خذ ما تحتاج مجانًا: حلول اجتماعية مبتكرة للأزمات الاقتصادية
تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى ظهور مبادرات مجتمعية مبتكرة لمواجهة واقع جديد أشد قسوة، وربما كانت خُطَى المجتمع أسرع من الحكومات في مواجهة المشكلات التي تنشأ نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية.
في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت الولايات المتحدة في 2008 وتأثرت بها اقتصادات دول العالم، لم يعد في إمكان الكثيرين شراء حتى البضائع الرخيصة، وصار الحصول على بعض احتياجاتهم مجانًا ضرورة مُلِحَّة، ومن هنا ظهرت أنشطة هدفها التبادل المجاني للسلع، وهذا هو ما يوضحه مقال نُشر على موقع «Films for Action».
من مجانية الأفكار إلى مجانية السلع
خروج المال من المعادلة يعطي أريحية أكبر ويوطد مشاعر التكافل الإنسانية.
في عالم بات معتادًا على تبادل الأفكار مجانًا عن طريق الإنترنت، تصبح فكرة التبادل المجاني للسلع مقبولة للغاية. أصبحت الثقافات أكثر مرونة في تقبل هذا المبدأ، بعد أن جعله الواقع الاقتصادي الجديد ضروريًّا، فلم يعد الوازع الديني دافع العطاء الوحيد، وصرنا أمام نموذج اقتصادي يشارك فيه الجميع أخذًا وعطاءً، بغض النظر عن الرصيد البنكي لكل طرف.
أدى الانخراط في مثل هذه الأنشطة إلى تنامي الشعور بأن الثروة التي نملكها لا تقتصر فقط على المال، وإنما تشمل كذلك صحتنا ووقتنا ومهاراتنا التي قد نفيد بها الآخرين.
قد يهمك أيضًا: كيف غيَّر كارل ماركس وجه العالم؟
تقول كاتبة المقال إن خروج المال من المعادلة يعطي أريحية أكبر ويزيد مساحة الإبداع ويوطد مشاعر التكافل الإنسانية، فشعور جميل أن تعطي هدية أو تحصل على واحدة، ولا ينبغي أن تقتصر الهدايا على دائرة المعارف والأهل، فما أجمل أن تتلقى هدية من شخص غريب، وما أجمل أن تعطي هدية إلى شخص لا تربطك به أي صلة.
الحكومات تتقبَّل النماذج الاقتصادية المجتمعية
بينما تعمل الدول على محاربة السوق السوداء، فإنها تترك مثل هذه المبادرات المجتمعية لتبادل السلع، ممَّا يساعد على ازدهار الأنشطة التكافلية.
تشير الكاتبة إلى أن هناك حالة شد وجذب مستمرة بين التجارة الحرة ورغبة الحكومات الرأسمالية في تنظيم الأوضاع الاقتصادية بالتشريعات والاتفاقيات والتعريفات الجمركية، غير أن هذه الحكومات تجد نفسها مجبرة على تقبل الأنشطة المجتمعية الجديدة، فللضرورة والثقافة قوة تفوق سطوة الحكومات، ويمكنهما استحداث سلوكيات اجتماعية واقتصادية تصبح بمرور الوقت أمورًا عادية.
اقرأ أيضًا: 7 أسئلة تشرح أثر التحولات الثقافية في المجتمع
إعادة التدوير: فكرة ولَّدت فكرة
ربما كانت أفكار مثل إعادة التدوير من الأسباب التي أوجدت هذا النموذج الاقتصادي الجديد، فهو يذكرنا بإمكان إعادة استخدام الأشياء التي استنفدت الغرض منها لدى من يملكها.
وفي حين يتبرع بعض الناس بالأشياء التي استغنوا عنها إلى المؤسسات الخيرية ليستفيد بها آخرون، فإن هذا النمط الاقتصادي الجديد لا يتضمن طرفًا وسيطًا مثل الجمعيات الخيرية، إذ يعرض الشخص صاحب السلعة الأشياء التي لم يعد يحتاجها بنفسه أمام منزله، ويأخذها من يحتاجها دون أي مقابل.
