رغم العنف، رغم الحرب: المكتبات تعود في أفغانستان
الأفيون والكتب السلعتان الوحيدتان اللتان لا تستوردهما أفغانستان.
رغم الحرب الشرسة التي سيطرت على أفغانستان لعدة عقود، وتمزق النسيج الاجتماعي نفسه بسبب الحروب الأهلية العنيفة، وكذلك سيطرة حركة طالبان على البلاد، وبالتالي منع كل أشكال الثقافة والإنتاج الفني، تعود الثقافة من جديد، تحديدًا منذ 2015، إذ تنتشر حركة الكتابة والنشر في أفغانستان، رغم أن صناعة النشر تعاني مشاكل عديدة في كثير من الدول التي ربما تكون أكثر رفاهية وأمانًا.
يستعرض «رود نوردلاند» وفهيم عبيد هذه الظاهرة، وما يتعلق بحركة النشر السريعة وانتشار مكتبات بيع الكتب في أفغانستان، في مقال لهما بجريدة «نيويورك تايمز».
كابول: القراءة رغم العنف
تشير الإحصائيات إلى أنه من بين ثلاثة أفغان يستطيع فردان فقط القراءة. هذه نسبة مرتفعة، لكن يبدو أن من يجيدون القراءة يفعلون ذلك باستمرار وانتظام يسمح لهذه الصناعة بالازدهار رغم زوبعة العنف في البلاد، وبخاصة في الآونة الأخيرة، فالانغماس في قراءة كتاب يكون أفضل وسيلة للهروب من واقع يسوده الاضطراب والتشويش.
في حديثه لكاتبي المقال، يقول «جاشميد هاشمي»، مدير مكتبة إلكترونية لها فروع في عدة مدن أفغانية وأحد مؤسسي نادي الكتاب الأفغاني: «أعتقد أن قراءة الكتب تخلق فاصلًا مؤقتًا من الحياة اليومية في كل بيئة، وبخاصة البيئة المتأثرة بالحرب، وتعزل القارئ تمامًا عما يحيط به عندما ينغمس بشدة في القراءة (...) بالنسبة إلى أفغانستان، هذا يدل على رغبة في الاستقرار العاطفي نوعًا ما»، ومما لا يدعو إلى المفاجأة أن يستثمر ناشرو الكتب الأفغان في هذا الاحتياج.
يقول «سيف الله ناصري»، أحد الإخوة الأربعة الذين يديرون مكتبات «أكسوس»، وهو ناشر يدير أيضًا بعض متاجر بيع الكتب في كابول، إن هذا المشروع «يملكه الأفغان ويديرونه بشكل كامل (...) يحاول الناشرون إيجاد كتب جديدة للنشر، ويبحث الشباب عن كتب يقرؤونها، ويبحث الكُتَّاب عن ناشرين. إنها بيئة مفعمة بالنشاط، وهو شيء مستقل تمامًا دون مساعدة أجنبية».
قد يهمك أيضًا: هكذا تُسهِم القراءة في تحديد مصائرنا
لم تكن الأمور دائمًا وردية في أفغانستان
واجهت الحكومة الأفغانية الجديدة مهمة كبيرة في إعادة بناء النظام التعليمي، الذي عانى من الحرب الأهلية ومن ولاية طالبان.
يبلغ عدد سكان كابول أكثر من خمسة ملايين نسمة، ويزدادون بشكل سريع. يوجد في المدينة حاليًّا نحو 22 ناشرًا، بعضهم يملك معدات الطباعة الخاصة به، بينما يستخدم آخرون معدات دور الطباعة المحلية. ويتوزع باقي الناشرين على الـ34 إقليمًا الباقين، حتى في المناطق التي دمرتها الحرب، مثل هيلماند وقندهار.
لم يكن الوضع بهذا الازدهار تحت حكم طالبان الذي استمر منذ 1996 حتى 2001. كان هناك ناشران للكتب فقط، أحدهما حكومي والآخر شركة خاصة تدعى «عازم» للنشر.
في السنوات التالية للاحتلال الأمريكي كانت الكتب تُطبَع بسعر رخيص، ثم تُقرصَن في باكستان. شاعت هذه الكتب في أسواق كابول كالخضراوات والفاكهة.
واجهت الحكومة الأفغانية الجديدة مهمة كبيرة في إعادة بناء النظام التعليمي، الذي عانى لعقود من الحرب الأهلية، ثم خمس سنوات من ولاية طالبان، التي أغلقت المدارس وألِفت كتب اللغات الأجنبية.
