حاولت الرقابة الكويتية في رمضان 2016 منع عرض مسلسل بعنوان «ساق البامبو»، يتعرض لموضوع أزمة الهوية، ويحكي قصة شاب مولود لأب كويتي وأم فلبينية يعاني بسبب أصله المختلط وملامحه الفلبينية الظاهرة، وذلك رغم أن الرواية المأخوذ عنها المسلسل حاصلة على جائزة «البوكر» العربية للأدب. كما رفضت الرقابة عرض فيلم وثائقي روائي للمخرجة اللبنانية الكويتية فرح الهاشم يحمل اسم «ترويقة في بيروت»، بسبب ملاحظات على الملبس ولغة الحوار.
أصبح كثير من صُنَّاع الدراما التليفزيونية والسينمائية في الكويت يلجؤون إلى التصوير في الإمارات أو تركيا، هربًا من الروتين الرقابي الحكومي الذي يعرقل مشاريعهم الفنية. ويكشف مقال على موقع «Middle East Eye» ضيق صُنَّاع السينما الكويتيين من الرقابة، كما ينقل عن الرقباء أسباب منع بعض الأعمال الفنية.
قيود الرقابة تؤذي المخرجين
توقف عدد من صُنَّاع السينما في الكويت عن صناعة الأفلام بسبب الرقابة الصارمة، حسب تأكيد المخرج الكويتي عبد الله بوشهري، الذي تُخفي لحيته وضحكته العريضة بعضًا من يأسه على المستوى الفني.
يقول بوشهري إنه كان يهوى في صغره تصوير حياة أسرته اليومية وأسفارهم المختلفة، لذا حمل الكاميرا باستمرار، وهو ما شكَّل شخصيته الفنية فيما بعد.
الأفلام التي تخضع للرقابة الصارمة تخرج «دون طعم أو لون».
حصل فيلمه «الماي» في 2014 على جائزة «IWC»، التي يمنحها مهرجان دبي السينمائي الدولي للمخرجين الخليجيين، ويحكي الفيلم قصة الحرب التي نشبت على المياه في الكويت منذ نحو مئة عام قبل اكتشاف البترول.
يحكي بوشهري أن الرقابة تدخلت لتعديل مشهد يصوِّر الناس في صلاة الاستسقاء، لأنها رأت أن المشهد يحمل «ملمحًا من الخرافة»، كما طلبت تخفيف حدة مشهد آخر تظهر فيه سيدة عجوز تسبُّ المصلين لأن صلاتهم لم تغير شيئًا. وفي ظل هذا التضييق، يعتقد بوشهري أن فوز فيلمه بجائزة في أوروبا بات أمرًا صعبًا.
يحلم المخرج الكويتي بتحقيق شهرة عالمية، خصوصًا بعد حصوله على شهادة متخصصة في مجال السينما من جامعة فلوريدا أتلانتيك في 2004، ولكنه يرى ضرورة أن يكون أكثر جرأةً وإبداعًا لكي تحصد أفلامه الجوائز الأوروبية، كما يؤكد أن الأفلام التي تخضع للرقابة الصارمة تخرج «دون طعم أو لون».
يوضح بوشهري أن هدف أعماله «استكشاف المجتمع و تصويره من مناظير مختلفة»، لا هدم الدين أو الهجوم على المجتمع.
اقرأ أيضًا: رحلة في موجة الإلحاد والثورة الاجتماعية في العالم العربي
لِمَن اليد العليا: السياسة أم الفن؟
تستخدم الكويت الرقابة لتجنب أي خلافات دبلوماسية قد تنشب مع الدول المجاورة.
عُرض أول فيلم كويتي روائي طويل، وهو «بس يا بحر» للمخرج خالد الصديق، عام 1972، وهو يصور الكويت قبل اكتشاف البترول، حين كان الصيد والغوص بحثًا عن اللؤلؤ والتجارة الوسائل الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وقد مثَّل الفيلم موجة صعود للسينما الكويتية.
يذكر المقال أن الكويت شهدت بعد ذلك نشاطًا فنيًّا وثقافيًّا استمر حتى نشوب الثورة الإيرانية عام 1979، ثم حرب الخليج الأولي في 1980، حينما بدأت الموارد تتحول بعيدًا عن المجال الثقافي من أجل دعم العراق في حربها ضد إيران.
جاءت الضربة القاصمة لحالة الوهج الفني التي عاشتها الكويت عندما تعرضت لغزو صدام حسين في أغسطس 1990، فساد الدمار وتوقف النشاط الفني تمامًا. وما زالت أصداء صدمة الغزو تدوِّي في الآفاق، لذا تستخدم الكويت الرقابة لتجنب أي خلافات دبلوماسية قد تنشب مع الدول المجاورة، حسب بوشهري.
مثَّل الغزو نقطة تحول وجَّهت التركيز إلى عمليات إعادة الإعمار والأمن الداخلي، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية في 2008 لتأتي على البقية الباقية.
الرقابة الذاتية أقسى
تشمل الخطوط الحمراء للرقابة الكويتية السياسة والجنس والدين والعنف المفرط.
