الإسلام والعلامات التجارية: نبيع ونشتري كل شيء

الصورة: Getty/Yegor Aleyev

نور الدين شبيطة
نشر في 2017/09/04

هذا الموضوع ضمن هاجس شهر سبتمبر حول «ماذا تبقى من الصحوة الإسلامية». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.


من المناظر المألوفة للمواطن العربي أن يرى لافتة محل يبيع شيئًا ما تحتوي آية قرآنية مكانَ شعار المحل، وتُلائم تخصص المحل من وجهة نظر واضعها. فالمطعم قد يكتب «كُلُوا من طيبات ما رزقناكم»، ومحل أزياء المحجبات ربما يكون اسمه «سُندُس» أو «إستبرق»، أو كلمات أخرى مقتبَسَة من النص القرآني.

من الشائع أيضًا استخدام القرآن للترويج في مجالات العمل السياسي للأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، مثل شعار جماعة الإخوان المسلمين «وأعِدُّوا»، وشعار حزب الله «ألا إنَّ حزب الله هم الغالبون».

شاعت طُرَفٌ كثيرة عن هذه الممارسة، وهي وإن كانت لا تخلو من مبالغة، تعبِّر عن استشكال هذه الممارسة في الثقافة الشعبية، حتى لو على سبيل النكتة. ولنلاحظ أن النكتة لا تكون مضحكة للأكثرية ما لم تمسَّ شيئًا على الخاطر العام، إذ تداول الناس صورًا لسيارات أجرة مكتوب عليها «يا بُنَيَّ اركب معنا»، ونكتة عن حلاق كتب على محله آية «وجوهٌ يومئذٍ ناعمة»، ومحل عصائر وَسَمَ لافتته بآية «وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا».

ليس بعيدًا عن ذلك، أصدر  الروائي والشاعر الأردني ذو «التوجه الإسلامي» أيمن العُتوم عددًا من الروايات عناوينها عبارة عن أجزاء من آيات قرآنية، ونجح في تسويق نفسه لدى الجمهور بصفته «كاتبًا إسلاميًّا»، بصرف النظر عن جودة إنتاجه الأدبي.

انتشرت ممارسات التسويق بالقرآن حتى أصبحت مجالًا للفتوى، فمثلًا، نجد على موقع طريق الإسلام مادة عن استخدام القرآن وسيلةً للتسويق عن طريق تشغيل شريط تلاوة بصوت مرتفع في السوق، يخلص رأي كاتبها إلى تحريم هذه الممارسة.

نحن هنا لا نناقش الأمر من زاوية الحلال والحرام، بل من زاوية تحوُّل الإسلام ذاته إلى شيء يشبه العلامة التجارية.

الماركات أديان، أم العكس؟

النسخة العربية من مقهى ستاربكس - الصورة: Marc van der Chijs

في كتابه «Buyology»، يتناول الكاتب المناهض لأسلوب الحياة الاستهلاكي «مارتن ليندستورم» العلاقة بين الأديان والتجارة من زاوية أخرى. ففي دراسة استمرت لثلاث سنوات وامتدت إلى عديد من الثقافات، فُحصت أدمغة ألفَيْ متطوع لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء شرائنا سلعةً ما وابتعادنا عن أخرى، وجاءت النتائج مفاجئة.

يخبرنا ليندستورم في كتابه أن العلماء استنتجوا أنه رغم عدم وجود منطقة في الدماغ البشري ترتبط بالإله، فإنه ثَمَّة أجزاء من أدمغة المتطوعين نشطت بأنماط محددة عند الخوض في حديث ديني أو روحي عميق، وهذا النشاط الدماغي يشبه نظيره عند الحديث عن العلامات التجارية والفرق الرياضية التي نشجعها.

دفع هذا ليندستورم إلى مقابلة رجال دين من أديان مختلفة ليسألهم عن التشابه الغريب بين الأديان والعلامات التجارية الذي وجده من منظور علم الأعصاب، وكيف يرونه كرجال دين، وامتد بينهم الحديث إلى الرموز والشعارات، والانتماء إلى مجموعة، وما إلى ذلك من نتائج كشفها البحث.

