رغم أن بعض منتجي الدراما التلفزيونية هذا الموسم في مصر بادروا بغلق الطريق على أي انتقادات من أي مؤسسة تحظى بقوة وصوت مسموع وسند رسمي لدرجة أن بعضهم زايدوا على أنفسهم، وبالغوا في إظهار الولاء بقرارات تعسفية ضد أعمالهم، بأن حذفوا مشاهد وأسماء عدد من «غير المرضي عنهم»، وزادوا من القيود بأن أصدروا تعليمات «شفهية» بضرورة تجنب السباب بألفاظ خارجة، وهي أمور معروفة بالكواليس. فإن كل هذا لم يعجب لجنة «رصد الدراما» التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التي أصدرت أول تقرير لها عن سباق مسلسلات رمضان 2018، وجاء غير سار بالنسبة إلى صناع هذا الفن في مصر.
محاكمة صناع مسلسلات رمضان 2018
هناك قيود قاسية ظهر أثرها واضحًا في مسلسلات 2018، فالسقف بات منخفضًا جدًّا في كل شيء، سواء في ما يتعلق بانتقاد أداء المؤسسات الرسمية، أو حتى مستوى الحوار. ولكن كل هذا لم يعجب اللجنة المنبثقة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فقد ذكرت كثيرًا من مظاهر الانفلات التي تستوجب المعاقبة، خصوصًا أن أول بيان صدر عن لجنة «تطوير الدراما» التابعة للمجلس، والتي يرأسها المخرج محمد فاضل، ذكر كثيرًا من المحاذير.
وهدد البيان باستخدام القانون ضد المخالفين، إضافة إلى الغرامات المالية التي تصل إلى ربع مليون جنيه مصري، أي ما يعادل 15 ألف دولار، عن أي لفظ تراه اللجنة خادشًا. ورغم أن الأمر بدا هزليًّا لأن تعريف اللفظ الخارج فضفاض جدًّا، فإن تصريحات أعضاء اللجنة تؤكد أنهم لا يمزحون.
الالتزام الشديد الذي وجده الجمهور على الشاشة وصل إلى درجة أن مَشاهد الحب يظهر فيها الممثلون متجمدين خوفًا من أي قرب قد يُغضِب اللجنة، وحتى مَشاهد الغضب والسباب الموظفة دراميًّا تبدو فاترة لأن الرقيب يقف بين المؤلف والجمهور. وبعيدًا عن الجودة والمصداقية الفنية، فلا يوجد منتج يريد أن يخسر ويدفع هذه المبالغ كعقاب، ولا أحد منهم أبدى اعتراضه علانية، بل فضلوا أن يتَّقوا الدخول في معارك. فهل كل هذا نفع؟
«إنت بجح».. هكذا يخدشون حياء المشاهدين!
في 2012، تضمن مسلسل «مع سبق الإصرار» عبارات ومَشاهد «جريئة»، لكن الأمر لم يصل إلى التربص في التقييم الأخلاقي.
التقرير الصادر حديثًا للجنة متابعة الدراما يقول في إحدى فقراته على سبيل المثال: «في حلقة يوم 18 مايو بمسلسل «ممنوع الاقتراب أو التصوير» للممثلة زينة تحوَّل المقلب إلى مشاجرة، وخلال المشاجرة قالت الخطيبة: إنت بجح. عايز تفرجني على وساختك. يا زبالة. إنت حيوان. هذه كلمات تعد خادشة بالنسبة إلى اللجنة. والمطلوب حينما يغضب البطل أو البطلة، مهما يكن مستواهما الاجتماعي، ومهما يكن الموقف، أن يتحكما في انفعالاتهما.
في 2013، عُرِض مسلسل «حكاية حياة»، بطولة غادة عبد الرازق، وتضمَّن عشرات العبارات والمَشاهد التي صدمت قطاعًا كبيرًا من الجمهور. وجاء التعبير عن هذا الغضب على السوشيال ميديا، إذ احتوت المَشاهد على ألفاظ خادشة بشكل يفوق ما ذكرته اللجنة، ولكن الأمر وقتها لم يصل إلى درجة المحاسبة، ولا التربص.
وفي أثناء حكم الإخوان عام 2012، عُرِضَ للممثلة ذاتها مسلسل «مع سبق الإصرار»، وتضمَّن عبارات ومَشاهد جريئة، لكن الأمر لم يصل إلى التربص والمبالغة في التقييم الأخلاقي مثلما يحدث الآن.
مسلسل غادة عبد الرازق هذه السنة «ضد مجهول»، من تأليف أيمن سلامة (نفس مؤلف المسلسلين السابق ذكرهما)، وقد اعترضت اللجنة فيه على مشهد غسل ابنتها المتوفاة، ووصفت مشهدًا آخر بأنه «إهانة الزوج»، إذ قالت روجينا لزوجها: «في ستين داهية غور».
