صعود ترامب: هل عاد هتلر من جديد؟
بعد أن سخر الكثيرون من تصريحات دونالد ترامب قبل توليه الرئاسة، تحولت هذه السخرية الآن إلى قلق من قرارات الرئيس الأمريكي الذي لم تمض على فترة رئاسته سوى أيام.
ويكشف مقال على موقع (Tablet) كيف أن مسيرة الشخصيتين إلى مراكز القيادة متشابهة إلى حد مخيف، في رأي الكاتب.
صفقة الوصول إلى الحكم
الشائع أن الألمان انتخبوا هتلر لمنصب مستشار الرايخ في عام 1933، لكن الأرقام والوقائع التاريخية تقول شيئًا آخر، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة ألمانيا، ثم ما ترتب على «معاهدة فرساي» من شروط أضافت المزيد من الأزمات إلى ألمانيا، التي صارت تعاني حياة سياسية هشة واقتصادًا منهارًا. في تلك الظروف السيئة بدأ سطوع نجم أدولف هتلر ومعه الحزب النازي.
ومع الديمقراطية الوليدة آنذاك، بدأ الحزب النازي يخطو نحو البرلمان الألماني أو «الرايخستاغ» (Reichstag)، لكن كانت أعلى نسبة حققها من الأصوات هي 37% في يونيو 1932، أي قبل نحو ستة أشهر من وصول هتلر إلى مركز المستشار.
كانت هذه النسبة كبيرة لكنها ليست كافية لتصل بصاحبها إلى الحكم، إلا أنها انخفضت في الانتخابات التالية في العام نفسه بعد حل المجلس لتصبح 33%، وهكذا بدا أن أسهم هتلر وحزبه قد تراجعت لدى الشعب الألماني، لكن عوامل أخرى أدت إلى وصول هتلر إلى السلطة.
أخذ تأييد الحزبين النازي والشيوعي، أكثر الأحزاب تطرفًا في ذلك الوقت، في الصعود بين أعوام 1929 و1932 على حساب الأحزاب الأكثر اعتدالًا، التي رأى الناس أنها سبب في المشاكل التي تعيشها ألمانيا. ومع ازدياد مخاوف الأحزاب الوسطية من صعود الشيوعيين للسلطة وتعاظم نفوذهم، أقدم بعض المحافظين من الطبقة العليا في المجتمع على التدخل لإجراء مفاوضات مع هتلر وحزبه، لإعطائهم مساحة في الحكم.
وهكذا عُقدت الصفقة؛ بعض الأثرياء من ملاك الأراضي وأصحاب البنوك وضباط الجيش ضغطوا على الرئيس «باول فون هيندنبورغ» (Paul von Hindenburg) ليختار هتلر مستشارًا له بناءً على طلب الأخير، وبدأ عصر جديد، هتلر المستشار، وعدد قليل من أعضاء حزبه النازي في الحكومة، وتبقى الأكثرية للمحافظين حتى يستطيعوا السيطرة على هتلر، أو هذا ما تمنوا.
قد يعجبك أيضًا: ماذا لو عاد هتلر: كتاب وفيلم ألماني يبحثان في المسألة
الديمقراطية التي استفزتهم
رغم الكثير من الأزمات التي واجهت ألمانيا في حقبة «جمهورية فايمار» (Weimar Republic)، فإنها أرست العديد من عوامل الديمقراطية وأدخلت تعديلات في المنظومة الاجتماعية، وبدا أن هناك تحسنًا في عدد من الخدمات مثل العيادات العامة، وأخذت المرأة قسطًا أوفر من التعليم وفرص العمل.
أُعيد تشكيل الديمقراطية، ازدهرت الثقافة ونضجت الحياة الجنسية، وكل هذا استفز المحافظين، سواء التقليديين أو المتطرفين، فوصفوا الجمهورية بأنها «جمهورية المنتفعين، جمهورية مُسيئي الاستخدام، جمهورية السارقين، جمهورية اليهود»، وهذه العبارة لم يقصدوا بها النظام الحاكم فقط، بل كل من يقف في صفه من ليبراليين أو اشتراكيين، قبل أن يشرعوا في توظيف أدواتهم لخدمة أهدافهم.
