حسنٌ، لن أبكي هذه المرة، لقد أصبحت كبيرًا ناضجًا ذا لحية. كيف لي أن أبكي أمام فيلم رسوم متحركة طفولي مثل هذا؟ عاهدت نفسي أن لا أفعل، سأكتفي بابتسامة ساخرة وهزة رأس الرجل الذي رأى كل شيء مسبقًا، لا يجب أن تنزلق الدموع على وجهي أمام كل هؤلاء الأوغاد، سينعتونني بالأحمق الحساس إن فعلت.
لكن.. انظر كيف تستجيب «كوكو» العجوز لأغنية حفيدها «ميغيل»؟ انظر كيف ترتسم الابتسامة على وجهها المتغضن، وترتعش أصابعها؟
أنت خمّنت هذا مسبقًا أيها الأحمق، قلته قبل 10 دقائق متبجحًا بأنك تستطيع تخمين كل ما سيحدث في الفيلم بسهولة. كيف تتأثر بما خمّنت حدوثه مسبقًا؟
لا. لن أبكي أما هؤلاء الـ... لكن هؤلاء الأوغاد يبكون أيضًا، لست الوحيد إذًا الذي نالت منه حدوتة بيكسار في هذه الغرفة، ما زالت التركيبة البيكسارية للحدوتة تعمل بكفاءة.
نفس البطل.. نفس الحكاية
تحذير: يحتوي الموضوع على حرق نقاط رئيسية في بعض أفلام بيكسار.
يدرك «وودي» خطأ مسعاه للتخلص من «باظ لايت-يير»، ويتخلى عن طموحه في أن يعود إلى مكانته القديمة كلعبة «آندي» المفضلة، ويضحي بنفسه لإنقاذ باظ من التدمير على يد الطفل المجنون «سِيد». «سوليفان»، الذي نعرفه باسم «شلبي سلوفان»، يجازف بمسيرته العملية كـ«مخَوِّفاتي» محترف في سبيل إنقاذ الطفلة البشرية الجميلة «بوو»، رغم أنه المخوفاتي الأفضل في شركة المرعبين المحدودة.
كذا فعل الجد العجوز «كارل» عندما أحب الطفل «راسل»، وعرّض نفسه للخطر بهدف إنقاذه، وعندما عاد معه إلى المدينة صار الجد الطيب الضحوك الذي يحبه الجميع، وليس العجوز المتجهم الذي كانه. و«جوي/فرح» تتحول من السخط على «سادنيس/حزن» إلى تقبلها وإدراك أهميتها، بل وحبها.
و«ميردا»، الأميرة المتمردة على التقاليد الملكية البالية، التي تسعى إلى التخلص من سيطرة أمها، فتقع أمها في مأزق بسببها، لا يخرج منه كلاهما إلا بتقبل كلٍّ منهما الآخر، مثل «نيمو» السمكة المتمردة، الذي يهرب من أبيه ليستمتع بالحرية في المحيط الواسع، لكنه سرعان ما يندم ويدرك تهوره ويسعى إلى العودة. كذلك «ميغيل» الذي سافر عبر عالم الأموات بحثًا عن جد بعيد متوفٍّ يعيده إلى الحياة ويبارك حبه للموسيقى، وعندما يجد ذلك أخيرًا، ويصير بوسعه العودة وتحقيق رغبته، يضحي بكل ذلك من أجل الحفاظ على ذكرى من أوشك النسيان على ابتلاعه.
عند تجريد الحكاية من التفاصيل الملونة والوحوش الطيبة والألعاب المتكلمة والأشباح الراقصين، تجد أنها نفس الحكاية تقريبًا في أغلب أفلام استوديو الرسوم المتحركة الأشهر في العالم «بيكسار»: البطل شخص محبوب، يطلع إلى ما هو جميل وبعيد، لكن هناك قيودًا خارجية تمنعه عن ما يريد، تلك القوى قد تكون أحباءه الخائفين عليه (مثل نيمو وميغيل وميردا)، أو ماضيًا ثقيلًا على القلب (مثل كارل العجوز المتجهم)، أو نجاحًا في الحياة ومكانة مرموقة وصل إليها ولا يرغب في التضحية بها (مثل سوليفان ووودي وجوي).
يخرج في مسعًى طويلٍ لتحقيق حلمه، بتصميم وعزم وعناد، يقابل صعوبات وعوائق وأصدقاء وأعداء، تطول الرحلة، يبلغ نقطة ما عندها يكون بوسعه تحقيق الهدف الرئيسي من مسعاه، لكن كل ما مر به حتى الآن جعله يكتشف أن الهدف الذي سعى لأجله (ما يرغب فيه) ليس بالضرورة ما يحتاج إليه، الهدف الأكثر أهمية يكون، دائمًا وأبدًا، العلاقات التي تكونت وتطورت، دون وعي أو قصد، بشكل غير مباشر، بين البطل ومن رافقه أو انفصل عنه في الرحلة الطويلة: حُب نيمو لأبيه، وصداقة وودي وباظ، وتقبل ميغيل لأسرته.