يقول كاتب السيناريو رازي الشطي إن هناك حاجة لإجراء حوار مع الرقباء لفهم الأسباب التي تدفعهم إلى قص أجزاء معينة من الحوار. يؤكد الشطي أنه يحترم عمل الرقيب، لكنه يرغب في الحصول على توضيحات أكثر بشأنه.
يضيف الممثل ضاري عبد الرضا أنه صار يمارس «رقابة ذاتية» بعد أن أصبحت المحاذير الرقابية حاضرة باستمرار في رأسه، لكنه يلمِّح إلى أن استخدام الرموز يفوِّت على الرقابة فرصة قص المَشَاهد، ويمكِّنه بالتالي من تقديم رسالته بطريقة ماكرة.
قد يعجبك أيضًا: 4 مخرجين بمثابة مدارس سينمائية مستقلة
الرقابة تتحدث
يزعم البعض أن هدف الرقابة الكويتية الأساسي هو ألا تتسبب الأعمال الفنية في مشكلات سياسية، لكن هذه الرقابة متهمة بقتل الروح الإبداعية.
تشمل الخطوط الحمراء للرقابة في الكويت السياسة والجنس والدين والعنف المفرط، كما تخضع سيناريوهات صُنَّاع السينما المحليين والأجانب الذين يرغبون في التصوير في الكويت إلى لجنة رقابة تابعة لوزارة الإعلام، وتواجه الأفلام المحلية والأجنبية التمحيص الرقابي قبل عرضها في السينما، ليُحذف منها «ما يتعارض مع الثقافة الكويتية أو الإسلامية»، بحسب المقال.
يقول أحد أعضاء لجنة الرقابة، علي عدنان السيد الرفاعي، إن اللجنة تستقبل نحو 20 سيناريو لأفلام ومسلسلات كل شهر، وتمرر نحو 25 فيلمًا في العام، كما توافق اللجنة عادةً على عدد أكبر من الأفلام مقارنةً بالمسلسلات، رغبةً منها في تشجيع صناعة السينما في الكويت.
يوضح الرفاعي أن الرقابة لا تقبل أي تعرُّض للدين بصورة سلبية، كما ترفض تناول تنظيم «داعش» مثلًا في المصنفات الفنية. وتضع الرقابة كذلك قيودًا على الصورة التي تظهر بها المرأة، فمن غير المقبول أن تصور النساء في «وضع اجتماعي أو اقتصادي مهين»، لأنه ينبغي الحفاظ على «المكانة الرفيعة» للمرأة الكويتية، وبالتالي لا يُمكن أن تظهر كنادلة أو طاهية في مطعم، بحسب الرفاعي.
وتعتبر المخدرات والعنف المفرط من تابوهات الرقيب الكويتي، إذ يرى لها تأثيرًا سلبيًّا على الشباب حسبما يؤكد الرفاعي، الذي يضيف أن الرقابة تحذف أكبر قدر ممكن من مشاهد العنف.
قد يهمك أيضًا: نظرة إلى جذور العنف في منازلنا ومجتمعاتنا
تدخلات رقابية سعودية
الدراما عملية إبداعية يقتلها الخوف والتعنت والروتين.
تحرص الرقابة الكويتية على تحاشي الأزمات السياسية مع جيرانها، خصوصًا الذين تربطهم بها عضوية منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك».
يقول عضو في اللجنة الرقابية رفض ذكر اسمه إن السعودية أمرت الرقابة الكويتية بمنع عرض أحد الأفلام التي تناولت حقوق النساء في السعودية، وهو فيلم «وجدة»، الذي يحكي قصة فتاة تحلم بشراء دراجة، رغم أن قيادة الدراجات محظورة على الإناث.
يشرح علي عدنان السيد الرفاعي أن عرض فيلم ينتقد السعودية في سينمات الكويت قد يحرج سفير السعودية، مضيفًا أن التعرض للجيران ينبغي أن يشوبه الحذر، خصوصًا في حالة تناول أوضاع دولة مثل السعودية.
اقرأ أيضًا: رحلة السعوديين لاستكشاف الأفلام وصناعتها
إن الدراما هي لوحة فنية يرسمها فنان مبدع، فمن غير المتصوَّر أن يفرض عليه أحد ألوانًا أو أشكالًا معينة ليضعها في لوحته، وحتى لو كانت الرقابة مطلوبة فعلًا لضمان مراعاة قيم المجتمع، لا ينبغي أن يحجر وجودها على الآراء أو يخنق المشاريع الجديدة، فالدراما عملية إبداعية يقتلها الخوف والتعنت والروتين.
ربما تحتاج الكويت، صاحبة أول محطة تليفزيونية رسمية في الخليج، والتي لا تزال تلعب دورًا فنيًّا رياديًّا في المنطقة، إلى سياسة رقابية أكثر انسيابية ومرونة، كي لا يهرب مبدعوها إلى الخارج أو يجمدوا أعمالهم حتى إشعار آخر.