أين المشتاقون للحور؟ نظرة إلى الخطاب الجنسي لرجال الدين
«أين المحبون للنساء؟ أين المشتاقون للحور؟»
هكذا صدح الشيخ يحيى بن فهد الجناع، خاطبًا عن الجنس في الجنة، واصفًا أثداء الحور العين وأجسادهن وطريقة جماعهن الأبدية، ونعيم فض الأبكار اللامنتهي، في خطبة تدعو للامتناع عن الجنس الدُّنيوي.
في الحقيقة، تنتشر كثيرًا خطب شيوخ الدين التي تركز على الجنس في الجنة، فلماذا يختارون هذا النمط؟ وما أساس هذا الخطاب؟
النعيم الجنسي في الإسلام
تذكر الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) الجنة ونعيمها كجائزة للمؤمنين بعد نهاية الحياة الدنيا، إلا أن هناك اختلافًا في وصف هذا النعيم بينها، حيث لا ذكر للجنس في الجنة عند اليهود، بينما في المسيحية يذكر إنجيل متى أنهم «فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ» (22 : 30)؛ ذلك لما لهذين الدينين من ترفُّع عن مسألة الجنس والرهبنة فيه.
ويأتي الدين الإسلامي ليخالفهما؛ إذ ينظَّم المسائل الجنسية ويذكرها في كثير من مواضع القرآن والسنة، سواءً في التعامل معها في الدنيا أو الآخرة؛ مثل ما ذُكر في سورة (ص): «وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ»، وسورة (الرحمن): «حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ»، وأيضًا في سورة (الدخان): «كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ».
أما الأحاديث النبوية التي تتحدث عن الحور فبين صحيح وضعيف؛ الصحيح منها مثل حديث «للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حُلَّة الإيمان، ويزوَّج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه»، رواه ابن ماجه.
يرتكز الخطاب الجنسي لبعض رجال الدين على أسس ذكورية في النظر للمرأة كأداة جنسية.
كما يصفهن حديث أبي هريرة بأنهن «زوجتان يُرى مُخَّ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بُكرة وعشيًّا».
الأصول التي يرتكز إليها رجال الدين في خطابهم موجودة في الكتاب والسنة، لكن ما يقوله بعضهم على المنابر يتجاوز كثيرًا هذه الأصول، ويتجه إلى وصف لم يُذكر فيها يقرب للإباحية، فيشرح السيد محمد باقر الفالي مثلًا في إحدى خطبه أنهن «اثنتا عشرة حورية، وفي رواية أخرى ثمانون ألف حورية من الحور العين يرقصن لك رقصًا، لو جُمعت راقصات الدنيا كلها لا تساوي نعل واحدة من هؤلاء الراقصات في الجنة (...) رقص وونس ولذة هناك في الجنة».
قد يعجبك أيضًا: 6 اختلافات أساسية بين الدين والروحانية
الذكورية في الخطاب الجنسي
يرتكز الخطاب الجنسي لبعض رجال الدين على أسس ذكورية في النظر للمرأة كأداة جنسية، ويُبالغ في وصف الحوريات والنساء في الجنة بما يتوافق مع الشهوة الذكورية في الدنيا، فيما يبدو رغبةً في إسقاط الحديث الجنسي في قالب شرعي.
ويقول الشيخ سلطان الدغيلبي، المعروف بأبو زقم، في إحدى محاضراته متلهفًا للحور العين: «حورية في الجنة تخُمَّك تنسيك حليب أمك»، ثم يتأوه من شدة اللهفة، مشيرًا إلى أن غض البصر عن نساء الدنيا طريق الوصول إلى نساء الجنة ومعاشرتهن بلا «فياغرا» ولا «سنافي» أو أي منشِّط للجماع.
ويصرخ الشيخ عبد الكريم المشيقح مبشرًا: «فخوذ، نهود، سيقان، بياض، نعومة بلا كريمات ولا نيفيا ولا فازلين، كم من واضعة فمها بفمك، كم من واضعة خدها بخدك، وصدرها بصدرك، والباقيات ينتظرن الدور»، وليس لهذا إسناد ديني بقدر ما ربما يكون وصفًا لما يشتهي أن يراه الراوي ويعتقده مثيرًا، لكنه أسبغ عليه ثيابًا دينية.
هذا إضافة إلى التقليل من قيمة نساء الدنيا، ووصفهن بالقبح والقذارة بسبب الحيض والبول والغائط، كما يقول الشيخ:
ويؤكد الشيخ عبد الكريم المشيقح في محاضرة دعوية أخرى أن الرجال سيخلطون بصاق الحورية مع خمر الجنة لزيادة المتعة، فيما يبدو خيالًا جامحًا دون تقديم أسانيد من القرآن والسنة بشأنه.
بهذه الطريقة يدمر شيوخ الدين أي علاقة طبيعية بين الرجال والنساء، ويفرغون القيمة الحقيقية للمرأة كإنسان سوي؛ فتصير فقط أداة للجنس، جائزة للمؤمن، شيئًا للمتعة وتفريغ الشهوة لا أكثر.
هل للنساء حور عين؟
على الجانب الآخر يُطرح سؤال: هل هناك نعيم جنسي للمرأة في الجنة؟
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي إن الله كرَّم النساء حين لم يعطهن هذه الجائزة؛ لأن المرأة الكريمة على نفسها لا تقبل أن يتعدد عليها الرجال، فالله كرَّمها ولم يتركها نهبًا لكل فحل يريد أن يطأها، بحسب قوله.