طريقة اتفاق تيارات المحافظين قديمًا على اختلافها تدق جرسًا بشأن صعود اليمين الملحوظ الآن.
كانت للتيار التقليدي علاقات قوية داخل الكنيسة ونفوذ في عدد من الصحف الكبرى، بدأ في استخدامها لنشر أفكاره، وفي المقابل، عمل النازيون على الضواحي والقرى التي لم تصل إليها أحزاب سياسية من قبل. ومع نهاية عشرينات القرن العشرين، كانت أفكار المحافظين قد انتشرت وأدخلت مفردات عنصرية إلى اللغة اليومية، وربطت بقوة بين الشيوعيين واليهود.
خلال كل هذا، كانت العلاقات مستقرة بين التقليديين والمتطرفين، وحتى عندما كان المتطرفون يلجأون إلى حلول غير مألوفة، لم يمنع هذا من استمرار الروابط بين الطرفين.
قد يهمك أيضًا: ما الذي يحدد تعاطف العرب السياسي؟
كيف يتشابه صعود النازية مع صعود اليمين الآن؟
لا يوجد الآن حزب يشبه الحزب النازي بالتأكيد، وأحكام التاريخ وإن تشابهت في معظم الحالات فهي ليست قاطعة، لكن الطريقة التي اجتمع بها تيارا المحافظين قديمًا على اختلاف أساليبهما تدق جرسًا بشأن صعود اليمين الملحوظ في عدة دول؛ من بولندا مرورًا ببريطانيا ووصولًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
تسببت ضغوط عدة مؤخرًا في دعم كثير من الشعوب «تيار اليمين الشعبي» (Right-Wing Populism)، الذي يميل إلى التمرد على السياسات التقليدية ويرغب في التحرر من القيود الحكومية في التعاملات، بالإضافة إلى رفضه فكرة وجود طبقة عليا تتمتع بمزايا خاصة.
ولعل تفاوت آثار العولمة من مجتمع لآخر أحد أسباب الميل لهذا التيار، وكذلك ارتفاع معدلات البطالة، وحتى المتاح من الوظائف ليس ذا مقابل مادي كبير. وفي أمريكا نفسها أفاق الناس على التناقض الموجود؛ إذ لا يشعر البعض بأمان اقتصادي فيما يتمتع آخرون بالكثير من المزايا وأوضاعهم مستقرة.
هنا تأتي ملاحظة مهمة: كثيرون ممن يتبنون أفكار التيار اليميني ليسوا من الفقراء أو المحتاجين، بل إن بعضهم من الشعوب المعروفة بارتفاع مستوى المعيشة والرفاهية؛ مثل الدنمارك والنمسا. وبالنظر إلى الشريحة المؤيدة لدونالد ترامب سنجد أغلبها مكتفٍ ماديًّا، إذًا فنظرتهم لهذا التيار قد لا تكون اقتصادية بالدرجة الأولى.
اقرأ أيضًا: ربما يصبح العالم أكثر سلامًا تحت حكم المجانين
العنصرية في أمريكا وألمانيا وفرنسا
توجهات ترامب لكسب المؤيدين تبدو مشابهة لأساليب هتلر.
الجانب المشترك بين التيارات اليمينية أن لديها مشكلة أساسية مع من يدعونهم «الأجانب»، وتعريف الأجانب لديهم مختلف، فلا يهم إن كنت مولودًا في البلد، حتى لو كنت من الجيل الثالث لأحد المهاجرين، فهذا يكفي لتكون أجنبيًّا ولتُرفض من قِبَلهم.
هذا التعريف لا ينطبق فقط على أعراق بعينها من المهاجرين، بل يمكن ملاحظة أن الذين صوَّتوا بالموافقة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانوا يصوتون ضمنيًّا ضد المهاجرين واللاجئين، حتى الأوروبيين منهم. وكما صرنا نعلم، لا يُكِنُّ دونالد ترامب الكثير من المودة للأجانب، خصوصًا المسلمين.
