ما زال قتل الأجنة الإناث منتشرًا في الهند بشكل ربما يهدد التركيبة السكانية بالفعل، لما يحدثه من تفاوت بين نسبة الذكور إلى الإناث، في الوقت الذي تسعى فيه السلطات الرسمية إلى تحجيم تلك الظاهرة من خلال تمرير قوانين رادعة.
يروي مقال نُشر على موقع الجزيرة الإنجليزي، قصة بارفين خان، وهي امرأة هندية وقعت ضحية لتلك الممارسة غير الإنسانية.
لن تنسى «خان» الأحداث المروعة التي مرت بها في شهر مارس عام 2009، حين اقتحم عليها زوجها حميد، الذي كان قد هجر المنزل، غرفتها وأخذ يضربها على وجهها، بعنف شديد، انتقامًا منها لإنجابها فتاتين.
كانت خان، البالغة من العمر 33 عامًا آنذاك، نائمة في فراشها بعد انتهاء يوم عمل طويل تؤدي فيه وظيفتين، لتوفير ما يكفي من المال لإعالة أسرتها. فيما تلعب ابنتاها بلبل وسنية خارج المنزل مع جيرانهما من الأطفال.
أعطى حميد بعض الحلوى للطفلتين ثم مضى لينفذ انتقامه منها، فتقول: «قفز عليّ أثناء نومي، وأمسك بي وعض وجهي، ظل ينهشه كالحيوان. صرخت بصوت عالٍ ولكن أحدًا لم يأت لمساعدتي». هذه ليست صورة مجازية، في الواقع جاء حميد ليأكل أنف خان، فتلك هي عقوبة تشويه السمعة في المجتمع الهندي.
النساء ضحايا دائرة من الإساءة
لم تتحدث خان عما حدث لها في الإعلام سوى في مايو 2012، عندما حلّت ضيفة في برنامج حواري يقدمه ممثل بوليوود عامر خان. كان حميد زوج خان الثاني، فقد كانت أسرة خان قد زوجتها لرجل يبلغ عمره ضعف عمرها وهي بعد في الثانية عشرة، رغم أن القوانين الهندية تحظر زواج الأطفال.
ولدت خان في ولاية ماديا براديش، الواقعة في وسط الهند، ولم تذهب إلى المدرسة مثلما هو حال الفتيات في منطقتها. والدها عامل محدود الدخل، وبالتالي كان زواجها يعني تخليص الأسرة من عبء إعالة طفل من أطفالها.
تقول خان، إنها كانت سعيدة بالزواج، فقد ألبسوها فستان عرس أحمر، ووضعوا لها أحمر الشفاه. ولكنها في قرارة نفسها كانت تخشى العيش مع شخص يكبرها بسنوات ولم يسبق لها معرفته. وخلال أسابيع قليلة، أدركت خان أنها تعيش مع رجل لا يحبها ولا يحترمها، فقد كان يواظب على ضربها وإهانتها.
تحكي خان: «بعد مرور أشهر الحمل الثلاثة الأولى، أخذني حميد إلى المستشفى للكشف عن نوع الجنين. فصرخت وبكيت، ولكنه جذبني من شعري وسحبني إلى المستشفى».
ثم التقت حميد ووقعا في الحب وهي في السادسة عشرة، وأخبرت خان والديها بحبها، وقالت لهما إنها لن تعود إلى زوجها، وهو ما رفضته أسرتها وهددت بالتبرؤ منها إذا طلبت الطلاق. ولكن خان فعلت ما أرادته وتزوجت حميد الذي كان في الحادية والعشرين. ولم تتصل خان بوالديها منذ ذلك الحين.
تقول خان: «جربت الحب لأول مرة وشعرت أنني على قيد الحياة»، وتضيف أن حميد عاهدها على أن يحافظ عليها بعد تركها لزوجها الأول.
ولكن خلال أربعة أشهر، انهارت الزيجة وبدأت دورة الإساءة النفسية والجسدية. كان حميد يذكرها «بخيانتها» لزوجها السابق وكان لا يثق في سلوكها ووفائها له.
