Farm Productions Ltd

بعد فترة تبدأ الحيوانات في التفكير: هل كان الوضع أفضل قبل الثورة؟

في نهاية المطاف تحدث عاصفة تدمر الطاحونة، وهنا يتدخل سكويلر ليلوم سنوبول ويُحمِّله المسؤولية مجددًا، وتصدق الحيوانات الرواية، خصوصًا الخراف والحصان بوكسر، رغم أنهم ما زالوا يتذكرون دور سنوبول في الثورة، ما يجعل بعض الشك قائمًا.

عندما يشعر نابليون في أن الحيوانات لا تزال متعاطفة مع سنوبول لدوره في الثورة، يلفق حكايات عنه، من قبيل أنه لم يكن متحمسًا للثورة. بعد فترة تصبح الرواية أن سنوبول لم يُصَب في المعركة، بل كانت إصابة قديمة، وفي ذات الوقت تكسر الخنازير بعض قواعد الثورة المكتوبة على الحائط.

ولأن الحيوانات جاهلة بشكل عام، والمتعلم منها خائف، يقرر نابليون التلاعب بمبادئ الثورة (الدستور) عن طريق إضافة بعض الكلمات، مثل تغيير «لا يُسمح لأي حيوان بالنوم على سرير» إلى «لا يُسمح لأي حيوان بالنوم على سرير لو استخدم غطاء».

تبدأ الحيوانات بالتفكير في هذه الوضعية، وهل كان ما قبل الثورة أفضل فعلًا؟ هنا تصبح الرواية أن سنوبول لم يشترك أصلًا في الثورة، بل كان عميلًا للبشر، ويقتل نابليون، بمساعدة الكلاب، بعض الحيوانات بتهمة التخابر مع سنوبول، رغم أن أحدًا لم يرَ سنوبول منذ طرده.

في خضم هذا، تحاول الحيوانات إعادة بناء الطاحونة، لكن أحد المزارعين يفجرها، فيُتَّهَم سنوبول مرةً أخرى. يصاب في العملية أقوى الحيوانات، بوكسر الحصان (الشعب الثائر). وطبقًا لمبادئ الثورة، يجب معالجته وإحالته إلى المعاش حتى يعيش بقية حياته في راحة، لأنه أكثر الحيوانات جهدًا وإخلاصًا، فيطلب نابليون شاحنة لنقل الحصان إلى العلاج، لكن الشاحنة مملوكة لجزار، فقد قرر نابليون إرسال بوكسر للذبح بما أنه أصبح غير ذي فائدة.

يرى الحمار بنيامين الذي يستطيع القراءة أن الشاحنة مكتوب عليها أنها تخص المذبح (التسريبات)، لكن سكويلر (الإعلام) يبرر الموضوع بأن الشاحنة تخص طبيبًا بيطريًّا اشتراها من مذبح، ولم يملك الوقت لإعادة صبغها. والحقيقة أن نابليون باع الحصان للمذبح كي يحصل على مال لشراء مزيد من الخمر له ولباقي الخنازير، وهذا يعني أن السلطة الجديدة تتعامل مع البشر رغم تحريم ذلك في مبادئ الثورة، ورويدًا رويدًا، تبدأ بعض مبادئ الثورة المكتوبة في الاختفاء من على الجدار دون معرفة الفاعل، وتعيش الخنازير تمامًا كما يعيش البشر، لذلك تتذمر أربعة خنازير من سيطرة نابليون على المزرعة، فيحكم بإعدامهم.

تمر الأيام، وتُبنَى طاحونة جديدة تُؤمِّن دخلًا جيدًا لنابليون، لكن لا تتغير إنشاءات المزرعة البسيطة، إذ يقول نابليون إن الحيوانات تكون أسعد ببساطة الحياة، ويطالبهم بأن يبقوا كذلك. وفي آخر الرواية، تكون كل مبادئ الثورة المكتوبة قد مُحيت، ولا يبقى منها إلا أول مبدأ، لكن بعد التحريف: «كل الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر تساويًا من بعضها الآخر».


هذا الموضوع اقترحه أحد قُراء «منشور» وعمل مع محرري الموقع على تطويره، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.

مواضيع مشابهة