حسين الإمام: ثِقَل لا يمكن وزنه

إسراء مقيدم
نشر في 2017/02/08

هذا الموضوع ضمن ملف «الثورة والثوار»، لقراءة موضوعات أخرى في الملف اضغط هنا.


في زاوية جانبية، وبشكل خارج تمامًا عن سياق كل ما يحدث حوله من مناقشات ذات طابع سياسي يديرها الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه «القاهرة اليوم»، يقف رجل أربعيني متوسطًا مجموعة من الأواني والقدور تتصاعد منها الأبخرة، منهمكًا في إعداد وجبة ساخنة للضيوف.

وعلى عكس أديب، الذي يخاطب المشاهدين في شؤونهم السياسية، ينظر ذلك الرجل إلى الكاميرا ليشرح للمتابعين طريقة إعداد طاجن اللحم، وبإخلاص شديد وجدية لا تخلو من مرح يخبرهم أن سر النكهة يكمن في إضافة القِرفة.

ربما يكون المشهد السابق هو الأكثر دلالةً في الإجابة عن سؤال: من هو حسين الإمام؟

ليس لأنه لم يقدم في حياته سوى فقرات الطبخ وبرامج الكاميرا الخفية؛ لكن لأن الرجل الذي لحَّن ووزَّع لمحمد منير «العالي العالي يابا» و«جنني طول البعاد»، وكتب كلمات الأخيرة أيضًا، ووضع الموسيقى التصويرية لعدد ليس قليلًا من الأعمال الفنية؛ مثل فيلمي «اللمبي» و«إستاكوزا» ومسرحية «ألابندا»، بل وكتب سيناريوهات بعضها مثل «أشيك واد في روكسي»، ومثَّل وغنى وعزف الموسيقى، لا يجد أزمة مع فكرة الظهور في برنامج حواري جاد بفقرة طبخ يومية.

فقط لأنها هواية أخرى من هواياته، وهو اعتاد أن يمارس هواياته علنًا.

البطولة الحقيقية أن تواصل اللعب: فيه إيه هنبكي عليه؟

«جيلي شاف كتير جدًّا».

يقولها حسين الإمام لإسعاد يونس، صديقة سنوات تجاربه، خلال حلقة من برنامجها الحِواري «صاحبة السعادة»، مؤكدًا تفضيله العيش داخل فقاعته بمفرده. يخبرها أن «العمر مش طويل وماينفعش نضيعه في أزمات»، ثم يموت بعدها بأيام قليلة، ليتضح أن هذا كان آخر لقاء تليفزيوني له، وأنه لم يكن يوجه النصح لأحد؛ بل يتحدث عن سنواته الماضية، التي صرنا نعرف جيدًا كيف اختار أن يمضيها، وكيف استمتع بها.

لم يسع للعالمية أو يحاول أن يكون مختلفًا، كل ما في الأمر أنه امتلك عدة هوايات أراد إشباعها.

في ستينات القرن الماضي، أهداه أبوه المخرج الراحل حسن الإمام اسطوانة لفريق «البيتلز»، والفتى حسين استمع إليها وفُتن بها تمامًا. ولاحقًا، في السبعينات، أراد الأب تقديمه للعالم من خلال أفلامه، لِما لمسه فيه من حساسية فنية، تجلَّت في الألفينات عبر دوره الدرامي في مسلسل «للعدالة وجوه كثيرة».

ولفترة ترك الفتى المفتون نفسه لموسيقى «الروك»، قبل أن يقرر التحليق بعيدًا ويسافر للخارج، لا لتجريب حظه في سينما هوليوود مثلًا، وإنما إلى مدينة شيكاغو؛ كي يمارس هوايته في عزف «الروك» مدفوعًا بحبه للموسيقى، كما لو أن أسطوانة «البيتلز» لم تتوقف عن الدوران داخل رأسه أبدًا، وإيقاعها لم يغادر أذنيه.

وبعدما عاد إلى مصر مرة أخرى في الثمانينات، وجد الإمام الشاب نفسه محمَّلًا بتجارب سنواته الأخيرة المشبَّعة بموسيقى مختلفة، منها «الروك» و«البلوز»، واختلط وعيه الذي نشأ على الموسيقى الشرقية بحس فني جديد ومغاير.

خليط مثل هذا كان من الممكن أن يُؤمِّن له صيتًا عالميًّا إذا ما قرر استثماره، لكنه لم يكن يسع لعالمية ولا يحب المضمون، لم يتمنَّ تحقيق نجاح فني ضخم، حتى إنه لم يحاول أن يكون مختلفًا، كل ما في الأمر أنه امتلك عدة هوايات أراد إشباعها.