يقرر واعيًا، وبإرادته الحرة، التضحية بما وصل إليه من مكاسب زائفة في مقابل الحفاظ على أولئك الذين صاروا الأهم في تلك اللحظة من أي هدف آخر، وحمايتهم من أي خطر. هنا عادةً يتحول الفيلم من ممتع كوميدي لطيف إلى ملحمة عاطفية، ونكتشف نحن المشاهدين أننا صرنا أسرى مكبلين أمام الشاشة، لا نكترث بشيء في هذا العام إلا محاولة وودي إنقاذ باظ، واللحاق بسيارة آندي التي تبتعد.
المعادلة شبه ثابتة، وأي متابع مخلص لأفلام بيكسار، أو حتى أي شخص على علم محدود بفنون الحكي (Storytelling)، يمكنه بسهولة تخمين النقاط الرئيسية في الفيلم، والحبكة الخلفية إن كانت هناك واحدة، والنهاية السعيدة الحتمية آتية لا مناص.
إذا كانت المعادلة ثابتة ويسهل تخمينها طوال الوقت، كيف تنجح كل مرة؟ لماذا يصيبنا ذات التأثر في كل مرة نشاهد فيلمًا جديدًا لهم، رغم أننا كبرنا وخبرنا قواعد اللعبة حتى مللناها؟
لنحاول إيجاد إجابة لهذا السؤال.
رحلة البطل
دعونا نعد إلى الخلف لوهلة، قبل بيكسار وحواديتها، بالتحديد إلى عام 1949، الذي صدر فيه لأول مرة كتاب «البطل بألف وجه» لمؤلفه «جوزيف كامبل»، بروفيسور أمريكي في الميثولوجيا (علم دراسة الأساطير).
في كتابه، يبحر كامبل في عالم الأساطير والحكايات القديمة العابرة للثقافات والحدود الجغرافية، وحتى الحكايات الدينية، يحللها ويبحث فيها، يجردها من التفاصيل الجمالية التي تميزها عن بعضها ليعود ويقدم إلى العالم العمود الفقري الذي تقوم عليه كل الحكايات تقريبًا، نموذج «رحلة البطل».
رحلة البطل نمط في الحكي اتبعه أغلب الحكائين عبر التاريخ، دون وعي منهم، ومن دون أي اتفاق مسبق من أي نوع، ما يعني أن تلك الطريقة في سرد الحكايات ليست ابتكار شخص متفرد، وإنما جزء من الطبيعة البشرية المتأصلة، هي القالب الذي يفضل الفرد منا أن يسمع فيه الحكاية وقد شُكِّلت على أساسه ليكون لها التأثير الأفضل عليه.
يُدرَس نموذج «رحلة البطل» في كل مجالات الكتابة الإبداعية، وهو أشبه بالكتاب المقدس في كل ما يمت إلى حكي الحكايات بصلة.
خلال الرحلة يخرج بطل الحكاية، أي حكاية، من عالمه العادي إلى عالم خاص غير مألوف، مدفوعًا بهدف سامٍ يدفعه إلى مواجهة قوى كبرى تعارض مسيرته، وينشأ بينهما صراع كبير ينتهي بانتصار البطل وعودته إلى عالمه العادي غانمًا منتصرًا، ومحملًا أيضًا بتغيير جذري في شخصيته نتج من مواجهة ذاته، ضمن ما واجه من صعوبات ومخاطر.
«جورج لوكاس»، مؤلف ومخرج سلسلة أفلام «حرب النجوم» ومؤلف سلسلة «إنديانا جونز»، كان متابعًا نهمًا ومعجبًا مخلصًا بكتابات جوزيف كامبل.
اعتبر لوكاس كتاب «البطل بألف وجه» كتيبًا إرشاديًّا يقوده في أثناء كتابته لسلسلة حرب النجوم (ولاحقًا إنديانا جونز، ومجمل أعماله تقريبًا)، والنتيجة؟ النجاح المذهل التاريخي لأفلام لوكاس، التي استطاعت رغم بساطتها، وربما أيضًا سذاجتها، أن تجتاح العالم، وتصير من أكثر الأفلام شعبية، ومن أهم كلاسيكيات السينما، وما زالت هوليوود تقتات من إنتاج أجزاء جديدة لها حتى الآن.
لوكاس ليس الوحيد، فنموذج رحلة البطل صار نمطًا يُدرَس في كل مجالات الكتابة الإبداعية، صار أشبه بالكتاب المقدس في كل ما يمُت إلى حكي الحكايات بصلة، على كل من يكتب أو يفكر في الكتابة أن يدرس رحلة البطل، سواء كنت تنوي أن تتبع النموذج حرفيًّا، أو تنوي أخذ كلمة وترك أخرى، أو حتى تكفر به كلية، عليك أن تدرسه أولًا، ثم تقرر لاحقًا إن كنت ستصير من أتباعه أو لا.