ثم حملت خان للمرة الثانية، وأصر حميد على إجهاض الجنين لو تبين أنه أنثى.
تحكي خان: «بعد مرور أشهر الحمل الثلاثة الأولى، أخذني حميد إلى المستشفى للكشف عن نوع الجنين. فصرخت وبكيت، ولكنه جذبني من شعري وسحبني إلى المستشفى».
ودون أن يسألها أخذها إلى المستشفى لإجهاض الجنين. وفي الحمل الثالث، أجبرها للمرة الثالثة على إجهاض الجنين عندما عرف أنه أنثى.
«كنت محطمة، ومكسورة القلب ولم أستطع التعافي من صدمة قتل طفلتين بريئتين فقط لأنهما إناث».
اقرأ أيضًا: شهادات الإجهاض: ماذا لو تعارضت الرغبة في الحياة بين الأم وجنينها؟
«كرهت نفسي لفترة طويلة، ولم أشعر بالسعادة وعشت حالة من الحزن على فقد أطفالي».
إحصاءات مخيفة تعكس مجتمعًا مشوهًا
حظرت الحكومة الهندية قيام الزوجين بالكشف عن جنس المولود للسيطرة على ممارسة قتل الأجنة الإناث.
تعتبر الهند أحد أسوأ الأماكن التي يمكن أن تولد فيها أنثى، فبالرغم من التقدم الصناعي الكبير الذي يشهده البلد الذي يقع في آسيا، على كافة الأصعدة، وكذلك دوره الحالي المتزايد في الاقتصاد العالمي، فإن الغالبية العظمى من السكان تقع تحت خط الفقر. وكذلك تنخفض معدلات متوسط الأعمار، وتتزايد معدلات الأمية عامًا بعد عام، وخصوصًا في الأماكن الريفية والبعيدة عن المدن، بالإضافة إلى مشكلة تلوث بيئي جسيمة، وفساد يُستشري في القطاع الحكومي.
تُظهِر الإحصاءات في الهند أن نسبة الإناث إلى الذكور مشوهة، وتشير البيانات الحكومية الحديثة إلى أن قتل الأجنة الإناث ما زال مشكلة كبيرة تعاني منها البلاد. يفضل المجتمع الهندي الذكور عادة لأنهم يعولون أسرهم وينتظر منهم أن يرعوا أبويهم عند الكبر. أما البنات فيتزوجن ويرعين شؤون أسرة الزوج، ويعتبرن عبئًا بسبب المهور التي تعطيها الأسرة إلى الزوج. حيث جرى العرف في الهند أن عائلة العروس هي من تدفع مهرًا للزوج، كما تتكفّل بباقي تجهيزات الزوجية.
قد يهمك أيضًا: الإجهاض في العالم العربي: «لا أحد يرغب في الحديث عن الأطفال الميتين»
حظرت الحكومة قيام الزوجين بالكشف عن جنس المولود قبل الولادة للسيطرة على ممارسة قتل الأجنة الإناث، ولكن فاعلية القانون محل تساؤل في ذلك البلد الكبير البالغ عدد سكانه 1.3 مليار نسمة. فبين عامي 1991 و2011 انخفضت نسبة الإناث المولودات إلى الذكور إلى 914: 1000.
ويشير تقرير «الشباب في الهند» الذي أصدرته الحكومة إلى أن تلك النسبة مرشحة إلى الانخفاض إلى 904: 1000 بحلول عام 2021 وإلى 898 بحلول 2031.
جرح نفسي وجسماني لا يلتئم
في عام 2006 حملت خان مجددًا وأصرت تلك المرة على الإبقاء على الجنين مهما كان الثمن، ولم تخبر زوجها بحملها حتى الشهر السادس من الحمل إلى أن حدث شجار كشف سرها.
«كنا نتشاجر حول أمر ما، وغضبَ مني وحبسني في غرفة وانهال عليّ ضربًا بمضرب هوكي.. وقعت على الأرض ونزفت وعندها عرف بأمر حملي، ولكن حملي استمر وولدت فتاة جميلة أخرى».
