هجوم وتصيُّد أخطاء: حرب تكسير العظام بين ترامب والإعلام

الصورة: Getty/Chip Somodevilla

محمد شهود
نشر في 2017/12/29

«إعلام واشنطن جزء من المشكلة. أولوياته تختلف عن أولوياتي وأولوياتكم. صدقوني، أجندتهم مختلفة عن أجندتكم». الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إبريل 2017.

وبينما كان ترامب يحضر تجمعًا لأنصاره احتفالًا بمرور 100 يوم على رئاسته، ويهاجم الإعلام ويؤكد أنه ينقل «أخبارًا كاذبة»، كان العشاء السنوي لرابطة مراسلي البيت الأبيض في واشنطن قد تحول إلى مسرح للتهكم على الرئيس.

اختار ترامب وموظفوه عدم حضور العشاء السنوي بسبب ما وصفه بأسلوب الصحافة «غير النزيه في المعاملة»، ليصبح بذلك أول رئيس منذ عهد «رونالد ريغان» (1981) يغيب عن حفل مراسلي البيت الأبيض، لكن ريغان غاب لأنه كان يتعافى من محاولة اغتيال.

كان ترامب واضحًا منذ البداية في عدائه لوسائل الإعلام، منذ الحملة الانتخابية دأب على مهاجمة الإعلام، فمرة يصفه بأنه «عدو الشعب الأمريكي»، وأخرى بأنه «ينقل الأخبار المزيفة» (Fake News)، وفي المقابل تتعرض إدارته لسيل من التناول الإعلامي الناقد لأدائها.

تعرضت الإدارة الأمريكية لضربات صحفية أجبرت مستشار الأمن القومي على تقديم استقالته.

ينقسم الإعلام في عيني ترامب إلى قسمين:

  1. وسائل إعلام توصف بأنها «ليبرالية» مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وسي إن إن 
  2. وسائل الإعلام توصف بأنها «محافِظة» مثل شبكة فوكس نيوز، وهي التي يخصها ترامب بالثناء والمقابلات الصحفية

ينال القسم الأول، أي وسائل الإعلام الليبرالية، قسطًا كبيرًا من تصريحات وتغريدات ترامب الغاضبة، التي يتهم فيها الصحافة صراحةً بأنها غير نزيهة وتعمل على تقويض إدارته، كحين أعلن في مؤتمر صحفي بعد أقل من شهر على توليه الرئاسة أن «عددًا كبيرًا من الصحفيين في هذه البلاد لا يقولون الحقيقة. لقد أصبح مستوى انعدام النزاهة لديهم خارج السيطرة».

في المقابل، تتعرض الإدارة الأمريكية الجديدة لضربات صحفية أفضت مثلًا إلى إجبار مستشار الأمن القومي «مايكل فلين» على تقديم استقالته، بعد تقرير كشفت فيه واشنطن بوست أن فلين ناقش موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة.

كبير مستشاري ترامب السابق، «ستيف بانون»، اتهم الإعلام «الليبرالي» بمعاداة الرئيس مذ كان مرشحًا للانتخابات. بانون، الذي تولى في وقت سابق منصب المدير التنفيذي لموقع «بريت بارت» اليميني، أكد أن الإعلام الليبرالي «وصف حملتنا بأنها الأكثر فوضويةً والأكثر فقدانًا للتنظيم والمهنية. لم تكن هناك فكرة حقيقية عما كنا نفعل، هكذا قالوا، ثم رأيتهم يبكون وينتحبون ليلة الانتخابات».

لا يتفق خبير الشؤون الأمريكية محمد المنشاوي (يقيم في واشنطن) مع بانون، بل يرى أن الإعلام الليبرالي ممثلًا في وسائل إعلام لها «مصداقية تاريخية»، مثل صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست، أو محطات مثل إيه بي سي وسي إن إن وغيرها، لم تبادر بشن حرب على ترامب.

المنشاوي شرح لـ«منشور» أن مواقف وسائل الإعلام تلك كانت «رد فعل لخطابات وأقوال ومواقف ترامب العنصرية والفاشية والخارجية في كثير من القضايا».