حتى وإن لم تفعل، حتى وإن لم تسمع برحلة البطل من قبل، فغالبًا بشكل غير واعٍ سيكون في ما ستكتبه أثر من رحلة البطل بشكل أو بآخر، فهي كما ذكرنا نابعة من المفهوم الإنساني الأصيل للحكي والحكايات، وليست من إبداع كامبل، بل من اكتشافه.
قد يهمك أيضًا: أبطالنا المضطربون: شخصيات كارتونية مريضة نفسيًّا
بيكسار: خطوات الرحلة
رحلة البطل عند كامبل تمر بـ17 خطوة، منذ بدء الحكاية وحتى نهايتها. مر كثير من الباحثين على رحلة كامبل، أعادوا تحليل نموذجه وتبسيطه أو تعقيده، وقُدمت نماذج عدة للرحلة، أشهرها وأكثرها بساطةً النموذج الذي قدمه السيناريست الأمريكي «كريستوفر فوغلر» في كتابه «رحلة الكاتب: البنية الأسطورية للكُتاب»، وفيه نموذج مبسط لرحلة البطل في 12 خطوة، سنقدمها هنا باختصار.
وبما أن الموضوع عن بيكسار وحواديتهم، دعنا نستعِن بـ«قصة لعبة»، أول حدوتة بيكسارية لفتت أنظار العالم، ونشرح من خلالها خطوات رحلة البطل:
1. عالم عادي Ordinary World
بداية كل حكاية، وفيها نرى البطل في عالمه العادي، نرى تفاصيل حياته اليومية، نتعرف إلى طبيعة شخصيته، ما يميزه وما يعيبه. نرى هاري بوتر ينام في خزانة تحت السلم في بيت خالته، وجيمس بوند بين أحضان إحدى فتياته.
في «Toy Story»، نتعرف إلى العالم العادي/السري للألعاب في غرفة الطفل آندي، ونتعرف إلى وودي، لعبة راعي البقر، لعبة آندي المفضلة، وبالتالي هو القائد لمجتمع الألعاب في الغرفة المغلقة عندما لا يكون آندي هنا. وودي، كما هو واضح، معتز جدًّا بمكانته المميزة.
2. نداء إلى المغامرة Call to Adventure
حدث يهدد استقرار حياة البطل، قد يكون تهديدًا لسلامته أو سلامة من يحب، قد يكون أمرًا يغيِّر روتين حياته، قد يكون أمرًا إيجابيًّا مثل الحصول على فرصة للمنافسة على لقب بطل العالم في الملاكمة، أو استلام خطاب من مدرسة السحر، أو سلبيًّا مثل اقتراب خطر ينوي تدمير العالم.
في «قصة لعبة»، تمثّل النداء إلى المغامرة في مجيء لعبة جديدة يتلقاها آندي هدية في عيد ميلاده، رائد الفضاء البلاستيكي باظ لايت-يير، لعبة جميلة لامعة، تهدد مكانة وودي التي نالها بصعوبة على مر السنين.
هل يصير باظ لعبة آندي المفضلة؟
3. رفض النداء Refusal of the Call
لا يخرج البطل إلى المغامرة من المرة الأولى، يتردد أحيانًا، يرفض التورط في المغامرة، تمنعه قوى خارجية، كزوج خالة أحمق يحرق خطاب المدرسة، أو أب مفرط في القلق يمنعه من الخروج.
في «قصة لعبة»، يمر وودي بحالة من الإنكار، يعامل باظ بترفع، يرفض تصديق أن هناك من يستطيع أخذ مكانته كلعبة آندي المفضلة، يحاول أن يستمر في الحياة العادية للألعاب، ويتجاهل وجود رائد الفضاء اللعبة الذي لا يصدق أنه كذلك.
4. مقابلة المرشد Meeting the Mentor
في أفلام بيكسار، لا يوجد من يؤدي دور المرشد الذي يختصر مراحل تطور البطل، بل يتعلم البطل بالمحاولات المستمرة، التجربة والفشل، وإعادة التجربة والفشل مرة أخرى.
«جاندالف»، «دمبلدور»، «أوبي ون كنوبي»، «بروفيسور إكس»، «مورفيوس»، المُعلم رشدان، غسان مطر، وحتى المعلم سردينة. المرشد القديم الذي لعب هذه اللعبة مرارًا، الطيب العجوز الذي يرى نوايا البطل الطيبة، ويستشعر قدراته الكامنة التي لا يعرفها البطل نفسه، يقدم له النصح والإرشاد، ويشرح له خبايا العالم الجديد الذي لا يدرك عنه البطل الغر الساذج شيئًا.
وجود مرشد في الحكاية يُسهِّل على الكاتب مهمته في إنشاء الحدوتة، فبينما يقدم المرشد النصح للبطل، يقدم إلى القارئ/المُشاهد كل المعلومات التي يحتاج إلى معرفتها عن العالم بسهولة ويسر، عبر شروحات مباشرة توفر عليه عناء تضمين التفاصيل بين السطور، وتختصر مراحل تطور البطل من نقطة إلى أخرى.