ما هو مستقبل هذا النشاط الاقتصادي المجتمعي؟
ترى كاتبة المقال أن هذا النموذج القائم على تبادل السلع أو عرضها ليحصل عليها من يحتاجها مجانًا لا يزال في حالة تغير مستمر، فلا يد الدولة تطوله بالتنظيم، ولا خطط طويلة أو قصيرة المدى تحكمه، لذا يصعب التنبؤ بطريقة توسعه أو نموه في المستقبل إن كُتب له الاستمرار.
ربما يكون التساؤل الأهم هو ما إذا كانت هذه الأسواق قادرة فعلًا على توفير احتياجات الناس، وما إن كانت تعطي فرصة للمجتمعات المحلية كي تصبح أكثر إبداعًا دون أن تتسبب في مشكلات اجتماعية.
أما الأسواق التي لا تلبي حاجة مجتمعية معينة فسرعان ما تختفي لتحل محلها أسواق أخرى، فاحتياجات المجتمع تتغير مع تغير التركيبة السكانية، وبذلك تكون أكثر استجابةً للتغيير من الاقتصاديات الرأسمالية، التي تديرها مؤسسات كبرى وليس المجتمعات نفسها.
ماذا عن البلدان العربية؟
سوق الجمعة ووكالة البلح هي أسواق مصرية للأشياء المستعملة بأسعار رخصية.
ربما لا تعرف الدول العربية مبادرات مجتمعية مماثلة، أو قد تقتصر هذه الأنشطة على مجموعات محدودة على فيسبوك، أو مبادرات فردية لم ترتقِ إلى الصيغة المجتمعية الأوسع، ففي مصر مثلًا ظهرت مبادرات فردية لمواجهة الغلاء الشديد بعد أن قررت الحكومة تعويم الجنيه، شملت تقديم بعض المطاعم في محافظات مختلفة وجبات مجانية لمن لا يستطيع دفع قيمتها.
لكن الدول العربية تضم أسواقًا شعبية تعتبر متنفسًا لمحدودي الدخل والكادحين، مثل سوق المباركية في الكويت، التي يجد زوارها سلعًا متنوعة تشمل الأطعمة والملابس والإكسسوارات، وروادها من محدودي الدخل. كذلك تضم مدينة الرياض في السعودية سوق البطحاء، التي تعد من أرخص الأسواق، وفيها سلع مختلفة وعدد من المطاعم، وفي تونس نجد سوق بومنديل في وسط العاصمة، وتباع فيها شتى أنواع السلع من ملابس وعطور وأجهزة.
أما في القاهرة فنجد سوق الجمعة في منطقة مصر القديمة، وفيها سلع متنوعة مثل الملابس والأجهزة ولعب الأطفال وغيرها بأقل من نصف ثمنها، إلى جانب وكالة البلح، وهي سوق للملابس المستعملة يرتادها كثير من المصريين، ربما حتى من الطبقة المتوسطة.
وتشتهر القاهرة كذلك بأسواق ميدان العتبة، وفيها سور الأزبكية الذي يبيع الكتب، وشارع عبد العزيز مركز بيع الأجهزة الكهربائية، وحمام التلات الذي يعرض الأدوات المنزلية المختلفة، وهي جميعًا أسواق رخيصة الأسعار تخدم قطاعًا كبيرًا من المستهلكين، الذين يقع أكثر من ربعهم تحت خط الفقر.
وبغض النظر عن ظروف نشأة تلك الأسواق، فإن استمرارها يعني بالضرورة أنها تلبي احتياجًا معينًا في المجتمع، وإلا لما استمرت كل هذه السنوات.
ربما كان علينا أن نستورد فكرة تبادل السلع والخدمات مجانًا، لأننا لسنا أقل حاجةً إليها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من البلدان العربية، ولكن تطبيق مثل هذه النماذج المبتكرة يتطلب درجةً من التنظيم وشعورًا بالمسؤولية تجاه المجتمع، وكذلك رغبةً في الاضطلاع بهذا الدور إلى جانب الدور الذي تلعبه المؤسسات الخيرية.
دينا ظافر