مثليون تحت حكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية
هذا الموضوع ضمن هاجس «الهوية الجنسية». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.
«كل يوم عندما تحين لحظة خروجي من المنزل، وأتخيل أنه من الممكن أن يكتشف أحد المارة أو شرطة الأخلاق أنني مِثْلِي الجنس، يصيبني الجنون وأشعر برغبة في إلقاء جسدي من أعلى البناية». هكذا يستهل الشاب الإيراني «كيوان»، المهندس البالغ من العمر 30 عامًا، كل صباح في حياته.
في عام 2008، أعلنت الأمم المتحدة إلغاء تجريم المثلية الجنسية ومزدوجي الميل الجنسي والعابرين جنسيًّا. وفي 2010، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» خطابًا حث فيه دول العالم على الاعتراف بحقوق المثليين، وطالب بعدم تجريم أي مَيل جنسي مغاير.
وفي 2011، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن المثلية وغيرها من باقي الميول الجنسية ليست مرضًا، ولا بد أن تعترف جميع البلدان بحقوق المثليين وتلغي العقوبات التي تفرضها عليهم، وحددت المفوضية يوم 17 يوليو من كل عام لمحاربة الرهاب الجنسي.
لكن يبدو أن كل تلك القرارات الدولية لن تجعل محمد لاريجاني، رئيس مجلس حقوق الإنسان في إيران، يتخلى عن موقفه من المثلية الجنسية، بعدما أعلن في 2014 أن اعتراف الغرب بالمثلية نفاق، وفسر ذلك قائلًا إنه «قبل 20 عامًا، كانت أمريكا تُجبر المثليين على الخضوع للعلاج، وبحسب دراستهم كانت المثلية مرضًا، لكن فجأة أصبحت أمرًا طبيعيًّا ويجب على إيران الاعتراف بها. ليس من حق الغرب أن يجبر إيران على الاعتراف بشيء يتناقض مع تعاليمنا الدينية، فإيران لن تتغير على مزاج الغرب».
كل تلك التصريحات تبدو عادية إلى حد ما بالنسبة إلى بلد إسلامي، لكن لاريجاني زاد الطين بلَّة بتأكيده أنه من المقبول في إيران ضرب المثليين وعقابهم، والمدهش أن تأتي تلك تصريحات من رئيس مجلس «حقوق الإنسان».
«لا أريد سوى أن يتقبلني أهلي»
عقوبة المثلية للرجال هي الإعدام في حالة إثبات التهمة، وفي حالة عدم الإثبات تكون 100 جلدة.
يروي كيوان لـ«منشور» أن أكبر مخاوفه منذ أن اكتشف ميوله الجنسية ليس الإعدام، بل رفض المجتمع وإهانة أسرته.
«اكتشفت أني مِثْلِي الجنس وأنا في عمر العشرين، حينها لم أجد بجانبي أحدًا كي أصارحه بهذا، فلجأت إلى الإنترنت لأعرف أكثر عن هويتي الجنسية. في البداية كنت أشعر بالذنب كوني مثليًّا، لكن ساعدني صديق إيراني في تخطي كل تلك المشاعر، رغم أنه ليس مثلي الجنس».
حاول الشاب عدة مرات أن يصارح أسرته بمِثليته، لكنه في كل مرة كان يخشى رد فعلهم، ففضل أن يسافر إلى العاصمة طهران ليستقل ويعيش بمفرده، هربًا من نظرات الشك في عيني أبيه كما يقول، ومن تساؤلات والدته عن سبب عدم رغبته في الزواج.
«لا نعدم المِثْلِيين، بل نحاول تهذيبهم»
قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت المثلية الجنسية مكروهة اجتماعيًّا لكن ليست لها عقوبة قانونية، لكن بقيام الثورة صارت عقوبتها الإعدام، بجانب حرص النظام على تشوية المثليين والتحقير منهم.
ينص قانون العقوبات الإيراني على أن عقوبة المثلية الجنسية للرجال هي الإعدام في حالة إثبات التهمة عن طريق أربعة شهود، وفي حالة عدم الإثبات تكون العقوبة مئة جلدة. أما النساء فيعاقبن بالجلد مئة مرة غالبًا، وبالإعدام في حالات قليلة، مثل أن تُتّهم امرأة أربع مرات بالمثلية، وحينها يكون القرار في يد المحكمة، إما أن تقرر إعدامها أو سجنها أو زيادة عدد الجلدات.
