طول التنورة وبسكويت الآيس كريم: تأثير السُّل على أسلوب الحياة الحديثة

الصورة: Getty/Rengim Mutevellioglu

دعاء عبد الباقي
نشر في 2018/08/05

السل أو الدرن (Tuberculosis) مرض ينتج عن بكتيريا قاتلة تهاجم الرئتين، تنتقل العدوى من خلال العطس أو السعال أو ملامسة لعاب الشخص المصاب. في مطلع القرن التاسع عشر، كان هذا المرض هو الأكثر فتكًا في التاريخ، فقد كان سبب الوفاة لواحد من بين كل سبعة أشخاص. ومع أنه جرى تطوير اللقاح لأول مرة على البشر في عام 1921، إلا أنه لم ينتشر على نطاق واسع إلا بعد الحرب العالمية الثانية. إنه المرض الذي نهش المناطق الأكثر فقرًا في العالم ، حيث لم يستطع الناس تحمل تبعاته أو لم يكن لديهم العلاج.

كان السل مرضًا مروعًا على مدار مئات السنين، ليس فقط بسبب مدى فداحته، لكن لسهولة التقاط أي شخص للعدوى، بغض النظر عن  العرق أو الجنس أو العمر. عندما يصاب شخص ما به يفقد وزنه، ويعاني من الحمى والأوجاع والآلام ونوبات السعال الخطيرة. قد يستغرق الأمر في بعض الأحيان عقودًا مؤلمة حتى يموت المريض. كان الناس في جميع أنحاء العالم يشعرون بالرعب من السل، ونتيجة لذلك ظهرت اختراعات واتجاهات جديدة غيَّرت العالم يتناولها هذا المقال.

1. التنانير القصيرة

قبل اكتشاف الجراثيم والبكتيريا، كان الناس يبصقون في كل مكان، ولم يكن هذا فِعلًا مدانًا من الناحية المجتمعية. كانت النساء ترتدي التنانير الطويلة التي تصل إلى الأرض، فكان بإمكان البصاق وبكتيريا السل المحتمَل أن تعلق بتنانيرهن خلال سيرهن.

وإذا كانت المرأة أمًّا لديها أطفال صغار، فقد تنقل إليهم العدوى بسهولة، لما لدى الأطفال من ميل للتعلق بتنانير أمهاتهم. كلما كانت التنانير أطول، كانت الأخطار الصحية أكثر خطورة. بمعرفة هذا، وتقدم الطب التشخيصي في إدراك هذا النوع من الارتباط، بدأت النساء بتقصير تنانيرهن حتى لا تلمس الأرض، ثم تحوَّل الأمر إلى موضة.

2. حلاقة اللحية

كانت فكرة الطبيب الأمريكي «إدوارد ليفينغستون ترودو» أن الراحة الكافية في الفراش يمكن أن تساعد المصابين بمرض السل.

قبل اكتشاف أن السل ينتشر عن طريق العطاس والسعال، كان الرجال يطيلون في كثير من الأحيان لحاهم، ربما من أجل الفوائد الصحية. فيعتقد بعض الناس أن اللحية تعمل كالكمامة وتحمى من أمراض الفم والحلق والرئتين. إضافة إلى ذلك، فهي تحمي وجوه الرجال من البرد. لكن تغير كل هذا عندما اكتشف أن السل يمكن أن يبقى مُعديًا في اللعاب لمدة تصل إلى يوم واحد. وإذا علق هذا اللعاب بلحية الرجل، فسيجعل الرجل، وأي شخص يلمسه، عرضة للإصابة بالسل.

رسخ مسؤولو الصحة آنذاك، حسبما يورد المقال، الخوف من أن اللحية يمكن أن تنقل هذا المرض الرهيب إذا قبلوا زوجاتهم أو أطفالهم، فشجعوا الرجال على الحلاقة. أدت الحملة إلى تغيير أنماط شعر الوجه بشكل جذري، فإذا كان الرجل ذا لحية، كان يهندمها بشكل أنيق، وإلا، فإن معظم الرجال كانوا حليقي الذقن، أو كان لديهم شوارب صغيرة. ولما كانت اللحى مرتبطة بنقل مرض السل، كان شعر الوجه المهندم جيدًا أو حلاقته تمامًا تجعل الرجال أكثر صحة ونظافة وجاذبية أيضًا.