تبدو توجهات ترامب لكسب المؤيدين شبيهة بأساليب هتلر؛ فهو يستخدم عبارات تحمل أكثر من معنى، وينادي بأن تعود أمريكا عظيمة كما كانت سابقًا، ولكن في هذا «السابق»، بالعودة للخمسينات، كان الأمريكون ذوو الأصول الإفريقية واللاتينيون مُضطهدين.
في ألمانيا هناك حركة (PEGIDA)، وحروفها اختصار لعبارة «المناضلون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب»، والاسم يغني عن أي شرح. هؤلاء يرفعون شعار «طوفان الأجانب يعني الإبادة الجماعية»، والمقصود هنا الإبادة الجماعية لهم كألمان.
وليست فرنسا بأفضل حالًا، فهناك حزب «الجبهة الوطنية» (The National Front) الذي يتبع اليمين أيضًا، ويطبع كثيرًا من الشعارات الجميلة والبريئة التي يمكن أن يستخدمها أي حزب؛ شعارات عن الأمن والعدل، لكن هذا لا يمنع أبدًا من وجود شعارات أخرى؛ مثل «أوقفوا الهجرة» و«ادعموا الهوية الفرنسية».
اقرأ أيضًا: جيل «التهجير» يروي حكايات الظلم والقهر في قلب النوبة
مأزق الجمهوريين: دعم ترامب أم تجاهله؟
مع صعود نجم ترامب، بدا واضحًا أن أبناء الحزب الجمهوري لم يحسموا موقفهم بعد، هل يدعمون شخصية عنصرية ومتمركزة حول نفسها مع علمهم بعدم القدرة على السيطرة عليها؟ أم يديرون ظهورهم لها؟
البعض قرر عدم الدفع باسمه ومشواره السياسي وراء هذه الشخصية، فيما فضل معظم أعضاء الحزب دعمه لتصاعد شعبيته؛ فليس من مصلحتهم سحب الثقة من شخص يحظى بدعم جماهيري.
الخطاب الذي يحمل نغمة ترهيب من الآخَر سيوصل المتطرفين إلى الحُكم في النهاية.
نظام الحكم في الولايات المتحدة رئاسي، بالفعل كانت هناك العديد من الخلافات بين أوباما أو جورج بوش الابن والكونغرس إلا أن هذا لا يحدُّ من سلطات أو صلاحيات الرئيس. في مقال للباحث «إريك بوسنر» (Eric Posner) ذكر أن ترامب مع صلاحيات الرئيس يستطيع فعل الكثير جدًّا فيما يتعلق بسياسات الهجرة وقوانين السلطة القضائية الفيدرالية. هذا يذكِّر بما فعله هتلر مع الدستور الألماني؛ لقد دمَّره.
قد يعجبك أيضًا: كيف يمكن عزل الرئيس الأمريكي؟
سيناريو هتلر يعود من جديد
الجمهوريون ومن يوافقهم التفكير من القيادات السياسية في أوروبا يكررون ما فعله المحافظون التقليديون مع هتلر. أعمتهم أفكارهم الخاصة ودخلوا في لعبة غير مضمونة مستغلين الديمقراطية، والآن يحاول بعضهم الهروب والابتعاد من الصورة.
إن نظرة أخيرة إلى سياسة المحافظين في حقبة «جمهورية فايمار»، التي أتت بهتلر إلى كرسي الحكم، تخبرنا بالصورة التي نحن عليها الآن، والخطاب السياسي الذي يحمل نغمة الترهيب من الآخَر، أيًّا كان تعريف الآخَر، سيدفع المعتدل والمتطرف للاتحاد معًا، لتكون النتيجة وصول المتطرف إلى الحُكم بمباركة المعتدل، فهل هذا ما ينتظر أمريكا والعالم؟
أندرو محسن