ستيوي غريفين: رضيع مضاد للطفولة
هذا الموضوع ضمن هاجس شهر أكتوبر «في مصنع خيال الطفل». اقرأ موضوعات أخرى ضمن الهاجس من هنا، وشارك في الكتابة من هنا.
رضيع لا يشبه الأطفال في شيء، بل هو النقيض الموضوعي لفكرة الطفولة بوجه عام، وهذه هي قوته العظمى. رضيع قاتل، مخترع، برأس بيضاوي، ذو ميول جنسية غريبة، إنه «ستيوي غريفين». هل تعرفونه؟
ستيوي واحد من الشخصيات الأساسية في مسلسل الكارتون «Family Guy»، الذي كتب «سيث ماكفارلن» أولى حلقاته عام 1998.
منذ بدء عرض الحلقات، بدأت حرب كلامية قصيرة بين ماكفارلن و«كريس وير» حول حقوق الملكية الفكرية، فقد ادعى وير، ومعه نقاد آخرون ممن قرؤوا روايته المصورة «Jimmy Corrigan, the Smartest Kid on Earth»، أن وجه ستيوي غريفين مستوحى من شكل شخصية «جيمي كوريغان» بطل الرواية، فجيمي أيضًا طفل له رأس على هيئة كرة بيسبول، ويكره أمه كذلك، وحتى يخترع أجهزة وأدوات تساعده على الهروب.
بعيدًا عن إنكار ماكفارلن وشبكة فوكس ادعاءات كريس، فإن ما حدث كان دليلًا على أن هذا المسلسل سيكون له علامة تجارية أخرى غير شخصياته الأساسية، «بيتر غريفين» وعائلته وجيرانهم وأصدقائهم، إلخ، بل إن فردًا من العائلة سيكون أهم شخصيات المسلسل، وسيكون غيابه عن حلقة أو قلة مَشاهده سببًا في عزوف الجماهير عن تلك الحلقة، أو منحها تقديرًا متوسطًا.
بداية ستيوي لم تختلف كثيرًا مع انطلاق المسلسل عن بقية الشخصيات، فرب الأسرة، أو «Family Guy»، صدر ضده حكمان بالإعدام من المنتجين المنفذين في فوكس، نظرًا لضعف الإقبال عليه من المتفرج الأمريكي العادي، بسبب توقيت عرضه وإصرار المتفرجين على مقارنته بمسلسل «The Simpsons».
بالفعل صدر قرار بإلغاء المسلسل عام 2003 قبل الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث، إلا أن ارتفاع مبيعات الاسطوانات الرقمية بعد عام من الإلغاء دفع منتجي فوكس إلى إعادة عرض المسلسل لموسم رابع في عام 2005.
كانت هذه البداية الحقيقية لستيوي، فشخصيته في المواسم الأولى كانت عصبية بشدة وتفتقر إلى تعدد الجوانب وليست مضحكة حقًّا، وأيضًا تغير وجهه قليلًا بعد أن كانت أطرافه حادة وليست بانسيابية كرة البيسبول، فمنحه سيث ورساموه وجهًا أكثر دائرية. وزادت كذلك المساحة الممنوحة لشخصيته في الحلقات، حتى أصبح طقسًا رسميًّا أن يكون له هو والكلب «براين» حلقة كل موسم يخوضان فيها مغامرة معًا، ويكون ستيوي فيها هو الفاعل بالنسبة الأكبر.
«What the Deuce»
«What the Deuce» هي عبارة ستيوي الشهيرة التي يستخدمها عندما يندهش أو يغضب، وصارت في وقت قصير منافسةً لـ«D’oh» الخاصة بـ«هومر سيمبسون».
لكن استمر سؤال، وربما دفع عددًا أكبر من المتفرجين إلى مواصلة المشاهدة رغم تحفظاتهم على قسوة الدعابات وسخريتها الغريبة على المتفرج الأمريكي، الذي يتَّسم على عكس تصورات معظمنا بأنه محافظ يريد أن يفهم ما يدور أمامه، وأن يتَّسم العمل الكوميدي بالرحمة المتوافَق عليها تجاريًّا. السؤال يقول: من هو ستيوي؟ أو ما هو ستيوي؟
نشاهد رضيعًا يتحدث مع الجميع ويسمعونه ويفهمونه باستثناء والده ووالدته، رغم كسر هذه القاعدة في بعض الحلقات. وعندما يتحدث، يكون ذلك بلهجة بريطانية ليست لهجة عوام الإنجليز، بل هي كما يطلَق عليها «إنجليزية أكسفورد».