حصدت المؤسسة الدينية لديانة «الكابالا» أموالًا طائلة من ترويج المطبوعات والحُليِّ التي تخص معتنقيها.

وصل الأمر بليندستورم أن يسمي العلامات التجارية أديانًا، ويعقد بناءً على التجربة ونتائج مجموعة التركيز مقارنةً بين الأديان والعلامات التجارية، ورأى أن العلامات التجارية استعارت من الأديان مفاهيم محددة، هي الرؤية الواضحة، وحس الانتماء، ووجود العدو، والتنبيه الحسِّي، والضخامة، والمظهر الملائكي، والطقوس، وأن العلامات ما زالت تقتصر في التنبيه الحسي على الأمور البصرية، بينما تتقدم الأديان عليها بتقديم سرديات كُليَّة، ويتوقع أن تعمل العلامات التجارية في هذا الحقل بكامل زخمها، ولنتذكر مشروعات «إيلون ماسك» مثلًا.

بالمقابل، تعرض الكاتبة «مارا آينشتاين»، في كتابها «Brands of Faith»، للموضوع من وجهة نظر أخرى، مستعرضةً الأسلوب التجاري الذي حصدت به المؤسسة الدينية لديانة «الكابالا» أموالًا لا يمكن إحصاؤها، بوساطة الترويج للمطبوعات والحُليِّ ومتعلقات الديانة خلال التجمعات التي تخص معتنقي الديانة، بل وتربط بين هذا السلوك واعتناق مشاهير مثل مادونا للكابالا، بغرض التسويق لها كما تزعم.

تستعرض آينشتاين الحالة التجارية ذاتها في ما يخص أديانًا أخرى، مخصصةً فصلًا من الكتاب للحديث عن فيلم «آلام المسيح»، بوصفه مثالًا للبضاعة الدينية وطريقة تسويقها والأرباح التي حققها، لا لكفاءةٍ فنية ولكن لأسباب دينية مثلما تجادل. والكتاب في مجمله، كما هو واضح من العنوان، يتحدث عن طرق ترويج الأديان في العالم التجاري.

 ماذا عن الإسلام إذًا؟

الصورة: almalkimedia

العلاقة بين الإسلام وسلوك العلامات التجارية مسيرة لها خصوصيتها، غير العلاقة بين العلامات التجارية والأديان عمومًا، أو على الأقل نحن ندرك جوانب أخرى من العلاقة، مرتبطة بعصر ما سُمِّي «الصحوة الإسلامية» منذ الربع الأخير من القرن الفائت.

استخدم الإسلاميون أساليب تجارية للترويج لأنفسهم بين المسلمين.

كانت عملية تحويل الإسلام إلى علامة تجارية، منذ الصحوة، عملية بسيطة. وضع الإسلاميون العالم بين قوسين، وأصبح كل شيء محل شك. انتقد الإسلاميون المجتمع وممارسته واتهموه بالبعد عن الدين، وبالتالي أصبح أي تعامل أريحي مع العالم مرةً أخرى يقتضي أولًا التأكد من «شرعيته».

هنا أصبح الإسلام هو العلامة التجارية التي تطمئن الناس على شرعية ممارساتهم. المثير أنه، في مواجهة المجتمع الذي اعتبروه متغربًا، لم يقدم الإسلاميون أي منتج مغاير لما انتقدوه، بل فقط نسخ مثيلة «مؤسلَمة» منه، دون أي إنتاج أصيل من جانبهم.

ممارسات التسويق بوساطة القرآن التي أشرنا إليها في المقدمة ممارسات جدلية بين المسلمين، وقد يعزوها كثير من الناس إلى بساطة العامة، مبرِّئًا بذلك الدعاة وقادة الأحزاب الإسلامية ورجال الدين الإسلامي بعمومهم، لكن لو أنعَمنا النظر أكثر، لوجدنا أن الأمر أبعد من مجرد طباعة آية أو تشغيل تسجيل لتلاوة في محل تجاري.