بدأ الناشرون الجدد ترجمة الكتب من الإنجليزية إلى الفارسية والباشتو، اللغتين الرسميتين للدولة. ويقول «دواود موراديان»، المدير العام للمؤسسة الأفغانية للدراسات الإستراتيجية: «كان في أفغانستان شعور بالفضول والظمأ لمعرفة كيف يفكر العالم، وإنتاج الكتب ظاهرة نامية لمحاولة إشباع هذا الظمأ».
القراءة كرد فعل للقمع الطويل
أجمل عازم طبيب أطفال أفغاني، أسس والده دار نشر تحمل اسمه، وتنشر الكتب بأسرع ما يمكن. المشكلة الوحيدة التي تواجههم هي قلة المترجمين الأكفاء الذين يترجمون من الإنجليزية إلى اللغات المحلية. وتهدف شركة عازم إلى طبع ثلاثة كتب يوميًّا في 2018، للوصول إلى 1200 كتاب في السنة، وهي كمية هائلة بالنسبة إلى ناشر واحد.
تتزين دار النشر بملصقات كبيرة الحجم لأغلفة الكتب حديثة النشر، وتمتلئ مكتبات البيع بطبعات كتب مرصوصة بشكل حلزوني أو معروضة على الحائط بنسختيها العربية والإنجليزية.
بدأ الناشرون الكبار إجراءات الحصول على حقوق الأعمال الأدبية بلغتها الأصلية لأول مرة منذ سنوات، لأن تحرير الكتب بلغتها الأصلية أسرع كثيرًا من ترجمتها، فقد أطلقت «أكسوس» نسخة أفغانية من «أمازون»، تبيع الكتب عبر صفحتها على فيسبوك.
يفتقر الأفغان عادةً إلى الاتصال بالإنترنت، ولا يملك أغلبهم أجهزة كمبيوتر في المنازل، لكن الشباب المتعلمون لديهم دائمًا تطبيق فيسبوك في هواتفهم الذكية.
قد يهمك أيضًا: أمازون: عملاق الكُتب الذي لا يتوقف عن التمدد
قرصنة الكتب في أفغانستان
تبقى القرصنة منتشرة في الظروف الحالية، حتى أن بعض العناوين في متاجر «أكسوس» الرئيسية مأخوذة بشكل غير شرعي من كتب مشهورة، ما يصيب الناشرين ببعض القلق، ويورد المقال على لسان عازم: «لو بعنا ألف نسخة من كتبنا، يبيع القراصنة أربعة آلاف نسخة من نفس الكتاب بأسعار رخيصة».
تبدو القرصنة أكبر مشكلة تواجهها صناعة النشر في أفغانستان، لكنها عَرَضٌ جانبي سلبي لظاهرة إيجابية هي انتشار الكتب.
بدأ مسؤولو الحكومة فرض قوانين لحقوق الطبع المتجاهَلة منذ فترة طويلة. يورد المقال حديثًا لسيد فاضل حسين، مسؤول النشر في وزارة الثقافة والمعلومات، يقول فيه إنه «في السنوات الأربعة الماضية، تلقينا أربع أو خمس قضايا بشأن حقوق الطبع، وقد أُغلِقَت مكتبة نَسْخ مستندات بتهمة إصدار نُسَخ غير شرعية من كتب مطبوعة».
لكن السيد ناصري، مالك «أكسوس» التي تصدر ترجمة لكتاب جديد كل أسبوع، أنكر أن شركته طبعت كتبًا دون ترخيص، واشتكى هو نفسه من القرصنة: «نملك قانونًا لحقوق الطبع في أفغانستان، لكن يبدو أن أحدًا لا يعرف عنه شيئًا، وهذه مشكلة كبيرة».
اعترف ناصري بأن متاجره ومكتباته تبيع أحيانًا بعض الكتب غير المرخصة، وإن كان قد استدرك أنهم لا يطبعونها بأنفسهم: «ليس لدينا خيار إلا أن نبيع نسخًا من هذه الكتب. إن لم نفعل هذا، سيكون من الصعب علينا مواكبة حركة البيع».
تبدو القرصنة أكبر مشكلة تواجهها صناعة النشر في أفغانستان هذه الأيام، لكنها عَرَضٌ جانبي سلبي لظاهرة إيجابية، هي انتشار الكتب والرغبة المتزايدة في القراءة.
أمنية محمد إسماعيل