اقرأ أيضًا: جون لينون.. «أكثر شهرة من المسيح»

التبشير بموسيقى «الأندرجراوند»: فرقة «طيبة»

حسين الإمام ومودي الإمام
حسين ومودي الإمام

في عام 1984، أسس الأخَوان حسين ومودي الإمام فرقة غنائية تحمل اسم «طيبة»، حاولا من خلالها تقديم نوع مختلف من الموسيقى معتمدين بالأساس على ذائقتهما الغربية، التي تضم «الروك» و«البلوز» و«السامبا».

حسين الذي، بحسب تصريحه، كان عضوًا بالفعل في فرقة غنائية أمريكية خلال تلك الفترة، تخوَّف من أن تقديم هذا اللون من الغناء في مصر تحدٍّ شبه مستحيل، مع جمهور اعتاد التراث الكلاسيكي، متمثلًا في جيل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومن بعدهما وردة وفايزة أحمد. كان لديه خوف حقيقي من صعوبة اقتحام هذا التراث وإقناع الجمهور بموسيقى «الروك» والتعاطي معها، إلا أنه انجرف مع المغامرة على أي حال.

شجعه على ذلك أن الثمانينات كانت حقبة التجريب، فتزامن مجيؤه مع ثورة فنية حقيقية قامت على أكتاف علي الحجار ومحمد منير بأغنياتهما المختلفة في طابعها، وكذلك ظهور فرق مثل «المصريين» و«الفور إم» و«الحب والسلام».

ألقى حسين ومودي الإمام بذرة تشعَّبت جذورها على مدى 30 عامًا، لتُنبت جيلًا موسيقيًّا نعرفه اليوم باسم «الأندرجراوند».

ربما يكون أهم ما ميَّز فرقة «طيبة» وعي الثنائي حسين ومودي الإمام بالإيقاع الموسيقي وأهميته في منح العمل شخصية. رغم أن جميع أغنياتهما اعتمدت على آلات غربية بالأساس كالغيتار والدرامز، فإن هذا لم يكن بغرض منح العمل «جنسية وطابعًا أمريكيًّا»؛ وإنما للتجريب والتجديد ومزج تنويعات لم تجرب من قبل.

مع الشقيقين الإمام، امتزج الغيتار بالدُّف الأسواني في أغنية «أسوان»، واحتفظت أغنية «كوكو كوكو» بإيقاعها الشرقي للغاية مع لحن غيتار يتردد في الخلفية، كلها مزايا أكثر تطويرًا أمَّنت للفرقة النجاح، لتقدم بدلًا من الألبوم اثنين.

نجاح «طيبة» لم يكن فقط على مستوى الموسيقى، بل اقتحمت بكلمات أغنياتها أبوابًا لم تُطرَق من قبل. فبخلاف أغاني الحب المستهلكة، غنى حسين ومودي الإمام للدنيا والتخبُّط والزيف والخسارة والهزيمة. مشاعر مستقلة بذاتها وليست متولدة عن الحب المعتاد، الذي كان يتسيَّد الأغاني ولا يزال. أراضٍ جديدة لم يسبقهما إليها أحد، اقتحمها الشابان برغبة حقيقية في التجريب، وبفارق زمني يبلغ ثلاثين عامًا عن جيلهما.

ألقى حسين ومودي الإمام بذرة فنية في تلك الأراضي، فامتدت جذورها وتشعبت على مدى ثلاثين عامًا، لتُنبت جيلًا موسيقيًّا جديدًا نعرفه اليوم باسم «الأندرجراوند».

ومثلما غنت «طيبة» للخسارة في أغنية «الدنيا صغيرة»، سمعنا «مكعب سكر» من فرقة «بلاك تيما»، وأعادت فرقة «دعسوقة» غناء «لو كل الناس قالت الحقيقة»، التي غناها حسين في مسلسل «كلام على ورق»، كما اعتلى أعضاء فرقة «لايك جيلي» المسرح ليغنوا بكل ببساطة عن «اليوستفندي»، بالخفة نفسها التي غنى هو بها يومًا عن السمك الفيليه.