بينما في أغلب أفلام بيكسار لا يوجد من يؤدي هذا الدور. يتعلم البطل كل ما يحتاج إليه بالمحاولات المستمرة، التجربة والفشل، وإعادة التجربة والفشل مرة أخرى، وعبر تلك المحاولات نتعلم نحن معه كل ما نحب أن نتعلمه، ويكون التأثير المعنوي لكل هذا أعمق بكثير من تأثير تلقين المرشد المباشر.
5. أول خطوة Crossing the Threshold
يأخذ البطل أول خطوة في طريقه الجديد، تاركًا عالمه المريح اليومي المألوف إلى آخر جديد غامض. قد تكون هذه الخطوة باختيار البطل وإرادته الحرة، أو مدفوعًا إليها مرغمًا من قوى خارجية. البطل في الحالتين خرج إلى الرحلة، ولا مجال للعودة.
وودي تخطى ذلك المسار بدفعِهِ باظ، بالصدفة المتعمدة، ليقع في الحديقة خارج نافذة الغرفة. يحاول أن يشرح لباقي الألعاب أنه لم يقصد ذلك، لكن أحدًا لا يصدقه، ويتهمونه بمحاولة التخلص من باظ.
6. امتحانات، حلفاء، أعداء Tests, Allies, Enemies
يمر البطل بسلسلة من الاختبارات، عقبات تقف في طريقه، محاولات مستمرة لإعاقة بلوغه مسعاه، ينجح بعضها ويفشل الآخر، يقابل الكثير من الشخصيات عبر رحلته، عليه أن يدرك من منهم سيكون حليفًا وصديقًا، ومن سيصبحون أعداءه.
عودةً إلى وودي وباظ: بينما كان باظ مفقودًا، يضطر وودي إلى الخروج مع آندي في رحلة إلى المطعم، يقابل باظ، ويدخل معه في قتال ينتهي بوقوع كليهما خارج السيارة، ويمران بسلسلة من المواقف تنتهي بهما إلى بيت الطفل الشرير سِيد، حيث يقابلان في غرفة مجموعة من الألعاب المحطمة والمشوهة، الذين، رغم مظهرهم المرعب، سيكونون حلفاءً لهما، ويساعدونهما في الهرب.
7. الوصول إلى الكهف الأعمق Approach to the Inmost Cave
هذا هو المكان الذي يواجه فيه البطل أسوأ مخاوفه.
قد يكون مكانًا ماديًّا حقيقيًّا، مثل كهف التنين سموغ، أو جزيرة الإصبع الذهبي، أو قد تكون المواجهة القادمة في مكان عادي. والمقصود بالكهف المظلم هنا ما بداخل البطل من مخاوف ومشكلات، قد يكون تأثيرها عليه أسوأ من تأثير القوى الخارجية الشريرة.
قبل أن يبلغ البطل الكهف يكون عليه أن يستعد نفسيًّا وجسديًّا لمواجهة ما هو قادم، عليه أن يتصالح مع الأشياء التي لم يستطع تغييرها، ويدرك ما في نفسه من عيوب أدت إلى نتائج سلبية في مراحل سابقة من الحكاية.
غرفة الطفل المهووس سِيد هي الكهف الأعمق المظلم في «قصة لعبة»، تبدو أشبه بزنزانة في فيلم رعب، الألعاب المشوهة تقدم لوودي وباظ فكرة عن الرعب القادم والخطر الذي يهدد كليهما.
8. المحنة Ordeal
المواجهة الكبرى، الخطر الأكبر الذي يهدد البطل وعالمه، وعليه أن يواجهه ويقضي عليه، أو على الأقل يحيِّده، هنا والآن، لا مجال للتراجع، لا مجال للجبن أو التردد.
على البطل هنا أن يهزم نفسه قبل أن يهزم الخطر، عليه أن يتغلب على الخوف/الغضب/التردد/الأنانية، أو أيًّا كانت مشكلته الشخصية التي تمثل نقطة الضعف الرئيسية في شخصيته، ويكون على استعداد تام للتضحية بكل رغباته في مقابل هدف أعلى وأسمى.
التغلب على الذات شرط رئيسي للانتصار على الخطر، «أوديسيوس» يربط نفسه في صاري مركب كي لا يقع في فخ الرغبة في الحوريات المفترسات، و«ليون» المحترف يفضِّل التضحية بنفسه ليمنح الطفلة «ماتيلدا» فرصة جديدة لحياة أفضل.
في «قصة لعبة»، وودي وباظ في خطر التدمير على يد سِيد، إن لم يهربا ستنتهي قصة اللعبة إلى الأبد. أما وودي فيدرك، للمرة الأولى، أن بقية الألعاب ربما كانت على حق، أنه فعلًا كان يشعر بالغيرة من باظ ويحسده، كان أنانيًّا طوال الوقت. وفي الوقت ذاته يمر باظ بأزمة وجودية بمجرد أن يدرك أنه ليس رائد فضاء عظيمًا يحمي المجرة، وإنما مجرد لعبة بلاستيكية.
على وودي أن يقرر إذا كان سيهرب وحيدًا ويترك باظ مُعرّضًا للتخريب على يد سِيد، أو يتدخل معرضًا نفسه للخطر في محاولة لإنقاذ من يتحول من منافسه إلى صديقه.