طلبت خان الطلاق بعد ولادة ابنتها الثانية سنية، ولكن حميد رفض تطليقها. ظلت خان مصرة على الطلاق إلى أن قررت ترك المنزل والعيش في بيت منفصل مع ابنتيها.
في نفس العام الذي تحدثت فيه خان عن مأساتها في التليفزيون، اهتز العالم لواقعة اغتصاب فتاة هندية أخرى تدعى جيوتي سينغ، التي ألقت مأساتها الضوء على العنف ضد النساء في الهند. تسبب مغتصبو سينغ، الذين استخدموا عصا حديدية في جريمتهم، في إحداث إصابات بالغة لها لم تتعاف منها حتى توفيت بعد أسبوعين من الواقعة.
أثارت الحادثة غضب الشعب الهندي، وخرجت مظاهرات حاشدة منددة بتلك الجريمة، وأدى الضغط الشعبي إلى تمرير قانون يعاقب المغتصب بالسجن لمدة 20 عامًا على الأقل، وبالإعدام في حالة وفاة ضحية الاغتصاب.
ورغم ذلك فإن إنديرا جيسنغ، المحامية بالمحكمة العليا، ترى أن ثمة حاجة إلى بذل المزيد من الجهد للقضاء على العنف ضد النساء.
«مازال أمام الهند طريق طويل كي تصبح متحضرة. أعرف أن حوادث الاغتصاب تقع في كل مكان، ولكنك لا ترى تلك الحصانة من العقاب في حالات الاغتصاب مثلما هو الحال في الهند».
«هناك حالة من التسامح مع العنف ضد المرأة، فالمارون يقفون كالمشاهدين عندما تتعرض امرأة للاغتصاب. أكره أن أقولها، ولكنها مثل مشاهدة رياضة بالنسبة لهم».
تعتبر جيسنغ قتل الأجنة الإناث «مرضًا آسيويًا»، وترى أن تمكين النساء اقتصاديًا وتوعيتهن بأن الحياة لا تتمحور حول الزواج والأبناء فقط قد يساعد في التخلص من تلك العادات.
قد يعجبك أيضًا: حكايات مَن تعرضن للاغتصاب على سبيل الرأفة
البنات رحمة ولسن حملًا ثقيلًا
لم يحاكم حميد على أفعاله الشنيعة لأن أسرته خدعت خان كي تتصالح معه وتسقط اتهاماتها الرسمية له. فتقول خان إن أسرة حميد طلبت منها أن تسامحه مقابل أن تحصل على الطلاق منه. والتزمت خان بالاتفاق ولكن حميد لم يطلق سراحها. وتضيف خان، التي تبلغ من العمر 41 عامًا اليوم، أنه لا يزال يهددها بصورة يومية.
تقول بارفين خان إنها يئست من المجتمع، ولم تعد لديها رغبة في الدخول في معركة مع أحد. وتضيف أنها سعيدة بحالها اليوم وفخورة بابنتيها.
رغم مرور سنوات على ما فعله بها زوجها حميد لا تزال خان تخشى على حياتها وحياة طفلتيها.
تسعى ابنة خان الكبرى، 20 عامًا، إلى الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال لكي ترفع رأس أمها، وتتمنى أن تتزوج برجل يُحسن رعاية أمها. أما ابنتها الصغرى سنية، 11 عامًا، فما زالت في المدرسة وترغب في أن تحصل على وظيفة حكومية في المستقبل.
تقول خان إنها يئست من المجتمع، ولم تعد لديها رغبة في الدخول في معركة مع أحد. وتضيف أنها سعيدة بحالها اليوم وفخورة بابنتيها.
«ابنتاي في حكم الصبيان، فهما تذاكران وسوف تحصلان على وظائف محترمة في المستقبل. وأعرف أنهما سترعيان شؤوني.. أريد أن أقول للجميع إن البنات لسن حملًا ثقيلًا، هن رحمة».