عام ترامب الأول: هل النهاية أسوأ من البداية؟
لم يمضِ أسبوع على مطلع عام 2018 حتى صار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرةً أخرى، في بؤرة اهتمام العالم. فبالإضافة إلى الحرب الكلامية المشتعلة حاليًّا بينه وبين زعيم كوريا الشمالية، وقراراته المثيرة للجدل بشأن القدس، يتطلع كثير من المتتبعين إلى استكشاف تفاصيل من حياته الخاصة عبر كتاب «مايكل وولف» الصادر حديثًا.
كتاب «نار وغضب»، الذي صدر في غير موعده عقب تهديد ترامب بمنع طرحه في الأسواق، جاء ليلقي الضوء على نواحٍ من حياة الرئيس، منذ حملته الانتخابية إلى وصوله للبيت الأبيض، من بينها شهادات تصف تعامله مع زوجته وطريقة تناوله الطعام، وكيف أنه لم يتوقع أصلًا الفوز في السباق الانتخابي.
نفى ترامب الاتهامات الصادرة في الكتاب قائلًا إنها «محض خيال من صنع مؤلفه المحتال»، لكن، وبصرف النظر عن صحة كل ما جاء في الكتاب، تشهد بعض القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي على مدار 2017 على أن بعض الأمور التي تضمنها الكتاب صحيحة.
بتتبع تصريحات ترامب، سواء في الإعلام العمومي أو على تويتر، لا يمكن إنكار حجم الفوضى الذي يميز كيفية اتخاذ القرارات داخل البيت الأبيض، أو النرجسية التي يتحلى بها، والتي تجعله ينفي حتى ما يؤكده العلم، أو غياب أهداف واضحة تؤطر سياساته، وهو ما يدل على أن ما توقعه بعض المتخوفين بخصوص رئاسته ما هو إلا نزر يسير مما هو قادم، حسب ما جاء في مقال منشور على الواشنطن بوست.
أمريكا: التهور سيد المرحلة
يشاهد ترامب البرامج التي تدعمه، ويتسابق المحيطون به لكيل المديح له، مما يهدد المبادئ الديمقراطية التي قامت على أساسها أمريكا.
مَن كان يتوقع أن رئيس «أعظم دولة في العالم» و«قائدة العالم الحر» سيصف مشاركين في مسيرة نظمها عنصريون ونازيون جدد وأفراد من جماعة «كو كلوكس كلان»، بأنهم «خيرة الخلق» و«أشخاص جيدين»، وذلك في أعقاب الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة شارلوتسفيل؟
مَن كان يتصور أن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، «نيكي هيلي»، ستهدد الدول التي ستصوت ضد قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وتعتبره تصويتا ضد شخص الرئيس وتهجمًا عليه؟
مَن كان يعتقد أن حكومة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم سترفض ما أثبته العلم، والأدلة التي تؤكد حقيقة التغير المناخي، وتقرر الانسحاب من اتفاقية كان الغرض منها الحفاظ على مستقبل الجنس البشري؟
كل هذا حدث في عام واحد فقط من رئاسة ترامب، وهو ما يدل على أن شخصيته النرجسية وغياب إطار يحدد سياساته هو أهم الصفات المميزة له ولقراراته، سواء تلك التي تخص الشأن المحلي أو الدولي، رغم عِظَم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.
ما يدعم هذا أنه يقضي ساعات يشاهد البرامج والإذاعات التي تدعمه وتمدح قراراته، بحسب المقال، خصوصًا قنوات فوكس، في حين يهاجم الوسائط الإعلامية التي تشكك في سياساته ويعتبرها «الناشر الحصري للأخبار المزيفة»، التي تسعى إلى تشويه صورته وسمعته.
أما المحيطين به، فيبدو أن كل واحد منهم يتسابق لكيل المديح له عوضًا عن مُساءلة قراراته، مما يهدد المبادئ الديمقراطية التي قامت على أساسها مؤسسات البلاد.
اقرأ أيضًا: سياسة التلويح بالأعضاء: لماذا تفاخر ترامب بحجم زره؟
هل يمكن إيقاف ترامب؟
عززت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ تأسيسها، قيمة السيطرة المدنية على الجيش، عن طريق وضع قرارات الأمن القومي في يد القيادات السياسية بدل العسكريين، وهو إجراء هدفه ضبط النفس وتفادي دخول أي مغامرة غير محسوبة العواقب. لكن مع ترامب، صار الأمر يتطلب الجهود المشتركة لثلاثة جنرالات مهمتهم الكبرى إبقاء الرئيس الأمريكي تحت السيطرة، وفقًا للمقال.
الحلفاء الجمهوريون للرئيس، الذين يفترض أن بمقدورهم كبح جماح سلطته التنفيذية وحفظ السير العادي للأمور، استسلموا للأمر الواقع، وكثيرون منهم يواصلون دعمه رغم أنهم يعلمون أنه ليس أهلًا للرئاسة، وذلك خشية الغضب الشعبي الذي قد يتسبب فيه انتقادهم، وكذلك لأنهم يرونها فرصة لتطبيق أجندتهم المحافظة.
علاوةً على ذلك، عيّن ترامب ابنته وصهره مستشارين له رغم عدم أهليتهما للمناصب الموكلة إليهما، وهذا ينُم عن محاباة غير مسبوقة في تاريخ الرئاسة الأمريكية، وعجز عن توظيف كفاءات لامعة ومميزة لها خبرة تنفيذية في المجال، مما يجعل مستوى الإدارة الأمريكية الحالية متواضعًا.
قد يعجبك أيضًا: حرب تكسير العظام بين ترامب والإعلام
يبدو أن الدعم الشعبي الذي يستند إليه ترامب، الذي يبرر بناءً عليه معظم قراراته باعتبارها تتحدث باسم الشعب الأمريكي الحقيقي ونابعة أساسًا منه، لم يتراجع رغم تصريحاته اللاذعة وسياساته المتهورة واستمرار التحقيق معه في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يجعل المستقبل غامضًا في ما يخص مصير الرئيس الأمريكي، وكذلك في ما يخص مصير العالم أجمع.
إدريس أمجيش