9. الجائزة The Reward
بعد المواجهة الكبرى، والانتصار على الشرير، هناك جائزة، هناك دائمًا واحدة، قد تكون الجائزة كنزًا من الذهب والمجوهرات، أو حجر الفيلسوف، أو الأميرة الجميلة، أو حتى جائزة معنوية من قبيل «الكنز في الرحلة». عمومًا، تفادي الخطر والانتصار عليه في حد ذاته جائزة بشكل أو بآخر.
في «قصة لعبة»، الجائزة هي الصداقة التي تنشأ بين وودي وباظ، وهي عمومًا الجائزة الأهم في كل عوالم بيكسار، دائمًا الجائزة تكون في علاقة حميمية جدًّا، أو في توثيق أخرى قديمة.
10. طريق العودة The Road Back
يحسب البطل أن الخطر قد زال، لكن طريق العودة ليس سهلًا.
في بعض الأحيان تتجاوز الحكايات هذه الخطوة، هاري بوتر يدخل في إغماءة ليفيق منها ممددًا في المستشفى بجوار دمبلدور، آخرون يجعلون من رحلة العودة (الأوديسة) مغامرة بنفس ملحمية المغامرة الأصلية ذاتها (الإلياذة).
بعد هروب وودوي وباظ من سِيد، يطاردهما كلبه الشرس، والسيارة تبتعد بآندي وبقية الألعاب، وعلى كليهما اللحاق بالسيارة وإلا سيبتعد آندي إلى الأبد، ولن يستطيعا إليه سبيلًا.
11. البعث Resurrection
تتبع حواديت بيكسار خطوات رحلة البطل بذكاء واحترافية شديدة، وهذا من أسباب تَميُّزها.
المواجهة الأخيرة للبطل مع الموت، فرصة أخيرة يُظهر فيها إن كان هناك ما تعلمه فعلًا من هذا المغامرة، أو ما زال كما هو نفس الشخص القديم دون تغيير.
وودي يصل إلى سيارة آندي وحيدًا من دون باظ، لكنه يرفض أن يترك باظ خلفه، ويعود مضحيًا بنفسه، وبكل شيء في سبيل إنقاذ صديقه الجديد.
12. العودة مع الإكسير Return with the Elixir
المرحلة الأخيرة بعد انتهاء كل شيء ووصول البطل غانمًا منتصرًا إلى عالمه العادي القديم مرة أخرى، ومعه غنيمته الكبرى التي نالها من المعركة. الغابة تحتفل بعودة «سيمبا» وانتصاره، وسوبر مان يحتضن «لويس لين» ويطير بها عاليًا، بينما أدهم صبري في الطائرة بجوار منى توفيق لا يجرؤ على أن يعترف لها بحبه.
تنتهي قصة اللعبة الأولى بعودة وودي وباظ إلى صندوق ألعاب آندي، وقد صار كلاهما لعبته المفضلة، والغنيمة الكبرى من هذه الرحلة هي صداقة لن تنتهي بين غريمَيْن سابقَيْن.
قد يهمك أيضًا: هل حقًّا ابتلعت «ديزني» شبكة «فوكس»؟
رحلة البطل معادَلة اختُبرت على مدار آلاف السنين، وأثبتت نجاحها وضمان تأثيرها على المتلقي. وكما هو واضح، تتبع حواديت بيكسار خطوات رحلة البطل بذكاء واحترافية شديدة، وهذا بالتأكيد من أسباب تَميُّزها، لكنه ليس السبب الأهم، فالجميع يستخدمون رحلة البطل في حواديتهم.
ماذا يميز أفلام بيكسار عن أفلام مسلية ولكن عادية مثل سلسلة «Despicable Me»، أو بقية أفلام ديزني «Moana» و«Zootopia» و«Wreck-It Ralph»، وبقية أفلام الكارتون في العموم؟
دعنا نبحث أكثر.
في مديح «حزن»
من أشهر النصائح وأهمها، والتي تُقدّم إلى الكُتّاب، المبتدئين منهم على الأخص: «اكتب ما تعرفه».
الهدف من هذه النصيحة أنه عندما تكتب عما تعرف، ستكتب بخبرة، بعاطفة، وهذا يرفع من فرصة أن يتفاعل المتلقي مع حكايتك، وتصل مباشرة إلى قلبه. يتلقى كثيرون هذه النصيحة بحماس، فيكتبون عن تجاربهم الشخصية، بينما يرفضها آخرون، وحجتهم منطقية: أفضل الحواديت وأكثرها تأثيرًا تكون خيالية تمامًا، عن السحر والتنانين والفضاء والبحار والأبطال الخارقين، وملايين الأفكار والتفاصيل التي لا يمكن أن يكون قد خبرها أو عرف عنها إنسان.
ضع هذه الفكرة على رفٍّ جانبي في عقلك، ودعنا نتحدث عن «بيت دوكتر». لكن، ليكن الرف قريبًا، فسوف نعود إليه بعد دقيقة.
