وداعًا للبورن: «التانترا» الهندية ستغير مفهومنا عن الجنس
تسيطر الأفلام الإباحية على تصورنا عن الجنس، ويعتبرها بعض الناس مرجعًا موثوقًا به لتعلم ممارسة الحب، رغم أنها تمنحنا نظرة سطحية عن العلاقة الجنسية، وتخفي عنا الطريق إلى متع أكبر.
لكن إذا كانت صناعة «البورن» معلمًا مخادعًا، فكيف نعرف المزيد عن الجنس مع إدانة المجتمعات العربية لمحاولات تمرير الثقافة الجنسية بشكل رسمي في المدارس؟
يعرض مقال على موقع «Collective Evolution» جزءًا من الحل، فمنذ قرون بعيدة، استطاع الروحانيون في الهند الوصول إلى أعماق النفس الإنسانية واستكشاف قدراتها الخفية، من أجل وضع تصور عن السبيل إلى تحقيق متعة عظيمة خلال العلاقة الحميمة، ونقلوا لنا ما وصلوا إليه في «التانترا».
السؤال هنا سيكون: هل يقبل الناس استبدال تعاليم الروحانيين الهنود بالأفلام الإباحية؟ يسعى المقال إلى معرفة الإجابة عن طريق مقارنة الاثنين، لكن دعنا نتعرَّف أولًا إلى التانترا، الفن القديم الذي قد يعالج إدمان كثير منا للبورن.
ما التانترا؟
يصير الجنس مع التانترا تواصلًا روحيًّا بالإضافة إلى التواصل الجسدي.
يساعد هذا المذهب في التواصل مع جوهر الذات، كما يرتبط باليوغا. وحسب تعريف أحد النُّسَّاك القدماء له، فهو «هيكل إلهي من التعاليم الشارحة لما هو ضروري لطقوس العبادة السماوية وما يعيقها»، كما أنه «يُمنح إلى المؤهلين للسعي خلف الأهداف العظمى والدنيا من الوجود الإنساني».
تتوغل إرشادات التانترا في شتى جوانب الحياة البشرية للوصول بالإنسان إلى السُّمُوِّ الكامل، ولهذا تطرقت إلى الجنس منذ ما يزيد عن خمسة آلاف عام، باعتباره جزءًا مهمًّا من طاقة الكون وامتدادًا لها.
تتحول ممارسة الحب، تبعًا للتانترا، إلى جنس هادئ يهدف إلى زيادة الحميمية بين الطرفين، وخلق علاقة بين العقل والجسد للوصول إلى ذروة النشوة، يصير الجنس معها تواصلًا روحيًّا، مع الشريك والمُطلَق، بالإضافة إلى التواصل الجسدي.
ما يعنينا خصوصًا في هذا التقليد الروحي أنه ربما يصبح مفتاحًا لعلاقات جنسية أعمق، بعد أن حولت الأفلام الإباحية تصورنا عن الجنس إلى عملية ميكانيكية خالصة، وروجت لمجموعة كبيرة من الأوهام المؤثرة في علاقاتنا بأجسادنا وأجساد الآخرين.
أوهام الأفلام الإباحية
1. الجنس الجيد يرتبط بالجسد الجيد
يبدأ المقال بالإشارة إلى تركيز الأفلام الإباحية على الجسد باعتباره العامل الوحيد للاستثارة، لتؤثر في عقول مشاهديها بطريقة غير مباشرة، وتدفعهم إلى الظن أن النشاط الجنسي يعتمد أولًا وأخيرًا على شكل الجسد، فلا بد أن تكون صغيرًا في السن ولديك جسد متناسق ومعالم ذكورية جذابة، أو تكوني أنثى ذات جمال طاغٍ وجسد يلتزم بمعايير الجمال العالمية، وإلا فلن تصير جيدًا في الجنس.
تدفع هذه المعايير التعجيزية الجميع إلى تقليل قيمة أنفسهم، خصوصًا أولئك الذين لا يوافقون هذه المقاييس، سواءً في الشكل أو السن، كما أن مَن تنطبق عليهم الشروط بحذافيرها لا يعتبرون أنفسهم جيدين بالقدر الكافي، ففي النهاية، لا يرضى أحد عن نفسه.
اقرأ أيضًا: كيف تعرف أنك مصاب بعقدة الإهمال؟
2. إمتاع الطرف الآخر أهَم
الرغبة في إسعاد شريكنا شيء جميل بالتأكيد، لكن الأفلام الإباحية تجعل الوصول بالطرف الآخر إلى ذروة النشوة الجنسية هدفًا وحيدًا للعلاقة الحميمة، ولعلك تتساءل عمَّا يعيب ذلك.
يقتصر الغرض من ممارسة الحب على إمتاع الطرف الآخر، وهذه هي الرسالة التي يتلقاها اللاوعي من الأفلام الإباحية في رأي كاتب المقال. فإذا لم تنجح في دفع شريك حياتك إلى قمة النشوة، فلا قيمة لممارسة الحب إذًا، وتفتر اللحظة الرومانسية وسط قلق الطرفين إزاء أدائهما في العلاقة.