3. كراسي الاستلقاء

هل هناك أي شيء أفضل من العودة إلى المنزل بعد يوم طويل، والاستلقاء على كرسيك المفضل، ورفع قدميك؟ ما لا تعرفه أن هذا الكرسي المميز تعود جذوره إلى مرحلة علاج مرض السل. فعندما كان يعاني شخص ما من مرض السل، كان غالبًا ما يبقى طريح الفراش لسنوات. لذا اختُرعت هذه الكراسي للمساعدة في العلاج.

كان الطبيب الأمريكي «إدوارد ليفينغستون ترودو»، من الأسماء البارزة في دراسة مرض السل. كانت فكرته الأولية أن الراحة الكافية في الفراش يمكن أن تساعد المصابين بمرض السل. ونتيجة لذلك، طوَّر كراسي الاستلقاء، وسميت «كراسي العلاج». ومن شأن الكراسي تقليل الحركة من السرير إلى الكرسي، والسماح للناس بالحصول على الراحة المثلى، وقد غيَّر تصميم هذه الكراسي من شكل الأسرَّة والكراسي التي نعرفها الآن.

اقرأ أيضًا: ما ﻻ تعرفه عن تحكم الجهاز المناعي في سلوكك الاجتماعي

4. أقماع الآيس كريم المخروطية

قبل تطور نظرية الجراثيم، لم يكن الناس يمانعون  في كثير من الأحيان الأكل أو الشرب من الأدوات التي سبق للآخرين استخدامها وملوثة بلعابهم.

كانت المثلجات تحلية شهيرة في عام 1890. اعتاد باعة الآيس كريم بيع كميات صغيرة في أكواب زجاجية، كان الناس يشترون الآيس كريم ويلعقون المثلجات ويعيدون كوب الزجاج إلى البائع، الذي سيملأه مرة أخرى، ويبيعه إلى الزبون القادم دون غسل الكوب. لم يكن الناس يعرفون أن هذه هي الطريقة التي انتشرت بها الأمراض.

بحلول عام 1899، حُظِرت أكواب الآيس كريم الزجاجية في أماكن مثل لندن، لأنه كان هناك يقين من أنها ساعدت في انتشار مرض السل. بحلول 1900، بدأ تقديم الآيس كريم في المعجنات في نيويورك. ثم في 1904، ظهر مخروط «الوافل» الذي نعرفه للمساعدة في تقديم الآيس كريم.

5. الأدوات ذات الاستخدام الواحد

قبل تطور نظرية الجراثيم، لم يكن الناس يمانعون  في كثير من الأحيان الأكل أو الشرب من الأدوات التي سبق للآخرين استخدامها وملوثة بلعابهم. وبعد ظهور الأخطار الصحية لهذه الممارسة، كانت هناك حاجة إلى ابتكارات بديلة.

في عام 1907، بدأ «لورنس لويلن» في العمل على تصميم أكواب ورقية يمكن التخلص منها بعد الاستخدام. وبحلول 1908، لم يكن لديه الكوب فحسب، بل شريك، هو «هيو مور»، الذي صنع آلات البيع التي ستوزَّع الماء مقابل فلس واحد. وأطلقوا على الكوب اسم «كوب الصحة»، ثم أسمي «كأس ديكسي» في عام 1919، تيمنًا بدمية شعبية في ذلك الوقت لتمييز الكوب عن منافسيه. وبعد اختراع آلات الصودا أصبح وجود أكواب ديكسي أساسيًّا في جميع أنحاء العالم.

في 1924 ، بدأت شركة «Kleenex» تصنيع أول مناديل وجه في العالم الغربي. كان الإعلان في الأصل وسيلة لإزالة الماكياج والكريم، لم تعلن كلينيكس أنها كانت وسيلة لوقف انتشار المرض لأن الناس كانوا لا يزالون يستخدمون المناديل القماشية في الغالب. ومع ذلك  انتهزت شركة كلينيكس الفرصة بعد حملة صحية، فأعلنت أنه إذا اضطررت إلى البصق، فمن الأفضل أن تفعل ذلك في المناديل أو الجرائد، ثم حرقها بعد ذك.