في رأيي، دوكتر هو صاحب أجمل «سيرة وظيفية» يمكن لكاتب أن يحققها، فهو كاتب سيناريو أفلام «Toy Story» و«Monsters, Inc.» و«Wall-E» و«Up»، و«Inside Out»، وبدأ العمل مع بيكسار في اليوم التالي لتخرجه في الجامعة (كان الموظف العاشر في تاريخ الشركة).
أيُّ مشوار وظيفي يمكن أن يكون أجمل من هذا؟ هناك أفضل بالتأكيد، لكن بالنسبة إليّ هذا هو الأجمل على الإطلاق.
لدى دوكتر ابنة كانت طفلة مرحة صاخبة لا تتوقف عن اللعب والضحك ونشر الفرحة، إلى أن بلغت الحادية عشرة من عمرها. فجأة صارت كئيبة، حزينة، صامتة، لا تبتسم. لم يستطع دوكتر أن يفهم ماذا حدث لابنته، كان يجلس بجوارها إلى مائدة الإفطار ويتساءل: «ماذا حدث للفرحة؟». تمنى لو كان يستطيع أن يرى ماذا يحدث داخل رأسها الصغير. وهنا، قرر دوكتر أن يصنع فيلمًا عن هذا.
في النسخة الأولى من حكاية فيلم «Inside Out»، كانت «فرح» في رحلة مع «خوف»، واقترح الكاتب هذا لأنه قضى أغلب فترة مراهقته في خوف.
رحلة كتابة الفيلم لم تكن سهلة أيضًا، لم يقرر أن يصنع فيلمًا عن ما يدور في دماغ ابنته، فأضيئت لمبة فوق رأسه وكتب السيناريو في ثلاثة أيام، كما هي فكرتنا الشاعرية عن الكتابة.
فكرة الفيلم تُصوِّر المشاعر الرئيسية (الفرحة، الحزن، الخوف، الغضب، الاشمئزاز) أشخاصًا يعملون في مركز قيادة داخل مخ الإنسان، وهم المسؤولون عن سلوك وتصرف الفرد في شتى المواقف المختلفة، ويدور الفيلم داخل عقل الطفلة «رايلي»، التي هي تقريبًا في عمر «إيلي» ابنة كاتب الفيلم ومخرجه.
سؤال «ماذا حدث للفرحة؟» كان كافيًا لإدراك «الرغبة» الرئيسية لـ«فرح/جوي» بطلة الفيلم، فهي ترغب في أن تصير رايلي سعيدة، هذه الرغبة ستصير الدافع والمحرك الرئيس للشخصية، لكن «ما تحتاجه» فرح لتحقيق رغبتها لم يكن واضحًا.
فكّر طاقم الفيلم في وضع فرح في رحلة مع شخصية أخرى لاستكشاف هذا الاحتياج المفقود. في النسخة الأولى من الحكاية، كانت فرح في رحلة مع «خوف»، اقترح دوكتر هذا لأنه قضى أغلب فترة مراهقته في خوف، لذا فكر في أنه بوضع الفرحة والخوف في رحلة، سيصل إلى الإجابة التي يحتاجها الفيلم.
فشلت الرحلة، وجاءت النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة إلى دوكتر وفريقه. لم تكن الشراكة بين فرح وخوف هي الفكرة الأفضل. خرج دوكتر في تمشية وحيدًا، يفكر في حكايته، يبحث عن إجابة، يسأل نفسه كل الأسئلة من البداية.
«بدأت في أن أسأل نفسي: ماذا لو خسرت كل شيء؟ ماذا سيبقى لي؟ وكانت الإجابة كما يُفترض أن تكون عندنا جميعًا: العلاقات، الناس الذين يمثلون لنا الكثير، الناس الذين بكينا معهم، كنا غاضبين منهم، جربنا الخوف بجوارهم. هذه الجوانب من المشاعر هي ما يبقينا معًا».
«إذًا، ربما الفرحة ليست الإجابة، رغم أنها أكثر ما نرغب فيه في حياتنا، فالإجابة الحقيقية هي الحزن».
هنا حدث تفكيك الفريق الأول بين فرح وخوف، وإعادة حكي الحدوتة من البداية، وتسليط الضوء على شخصية «حزن»، وبناء منحنى تطور شخصية (Character Arc) مناسب لها، وانطلقت «فرح» و«حزن» في رحلة ملحمية، رحلة منبعها أب متسائل عما حدث لابنته، وهدفها الذي ظهر بعد عناء هو «استكشاف أهمية الحزن».
نجاح «Inside Out» كان خارقًا. نال أوسكار أحسن فيلم رسوم متحركة، وترشح لأوسكار أحسن سيناريو، إضافةً إلى احتفاء مشترك نقدي وجماهيري قلما يحدث لفيلم من أي نوع.
فكرة الفيلم، والسؤال الرئيس الذي كان يحركه، نبع من حياة دوكتر الشخصية، نبع من «ما يعرفه». نعم، أتحدث عن تلك الفكرة التي وضعناها على الرف قبل قليل، اذهب وأحضرها.