3. لا أهمية للتواصل
يستخدم البشر 5% فقط من قدراتهم الجنسية، فما بالك لو استغلوها بالكامل؟
لا يكترث صُنَّاع البورن بإبراز أهمية التواصل الحميمي في العلاقة، فيتحول المشهد إلى سلسلة من الحركات البدنية التي يؤديها الطرفان دون أثر لأي عامل روحي.
لا يبدو الأمر بهذا السوء على الدوام بالتأكيد، لكن هذا لا ينفي مدى التأثير الذي تتركه تلك الأفلام على عقل المتفرج، الذي يظن أن العلاقة الجنسية الحقيقية لا تكون إلا بهذه الطريقة، مفتقرةً إلى أي رابطة تجمع الشريكين.
قد يهمك أيضًا: المواقع الإباحية هي التي تشاهدك
4. ليس في الإمكان أكثر ممَّا كان
أسوأ ما تفعله الأفلام الإباحية أنها تدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا كل ما يمكننا تقديمه أو الحصول عليه من ممارسة الحب، فنظن أننا نعرف كل ما يخص العلاقة الجنسية، ونظن أن البورن ألَمَّ بكل الجوانب، وهذا الافتراض خاطئ بالتأكيد.
يستخدم البشر 5% فقط من قدراتهم الجنسية، حسب المقال، فما بالك لو استغلوا هذه القدرات بالكامل؟ ما بالك لو تركوا البورن خلفهم واتجهوا إلى التانترا؟
مزايا التانترا
1. نحن أكثر من مجرد أجساد
ليست أجسادنا أكثر الأشياء إثارةً في رأي الكاتب، لأن الإنسان الذي يملك إحساسًا حقيقيًّا يفرض حضورًا آسرًا، وبمجرد أن ينظر إليك ويلمسك برفق تدخل في حالة السلام الداخلي التي يعيش فيها، ويمكنكما التنفس والتلامس والوصول إلى النشوة معًا.
وقتها، لن تكترث بمدى جمال الجسد الذي وصلت معه إلى هذه الحالة المذهلة من الإثارة الجنسية.
قد يعجبك أيضًا: لماذا يصعب على جيل الألفية العثور على شريك الحياة؟
2. المتعة المشتركة تتفوق على المتعة الفردية
وفقًا لتعاليم التانترا، نحن مخلوقات مُفعَمَة بالطاقة، وإذا كنت حاضرًا بكامل كيانك في اللحظة التي تلمس فيها جسد من تحب، واستمتعت بملمسه، ستنتقل هذه المتعة إليه.
وحين تكون في هذه الحالة، تخرج شحنات كهربائية من أصابعك وجسدك لتخترق جسد شريكك فيستجيب لها، وتنقل لك استجابته شعورًا بالاستمتاع، وحينها تتداخل الأدوار، ولا تعرف من الذي يُمتع الآخر على وجه الدقة، وهكذا تتشاركان السعادة بغض النظر عمَّا يفعله أيًّا منكما للآخر.
3. التواصل هو كل شيء
التانترا تُشعرنا بالتواصل، الذي هو أساس العلاقة الجنسية.
عندما نفقد الخيط الرفيع الذي يربطنا بالناس، نطلق على ذلك مسميات غير دقيقة مثل الإحباط والاحتياج، ونتجاهل السبب الحقيقي الذي نعرفه في أعماقنا، وهو قدرتنا المذهلة غير المستغلَّة على التواصل.
تتغير حياتنا إلى الأفضل فور تحقيقنا لهذه الصلة الفريدة، ويتلاشى الإحباط والقلق، فنلاحظ المتع التي كانت غائبة عن أعيننا، ويقدِّر بعضنا بعضًا، كما نمر بحالة من السعادة لم نشعر بها في وحدتنا مطلقًا.
إن التانترا تُشعرنا، وفقًا لكاتب المقال، بهذا التواصل المفقود الذي هو أساس العلاقة الجنسية.
4. الجنس تجربة متعددة الأبعاد
حين نتوحد مع حقيقتنا خلال تجاربنا الحميمة، يمكننا الانتقال من العلاقة الجنسية البدائية التي لا تخرج عن نطاق الجسد إلى تجربة جنسية أشمل، يشارك فيها العقل والمشاعر والحَدَس والشغف والحضور، بالإضافة إلى أبعاد أخرى نعجز عن تحديدها، ونكتفي بإدراكها وقت حدوثها.
لقد وُلدنا نملك هذه القدرة، لكننا لم نتمكن من استغلالها حتى الآن.
بحسب المقال، تعالج التانترا العلاقات المضطربة التي تحدث بين أشخاص من لحم ودم، لا مجرد ممثلين مأجورين لأداء فيلم إباحي، وتعلمنا أن التعامل بحميمية مع الآخرين يمنحنا علاقات مُرْضية مع المحيطين بنا، ويجعلنا سعداء.
ربما لن تقضي التانترا على صناعة البورن نهائيًّا، لكنها قد تساعد بعض الناس في التخلص من هذا الإدمان، لأن شعور أحدنا بعظمة الآفاق التي تفتحها التانترا لن يجعل للأفلام الإباحية مكانًا في حياته.
ندى حنان