ويؤيد ذلك الشيخ محمد العريفي بقوله إن المرأة لا تُجزَى في الجنة بالرجال لأنها المطلوبة لا الطالبة، ولأنها هي التي تُخطَب لا تَخطِب، ولا تشترط شكلًا للرجل؛ وإنما تنجذب لرجولته وأخلاقه ودينه ووظيفته، فالله زيَّن الجنة للمرأة بالحُليِّ والجواهر التي يعرف أنها تحبها وتشتهيها، كما يقول.
بينما يذكر السيد محمد باقر الفالي، دون إسناد من القرآن أو السنة، أن في الجنة سوقًا يسمى سوق الوجوه، خلق الله فيه أجمل الرجال وجوهًا، بطريقة تجعل النبي يوسف بجماله الأخَّاذ كأنه عبد لهم، بحسب وصفه، وتدخل المرأة المؤمنة السوق وتختار منه الوجه الذي تحب، وتتزوجه.
اقرأ أيضًا: دعوة للحديث عن الهوية الجنسية بدلًا من تجاهلها
هل حقًّا هناك جنس في الجنة؟
يذهب بعض الباحثين إلى أن تفسير آيات الحور العين قد لا يعني ممارسة الجنس معهن، ويؤكد الباحث الإسلامي الدكتور علي منصور كيالي أن الحور مهمتهن الخدمة لا الجنس، وأنه لا جنس في الجنة وفقًا لقول الله في سورة (التكوير): «وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَت»، الذي يفسره بأن النفوس هي التي تتزوج في الجنة، لا الأجساد.
ومن رجال الدين من يؤيد ذلك، إذ يذكر الداعية الشيعي أحمد الوائلي أن المزاوجة مع الحور العين لا يُقصد بها العملية الجنسية بل الجمع بينهما فحسب، أما التزاوج فيقع مع زوجات الدنيا فقط.
قد يعجبك أيضًا: قبل أن نلوم رجال الدين ونبرئ أنفسنا: نظرة إلى جذور العنف في منازلنا
لماذا التركيز على الجنس؟
النِّعم التي يَعِدُ بها شيوخ الدين المؤمنينَ في الجنة تتخذ أشكالًا عدة؛ منها رؤية وجه الله (لأتباع المذهب السُّني لا الشيعي)، والمأكل والمشرب والمسكن الذي يوصف بأنه لم يخطر على بال بشر، وكذلك السكينة والهدوء والرحمة والمحبة والسلام، وغياب جميع العداءات والمشاعر السيئة، بالإضافة إلى لقاء الأنبياء والمرسلين والشهداء والصحابة وآل البيت، وأيضًا الأئمة الاثني عشر بالنسبة للشيعة.
ورغم ذلك، لا يركز بعض رجال الدين على هذه النِّعم تركيزهم على فكرة الجنس في الجنة، وعلى الحور العين ووصيفاتهن، ونساء الجنة الأرضيات اللاتي يطغى جمالهن على جمال الحورية، وجماع كل هؤلاء النسوة، وقوة المئة رجل التي سيمتلكها الواحد.
ربما يجد رجل الدين أن مثل هذه الموضوعات أكثر إثارة لانتباه الجماهير، لكن هل هذه هي الدعوة؟ وهل هذا هو الدين؛ أمور حسِّية ومتع دنيوية؟ أم أنه تجربة روحية خالصة لله حبًّا فيه وتقربًا إليه؟ وهل غاية الوقوف على المنبر هي خلق نجوميةٍ للداعية؛ فيصب تركيزه على ما يثير الجمهور؟
قد يهمك أيضًا: كيف يقبِّل العرب؟
يُحرِّم رجال الدين العلاقة الإنسانية الطبيعية بين الرجل والمرأة، يمنعون التقارب بين الجنسين فيخلقون كبتًا؛ يُستغل باختزال الدين في جوائز جنسية بعد الممات، وهم بمنعهم هذا يوجِدون وحشًا كاسرًا يبحث عن الجنس، ويحتكرون الحديث عنه لأنفسهم.
ها هو الشيخ عبد الله المحيسني يخطب بين المجاهدين في سوريا لدفعهم للقتال والاستشهاد في سبيل الله، مركِّزًا على تذكيرهم بجائزة الاثنتين وسبعين حورية، التي سيكون عَرَق الواحدة منهن عطرًا، وبصاقها حلوًا، وقبلتها شهدًا، أما عناقها فلا يمكن وصفه.
وها هم بعض صغار السن من المجاهدين يُنشدون الأناشيد عن صدر الحورية الذي سينسيهم الدنيا وما فيها.
اقرأ أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
هذا هو جمهور المنابر المليئة بالخطب الإباحية؛ من صغار السن والمراهقين وغير المشبعين جنسيًّا، الذين قد ترفع خطبة درجة الهياج الجنسي لديهم، وتُظهرها في أعمال العنف والقتال.
الغريب أن المجتمعات التي لا تتقبل الحديث العلمي عن الجنس أو ذِكرِه على الملأ، لا تجد أي حرج في أحاديث رجال الدين على المنابر، ولهفتهم لهزَّات الجماع، ولا تجد حرجًا كذلك في تحويل المجالس الدينية إلى شيء أشبه بالأفلام الإباحية الرخيصة، طالما أنها تحت غطاء الدين.
كيف يكون هذا التناقض مقبولًا؟ ولماذا يُمنع كِتاب أو برنامج بتهمة خدش الحياء العام، بينما يبث رجل الدين خياله الجنسي من على المنبر دون أن يتأثر الحياء؟
شيخة البهاويد