كل تلك التفاصيل الخيالية الجميلة عن الحياة المفترضة للمشاعر داخل الدماغ جاءت من علاقته بابنته، بمراهقته التي غلبها الخوف، بإدراكه أهمية الحزن في علاقاته الشخصية وعلاقاتنا جميعًا.
نجاح «Inside Out» كان خارقًا. ومِثل غالبية أفلام بيكسار، نال أوسكار أحسن فيلم رسوم متحركة، وترشح لأوسكار أحسن سيناريو، إضافةً إلى احتفاء مشترك نقدي وجماهيري قلّما يحدث لفيلم من أي نوع.
لم تكن تلك المرة الأولى لدوكتر التي تلهمه فيها حياته الشخصية لصنع فيلم ناجح.
قبل ما يزيد عن عقد من الزمان، كان دوكتر مسؤولًا عن كتابة وإخراج أول فيلم في حياته. فبعد إثبات نجاحه في كتابة «قصة لعبة»، كلّفوه بالإخراج والكتابة هذه المرة. فكرة الفيلم كانت عن عالم من الوحوش يحتاج إلى مصدر طاقة، وتلك الطاقة كانت تأتي بشكل ما من مشاعر الخوف عند أطفال البشر. الفكرة لا بأس بها، لكن لا أحد يعرف ماذا سنفعل بها، نحتاج إلى قصة طويلة محكمة.
في الوقت ذاته، كان لدى دوكتر في البيت طفلان صغيران، وهو شاب غِرٌّ في عشرينيات عمره، وصار فجأة يحمل مسؤولية عملية تمثل بداية مشوار وظيفي عظيم، ومسؤولية عائلية تتمثل في أنه صار أبًا.
هكذا، صار «شركة المرعبين المحدودة» فيلمًا عن «شلبي سلوفان» ذي المشوار الوظيفي اللامع الذي تقتحم الطفلة الجميلة «بوو» حياته وتقلب كل شيء رأسًا على عقب، ومن أجلها يصير مستعدًا لأن يضحي بتاريخ مهني عظيم، فقط لحمايتها.
هكذا، تجد دومًا حكاية شبيهة في الخلفية وراء كل حكاية بيكسارية، الأسرة مفرطة الحماية، والأبناء المتمردون (البحث عن نيمو، بريف، كوكو)، بين الأنانية والغرور والصداقة (قصة لعبة)، أب يمر بأزمة منتصف العمر، أم تحارب لتحافظ على تماسك الأسرة (الخارقون)، عجوز يعيش أسير أحزان قديمة يضطر إلى مواجهة العالم (فوق)، شخص من أصل متواضع يحارب للوصول إلى أحلام بعيدة (راتاتوي).
هناك دائمًا حكاية.. شخصية جدًّا.
بيكسار: الكذبة التي تصدقها الشخصية
أحب جدًّا متابعة قناة يوتيوب اسمها «Lessons from the Screenplay» (دروس من السيناريو)، فمايكل، الذي يُعِد مقاطع الفيديو ويقدمها، يقدم ملحوظات جميلة ودقيقة وممتعة للغاية.
قدّم فيديو جميلًا قبل بضعة أشهر يتحدث عن فيلمي «Logan» و«Children of Men». للوهلة الأولى تظن أن الفيلمين بعيدان تمامًا عن بعضهما، لكن بقليل من التفكير تجد التشابه بينهما أكبر مما تتخيل. لكن هذا ليس موضوعنا. إن رغبت بهذه المقارنة، فعليك بالفيديو. ما أحتاج إليه هنا مفهوم قدّمه مايكل في الفيديو: «الكذبة التي تصدقها الشخصية».
بحسب مايكل في الفيديو، وبحسب كتاب «Creating Character Arch» (إنشاء منحنى تطور شخصية)، فإن «الكذبة التي تصدقها الشخصية هي الأساس الذي تقوم عليه رحلتها. هذه الكذبة تمثل كل ما هو خطأ في عالمها».
ولينتهي منحنى تطور الشخصية الدرامي بنجاح، يجب أن يجد البطل في رحلته، الاضطرارية غالبًا، ما ينقصه كي يصل إلى الحقيقة في النهاية، والتي تكون غالبًا العكس تمامًا من الكذبة التي بدأ بها الرحلة.
كان خروج ميغيل في فيلم «كوكو» إلى المغامرة أمرًا مبررًا جدًّا، والكذبة التي صدقتها الشخصية أن الموسيقى هي الهدف الأسمى الذي تهون من أجله كل التفاصيل الأخرى.
كي يتفاعل الجمهور المتلقي مع هذه الكذبة، ويصيبه التأثير العاطفي المأمول من منحنى تطور الشخصية الدرامي الموازي لرحلة البطل، يجب أن يصدق نفس الكذبة مع البطل، ولهذا يجب أن تكون عناصر هذا الكذبة متأصلة في «العالم العادي» الذي تبدأ فيه الحكاية.