قاموس جديد.. لعهد جديد

يعتمد ترامب في تعامله مع الإعلام على استراتيجية «الهجوم والهجوم المضاد».

«الدولة العميقة، المؤامرة، الأخبار المزيفة»، ألفاظ لم تكن تُسمَع على الساحة السياسية الأمريكية من قبل، إذ تعود في الأصل إلى قاموس الأنظمة المتهمة بالديكتاتورية، لكن في عهد ترامب شاع استخدامها في وسائل الإعلام «المحافظة»، التي تشير إلى الدولة العميقة متمثلةً في الإعلام وجهاز الاستخبارات.

ومع استخدامه الشائع لكلمة «الأخبار المزيفة»، ينضم ترامب، بحسب تقرير نيويورك تايمز، إلى معسكر من القادة والرؤساء المتهمين بالديكتاتورية في بلدانهم، الذين اعتادوا استخدام نفس التعبير لمهاجمة الصحافة.

من هؤلاء الرئيس السوري بشار الأسد، الذي رد على تقرير حول حالات الوفاة في سجونه قائلًا: «نعيش عصر الأخبار المزيفة»، والرئيس الفنزويلي «نيكولاس مادورو»، الذي اتهم وسائل الإعلام العالمية بنشر «أخبار وهمية» عن بلاده، وكذلك في ميانمار، حيث يتهم المراقبون الدوليون الجيش بإجراء حملة إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينغيا، ويؤكد مسؤول أمني لصحيفة نيويورك تايمز أنها «أخبار وهمية».

أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند الأمريكية سحر خميس تقول لـ«منشور» إن استخدام ترامب الدائم لاتهام «الأخبار المزيفة» يأتي ضمن «علاقة غريبة الأطوار بينه وبين وسائل الإعلام لم تشهدها أمريكا من قبل، لكنها تتسق مع سلوك رئيس شعبوي لا يحتكم إلى العقل والمنطق في مواقفه، بل على دغدغة مشاعر الجماهير».

يعتمد ترامب في تعامله مع الإعلام على استراتيجية «الهجوم والهجوم المضاد»، إذ يدين لها بالفضل كواحدة من الأساليب التي أوصلته إلى سُدّة البيت الأبيض، حسبما يوضح «ليندسي غراهام» عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية، في تقرير لنيويورك تايمز.

بدا الرئيس الأمريكي أكثر ميلًا إلى الهجوم المضاد، بالتركيز على أخطاء الإعلام التي تخصه، واصطياد بعض السقطات التي وقعت فيها وسائل إعلام خلال تغطية قضايا تتعلق بإدارته.

استغل ترامب إيقاف شبكة «إيه بي سي» كبير مراسليها الاستقصائيين، «براين روس»، بسبب خطأ في تغطيته عن مايكل فلين، مما أدى إلى تراجع مؤشرات الأسهم الأمريكية والدولار. ورغم أن الشبكة صوبت التصريحات في ما بعد، فإن الرئيس الأمريكي انتقدها وهاجم «الأخبار الكاذبة» في الإعلام الأمريكي، ودعا المتضررين من تراجع الأسهم إلى مقاضاة الشبكة.

بعدها بأقل من أسبوع كانت «سي إن إن» هي الأخرى في مصيدة ترامب، بعد نشرها تقريرًا يخص علاقة الرئيس الأمريكي وابنه بوثائق ويكيليكس، وسرعان ما نشرت تصحيحًا، لكن ذلك لم يشفع لها.

بعد واقعة «سي إن إن» بيومين، كان ترامب يطالب صحيفة واشنطن بوست بطرد «ديف ويغيل»، لنشره صورة «مزيفة» لاستاد فارغ تقريبًا من الجمهور، التُقطت قبل بدء تجمع تحدث فيه ترامب. سارع ويغيل إلى الاعتذار عن الخطأ، مشيرًا إلى أنه نشرها على حسابه الشخصي في تويتر، وليس على الحساب الرسمي للصحيفة.

