من أجل الديمقراطية: لماذا قد نحتاج إلى بدائل لفيسبوك؟
بعد نحو 10 سنوات من بدء انتشار التليفزيون في أغلب المنازل الأمريكية، كان البث قد حقق نجاحًا ماليًّا مذهلًا، وصارت إيرادات الصناعة ترتفع بنسبة 9% سنويًّا، حتى في حالات الركود.
تمثلت المشكلة فقط في الطريقة التي تأتي بها هذه الأموال، التي كان مصدرها كثير من العروض السخيفة والإعلانات «المتملقة والمسيئة»، بحسب رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية في ستينيات القرن العشرين «نيوتن مينو»، الذي أضاف في خطاب شهير قائلًا: «التليفزيون السيء هو أسوأ شيء على الإطلاق». أصبح هذا الخطاب فيما بعد معروفًا بازدرائه للتليفزيون، الذي وصفه مينو كذلك بأنه تحول إلى «أرض يَبَاب شاسعة».
بحسب مقال كتبه «بريان برغشتاين» ونُشر على موقع «MIT Technology Review»، لعلنا بحاجة إلى نقد مماثل لخدمة تواصل أحدث هي موقع فيسبوك، الذي انتشر انتشارًا كبيرًا وحقق نجاحا ماليًّا هائلًا، وأنتج كثيرًا من الأضرار كذلك.
تحدث مينو في خطابه عن أهمية التليفزيون قائلًا: «تملك صناعتكم أقوى صوت في أمريكا، لذا فمن واجبها الحتمي جعل هذا الصوت يصدح بالذكاء والقيادة. وفي غضون سنوات قليلة، نمَت هذه الصناعة المثيرة من كونها صناعة حديثة إلى أداة ذات تأثير ساحق على الشعب الأمريكي. ينبغي أن يكون التليفزيون مستعدًا لنوع القيادة التي تجعل الناس أكثر إدراكًا لعالمهم»، فهل يواجه فيسبوك الآن المسؤولية نفسها؟
هل نبني العالم الذي نريده فعلًا؟
يبدو أن مؤسس الموقع، مارك زوكربيرغ، يدرك المسؤولية الكبيرة الواقعة على عاتق فيسبوك، فقد كتب في شهر فبراير 2017 بيانًا من 5700 كلمة يتساءل فيه: «هل نبني العالم الذي نريده جميعًا؟»، وتناول الدور المشكوك فيه أحيانًا الذي يلعبه فيسبوك في الحياة المدنية.
يميل فيسبوك إلى الاستقطاب بسبب تغذيه على المعلومات المتعلقة بأذواقنا وعادتنا ومعتقداتنا السياسية.
كيف يمكننا جعل وسيلة تواصل جماهيرية أفضل بالنسبة للجميع؟
بحسب برغشتاين، كان مينو يملك إجابة واضحة عام 1961: «أعتقد أن معظم مشاكل التليفزيون تنبع من قلة المنافسة»، وقال إنه يتطلع إلى رؤية مزيد من القنوات تعتمد تقنيات كانت جديدة آنذاك، مثل ترددات UHF وشبكات التليفزيون المدفوع والبث الدولي، وسيسبب هذا بالتأكيد بعض الضيق لزوكربيرغ، لأن فيسبوك يجعل القوة متمركزة في شبكة واحدة، هي شبكته التي يسميها «مجتمعًا عالميًّا».
إذا كان فيسبوك يميل في الواقع إلى تعزيز الاستقطاب والنزعات القبلية، فإن زوكربيرغ يعتقد أن بإمكانه إصلاح هذا ببضعة أمور، إذ يقول في بيانه إن فيسبوك سيحاول الحد من الإثارة الصحفية على الموقع، واتخاذ خطوات أخرى لمساعدة الناس على أن يكونوا أكثر اطلاعًا وانخراطًا في العملية الديمقراطية.
قد يهمك أيضًا: صور إنستغرام المعدلة تهدد صحتنا النفسية
لعل المشكلة لا تتعلق بأننا نحتاج أن يكون فيسبوك أفضل قليلًا، في رأي برغشتاين، بل تتمثل في أن فيسبوك شركة تبلغ قيمتها 400 مليار دولار وتتغذى على المعلومات المتعلقة بأذواقنا وعادات التسوق لدينا ومعتقداتنا السياسية، وعلى كل شيء تقريبًا، فهي شركة قوية أكثر ممَّا ينبغي.
إن ما نحتاجه فعلًا هو قضاء وقت أقل على هذا الموقع.