«الإسلاميون» ساروا الطريق في الاتجاهين، فاستخدموا الأساليب التجارية لترويج طرحهم بين المسلمين، أي روَّجوا لأنفسهم ولطُرُوحاتهم باستخدام الأساليب التجارية، وأنشؤوا بعد ذلك علامات تجارية فعلية، هدفها تجاري بحت لكنها موسومة بالعلامة التجارية التي استثمروا فيها من قبل: «الإسلام».

تجارة الأسلَمَة

قبل طرح الإسلام كعلامة تجارية ستكتسح السوق، يجب في البدء سحب الشرعية من المنتجات الأخرى، هكذا لحقت فتاوى التحريم أشياء كثيرة، فحُرِّمت القنوات الإذاعية والتليفزيونية، والروايات، وحُرِّمت البنوك، بل وحَرِّمت أطعمة مثل اللانشون (مرتديلا) والبرغر، وحُرِّمت الأغاني.

ببحث بسيط على الإنترنت، سنجد قائمة طويلة من السلع التي لحقتها فتاوى التحريم، ثم ما لبثت أن أعادت مؤسسات دينية تقديمها بصورة ملتفَّة بوصفها سلعًا إسلامية، تحت اسم قنوات إسلامية، وبنوك إسلامية، وروايات إسلامية، وأناشيد إسلامية، حتى أشهر المشروبات الكحولية مثل البيرة والنبيذ أُنتجت منها نسخًا خالية من الكحول وسُوِّقت على أنها حلال، فما الذي يحصل هنا فعلًا؟ 

سنكتفي بضرب ثلاثة أمثلة، أحدها اقتصادي بحت، والآخر له جانب فني، والأخير إعلامي:

  1. البنوك الإسلامية
  2. الأناشيد الإسلامية
  3. الفضائيات الإسلامية

الهدف أن نرى أين يكمُن الفارق بين الإسلامي وغير الإسلامي فيها، فالواقع الذي سبق شرحه يقترح أن الإسلاميين يحرمون سلعة ليروِّجوا لسلعة من إنتاجهم، لكن دون أن يقدموا شيئًا مغايرًا فعلًا.

1. البنوك الإسلامية

الصورة: Abass Chirdon

تختار البنوك الإسلامية إدارتها بما يناسب صورتها الإسلامية، بدعاية خالية ممَّا يستفز زبائنها، لكن بدون أي فلسفة مصرفية جديدة.

غير المختصين في الاقتصاد والعلوم المصرفية يواجهون متاهة حقيقية بشأن البنوك، والتفريق بين الإسلامي وغير الإسلامي من الممارسات البنكية، فثَمَّة فتاوى تحرم أي تعامل بنكي، وثَمَّة فتاوى تبيح التعامل البنكي، وثَمَّة جدل طويل حول ذلك.

لكن عندما يزور المواطن العربي بنكين أحدهما يحمل وَسْم «إسلامي» والآخر لا يحمله، لشراء سيارة بالتقسيط مثلًا، يجد أنه في الحالين سيوقع أوراقًا تُلزمه بمعاملة مالية، يدفع فيها سعرًا أعلى من سعر السيارة الأصلي في مدة زمنية محددة سلفًا، وإذا تأخر في السداد لحقته مبالغ إضافية، مرة تحت اسم الفوائد، ومرة تحت اسم الغرامات، وفي كثير من الحالات تكون شروط البنك المسمَّى إسلاميًّا أكثر جَوْرًا على مال المقترض، لا سيَّما أنها لا تقدم أي ميزات للسداد المبكر.

البنك الإسلامي، كغيره، مؤسسة بنكية قائمة على الاستثمار المالي، تغير أسماء التعاملات وبعض الإجراءات القانونية وتعيِّن موظفات محجبات فقط (علمًا بأن البنوك الأخرى قد ترى بها محجبات أيضًا)، وتحرص على إدارة صورتها كجهة إسلامية، فتختار من الفعاليات المجتمعية ما يناسب صورتها الإسلامية لترعاها، وتكون دعاياتها خالية ممَّا يستفز عملائها الإسلاميين، لكن ليس فيها ما يمكن تسميته فلسفة مصرفية جديدة.