قد يعجبك أيضًا: حكايات ذاتية جدًّا: عمار الشريعي.. وآخرون

حسين ومودي الإمام يغنيان «ودَّعي المكان»

كان الأمر بالنسبة لحسين ومودي أكبر من مجرد كلمات يجب «تنغيمها»، إذ لا بد لتلك النغمة أن تتماشى مع طبيعة الكلمات والمشاعر التي تحاول الأغنية التعبير عنها. ترقص الموسيقى في أغنية ساخرة مثل «ازَّي الصحة»، وتنهزم تمامًا في أغنية حب حزينة على غرار «ودَّعي المكان»، ربما يكون هذا هو ما لفت أنظار مخرجين أمثال شريف عرفة ورأفت الميهي وخيري بشارة، ودفعهم للتعاون معهما في أفلامهم.

وسواءً في الموسيقى التصويرية أو في تلحين أغنيات مضمنة في الأفلام، كان اللحن جزءًا من الدراما، معبرًا عن الشخصيات وتقلباتها.

فعلى سبيل المثال، يضيف حسين الإمام إيقاعًا عنيفًا لأغنية «كابوريا»، التي غنَّاها أحمد زكي في فيلم حمل الاسم نفسه؛ لأن هذا ما يتناسب مع شخصية عنيفة مثل شخصية «حسن هدهد»، الصاخب الذي يحب اقتحام الأفراح والغناء فيها عنوة رغم إرادة الجميع. 

للوهلة الأولى، تبدو «كابوريا» أغنية هزلية تحمل كلمات لا معنى لها، بدءًا من لفظة «في اللابوريا» التي اعتاد المخرج خيري بشارة استخدامها لوصف الركاكة، وحتى طبيعة السياق المستوحَى من الصيد والبحر، بشكل قد يبدو غير متماشٍ مع فيلم يحكي عن لاعب ملاكمة هاوٍ يتحول لرهان مستمر بين زوجين من كبار رجال الأعمال.

لكن بنظرة متأملة في الكلمات، التي كتبها حسين الإمام، نجده لخَّص معاناة «حسن هدهد» واكتشافه تحوُّله لمهرج، مصدر تسلية للآخرين، بعد أن كان معتادًا هو نفسه على التسلية.

يغني «حسن هدهد» بمفرده داخل حلبة ملاكمة، في إشارة ذكية لصراعه الداخلي، فلاعب الملاكمة المغري بالرهانات الرابحة يواصل الهزيمة في مبارياته النفسية

تحكي الأغنية قصة «حسن هدهد»، صياد الكابوريا الذي تحول هو نفسه إلى صيد، وتسرد مكاشفته لنفسه من خلال جملة هزلية مثل «لو قزقزوني هاقزقز إيه؟»، عوضًا عن بدايتها بجملة رثائية في شاعرية «فيه إيه هنبكي عليه؟». التساؤل ذاته هو ما دفع المخرج خيري بشارة لمدح حسين قائلًا: «يا أخي حتى وإنت بتهزر بتقول كلام جد؟».

الشرير الفجّ: الوجه القبيح للعالم

حسين الإمام في فيلم «احكي يا شهرزاد»

حسين الممثل لم يقل في الأهمية عن حسين الملحن والمغني. فبجانب ظهوره في أفلام أبيه المخرج حسن الإمام في بداية حياته، ارتبط اسمه أيضًا بأعمال سينمائية شديدة الخفة، مغايرة لطبيعة أفلام والده الميلودرامية.

من هذه الأفلام «آيس كريم في جليم» و«كابوريا» و«يا دنيا يا غرامي»، التي تميزت بكونها ذات «دماء جديدة»؛ تستدعي قوالب شديدة البساطة لسرد حكايات شديدة التعقيد عن الحياة، ومحاولات البشر المستمرة لخلق متنفَّس في أثناء العبور من ممراتها الضيقة، دون الإخلال بخيوط الحكاية أو الإفراط في ميلودراميتها.

لم يعبأ بحجم الأدوار التي يقدمها، فقد أدرك أن أهمية الدور لا تقاس بعدد مشاهده ومرات ظهوره على الشاشة.

وبالإضافة لذلك، وبنظرة إلى طبيعة الأدوار التي جسدها، يمكن بسهولة ملاحظة شكل اختياراته. فبعكس انحياز الممثلين عادةً لأدوار الخير أو الأدوار التي تلقى تعاطف الجماهير، ارتبط اسم حسين الإمام بالأدوار التي ينفر منها الجميع، مشاهدين وممثلين، فجسد شخصية النذل والأرستقراطي وزير النساء.

بمعنى آخر، قَبِل تجسيد الوجه القبيح للعالم، ربما لإدراكه أهمية هذا الوجه وضرورته في الكشف عن الجانب المظلم من الحياة. لذا، كان من البديهي أن يختاره المخرج يوسف شاهين عام 1991 للمشاركة في فيلمه التسجيلي «القاهرة منوَّرة بأهلها»، ليلعب دور شخصية أرستقراطية تمثل شريحة اجتماعية كانت قد بدأت في الظهور بطريقة فجَّة في مصر آنذاك.

