فتاة مثلية في مجتمع عربي: أبعاد إضافية للقهر
هذا الموضوع ضمن ملف «الهوية الجنسية»، لقراءة موضوعات أخرى في الملف اضغط هنا.
«عرفتُ العديد من الشبان منذ سن المراهقة، وخضت الكثير من التجارب مع الرجال إلى أن دخلت الجامعة، ثم أصبحت أكثر نضجًا وبدأت أفكر جديًّا في سبب فشل علاقاتي العاطفية وعدم تخطي أيها الخمسة أشهر الأولى، رغم قدرتي على إغراء وجذب أي رجل يعجبني، لكني كما لو كنت على عجل، أبحث عن شيء غامض لا أعرف ماهيته»، هكذا تحدثت التونسية سارة، الفتاة المثلية ذات الـ24 عامًا، إلى «منشور».
ابتسمتْ قبل أن تغمض عينيها وتسترجع المشهد، ثم واصلت حديثها: «أذكر جيدًا تلك الليلة، ذهبت إلى بيت صديقتي المقربة التي أعرفها منذ سنين عديدة كي أجهز معها حقيبتها وأرافقها إلى المطار، على أمل أن أراها في الإجازة القادمة».
«لم يكن أحد في البيت سوانا، رتبنا كل لوازم السفر وشربنا كثيرًا، كنا في كل مرة يتقاطع نظرنا نبكي بحرقة بكاء فراق أُمٍّ لابنها. سفرها سوف يطول هذه المرة، اقترحَتْ أن نرقص على أنغام موسيقى فرنسية هادئة، قبلتُ الدعوة، ضممتُها إليَّ وعانقتها بشدة فاحتضنتْ وجهي بين يديها وقبَّلتني دون إنذار قبلة طويلة النفس من فمي، حينها فقط أدركت ما أحب: أنا امرأة تعشق النساء».
تحدثت سارة طيلة الوقت والبسمة تعلو مُحيَّاها، فخورة بتجربتها الأولى، لكنها استاءت عند ذكر المجتمع الرافض لها، وأشارت إلى أنه حمّلَها «وِزر رغبتها». ابتسامتها التي اختفت هي بِنْتُ وضع اجتماعي شديد التعقيد، إذ تشكِّل المثلية الجنسية جدلًا واسعًا وتضاربًا في الأفكار والمواقف بين الأطباء والفلاسفة ورجال الدين وحتى العامة في المنطقة، ويُعتبر الحديث فيها من الأمور المعيبة المرفوضة، فجنسانية الفرد ملك للمجموعة التي حددت ضوابط وأدوارًا عليه الالتزام بها، والخروج عن نسق المجموعة مرفوض «اجتماعيًّا».
قد يهمك أيضًا: الأبعاد السياسية لاستهداف المثليين في مصر
يفرض المجتمع العربي على الأنثى التحلي بالأخلاق والحياء، فإذا اخترقت النظام يعيده الرجل عن طريق الجنسانية.
حوصرت المرأة في المجتمعات العربية بصور رمزية عدة ليس من بينها المثلية، تراوحت بين القديسة والأم والعاهرة، ورفضتها الأديان السماوية كذلك، إذ وصلت عقوبتها في الإسلام إلى القتل. وفي الحديث: «مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». وعدَّ ابن حجر الهيتمي «السحاق» من الكبائر، وذكر ذلك في كتابه «الزواجر عن اقتراف الكبائر»، واستدل على حرمانيته بقول النبي: «السحاق زنا النساء بينهن».
الكتاب المقدس أيضًا يرفض المثلية، أو بالأحرى يدين الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج أصلًا، سواءً كانت مع شخص من الجنس نفسه أو من الجنس الآخر. جاء في العهد الجديد: «اهْربُوا مِنَ العَهَارَةِ. كُلُّ خَطِيَّةٍ أُخْرَى يَرْتَكِبُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَ جَسَدِهِ، أَمَّا الذِي يُمَارِسُ العَهَارَةَ فَيُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ الخَاصِّ».
تستطيع صديقتي أن تُشبع رغباتي أكثر من الرجل، فهي تعرف جيدًا معالم الجسد الأنثوي.
تتداخل في العلاقة الجنسية عوامل عدة، من بينها الجنس، والتوجه الجنسي للممارِس، والإثارة الجنسية، والمتعة، والإنجاب.
العلاقة الجنسية في مجتمعنا مرتبطة بالأخلاق وتَصوُّر مفهوم الأنوثة، وبالتالي يفرض هذا المجتمع على الأنثى أن تتحلى بالأخلاق والحياء، فإذا اخترقت النظام يعيده الرجل عن طريق الجنسانية، لنكون بذلك أمام ظاهرة العنف الممارَس على أساس الجندر.