لم يرد أحد من أعضاء مجلس حقوق الإنسان الإيراني على تساؤلات «منشور» عن إعدام المثليين، لكن فاضلي قدوسي، أستاذ القانون في جامعة طهران، رحّب بالرد.
يؤكد قدوسي أنه لم يحدث أن أُعدم مثلي لمجرد شكوك، فتلك القضايا تُحال إلى المحاكم الدينية التي تتعامل بالشريعة، وتنظر في المثلية مثلها مثل الزنا، وتشترط أربعة شهود على الواقعة، وهذا شبه مستحيل، لكن «إذا أُلقي القبض على شخص تحيط به شبهة المثلية، يُحال إلى الطب الشرعى لفحصه، وإذا أكد الطبيب أنه بالفعل مثلي، حينها يُجلَد، والجلد هنا مجرد تهذيب واجب».
اقرأ أيضًا: فتاة مثلية في مجتمع عربي: أبعاد إضافية للقهر
«واجهت أسرتي فعرضوني على طبيب»
في 2005، نُفِّذ حكم الإعدام علنًا في اثنين من المراهقين بتهمة «اللواط»، بحسب تعبير الصحف الإيرانية.
يعيش المثليون في إيران في السر، وكثيرٌ منهم يموت دون أن يُفصح عن سره حتى لأقرب الأقربين، لكن «منشور» وصل إلى فتاة مثلية تُدعى «مُهر»، اختارت أن تواجه أسرتها وتعلن مثليتها.
تقول مُهر إنها اكتشفت هويتها الجنسية حين كانت تبلغ من العمر 15 عامًا: «شعرتُ أنني مختلفة، لا أحب ملابس البنات الملونة ولا شعري الطويل، ووقعت في غرام فتاة». كانت حديثة السن وقتها ولم تفهم ما الذي تمر به، وحين بحثت على الإنترنت وجدت أن أغلب المواقع الأجنبية محجوبة في إيران، فتحدثت إلى ابنة خالتها التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية: «هي الوحيدة التي ساعدتني على فهم هويتي الجنسية».
كان لدى الفتاة قدر كبير من الشجاعة، فعندما بلغت العشرين أعلنت لأسرتها أنها مثلية، لكن صراحتها تسببت في أزمة قلبية لوالدها، فأخذتها أمها عنوة إلى الطبيب كي «يعالجها».
أكد ذلك الطبيب لـ«منشور»، بعدما أصر على عدم كشف هويته، أن «المثلية مرض يستوجب العلاج الهرموني، ومَنْ لا يريد العلاج عليه أن يجري عملية تحول جنسي».
اقرأ ايضًا: كيف أصبحت إيران الثانية عالميًّا في عمليات التحول الجنسي؟
لكن المثلية الجنسية هي الانجذاب العاطفي والجنسي إلى نفس النوع، أما ما يتحدث عنه الطبيب فهو اضطراب الهوية الجنسية، ويحدث عندما تتعارض هوية الشخص (شعوره بأنه ذكر أو أنثى) مه جنسه البيولوجي (جسمه الذكر أو الأنثى).
ماذا لو أثبتت الفحوصات والعلاج النفسي أن «المريض» لا يريد أن يتحول إلى جنس آخر، بل هو فقط، وبكل سهولة، مثلي الجنس؟ يجيب الطبيب الإيراني: «يغادر إيران إلى أي بلد آخر، ليس لديّ حل لتلك المشكلة، هذه قوانين بلادنا» .
«نشعر بالعجز، النظام أقوى منا»
في عام 2005 نُفِّذ حكم الإعدام علنًا في مدينة مشهد بحق اثنين من المراهقين بتهمة «اللواط»، بحسب تعبير الصحف الإيرانية.
يقول المحامي الحقوقي حسين راغي إن «السلطات حينها أعلنت أنهما ارتكبا أعمالًا مخالفة للشريعة، وأُعدما بتهمة باغتصاب قاصرين، لكن أحدًا لا يعرف الحقيقة لأن تلك القضايا تُتَداول في المحاكم الدينية، ويُحظر على المحامين حضور الجلسات، لكننا كمحامين حقوقيين لدينا شكوك كبيرة في أن التهمة الحقيقية هي المثلية».
يشير راغي كذلك إلى أن منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حقوق الإنسان داخل إيران لا تستطيع أن تفعل شيئًا: «الأمر شديد التعقيد، وعندما يلجأ إلينا أهالي المتهمين نشعر بالعجز، فالنظام أقوى منا».