لم يعبأ حسين الإمام بحجم الأدوار التي يقدمها، فقد أدرك أن أهمية الدور لا تقاس بعدد مشاهده ومرات ظهوره على الشاشة، وإنما بما يضيفه من قيمة فنية للعمل. تجلَّى ذلك في دوره اللافت في فيلم «احكي يا شهرزاد» الذي رغم كونه شرفيًّا في حجمه، لا يتجاوز عدة مشاهد، فهو من أهم الأدوار التي سلَّطت الضوء على طبيعة الزوج الشرقي ومعاملته للزوجة باعتبارها مجرد أداة للمتعة.

لذلك لن تجد اسمه متصدرًا تترات الأفلام التي شارك بها؛ لأنه لم يهتم بالظهور في الصفوف الأمامية. وفي المقابل، ستجده واقفًا وراء عمرو دياب في أغنيته المصورة «راجعين»، كومبارس صامت يلعب الغيتار، لأن الفيديو كليب بُنيت حبكته على فكرة السفر عبر الزمن، في تصور فانتازي قُدِّم لأول مرة في وقته، فتحمس لها وباركها بالمشاركة الخافتة.

حسين الإمام وعمرو دياب في فيديو كليب راجعين
حسين الإمام خلف عمرو دياب في فيديو كليب «راجعين» - الصورة: Youtube - صوت الدلتا

ولأنه منحاز للتجريب، تعاون مع الراحل رأفت الميهي، المخرج الأكثر خروجًا على المألوف في مصر، ووضع الموسيقى التصويرية لفيلمه «ميت فل»، وقَبِل الظهور بشكل عابر في الاستعراض الأخير لفيلم «سمع هس» الذي لحنه شقيقه مودي، وهو الفيلم الذي، للمفارقة، يحكي عن اثنين من الصعاليك يحبان الغناء ويقدمان فنًّا مختلفا عن العادة.

كلها أعمال فنية لم تهتم بالنجاح التجاري، ولم يعبأ أصحابها باكتمال قاعات السينما أو خلوها، وإنما حاولوا اكتشاف حدودهم وقدراتهم، وكان هو عنصرًا مشاركًا في كواليس تلك الأعمال، سواءً بالتوزيع الموسيقي أو التلحين أو حتى بكتابة الأفلام.

كان حسين الإمام دائمًا في الكواليس دون إعارة أي اهتمام لاحتمالات الفشل المرجحة لتلك التجارب، خصوصًا لتزامنها مع ظهور موجة أفلام المقاولات، وتحول الفنون بأشكالها لصناعة ربحية بالأساس. كان الأمر أشبه بعريضة ثورية، وكان حسين أحد الموقِّعين عليها.

الوقوف أمام الكاميرا لعبة أجادها، لذا، ومع ظهور برامج المقالب في التسعينات ورواجها، لم يكن هناك من هو أنسب منه لتقديمها في بلاتوهات التليفزيون. ربما ساعده في ذلك علاقته الطيبة بكل من حوله في الوسط الفني، وربما لقوة أدائه التمثيلي، الذي لم تحمل أيًّا من ضيوفه على الشك فيه، وربما فقط لأنه أراد أن يتسلى ويجرب.

الاحتمال الأخير يفسر حماسه لمسلسلات «كوميديا الموقف» (Sitcom) مع انتشارها في مصر، ومشاركته في أكثر من عمل؛ مثل «جوز ماما» و«6 ميدان التحرير».

وبصرف النظر عن نجاح تلك الأعمال من عدمه، فالتنوع الفني الذي قدمه على مدار حياته، والتناسب في نجاح ما قدمه، يكشف طبيعته المرحة التي لم تأخذ الحياة على محمل الجد، أو مثلما قال على لسان شخصية «زيكو» في فيلم «آيس كريم في جليم»: «أنا جاي هنا أنبسط يا ولاد الكلب».

اقرأ أيضًا: «الهوغاه»: سر السعادة والدفء عند الدنماركيين

أولها أنياب وآخرها زي عود الكبريت : فن كسر النمط

علي الحجار وأحمد عدوية يغنيان «كل شيء يشبه لبعض» في فيلم «أنياب»

«مين يراهن ع الفرس؟ مين يراهن ع الفُرص؟»

قالها المخرج حسن الإمام خلال أدائه دور الراوي في فيلم «أنياب»، والمثير للدهشة أن تلك الجملة تحديدًا هي الأكثر تعبيرًا عن طبيعة أبنائه وحبهم للتجريب.