بحسب اللجنة، فالحلقة الثامنة من «ضد مجهول» شهدت ما وصفته بـ«السلوك السيئ» من خلال صديقة ندى التي تحرضها قائلة لها: «خشي على البروفايل بتاعه ولاعبيه لحد ما يقر». وكذلك «ألفاظ سوقية» مثل: «إيه اللي هببتوا ده؟».
اقرأ أيضًا: هل تحول شهر رمضان إلى موسم «الكريسماس العربي»؟
هل يحاكمون فاتن حمامة بأثر رجعي؟
الأمر وصل إلى مسلسل اجتماعي خفيف، مثل «بالحجم العائلي»، إذ اعترضت اللجنة على مشهد قالت فيه يسرا اللوزي: «أنا شايفة بنت الكلب دي وهي داخلة له الأوضة وبتدلع عليه». اللجنة غاضبة من عبارة قالت ما يشبهها فاتن حمامة في فيلم «الخيط الرفيع» عام 1971: «يا ابن الكلب»، الفنانة التي عُرِفَت بالتزامها الشديد، وكانت تُلام دومًا على تحفظها، أصبحت كلمتها خادشة للحياء.
قد يهمك أيضًا: مسلسل «ليالي أوجيني»: مصر التي نرثيها، وأرواحنا التائهة
الترويج بالمَشاهد المحذوفة
في الوقت الذي ما زال يصور فيه أغلب الأبطال أعمالهم ويعرضون المسلسلات تقريبًا على الهواء لضيق الوقت، مثلما يحدث كل عام، لا يجد الصناع أو القنوات وقتًا كي يلتفتوا لبعض الكلمات أو المَشاهد التي قد تثير حفيظة الرقباء. ولكن هناك قنوات وجدت وقتًا لهذا، فقد حذفت «الحياة» مشهدًا كاملًا بين أيتن عامر ومريهان حسين وسلوى عثمان في الحلقة الخامسة من مسلسل «أيوب»، تضمن اعتداءً بدنيًّا ولفظيًّا على شخصية سماح التي تؤديها أيتن من عمة أيوب، فقد انهالت عليها بالضرب والسباب، ولكن القناة عرضت المشهد كاملًا عبر قناتها الرسمية بموقع يوتيوب.
القناة عرضت المشهد في منصة أخرى بدلًا من حذفه تمامًا، مثلما فعل محمد رمضان بعدما عرض مشهدًا كاملًا محذوفًا من مسلسله «نسر الصعيد» الذي تنتجه شركة «العدل جروب»، واستغله كذلك في الترويج للعمل، فيما لم يُعرَض في أي حلقة لأنه تضمَّن إيحاءات جنسية بين رمضان ووفاء عامر.
منتجون يزايدون على أنفسهم، وآخرون لا يهتمون بحقوق المؤلف
بعد اعتراض جهات سعودية على وجود إبراهيم عيسى في مسلسل «أرض النفاق»، حذفت جميع مشاهده واستبدل به بالفنان سامي مغاوري.
قيود الدراما الرمضانية في مصر عام 2018 وصلت إلى مدى يبدو أنه سيظل يتسع عامًا بعد آخر لدرجة أن مؤلف روايتين شهيريتن تعرض للحرمان من حقوق الملكية الفكرية، فقد حُذِفَ اسم الروائي عز الدين شكري فشير من مقدمة مسلسل «أبو عمر المصري» للممثل أحمد عز، وبدا العمل كأنه مأخوذ عن روايتيه «مقتل فخر الدين» و«أبو عمر المصري» ومن تأليف كاتبة السيناريو مريم نعوم.
رغم أن شركة الإنتاج تحفظت على ذكر السبب، فإن الذي يتردد أن شكري فشير غير مرضي عنه من بعض المؤسسات الرسمية. لكن اللافت أنه لا توجد أي جهة مسؤولة قد علقت على الأمر حتى الآن، بما فيها شركة الإنتاج التي يمتلكها طارق الجنايني، أو أي من القنوات العارضة كذلك.
رفع فشير دعوى قضائية ضد شركة الإنتاج «Tvision» التي حذفت اسمه من جميع نسخ العمل حتى تلك التي لا تعرض على محطات مصرية، وكذلك المنصات الإلكترونية.
كان لغط كبير قد أثير أيضًا بشأن مشاركة الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في دور أساسي بمسلسل «أرض النفاق»، ولكن بعد اعتراض جهات سعودية على وجوده لأنه يعد في رأيهم «صاحب آراء معادية للملكة» حذف المنتج جمال العدل جميع مشاهده واستبدل به الفنان سامي مغاوري في جميع نسخ العمل أيضًا، وليست تلك المعروضة على قنوات سعودية فقط، مؤكدًا أنه لا توجد جهة معينة طلبت منه هذا التصرف، ولكن ما حدث «تجويد» منه.