2. الأناشيد الإسلامية

نشيد «المساجد كلها مشتاقة لك» المأخوذ من أغنية «الأماكن» للفنان السعودي محمد عبده

تحت فكرة تحريم آلات موسيقية بعينها كالوتريات، وتحليل أخرى كالدُّف والرق، نشأت تجارة فنية تُدِرُّ دخلًا هائلًا، اسمها «الأناشيد الإسلامية».

حرَّم الإسلاميون الأغاني العادية السائدة، بسبب الموسيقى تارةً وبسبب موضوعاتها العاطفية تارةً أخرى، وأنتجوا «بديلًا» لها، استعاضوا عن النغم المتصل الذي تقدمه آلة الكمان مثلًا بآهات بالصوت البشري توافق النغمات نفسها، منتجةً ألحانًا مشابهةً لأكثر الأغنيات شيوعًا، مع تبديل الكلمات، كلها أو بعضها، لتناسب موضوعات دينية، وهكذا تصبح الأغنية حلالًا.

لم يقدم الإسلاميون نمطًا موسيقيًّا جديدًا، بل مجرد «أسلَمَة» للموجود فعلًا.

على سبيل المثال، أنشودة «أن تُدخلني ربي الجنة» صيغت لتوافق لحن أغنية مارسيل خليفة «يا بحرية»، وقُدِّمت على أنها «نشيد إسلامي»، أما أنشودة «لبيك إسلام البطولة» فلحنها وكلماتها معًا مأخوذان من أغنية قومية قديمة اسمها «لبيك يا علم العروبة». ومن أطرف ما حدث في هذا المجال أغنية «الأماكن كلها مشتاقة لك» للفنان السعودي محمد عبده، التي صارت «المساجد كلها مشتاقة لك»، علمًا بأن كثيرًا من تلك الاقتباسات تحدث دون إشارة، لا من قريب ولا من بعيد، إلى اسم الفنان الأصلي.

لا يحدث هذا في الفن أو المفاهيم فحسب، فثَمَّة مطبوعات ككتاب «هكذا هزموا اليأس»، الذي أدان القضاء السعودي الدكتور عائض القرني بسرقته، بعد أن غيَّر عنوانه إلى «لا تحزن»، وما يزال الكتاب يُطبع إلى اليوم باسمه.

3. الفضائيات الإسلامية

مذيعات منتقبات في قناة «ماريا» الإسلامية

تصف آينشتاين حال الإعلام الديني قائلة: «ما دمنا نرى إعلامًا أكثر، فإننا لا بد سنرى إعلامًا دينيًّا أكثر». بالنسبة إلى الواقع الغربي قد يكون هذا صحيحًا، لكن الأمر عندنا لا يقف عند الزيادة المرتبطة بنسبة زيادة عامة، فالقنوات الفضائية الموسومة بأنها إسلامية تكاثرت بصورة مهولة في وقت قصير، لتلبي الطلب المتزايد على معرفة رأي الدين في كل شيء.

حضور الأنثى أقل في القنوات الإسلامية، ويُستبدل بموسيقى الفواصل آهات مأخوذة من الأناشيد، وتُقدَّم دعايات مثل دعايات الطب الشعبي.

أصبحت برامج الفتوى الفورية من أكثر البرامج التي تلقى إقبالًا وتفاعلًا من المشاهدين، الذين كثيرًا ما يطلبون فتاوى في أمور شديدة الفرعية، بسبب شكهم في شرعية ممارساتهم اليومية التفصيلية.

تثير مسألة القنوات الإسلامية مسألة أخرى هي علاقة الإسلاميين بالزمن، فلو رجعنا في الزمن إلى بداية انتشار الراديو لوجدنا أن بعض الإسلاميين استقبلوه بالتحريم كونه «بدعة جديدة تضاهي قدرة الله في إنطاق عباده»، مثلما ينقل الكاتب فهد العامري، ثم استخدم الإسلاميون إذاعات الراديو نفسها لنشر تحريمهم للتليفزيون، متكئين إلى أحاديث تلعن المصورين، ثم انتقلنا إلى مرحلة فيها مئات القنوات الإسلامية التي يضج بها الفضاء العربي، تروِّج لنفسها بتحريم القنوات الأخرى التي تبث «المعاصي».