يتعرض المثليون لعنف شديد في المجتمع الإيراني، وفقًا لراغي، الذي يضيف: «جاء إلينا شاب شك جيرانه أنه مثلي وحاولوا قتله أكثر من مرة. لم نستطع فعل شيء، فلو ذهبنا إلى الشرطة سيعتقلون الشاب ويهينونه ويعرضونه على طبيب، وسيصبح الأمر كأننا نسلمه بأنفسنا إلى الإعدام».
«أحببت معلم الدين»
بعد أن أُرغمت الفتاة المثلية مُهر على الخضوع لعلاج هرموني، فكرت أن الحل هو الهرب إلى تركيا.
في مدينة «قُم» المحافظة التي تزخر بالحوزات العلمية (مراكز دراسة شيعية للعلوم الدينية) ورجال الدين، يحكي «مهراب» (اسم مستعار) أنه يدرس علوم الفقه والشريعة وعمره 22 عامًا، ووقع في غرام معلمه الشاب الذي يبلغ 35 عامًا.
«أشعر أنه يبادلني نظرات الإعجاب والحب، لكني لا أستطيع مصارحته، وأعلم أن ما أشعر به حرام شرعًا، لكني لا أريد منه شيئًا إلا مشاعر الحب فقط»، هكذا يوضح مهراب لـ«منشور»: «حاولت الهروب من تلك المشاعر بخطبة فتاة، لكني بعد أشهر قليلة تركتها وأصبحت متأكدًا من حبي لمعلمي. إنه غير متزوج، وهذا ما يعطيني أملًا في أنه يومًا ما سيصارحني بحبه».
قد يهمك أيضًا: أن تكون «بايسكشوال» في مجتمع عربي
إعدام في إيران.. إهانة في تركيا
عندما أُرغمت «مُهر» على الخضوع لعلاج هرموني، فكرت أن الحل هو الهرب إلى تركيا، لكنها فشلت في جمع المبلغ الذي تطلبه عصابات التهريب. أرشدتنا الفتاة إلى صديق لها مِثْلِي سبقها إلى تركيا، فضّل الإشارة إليه بالاسم المستعار «علي».
يحكي علي لـ«منشور» أنه لم يستطع العيش في إيران مع صديقه بعد أن تلقى عدة تهديدات بالقتل، فهرب إلى تركيا بطريقة غير شرعية، لكن الحياة هناك لم تكن كما توقع: «هربت من الإعدام كي أُهان كل يوم هنا، فأنا بدون أوراق رسمية، وتعاملني الشرطة بطريقة سيئة، وليس لدي مصدر رزق ثابت، فأضطر إلى الاشتغال بأعمال دُنيا، ويستغلني صاحب العمل ويعطيني الفتات، لكني مجبر على احتمال كل ذلك حتى تنظر السفارة الكندية في أوراقي لكي أحصل على حق اللجوء».
حاولنا التحدث إلى شركاء علي في السكن، وهم مثليون إيرانيين كذلك، لكنهم رفضوا خوفًا من أن يُفضَح أمرهم أو يحدث أي شيء يعطل طلبات اللجوء.
يروي ناشط حقوقي إيراني، وهو مثلي يقيم في ألمانيا (رفض ذكر اسمه)، أنه عاش قبل ثماني سنوات في تركيا هاربًا، ينتظر الموافقة على طلب اللجوء: «يمكنني القول إن موقفي كان أفضل من كثيرين، فقد كان معي مبلغ كبير من المال، ووقتها لم تكن الحرب في سوريا قد وقعت، علمًا بأن اللاجئين السوريين صاروا الآن يزاحمون المثليين الإيرانيين على اللجوء إلى أي بلد أوروبي».
بحسب ما يوضحه ذلك الناشط لـ«منشور»، أصبحت السفارات الأوروبية في تركيا تفضل منح اللجوء إلى السوريين بدلًا من المثليين الإيرانيين، وهذا ما جعل أمور الإيرانيين تسوء أكثر.
يومًا بعد يوم تتغير طريقة التعامل مع المثلية في عديد من دول الغرب، لكنها تبقى ثابتة على حالها في إيران. ورغم أن المثليين الإيرانيين ما زالوا يعيشون في الخفاء، وبعضهم يحاول الهروب وآخرون يلجؤون إلى الانتحار، فإن عددًا لا بأس به منهم لا يريد هذا أو ذاك، بل يُصِر على البقاء في إيران والمحاربة من أجل حقوقه.
شيماء محمد