الحرب العالمية الثالثة: هل يقع الصدام بين الصين وأمريكا؟

أحمد حمدي مسلَّم
نشر في 2017/08/06

الصورة: Mikhail Svetlov

في 2 يوليو 2017، أبحرت مدمرة صواريخ أمريكية داخل نطاق 22 كيلومترًا من جزيرة «تريتون» التي تحتلها الصين في بحر الصين الجنوبي، وكان ذلك ضمن عملية «حرية الملاحة»، التي تهدف إلى الإبحار عبر المياه المتنازع عليها لتوجيه رسالة إلى الصين بعدم قبول دعواها بشأن السيادة على الجزيرة.

المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية قال إن بلاده قدمت احتجاجًا إلى الولايات المتحدة كرد فعل، ونوَّه بأن مثل هذه الخطوات لا تؤدي إلى السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، بل تغضب الصين، غير أن ذلك لم يؤدِّ إلى إشعال فتيل الحرب بين البلدين الكبيرين، حتى الآن.

لكن الباحث في جامعة هارفارد «غراهام أليسون»، في كتابه «الحرب الحتمية: هل تنجح أمريكا والصين في تجنب مصيدة ثيوسيديدس؟»، الذي راجعته صحيفة «الإيكونومست»، يرى أن العالم يقلل كثيرًا من خطر حدوث صراع كارثي بين الصين والولايات المتحدة، فعندما تتحدى قوة صاعدة قوة قائمة بالفعل، تكون الحرب هي النتيجة الوحيدة المنطقية.

ما مصيدة ثيوسيديدس؟

تمثال المؤرخ الإغريقي «ثيوسيديدس» - الصورة: Marie

يأخذ كتاب أليسون اسمه من حديث المؤرخ الإغريقي القديم «ثيوسيديدس» عن الحرب البلوبونيزية بين مدينتي أثينا وإسبرطة في اليونان، إذ أشار المؤرخ إلى أن الصعود المتزايد لقوة أثينا نشر الخوف في أنحاء إسبرطة، ممَّا جعل الحرب بينهما حتمية.

رغم إدراك الجميع كارثية الحرب على الصين وأمريكا، فإن هذا لا ينفي احتماليتها، فلم يكن أحد يريد حربًا عالمية لكنها وقعت على كل حال.

فحص أليسون 16 حالة تاريخية مماثلة منذ القرن الخامس عشر حتى عصرنا الحالي لقوى صاعدة تتحدى قوى راسخة، فوجد أنها انتهت جميعًا بالحرب عدا أربع حالات فقط، ويعني هذا أن الحرب بين الصين والولايات المتحدة ليست حتمية، في رأي أليسون، لكنها محتملة بدرجة كبيرة.

قد يهمك أيضًا: كيف تطمح الصين لقيادة العالم بلعب دور أمريكا؟

بحسب الإيكونومست، يتفق كثيرون في واشنطن مع هذا الاستنتاج المثير، ولذلك أثار كتاب أليسون جدلًا، وأصبح ضروريًّا أن يُقرأ بتأَنٍّ، فقد وضعت أمريكا مجموعة من القواعد العالمية لخدمة مصالحها، في الوقت الذي تمتلك فيه الصين قِيمًا ومصالح مختلفة تَوَدُّ أن يستوعبها الآخرون.

في وضع كهذا تصبح الخلافات حتمية، ورغم إدراك الجميع كارثية الحرب بالنسبة للجانبين، فإن هذا لا ينفي احتمالية حدوثها، فلم يكن أحد يريد حدوث حرب عالمية أولى، لكنها وقعت على كل حال بفضل سلسلة متعاقبة من الأخطاء.

حالات لم تنتهِ إلى حرب: أمريكا والسوفييت

جون كينيدي ونيكيتا خروتشوف - الصورة: John F. Kennedy Presidential Library and Museum

لم تكن مناوشات السوفييت وأمريكا كافيةً لحدوث حرب، فالحرب بين قوة صاعدة وأخرى قائمة محتملة، لكنها ليست حتمية.

من الأمثلة التاريخية التي يذكرها أليسون لأوضاع مشابهة لما يحدث بين أمريكا والصين، رغم أنه لم ينتهِ إلى حرب، الطريقة التي حاول بها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة تجنب وقوع الصدام بينهما، رغم أنه كان وشيك الحدوث في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما حاول السوفييت تهريب صواريخ نووية إلى كوبا، على بعد 145 كيلومترًا من ولاية فلوريدا.

كانت الحرب قريبة للغاية، إلى حد أن الغواصات السوفييتية كادت تطلق طوربيدات نووية عندما ظنت أنها تتعرض للهجوم، بعد أن أسقطت السفن الأمريكية متفجرات حولها لإجبارها على الصعود إلى السطح. وعندما حلَّقت طائرة تجسس أمريكية في المجال الجوي السوفيتي، ظنَّ زعيم الاتحاد السوفيتي وقتها، «نيكيتا خروتشوف»، أن أمريكا تستعد لضربة نووية أولى، ولو قرر استباقها لقامت حرب عالمية ثالثة ببساطة.

غير أن كل هذه الأحداث والمناوشات لم تكن كفيلة بإيقاع حرب بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا، لذا فحدوث حرب بين قوة صاعدة وأخرى قائمة ربما يكون محتملًا جدًّا، لكنه ليس حتميًّا لحسن الحظ.

حرب يجب تجنبها بأي ثمن

البنتاجون يعرف أن الصين هي العدو الاقتصادي الأول لأمريكا

لا رغبة للصين في بناء إمبراطورية بعيدة المنال، لكن المنافسة التجارية بينها وبين أمريكا قد تتحول إلى حرب فعلية.

يرى أليسون أن الصين وأمريكا ربما تُقحمان في حرب بعدة طرق، فقد تتصاعد المواجهة بينهما بشأن تايوان، أو يرحل ديكتاتور كوريا الشمالية دون وريث واضح، ممَّا يثير الفوضى، ووقتها ستسارع القوات الأمريكية والصينية إلى كوريا الشمالية لتأمين الأسلحة النووية، وربما يحدث صدام.

قد يعجبك أيضًا: ربما يصبح العالم أكثر سلامًا تحت حكم المجانين

التحذير الأمريكي الموجَّه إلى الصين ربما يكون له تأثير معاكس، فبفرض اختراق أمريكا جدار حماية الصين كبادرة تحذيرية، قد ترى الصين هذا كمحاولة للإطاحة بحكومتها، خصوصًا مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، إذ يخشى أليسون حتى من تحول المنافسة التجارية بين الدولتين إلى حرب فعلية.

مع كل هذه الاحتمالات، يجب على الجانبين العمل بجدٍّ لفهم بعضهما، إذ تشير أطروحة أليسون إلى قوة الصين الحذرة ومشاعرها القومية المستثارة، لكن الصين لم تُبدِ شهية كبيرة للمغامرات العسكرية بعيدًا عن محيطها الإقليمي المباشر، وعلى عكس القوى العظمى القديمة، يرى أليسون أن الصين لا رغبة لها في بناء إمبراطورية بعيدة المنال.

اندلعت جميع الحروب في العينة التي درسها أليسون قبل اختراع الأسلحة النووية، غير أن الصين وأمريكا لديهما ما يكفي منها لتدمير العالم، وهذا وحده يجعل فكرة الحرب بينهما مرعبة بما يكفي كي يسعى الجميع إلى تجنبها.

أحمد حمدي مسلَّم