هل نتجه نحو حكومة عالمية موحدة؟
هذا الموضوع ضمن هاجس شهر أكتوبر «إلى أي وطن ننتمي؟». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.
في عام 1947، تعاطف آينشتاين مع قضية السلام العالمي ودعم إنشاء «حكومة عالمية موحدة»، واعتبر أن الحماس الوطني يكون في الغالب ذريعة للعنف، فالقومية المفرطة في ألمانيا مرض، ولمكافحته لا بد من محو الحدود السياسية بين البلدان.
أيَّد آينشتاين تشكيل اتحاد أوروبي خلال الحرب العالمية الأولى، وأيَّد الأمم المتحدة لاحقًا، غير أنه أبدى قلقه إزاء عدم امتلاكها سُلطة كافية لضمان السلام العالمي.
كانت هذه الفترة عصرًا ذهبيًّا لحلم الحكومة العالمية، ففي القرن العشرين وافق قادة عديد من الدول الغربية على زيادة التعاون الدولي كوسيلة لمنع الأعمال العدائية في المستقبل. وعقب الحرب العالمية الثانية، تبنَّى الفيلسوف وعالم الرياضيات «برتراند راسل» حملة لإنشاء حكومة عالمية لمنع الصراع الدولي، وعبَّر عن قلقه من نشوب حرب نووية.
وفي وقتنا الحالي، أكد العالِم ستيفن هوكينغ حاجة البشر إلى حكومة عالمية للتعامل مع المشاكل التي تنتج عن الذكاء الصناعي، فيما أشار البابا فرانسيس إلى أن إنشاء حكومة عالمية واحدة ضروري لمكافحة قضايا رئيسية مثل تغير المناخ والأسلحة النووية.
ووفقًا لإحدى الدراسات، فإن ما يقرب من سبعة من أصل كل 10 أشخاص في بريطانيا يؤيدون إنشاء شكل من أشكال الحكومة العالمية، تكون قادرة على إجبار الدول على التعامل مع المخاطر الكبرى التي تواجه العالم، واعتبر 62% ممَّن أجريت عليهم الدراسة أنفسهم «مواطنين عالميين»، بالإضافة إلى كونهم بريطانيين.
لكن هل سيُسهِم إنشاء حكومة عالمية حقًّا في حل كثير من المشكلات؟
الحكومة العالمية: تاريخ الفكرة
لن يقتصر وجود حكومة عالمية على التعاون بين الأمم، بل ستصبح كيانًا له خصائص تشبه الدولة ولها قوانينها الخاصة.
رغم أن وجود حكومة عالمية قد يبدو فكرة مستقبلية جدًّا، فإنها ترجع إلى آلاف السنين، إذ تبنَّاها المصريون القدماء والصينيون واليونانيون، وبالتالي فإن أفضل الفرص المؤهِّلة لإقامة حكومة دولية حاليًّا هي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير أن كليهما له معارضون وأمامه قضايا خطيرة، وقد أظهر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي استياءً شديدًا إزاء «اتحاد بيروقراطي لا يحقق المساواة».
يمكن أن تكون إحدى مزايا وجود حكومة عالمية أن كل أنحاء العالم ستكون مسؤولة عن تحقيق نفس المعايير لجودة المنتجات وسلامتها، وللتلوث، ولحل النزاعات، بالإضافة إلى عدم الحاجة لميزانية الدفاع الوطني للدول، واستخدامها في مجالات أخرى، وكنتيجة منطقية، ستكون هناك حواجز تجارية أقل.
باستطاعتنا تصور مزايا أخرى، كمواجهة التهديدات العالمية، مثل الكوارث والحروب والمذنبات والأوبئة، وحدوث تبادل معرفي أكبر بين البلدان السابقة، ورفع المستوى العام للمعيشة، والتقدم العلمي.
اقرأ أيضًا: أفلام آدم كيرتس تكشف حقيقة التحكم في الشعوب
الاتحاد الأوروبي نموذجًا أوليًّا
جادل بعض الباحثين بأن الحكم العالمي بدأ بالفعل، إذ تقلص عدد الوحدات الحاكمة منذ تاريخ البشرية من 600 ألف مملكة وقبيلة إلى أكثر من 200 دولة بقليل.
لن يقتصر وجود حكومة عالمية على التعاون بين الأمم، بل ستصبح كيانًا له خصائص تشبه الدولة ولها قوانينها الخاصة، وقد أنشأ الاتحاد الأوروبي بالفعل حكومة قارية تمتد سلطتها النسبية على 27 دولة، لديها محكمة عُليا وعملة خاصة وقوانين وخدمات مدنية واسعة، بالإضافة إلى القدرة على نشر قوات عسكرية، لذا فهل يمكن أن يصبح النموذج الأوروبي عالميًّا؟
هناك ثلاثة أسباب للتفكير في هذا:
- يعتقد الناس أكثر من ذي قبل أن أصعب القضايا التي تواجه الحكومات الوطنية ذات طابع دولي، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، والأزمة الاقتصادية، والحرب العالمية على الإرهاب.
- أسهمت ثورات النقل والاتصالات في تقلص العالم، فقد أشار المؤرخ الأسترالي «جيفري بليني» إلى أنه، لأول مرة في تاريخ البشرية، أصبح وجود حكومة عالمية ممكنًا، وتوقع محاولة تشكيل حكومة عالمية في مرحلةٍ ما في القرنين التاليين.
- التغير في المناخ السياسي ربما يوحي بأن الحكم العالمي قد يأتي في وقت أقرب بكثير من ذلك، فالأزمة الاقتصادية وتغير المناخ يدفعان الحكومات الوطنية نحو إيجاد حلول عالمية، حتى في دول مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهي دول تمثل نموذجًا شرسًا للسيادة الوطنية.
قد يهمك أيضًا: نحن والدولة: ماذا تفعل بنا فكرة «التنظيم»؟
هل الحكومة العالمية ضرورة تاريخية؟
ربما لا يكون بوسع الدول في المستقبل أن تكفل أمنها الخاص، حتى تُسهِم سلطة عالمية في التخلص من التهديد النووي. ومع ذلك، من الصعب تصور أي سيناريو تثق فيه كل الدول ببعضها بما فيه الكفاية لتسليم سلاحها النووي كله إلى كيان واحد، وهذا سبب في اعتقاد بعضهم في الحاجة إلى فرض بعض الدول القوية إرادتها على الأخرى لإنقاذنا من التهديد النووي، مما قد يعيدنا إلى مخاوف سابقة بشأن الاندماج السريع الذي ربما يثير حربًا عالمية.
بعيدًا عن مسألة الأمن النووي، يفترض عديد من الأکادیمیین حدوث تطور ضروري للحكومة العالمیة مع مرور الوقت، ويجادل بعض الباحثين بأن هذه العملية بدأت بالفعل، إذ تقلص عدد الوحدات الحاكمة منذ تاريخ البشرية، إذ كنا نعيش في نحو 600 ألف مملكة وقبيلة قديمًا، والآن صرنا أكثر من 200 دولة بقليل، فهل يُنبئ هذا بتقلص عدد الوحدات الحاكمة إلى رقم أقل بكثير، ربما يصل فيما بعد إلى «واحد»؟
أحمد حمدي مسلَّم