عالم «نتفليكس»: نهاية المسلسلات التلفزيونية كما نعرفها

لقطة من مسلسل «La Casa De Papel» - الصورة: Netflix

أحمد إبراهيم
نشر في 2018/03/12

لعل مسلسل «La Casa De Papel» الأكثر انتشارًا ورواجًا في 2018 عند المشاهدين العرب، وإن كان الاحتفاء بالمسلسل الإسباني جاء متأخرًا، بعد أن نالت شبكة «Netflix» حقوق عرضه عالميًّا نهاية 2017، عقب عرضه محليًّا في إسبانيا خلال الصيف.

اللافت عدم الاكتراث بعملية التحرير التي أجرتها «نتفليكس» على حلقاته، فالمسلسل في الأصل مؤلف من 15 حلقة مدّة كل منها نحو 70 دقيقة، قسمتها الشبكة إلى «موسم أول» مؤلف من 13 حلقة مدة كل منها من 40 إلى 50 دقيقة، بانتظار «الموسم الثاني» الذي سيُتاح محررًا لاحقًا في إبريل 2018. وبطبيعة الحال، انتشرت عبر الإنترنت نسخ مقرصنة للحلقات المتبقية.

تضعنا تفاصيل هذا الحدث أمام تساؤلين: الأول عن كيان الحلقة التلفزيونية ووحدة موضوعها، وما يترافق مع ذلك من شروط كتابية وتنفيذية، والثاني عن ضرورة التزام البث عبر الإنترنت بقواعد ونواميس الأعمال المنتجة من الشبكات التلفزيونية.

مسلسلات أونلاين: خبر جيد.. خبر سيئ

نظام طرح موسم كامل من المسلسل يخسر فكرة الحلقات الخاصة، فلا معنى لوجود حلقة لرأس السنة أو الهالووين لكنها تُعرض في الصيف.

تتعدد أساليب العرض في السنين الأخيرة بين الكلاسيكي أسبوعيًّا، وهو ما تتبعه شبكات التلفزيون عمومًا، أو إتاحة الموسم كاملًا دفعة واحدة عبر خدمات البث، مثل «Netflix» و«Amazon Prime» وغيرها. وتتدرج بين الأسلوبين نماذج أخرى، لكنها لم تشكل نهجًا، واقتصرت على تجارب فردية بين نوعي البث.

لاقت تجربة «House of Card» بعرض الموسم دفعةً واحدةً ترحيبًا واسعًا عام 2013، وتحدث بطل العمل حينها «كيفن سبيسي» عن الفوارق بين أسلوب الشبكات الذي يجبر المُشاهد على انتظار وقت معين، مؤكدًا أن الجمهور يريد التحكم في ما يشاهد ومتى يشاهد، دون أن يكون هناك أهمية للمنصة أو الشبكة، فالمحتوى هو المهم.

لكن المقارنة تقوم على تباين تلقي المُشاهد للعمل، وليس كيفية صنعه وهويته.

هذا الأسلوب خلّص الأعمال التلفزيونية بشكل ما من ذروة النهاية التي تستجدي المشاهد كي ينتظر الحلقة القادمة، وهذا يصب في ميزان استقلالية الحلقة أكثر كما يُفترض، ويتيح تناسقًا في بنية الحلقة من حيث الموضوع والثيمة وتطوُّر أحداثها وصولًا إلى النهاية، فلا داعي لشطر حدث بين حلقتين، وإن حصل ذلك سيكون حركة بلهاء، فما على المُشاهد إلا تشغيل الحلقة التالية فقط.

لكن هذا الأسلوب يخسر فكرة الحلقات الخاصة، فلا معنى لوجود حلقة لرأس السنة أو الهالووين لكنها تُعرض في الصيف، فإما أن يكون العمل غير مرتبط زمنيًّا بتوقيت إتاحته على الإنترنت، وإما أن يجري ضمن زمن ضيق يلائم فترة طرحه. وفي الحالتين، ترجح كفة الأعمال التلفزيونية التقليدية، فالمشاهد يرى شخصيات يألفها ضمن أحداث تتواءم مع الرائج، سواء في الواقع أو على شبكات التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال، عُرضت حلقة «The Children» من مسلسل «Game of Thrones» التي يقتل فيها «تيريون لانستر» والده في «يوم الأب» عام 2014.