نحن أمام منتَج جديد إذًا هو القنوات الفضائية الإسلامية، تقدم رأيًا يميل حيث يميل ممولوها، حضور الأنثى فيها أقل، وإذا حضرت تحضر محجبة، ويُستبدل بموسيقى الفواصل آهات مأخوذة من الأناشيد، ثم تقدَّم الدعايات الاستهلاكية التي تلعب على الحس الديني، مثل دعايات الطب الشعبي، فأصبح للإسلاميين المعارضين قنواتهم الدينية، وللأنظمة قنواتها الدينية بدورها، ويتشابه الاثنان في كل شيء عدا الموقف السياسي.

لتجتذب هذه القنوات جمهورًا أوسع، بدأت في توسيع قاعدة برامجها، فمع برامج الفتاوى، أصبحت هناك برامج ترفيهية وبرامج للأطفال، بل وبعض هذه القنوات يحوِّر الرسوم المتحركة المشهورة لينتج منها «رسومًا إسلامية»، مثل النسخة الإسلامية من المسلسل الكارتوني الشهير «عدنان ولينا»، الذي صارت فيه لينا أخت عدنان بدلًا من حبيبته، وهكذا نكون حصلنا على «قناة إسلامية».

مزيد من الهواجس

محمد حسين يعقوب يحتفل بالاستفتاء على الدستور رغم تحريم السلفيين للديمقراطية

أليست هذه الأسلَمَة تحويلًا للإسلام من ديانة يقبلها الإنسان باختياره، وتكون بينه وبين ربه، إلى علامة تجارية تملكها مجموعة حصرية؟

حال تقديمك ملاحظاتك كمراقب لهذا السلوك لدى الإسلاميون، ستتلقى «توضيحات» حول الذي يجعل الأمر حلالًا بعد أن كان حرامًا، سواء أكان موضوع النقاش أغنية أم معاملة بنكية أم غيرها، لكن مربط الفرس دائمًا هو الزمن، فكما أن الأغنية وُجدت في البداية على حالها المعروف لنا، ثم حُرِّفت كلماتها أو توزيعها لتصبح إسلامية، فالممارسة البنكية مثلها نشأت في البنوك الغربية، ثم جاءت البنوك الإسلامية لتعدل تسميةً هنا وشرطًا هناك، جاعلةً من البنك بوظيفته نفسها إسلاميًّا.

إذا كنا نلاحظ عملية «أسلَمَة» النشاط التجاري أو الفني أو الصناعي بتعديل طفيف عليه، بطريقة غايتها التدخل بخيارات البسطاء عن طريق تحريم الشيء ثم تقديم بديل تنتجه الجماعات الإسلامية، أليس لنا أن نشك في الدافع وراء هذه العملية؟ بل في الدافع وراء عملية التحريم نفسها في غالب الأحيان؟ ألم يحرِّم الإسلاميون الديمقراطية بادئ الأمر، ثم باتوا يتبجَّحون بانتصارهم في «غزوة الصناديق» كما أسموها؟ وفجأة باتت الشرعية للصناديق وحدها؟

أليست هذه الممارسات تحويلًا للإسلام من ديانة يقبلها الإنسان باختياره، وتكون بينه وبين ربه، إلى علامة تجارية تملكها مجموعة حصرية، تحصد وحدها عوائدها المادية والمعنوية؟ وما التغييرات التي ترتبت على الإسلام نفسه ليتقبل هذه الممارسات قبل أن تُستَحدَث؟ وما آثار هذه الممارسات على الإسلام بعد أن استُحدِثت وباتت سمة عامة للجماعات الإسلامية؟

إذا كنا رأينا حتى الآن سياحة إسلامية، وبنوكًا إسلامية، ومقاهٍ إسلامية، وديمقراطية إسلامية، ومواقع تعارف إسلامية... فهل نتوقع رؤية أنشطة تجارية أخرى لا تخطر على بال المسلم اليوم، يُعلَن عنها بصفتها «إسلامية» أيضًا؟ وهل الصراع بين الإسلاميين على أي طوائفهم حقيقي وأيها مزيف، صراع على ملكية «العلامة التجارية»؟

مواضيع مشابهة