منذ ذلك الحين، أصبحت كلينكس ومناديل الوجه الأخرى طريقة ممتازة لمكافحة مرض السل والأمراض المعدية الأخرى. فقد أظهر كلٌّ من هذين الاختراعين وجود سوق وحاجة لمواد يمكن التخلص منها بعد الاستخدام، مثل شفرات الحلاقة والأقلام وزجاجات المياه.

قد يهمك أيضًا: الإنسان والمرض: من ينتصر في النهاية؟

6. مزيد من المتنزهات

الصورة: Burim

اعتقد الناس أن الهواء النقي في بيئة طبيعية يساعد على منع الناس من الإصابة بالسل، ومساعدة من عانوا منه. لكن كيف يتمتع الأشخاص الذين يعيشون في المدن بالطبيعة، وهم لا يتمتعون بسهولة الوصول إلى وسائل النقل للمناطق الريفية؟ كان الجواب هو تطوير مزيد من الحدائق داخل حدود المدينة.

لم تكن المتنزهات تُستخدم فقط لمساعدة مزيد من الناس في الحصول على الهواء النقي، ففي بعض الأحيان كانت تُستخدم للحجر الصحي لمرضى السل. وأحد الأمثلة على ذلك هو متنزه «Maybury State» في ولاية ميشيغان، والذي كان يحوي مصحة لعلاج السل. وبحلول عام 1975، هُدمت المصحة، وأصبحت الآن حديقة جميلة للدولة مع مسارات لركوب الدراجات والمشي لمسافات طويلة وتسلق الجبال. فقد أنشئت متنزهات عامة في جميع أنحاء العالم لمجرد أنهم اعتقدوا أنها تساعد في مكافحة مرض السل.

7. ممنوع البصق

انتشرت الحملات الصحية التي تشجع الأطفال على أداء مهمات يومية متعلقة بالنظافة الشخصية.

في الثقافة المعاصرة، يعد البصق في مكان عام أمرًا غير مقبول اجتماعيًّا، لكن لم يكن الأمر كذلك دائمًا. قبل أن يقبل المجتمع العلمي والجمهور العام نظرية الجراثيم والبكتيريا، ظنوا أن المرض حدث بسبب خطأ ما في مستوى سوائل الجسم لدى الشخص. لذلك لم يكن البصق علانية مشكلة كبيرة، وبما أنها لم تكن مشكلة كبيرة، كان الناس يبصقون في كل مكان: الطرق والمسارح ووسائل النقل العام والمحلات التجارية والحانات.

تغير كل هذا بعد اكتشاف أن البصق طريقة أساسية في نشر مرض السل، فأطلقت حملة صحية عامة ضخمة لوقف البصق في الأماكن العامة.

وفي الولايات المتحدة، أعلنت الرابطة الوطنية لدراسة الدرن الرئوي والوقاية منه (التي أصبحت في ما بعد جمعية الرئة الأمريكية) ذم عادة البصق، واصفة إياها بأنها «عادة قذرة». فكانت رسالتهم بسيطة، وهي أن تتوقف عن البصق أو تتسبب في وفاة فظيعة لشخص ما. نجحت الحملة، ولوحظ انخفاض مستويات السل بشكل كبير.

8. أجيال من الناس تتمتع بنظافة أفضل

أحد أكثر جوانب مرض السل إثارة للاهتمام هو حقيقة أنه يمكن أن يصيب الأطفال بالسهولة نفسها التي يمكن أن يصيب بها شخصًا بالغًا. في الواقع، اعتقد الناس لفترة طويلة أنه وراثي. وعندما اكتُشفت الحقيقة، كان هناك تحول جذري في تعليم الأطفال النظافة والرعاية الصحية.

انتشر عدد من الحملات الصحية التي تشجع الأطفال على أداء مهمات يومية متعلقة بالنظافة الشخصية. في الواقع تغيَّر مفهوم النظافة الشخصية بشكل كبير، بداية من هذه الفترة، وتغيَّرت كذلك الطريقة التي يتعامل بها الناس مع أجسادهم والبيئة التي يتحركون فيها.

مواضيع مشابهة