يجب أن يغذي العالم العادي تلك الكذبة، حتى لا يكون لدى الشخصية سبب يجعلها تنظر إلى الخلف، وتتساءل بشأن قناعاتها. وتكون الحادثة المحفزة لخروجه إلى المغامرة (Inciting incident) تحمل وعودًا بحل كل المشكلات الحالية بسرعة، ودون تعقيدات، لكنها تؤدي به إلى أكثر مشكلات حياته تعقيدًا.
حسنٌ، دعنا نحاول بحث تلك الإرشادات النظرية في نماذج من حكايات بيكسار.
في العالم العادي يكون البطل في حالة من اثنتين:
- الاستقرار التام في الحياة اليومية العادية، مثلما هو الحال مع «كارل فريدريكسون» في (Up)، الذي حصر نفسه في حياة يومية كئيبة صارمة يومية بعد وفاة زوجته، لا يسمح فيها لنفسه بأقل تواصل آدمي مع العالم الخارجي
- السخط التام على الوضع الحالي، والرغبة اللانهائية في تغييره، مثلما هو الحال مع «ميغيل» في (Coco)، الذي يعشق الموسيقى بجنون، ولا يرى نفسه إلا عازف موسيقى، بينما تُحرِّم أسرته مجرد التفكير في الموسيقى. لو نقرت بأصابعك على مائدة خشبية دون وعي، ستصرخ الجدة في وجهك أن تتوقف عن عزف الموسيقى
في حالة ميغيل، الخروج إلى المغامرة أمر مبرر جدًّا، والحادثة المحفزة كانت تحمل وعودًا عظيمة بتحقيق أحلامه بأن يصير موسيقيًّا عظيمًا إن فاز بمسابقة المواهب الموسيقية التي ستقام في العيد هذه الليلة. الكذبة التي تصدقها الشخصية هنا، ونصدقها نحن معها، أن الموسيقى هي الهدف الأسمى الذي تهون من أجله كل التفاصيل الأخرى. لذا، من المبرر أن يحاول ميغيل سرقة غيتار نجمه المفضل وبطل أحلامه «إيرنستو دي-لاكروز» مؤقتًا، فقط ليثبت للعالم موهبته.
أما كارل فريدركسون، فبعد أن نرى مونتاجًا رومانسيًّا دام ثلاث دقائق، تقدم فيه بيكسار قصة رومانسية تعجز الأفلام عن حكاية مثلها في ساعتين أو أكثر، نرى فيه علاقة كارل بزوجته منذ البداية وحتى وفاتها، نفهم لماذا هو وحيد متجهم حزين طوال الوقت، نتعاطف مع حزنه، نشعر بالانزعاج معه من الطفل السخيف الذي يطرق بابه ليبيع الحلوى، وهذه هي الكذبة التي يصدقها البطل، ونصدقها نحن معه، أنه يرغب في أن يكون وحيدًا، فلا خير يأتي من الآخرين.
لا يمكن أن نتقبل خروج كارل إلى مغامرة عظيمة مثل التي ستحدث بعد قليل دون مبرر كافٍ، والتبرير هنا كان بأعمال البناء التي تحيط بمنزله وتهدد بتدميره، ذلك المنزل الذي بناه قطعة قطعة برفقة زوجته الراحلة.
ليحافظ على منزله، واستقراره، وذكرياته، وعلى ما تبقى من حياة جميلة مضت، وليحافظ على وعوده لزوجته الراحلة، يخرج كارل في رحلته الخاصة متتبعًا مسيرة بطل طفولته «تشارلز مونتيز»، مصطحبًا منزله معه. نلاحظ هنا التشابه الشديد بين شخصيتي تشارلز مونتيز وإيرنستو دي-لاكروز.
تفاصيل العالم العادي في كلا المثالين، وفي أغلب أو كل أفلام بيكسار، تدعم وبشدة الكذبة التي تصدقها الشخصية، فنتلقاها كل مرة باعتبارها حقيقة، وبالتدريج ننغمس في مسعى البطل لحل مشكلاته وتحقيق رغبته، وبالتدريج نشعر معه بأن هناك شيئًا ما ناقصًا، شيء كبير، ونتعلم معًا الحقيقة، الحقيقة التي هي العكس من الكذبة التي جرينا لاهثين خلفها طوال الوقت: هناك ما هو أهم.
على الرغم من أن عناصر الحدوتة البيكسارية هي نفسها، وتخمين نقاط القصة الرئيسية صار سهلًا على أي متابع مخلص لبيكسار وللسينما، فإن معادلة بيكسار في الحكي ما زالت فعالة كما كانت دومًا. ومثلما كنتُ طفلًا يتقافز حوال نفسه ويلهث في رعب خائفًا على مصير باظ ووودي في عام 1995، ما زلت أفعل وأبكي بحرقة بينما يعزف ميغيل على الغيتار لجدته الكبرى كوكو، ويعيدها إلى الوعي من عالم الشيخوخة.
وصفة بيكسار للحدوتة مثل وصفة جدتك في المكرونة بالبشاميل: الجميع يعرف المكونات والمقادير، ويصنع مثلها، لكن طعم بشاميل الجدة غير.