يشيع استخدام الأدوية الوهمية (بلاسيبو) في التجارب الطبية لاختبار مقدار كفاءة الأدوية الجديدة، وذلك بإعطاء مجموعة من المرضى الدواء المراد دراسة تأثيره، ومجموعة أخرى دواءً لا يحتوي على أي مواد علاجية فعالة، وتحديد فعالية الدواء المدروس بمقارنة نتائجه مع نتائج العلاج الوهمي، إذ ينبغي أن تكون نتائجه أفضل من نتائج الأخير.
غالبًا ما يُخفي الباحثون عن المشاركين في هذه التجارب حقيقة أن أحد الأدوية الموصوفة لن يؤثر بصورة فعلية، بقصد تجنب التأثيرات النفسية التي يمكن أن تنعكس على رد فعل الجسم للدواء، سواءً إيجابيًّا أو سلبيًّا، وهو ما قد يفسر الاعتقاد الرائج أن الأدوية الوهمية لا تكون فعالة إلا إذا خُدِع أولئك الذين تناولوها.
لكن ماذا لو عَلِمَ المشاركون في هذه التجارب أن الدواء الذي أخذوه وهمي لا فعالية له؟ هل يبقى له، عندها، نفس التأثير الملاحَظ سابقًا؟ وهل يمكن للأطباء وصفه كعلاج بديل وفعال يصلح في جميع الحالات المرضية؟
لإجابة هذه التساؤلات، يرصد مقال منشور على موقع «الغارديان» الإمكانيات العلاجية التي يمكن أن يوفرها استخدام أساليب العلاج الوهمي، ويلقي الضوء على بعض التفسيرات التي قد تشرح كيفية حدوث التأثيرات الملاحَظة لهذه الأدوية.
إمكانيات جديدة للعلاج
يعرض المقال قصة «ليندا بونانو»، التي كانت تعاني تشنجات شديدة وانتفاخ وإسهال وألم أسوأ من آلام المخاض، حسب تعبيرها، على مدى 15 عامًا بسبب متلازمة القولون العصبي، وهو ما دفعها إلى المشاركة في تجربة علاج من نوع جديد، لم يكن سوى كبسولات تحتوي دواءً وهميًّا.
خيبة أملها بعد معرفة نوع الدواء الذي يجري اختباره لم تدم طويلًا، فبعد أربعة أيام من المواظبة على تناوله مرتين يوميًّا اختفت أعراضها تدريجيًّا، رغم إعلامها قبلًا أن الدواء الذي تأخذه مجرد حبوب تحتوي على سكر وليست لها فائدة علاجية تُذكر.
يقتضي تأثير الدواء الوهمي توفر ظروف بعينها، ففعاليته تختلف حسب الجينات وإدراك المريض.
قد يبدو الأمر غير قابل للتصديق، وربما يقول بعض المشككين إنها مجرد حالة فردية لا يمكن القياس عليها، لكن عددًا من الدراسات الحديثة أكد أن الأدوية الوهمية التي وُصفت للمرضى بعد إخبارهم بأنها أدوية غير فعالة، حسنت فعلًا من حالاتهم وقللت من أعراضهم المرضية، وهو الأمر الذي يخالف الاعتقاد الشائع عن الظروف التي تحكم تحقق مفعول هذه الأدوية.
قد يهمك أيضًا: علاج نفسي بديل: المخدرات عوضًا عن أدوية الاكتئاب
دواء وهمي، لِمَ لا؟
في إحدى الدراسات التي أشرف عليها أستاذ الطب في جامعة هارفارد «تيد كابتشوك»، أُعطي 80 مشاركًا من مرضى القولون العصبي دواءً وهميًّا أو لا دواء على الإطلاق، وخلصت الدراسة إلى أن الذين تناولوا الدواء الوهمي على مدى ثلاثة أسابيع شهدوا تحسنًا كبيرًا، بما في ذلك انخفاض حدة الألم.
في دراسة أخرى، أفاد المرضى الذين يعانون آلامًا مزمنة أسفل الظهر أنه بعد إضافتهم حبوب دواء وهمي إلى علاجهم انخفض معدل الألم بنسبة 30%، وهو ما أظهرته دراسات مماثلة أُجريت على مرضى الاكتئاب ومن يعانون اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، إذ تحسنت حالتهم بعد تناول هذه الحبوب حسب ما جاء في المقال.
اقرأ أيضًا: كلنا نُصاب بالمرض النفسي مرة أو أكثر في حياتنا
رغم أن أبحاثًا عديدة وضَّحت أن الأدوية الوهمية تؤدي فعلًا إلى تغيرات فسيولوجية ملحوظة، مثل تحرير الإندورفين والدوبامين، فإنه يبدو أن عملها يقتضي توفر ظروف بعينها، لأن فعاليتها تختلف حسب الجينات وإدراك المريض، وهذا ما يستدعي تفسير كيفية عملها بشكل أكثر دقة.
الدواء من الوهم إلى الحقيقة
إدراك المريض لإمكانية تحسن حالته يرسل إشارات لاواعية نحو مناطق من الجسم، تحرر مواد كيميائية تحسن حالة المريض.
إحدى الفرضيات التي تُساق لتفسير تأثير هذه الأدوية تقول إن المرضى الذين سبق أن تحسنت حالتهم، بعد أن عالجهم أطباء موثوق بهم، يربطون بصورة غير واعية بين هذه الخبرات الماضية والدواء الذي يتناولونه (الوهمي)، ممَّا يعزز مستويات الإندورفين والناقلات العصبية، ويؤدي بالتالي إلى تحسن حالة المريض.
ثَمَّة احتمال آخر هو أن إخبار المريض بأن الدواء الذي وُصف له سبق وأثبت فعاليته لمرضى في نفس حالته يؤدي إلى توقع واعٍ بحدوث تحسن في صحته، ممَّا يُطلق مواد كيميائية تخفف حدة الأعراض التي يعانيها.
في مقابل هذه الفرضيات، يعتقد كابتشوك أن نظرية حديثة، هي «الإدراك المجسَّد»، قد تكون أقرب إلى الصواب عند التطرق لهذا الموضوع، إذ يرى أن إدراك المريض لإمكانية تحسن حالته الصحية قد يؤدي إلى إرسال إشارات لاواعية نحو مناطق مختلفة من الجسم، تُسهم في تحرير مواد كيميائية تخفض شدة الأعراض وتحسن حالة المريض الفسيولوجية.
لكن، هل يعني هذا أن على الأطباء أن يبدؤوا بوصف الأدوية الوهمية لمرضاهم بعد تأكد فاعليتها وانتفاء العائق الأخلاقي الذي كان يحول دون ذلك؟
تنقسم الآراء بهذا الخصوص بين موافقين على إدخالها في قائمة العلاجات الطبية وداعين إلى مزيد من الدراسات، لكن المؤكد أن التقسيم الذي جرى ترويجه طويلًا، الذي يفرق بين النفس والجسم، بدأ في التداعي مع ازدياد الأبحاث التي تُظهر تأثير أحدهما على الآخر.