ينظر المنشاوي إلى تلك الأخطاء باعتبارها جزءًا من العمل المهني، ويرى أن «وسائل الإعلام غير محصنة ضد الأخطاء والسقطات، وفي الحالات السابقة كان الحق في جانب ترامب». لكن هذا هو الاستثناء، في رأي المنشاوي، في علاقة ترامب والإعلام، إذ «لا تمر خمس دقائق إلا وتكون هناك قصة أو خبر حول ترامب، وبالتالي فنسبة الأخطاء ليست كبيرة ولا تُعَد دافعًا لتصديق اتهاماته».

قد يهمك أيضًا: كيف يمكن عزل الرئيس الأمريكي؟

إدمان ترامب مشاهدة التلفزيون يُسعد العاملين في الإعلام، ويزيد إيمانهم بدورهم في الرقابة على البيت الأبيض.

تعتقد سحر خميس أن الإعلام الليبرالي لا يمكن أن يكون بريئًا بنسبة 100%، وتدعو إلى مزيد من التحقق والتدقيق في المحتوى حتى لا تكون هناك مادة للهجوم وتصيد الأخطاء، وهو ما يتفق معه المنشاوي: «الأهم هو كيفية التعامل مع الأخطاء بعد وقوعها، والشفافية حول الخطوات التي تتبعها».

لا ترى خميس في ممارسات ترامب إرهابًا نفسيًّا للصحفيين، بل العكس، إذ يتخذ الإعلام من تغريدات ومواقف الرئيس الأمريكي مادة خصبة للسخرية، وصار ترامب جزءًا رئيسًا من برامج الكوميديا السياسية.

يرد المنشاوي بأن إدمان ترامب مشاهدة التلفزيون يُسعد رجال الإعلام، ويزيد إيمانهم بدورهم المهم في الرقابة على البيت الأبيض، خصوصًا مع وجود شخص مثل ترامب، تحوم حوله شبهات تجاوزات مالية وسياسية وأخلاقية وأمنية لا تتوقف.

صورة: ترامب سعيدًا

التصميم: منشور

كشفت دراسة جديدة أجرتها شركة «Picasso Labs» للتكنولوجيا أنه لا يوجد أي تحيز منهجي في الطريقة التي تتناول بها وسائل الإعلام «الليبرالية» الأخبار المتعلقة بترامب.

شملت الدراسة، التي نشرتها صحيفة «نيوزويك»، خمسة آلاف مقال صدرت من 12 مركزًا صحفيًّا أمريكيًّا بين أغسطس 2016 ومارس 2017، لرصد نسبة نشر المواقع لصور ترامب غاضبًا.

ظهر أن وسائل الإعلام «الليبرالية» تستخدم صور الرئيس غاضبًا بمعدل 44%، وتستخدم صوره سعيدًا بنسبة 23%، فيما نشر الإعلام «المحافظ» صورًا سعيدة بمعدل 20% فقط.

اقرأ أيضًا: ترامب يكفي: هل تحتل برامج السخرية مكان الصحافة التقليدية؟

هل يخرج ترامب سالمًا؟

تمضي الإدارة الأمريكية في سياستها، تتعثر أحيانًا بتصريحات رئاسية مثيرة تقلب السياسة المتعارف عليها، وأحيانًا بقرارات يرفضها القضاء الأمريكي نفسه، حتى أصبح ترامب وكل ما يصدر عنه مثار سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك محللون وخبراء سياسة يحذرون من أن الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين لن يعمر طويلًا في البيت الأبيض.

تُرجح سحر خميس أن لا يخرج ترامب سالمًا من صراعه مع وسائل الإعلام، خصوصًا في ظل انخفاض شعبيته بصورة غير مسبوقة، والاتهامات الموجهة إليه في إطار التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة. تتوقع خميس أن لا يصمد ترامب حتى 2020. أما المنشاوي فيرى أنه من المبكر الحكم على قضية لا تزال تخضع لتحقيقات لا تتوقف، لكنه يتوقع أنها «ستُحسم قبل انتهاء 2018».

مواضيع مشابهة