تتعرض مسلسلات الإنترنت لمنافسة شرسة مع الأفلام المتاحة على ذات المنصة خلال أيام المناسبات، وهذا ما أودى بعمل «Altered Carbon»، الذي تعارض وقت طرحه مع فيلم «The Cloverfield: Paradox» عشية نهائي السوبر بول، وكلاهما متوفران عبر «نتفليكس». بينما حصد مسلسل «This is us» من شبكة «ABC 27» مليون مشاهد، وهو الرقم الأعلى لمشاهدة مسلسل بعد المباراة النهائية لكرة القدم الأمريكية منذ عام 2012.

اقرأ أيضًا: في العلاقة الملتبسة مع كرة القدم الأمريكية

مسلسلات خارج الصندوق

تظهر بضع تجارب متفردة وسط ازدحام العروض الدرامية، أولها «Horace & Pete»، الذي ابتكره الكوميديان «لويس سي كي» ووضعه على موقعه الشخصي دون إشهار مسبق.  ففي 30 يناير 2016، ظهرت الحلقة الأولى على موقع «لوي» الشخصي مقابل خمسة دولارات، وبعدها أدرج الحلقات أسبوعيًّا بسعر أقل: ثلاثة دولارات للحلقة.

يخرج العمل في مضمونه أيضًا عن سياق التلفزيون، فالبداية التي توحي بالكوميديا تتبعها حلقتان تراجيديتان، واعتمد سي كي في إخراجه على المشاهد الطويلة والتصوير بكاميرات ثابتة، وكان نص الحلقات يُضاف إليه حوارات أسبوعيًّا قبيل العرض تتضمن المواضيع الرائجة، مثل سوريا والانتخابات الرئاسية الأمريكية.

هذه الهوية الخاصة ترافقت مع حلقات متباينة الطول، من 30 إلى 67 دقيقة، ويتضح البعد المسرحي بإنهاء المَشاهد بالإعتام. واختُتِمت الحلقة الخامسة بجملة نهاية الفصل الأول، وانتهى المسلسل بظهور جميع الطاقم وتصفيقهم، كإيحاء بإسدال الستار كما في المسرح.

قد يهمك أيضًا: مسلسلات الإنترنت: هل نودع التليفزيون قريبًا؟

عودة ديفيد لينش

لا بد من ذكر المخرج «ديفيد لينش» عند الحديث عن نقاط التحول في تاريخ التلفزيون، فالرجل أعاد تعريف العمل التلفزيوني في التسعينيات، ونقله من نموذج «Soup Opera» إلى الشكل الحالي، عندما فاجأ الجميع وأنجز مسلسل «Twin Peaks» بعد انقطاع لمدة 25 عامًا منذ فيلمه «Twin Peaks: Fire Walk With Me».

طُرِحت الحلقات الأربعة الأولى معًا، واختُتِم المسلسل بحلقتين متتاليتين، أنهت الحلقة قبل الأخيرة جميع الأحداث ووضعت نهاية لكل الشخصيات، فكانت حلقة أخيرة كلاسيكية، تبعتها حلقة غيرت معنى كل ما سبق وركزت على شخصيات هامشية وصاغت أحداثًا جديدة، قبل أن تنتهي وتترك الحيرة للجميع، ذكر لينش في حواره مع مجلة «Rolling Stones» قبيل العرض أن عمله أقرب إلى فيلم سينمائي مقسم إلى 18 جزءًا.  ولدى سؤاله عن ضرورة التفكير في نهاية كل حلقة لتناسب العرض التلفزيوني، أجاب: «لا، لقد قسمتهم ببساطة».

قد يهمك أيضًا: 4 مخرجين بمثابة مدارس سينمائية مستقلة

عصر تلفزيوني جديد

لا يزال عصر «ذروة التلفزيون» كما يُسمى يصارع باحثًا عن شكله الأمثل، فخدمة «Amazon» مثلًا تطرح حلقة تجريبية، وعندما تلقى الاستحسان والصدى الكافي تعطي الشركة الضوء الأخضر لإنتاج موسم كامل.

وبعد الأخبار المتلاحقة عن دخول Facebook وApple مجال إنتاج المحتوى الأصلي للمسلسلات عبر الإنترنت يبدو أننا بصدد أساليب جديدة وطرق مختلفة في العرض، لكن الهوية الفنية لهذه الأعمال لم تنضج، فهي تطابق أعمال الشبكات من ناحية المواضيع والأنواع الدرامية وعدد الحلقات ومدتها، إلا ما ندر.

مواضيع مشابهة