على هذا الأساس، يُعد تخلي المرأة عن الرجل ولجوئها إلى امرأة «مثلها» تهديدًا للمنظومة الذكورية، فكيف باستطاعة المرأة التخلي عن الرجل وفحولته؟ وكيف لا تشعر معه بالمتعة وهو من قننها وضبطها بمعايير تتماشى ورغبته؟ ألم يعد قضيبه كافيًا لسدِّ فراغها واحتياجاتها؟
اقرأ أيضًا: علاج حسب الهوية الجنسية: حكايات المتروكين للموت في لبنان
تقول درَّة (32 عامًا) إنها لم تشعر بالنشوة والسعادة والحب إلا مع بنات جنسها. تأخذ نفسًا من سيجارتها وتضيف: «المرأة أعلم باحتياجات المرأة أكثر من الرجل، فقد تقاسمنا نفس الوجع والرغبة والألم والفرح».
توضح لـ«منشور» أن «صديقتي تستطيع أن تُشبع رغباتي أكثر من الآخَر (الرجل)، فهي تعرف جيدًا معالم الجسد الأنثوي. صديقتي لم تخذلني كما خذلني معشر الرجال سابقًا».
الاهتمام بالمثلية عند الذكور أوقع فكرة المثلية الأنثوية تحت طائلة التهميش، ووضعها في خانة الفانتازيا الجنسية باعتبار الذكور طرفًا في العلاقة، ويبدو ذلك واضحًا في التعليقات التي انهالت على تدوينة على فيسبوك لفتاة مصرية تزوجت من صديقتها، وتراوحت بين مهاجم رافض لفكرة العلاقة، ومتفاجئ من حدوث المثلية بين فتاتين، إلى جانب من ذهب خياله إلى تمنِّي المشاركة.
بحسب الأستاذة الجامعية التونسية آمال قرامي، لم يورد القرآن أحكامًا لعقاب المثلية الجنسية، والأحكام المتداولة مجرد اجتهادات.
هكذا تُهمَّش المثلية الأنثوية تمامًا، لذلك عندما أجرت الأكاديمية الكويتية الدكتورة عالية شعيب دراسة عن النساء المستعدات لدخول علاقة جنسية مثلية في بلادها عام 2000، كانت النتائج مفاجئة، فنسبة 30 إلى 40% من المئة متطوعة محل الدراسة، اللاتي تراوحت أعمارهن بين 17 و44 عامًا، قلن إنهن مستعدات لفعل ذلك نتيجةً لمشاكل تتعلق بتعقيدات اجتماعية ونفسية مررن بها، تعود إلى عشرات الأسباب، منها غياب الوازع الديني وأسباب سيكولوجية وفسيولوجية.
وأثارت الأستاذة الجامعية التونسية آمال قرامي جدلًا واسعًا، بإعلانها أن القرآن لا يورد أحكامًا لعقاب المثلية الجنسية، وأن كل الأحكام المتداوَلة، من الرمي من حالق والحرق، مجرد اجتهادات فقط، وأشارت كذلك إلى أن بيت الرسول محمد كان فيه «مخنث» ولم يسيء إليه أو يقطع رأسه، وكذلك بيوت الصحابة التي اتَّسعت لغلمان ومخنثين.
قد يعجبك أيضًا: دعوة للحديث عن الهوية الجنسية بدلًا من تجاهلها
قرامي لفتت إلى رحابة صدر المجتمع وقتها لاحتواء المختلفين جنسيًّا ودينيًّا وعرقيًّا، وأنه كان أكثر وعيًا بالاختلاف والتنوع من الصرامة التي نتعامل بها اليوم، وكأننا «لا نرى وجهًا لقبول الآخر».
يهتم المجتمع بالحديث عن المثلية الجنسية عند الرجل أكثر منها عند المرأة، فالمساس برجولة الرجل وفحولته، وإرباك الصورة النمطية التي حددها المجتمع سلفًا عن طريق تقسيم الأدوار بين الأنثى والرجل، جعل من المثلية خطًّا أحمر لا يجب على الرجل تخطيه، فكيف للسُّلطة أن تنهار وللنظام الكوني أن يسقط؟ وكيف للرجل أن يتشبَّه بالمرأة ويصبح «خنثويًّا»؟
نعم، المجتمع يهتم بمسألة المثليين أكثر من المثليات، غير أنه يرفض كليهما بشدة وينبذهما، باعتبار أن المثلية حرمتها الديانات السماوية. وعادةً ما يلجأ الرجل إلى الضرب والقتل والجَلد لردع مثل هذه الممارسات، فالعنف حل مثالي لإعادة خلق نسيج اجتماعي متجانس. حسنٌ، أليس الانتصاب سُلطة؟ والقضيب سُلطة؟ والسُّلطة في مجتمعنا رجل؟ لكن الفروج في ما تعشق مذاهب.
صفاء المعلاوي