ورغم علم حسين ومودي الإمام أن «أنياب» فرس خاسر في سباق فني يعتمد على السهل والمضحك والمربح والمتاح، تحمسا لمشاركة المخرج محمد شبل بوضع موسيقى الفيلم وتلحين أغنياته، بالإضافة لإقناعهما والدهما بالمشاركة بدور الرواي، في عمل يصنفه صُنَّاع السينما كأكثر الأفلام المصرية تجريبًا. كان الأمر أشبه بصغيرين يحملان أباهما على مرافقتهما لتجربة بيت الرعب في مدينة الملاهي.  

مثلما راهن على الفرس الخاسر في بداية حياته، راهن مجددًا في نهايتها على فرس آخر.

وبعيدًا عن فنيَّات الفيلم الدرامية، فالمؤكد أنه شهد طفرات نوعية على المستوى الموسيقي مقارنة بزمن عرضه، كان للأخوين الإمام الريادة فيها.

دمج حسين ومودي ألحانًا موسيقية غير مألوفة في «كل شيء يشبه لبعض»؛ شرقي مع «روك»، «بلوز» مع الموال الشعبي، كما جمعت أغنيات الفيلم بين ثلاثي متباين فنيًّا بشكل يستحيل دمجه؛ مطرب شعبي مثل أحمد عدوية، ومطرب أوبرالي مثل علي الحجار، وأخيرًا طلعت زين، الذي يعتمد على الموسيقى الغربية في أغنياته.

والأهم من هذا وذاك، نجح الشابان في إقناع مطرب في شهرة عدوية أن يتخلى قليلًا عن ذائقته الشعبية، التي كانت سببًا في نجاحه الصاخب، ويختبر نفسه في مناطق جديدة؛ فغنى «الروك» تارة في «يفرق كتير»، و«البلوز» تارة أخرى في نهاية أغنية «كل شيء يشبه لبعض»، وتحمس الشاعر عصام عبد الله، المعروف بتجديده في شكل الأغنية المصرية، وكتب أغنيات الفيلم مستخدمًا كلمات تليق بمغامرة مثل تلك:

«كل شيء يشبه لبعض/ حد داري بهَمّ حد/ الحياة بالحال دا موت/ كل شيء شكل التابوت/ حتى إنتي.. يا حبيبتي/ ضايعة في خداع الخطوط».

مفردات مستوحاة من حكاية تدور بالأساس في قلعة الكونت دراكيولا، لحَّنها الأخوان الإمام وغناها عدوية. بدا أن الجميع قد تحمس للدخول في التجربة، دون الاهتمام بالشرير أو النجاة منه.

ومثلما راهن حسين على الفرس الخاسر في بداية حياته، راهن مرة أخرى في نهايتها على فرس آخر، لتصبح تجربته الإخراجية الوحيدة «زي عود الكبريت»، الذي خرج للجمهور عام 2015، واحدة من أكثر الأفلام السردية غير المألوفة، اعتمد فيها تقنية التركيب، ليقدم عرضًا عبثيًّا مبنيًّا على جمع مشاهد متعددة من التراث السينمائي وترتيبها، بشكل يصنع له حكايته الخاصة الممتلئة بالهزل والسخرية.

حسين الإمام يغني عن السمك الفيليه مع عمرو أديب وغادة عادل في حلقة من «القاهرة اليوم»

ومثلما كان مفاجئًا وغير نمطي في كل ظهور له، خرج فيلم «زي عود الكبريت» للجمهور للمرة الأولى بعد وفاة حسين الإمام بعام كامل.

ولا يجد أحد غرابة في كل ذلك، لأنه حسين، ولأنه غير متوقع، ولأنه مثلما أنهى فقرة طبخه في برنامج عمرو أديب ذات مرة بأغنية مرتجلة عن السمك الفيليه، ينهي حياته كلها بلقاء حواري عابر في برنامج «صاحبة السعادة»، ويختمه، كعادته، بأغنية جديدة،  وبجملة مستوحاة من أغنية تقول كلماتها: «لو كل الناس قالت الحقيقة/ تولع في الدنيا حريقة».

يختم حسين الإمام حواره مع إسعاد يونس بتأكيد أنه «طبعًا ماحدش في الدنيا يقدر يقول الحقيقة». يقولها ويضحك، ثم يموت بعدها بأيام قليلة في هدوء تام داخل منزله الريفي في أوروبا، فتعلق ضحكته في الأذهان كآخر ما تبقى منه.

 

مواضيع مشابهة