فيسبوك ضد الديمقراطية والتنوير
محاولة فيسبوك تطبيق الاستراتيجيات التي أعلن عنها زوكربيرغ أمر جيد بالتأكيد كما يرى برغشتاين، ويتناسب مع الخطوات الإيجابية الأخرى التي اتخذتها الشركة في الماضي، مثل تشجيع الناس على التصويت، وحثهم على التبرع لضحايا الفيضانات والزلازل، لكن المجهودات الأخيرة لن تحقق الكثير لمساعدة زوكربيرغ على تحقيق ما يدعوه «مجتمعًا أكثر اطِّلاعًا»، لأن بنية فيسبوك نفسها تحُول دون ذلك.
قد يعجبك أيضًا: هل حان الوقت لهجر التكنولوجيا؟
يقترح عليك فيسبوك عادةً أشخاصًا لإضافتهم، ويكون أصدقاؤك على الموقع عادةً أصدقاءً لك في الحياة الواقعية، وهذا يزيد من تحفيز تجانس الأفكار، ويحدث هذا عمدًا لجعلك سعيدًا بوجودك على فيسبوك والعودة إليه عدة مرات في اليوم، لأنك تجد هناك أناسًا على توافق معك، ويعني هذا في رأي برغشتاين أن الشبكة ستظل تفضل بطبيعتها القصص العاطفية والمثيرة على الأخبار الموضوعية.
لو قرر المجتمع أن تكون لديه شبكات قوية لتشكيل مناقشات عامة ونشر الأفكار، ستكون أول خطوة هي الاعتراف بدور فيسبوك.
أشار زوكربيرغ بنفسه في بيانه إلى أن السبب الأساسي الذي يجعل معظم الناس موجودين على فيسبوك هو «مشاركة النكات مع الأصدقاء، وتواصل أبناء العائلة مع بعضهم عبر المدن»، أو إيجاد الأشخاص مجموعات دعم تتعلق بكل شيء، من تربية الأبناء إلى مواجهة الأمراض.
يتعارض هذا ببساطة مع إمكان أن يتحول فيسبوك إلى «أغورا» حديثة، أي مكانًا للمشاركة المدنية والسياسية المثقفة والمستنيرة، بسبب طبيعته نفسها.
الكثير من المنافذ
رغم ازدياد قوة فيسبوك بصورة هائلة عن ذي قبل، فإن وجود خيارات أخرى شيء ممكن وحيوي.
يتساءل برغشتاين: ماذا لو سِرنا على نهج مينو مع التليفزيون عام 1961، وقررنا أنه يجب أن يكون لدينا ببساطة شبكات تواصل أكثر قوةً من أجل نشر الأفكار وتشكيل المناقشات العامة؟ ستكون أول خطوة هي الاعتراف بدور فيسبوك الهائل في مجتمعنا، حتى مع وجود المنافسة غير المحدودة تقريبًا على شبكة الإنترنت.
اقرأ أيضًا: هل يموت يوتيوب؟ نظرة لتطور صناعة محتوى الفيديو ومصير منصته الأشهر
أحد الأمور المثيرة للاهتمام بشأن خطاب مينو عن «الأرض اليَبَاب الشاسعة» أن تشجيعه لمزيد من المنافسة ساعد في توسيع البث العام في الولايات المتحدة، وربما حان الوقت لبذل جهود مماثلة حاليًّا، بدعم مزيد من وسائل الإعلام الاجتماعية المنافسة لفيسبوك.
ربما يكون وجود عديد من البدائل لفيسبوك هو بالضبط ما نحتاج إليه، وحتى لو لم يسرق أيٌّ منها جزءًا كبيرًا من مستخدمي فيسبوك، فإن هذا قد يكون كافيًا لتذكير الناس بأنه رغم ازدياد قوة الموقع الأزرق الشهير عن ذي قبل، فإن وجود خيارات أخرى شيء ممكن وحيوي.
يسمي بعض الناس العصر الحالي «العصر الذهبي للتليفزيون»، بسبب وجود عروض مؤثرة ثقافيًّا ومتطورة ولا تستهين بذكاء المشاهدين، في أمريكا على الأقل، وليس هذا لأن المذيعين توقفوا عن بث المواد السخيفة، بل لأن الجمهور قد بلغ حدًّا من التنوع والتفرد لم يبلغه قبل ذلك، بفضل ظهور البث العام وتليفزيون الكابلات وخدمات البث (Streaming)، وعديد من الخدمات الأخرى المنافسة للشبكات الكبيرة.
يتطلب الأمر إذًا حدوث ازدهار في الخيارات، بدلًا من الاعتماد على تحسن الشبكات الضخمة من تلقاء نفسها، وهو أمر يمكن أن لا يحدث أبدًا، بل ربما يحدث عكسه، أن يزداد فيسبوك استبدادًا مع الوقت إن لم يكن ثمة ما ينافسه.
آية علي