في إحدي حلقات الموسم السابع، يدخل ستيوي غرفة «كريس» أخيه المراهق ليجد مجلة «هاسلر» الإباحية تحت فراشه، فتذهله صور النساء العاريات، ويسارع إلى غرفته ليحضر مدفعًا رشاشًا ويطلق الرصاص على المجلة. هذا طفل يملك أسلحة أوتوماتيكية، لكنه لا يعرف شيئا عن الجنس.
ستيوي لا يتصرف أو يتحرك كطفل، لكنه يفعل أحيانًا، وطفولته أو كونه رضيعًا عَرَض غريب على تكوينه وأفعاله.
لا يصلح ستيوي، أو «Family Guy» بشكل أعم، للأطفال. ببساطة، لأن بيتر وأسرته، وفي قلبهم ستيوي، يكرهون الأطفال، وهناك حلقات كثيرة يضرب فيها بيتر طفلًا لحوحًا أو حتى طفلًا بريئًا، في هدم لمركزية أن الطفل تابو لا يُمَس، أو يجب أن يُعامَل برفق وحنان مهما صدر منه، أو لمجرد كونه طفلًا.
سيث ماكفارلن هنا يمارس قسوة الساخر في مداها الأشد تطرفًا، فحين يلكم بيتر طفلًا، أو حين نتابع شخصية «هربرت» العجوز المتحرش بالصبية، الذي يكرس حياته ووقته لمراقبة كريس لعله يتمكن من اغتصابه يومًا، سنتذكر رواية «كائن لا تُحتمَل خفته» لـ«ميلان كونديرا»، حين كانت سابينا إحدى بطلات الرواية تراقب أطفالًا يلعبون، ثم تفكر في عبثية ولا منطقية براءتهم الافتراضية، فماذا لو رأيناهم يضربون طفلًا آخر مثلًا؟
ستيوي يرى الجميع مذنبين، فلا يحب اللعب مع زملائه في روضة الأطفال إلا فقط حين يقع في حب واحدة من زميلاته، لكنه يبدو مختلفًا عن بقية الأطفال الذين كانوا أبطالًا لمسلسلات الرسوم المتحركة الأخرى، الذين يخوضون مغامرات قد تتخذ منحًى بوليسيًّا أحيانًا، لكن انطلاقًا من كونهم أطفالًا يمارسون عملًا بطوليًّا أو ساخرًا، مثل «بارت سيمبسون» مثلًا، الذي يبقى طفلًا مهما بلغت فداحة ما يفعله في رفاقه أو في «هومر» أو «مو».
ستيوي لا يتصرف أو يتحرك أو يتكلم كطفل، لكنه يفعل أحيانًا. طفولة ستيوي أو كونه رضيعًا عَرَض غريب على تكوينه وأفعاله. فمثلًا، نراه ينتقد غباء أبيه بيتر وبدانته بأشد العبارات حذلقة، لكن عندما يخفي بيتر وجهه كي يداعب ستيوي، يندهش الصغير ويبدأ في الصراخ بحثًا عن أبيه. أو مثلًا، يكون ستيوي ملكًا لإنجلترا ويهدد بإعدام الكلب براين، الذي يؤدي دور المهرج، إن لم يضحكه. وبعد أن تنفد دعابات براين، يُخرج سلسلة مفاتيحه فتثير إعجاب الصغير ستيوي ويضحك.
ستيوي المعتوه: الشر من باب البراءة
ينتقل ماكفارلن في كتابته لشخصية ستيوي على أطراف أصابعه، بين الشرير الذي يرغب في السيطرة على العالم، الذي يحب ارتداء ملابس النساء ويميل إلى الرجال أحيانًا، والرضيع الذي يحتاج إلى من يغير حفاضته، أو يصطحبه كي يلعب في الحديقة.
يبدو ستيوي كأنه يقول لنا «إياكم أن تتوقعوا رد فعل طبيعيًّا مني». توقعوا أن يذهب إلى غرفته المليئة بلعب الأطفال ليحضر سلاحًا آليًّا من خلف الجدار، ويعود ليقتل من أساء إليه، لكنه قد يُنهي الموقف بالبكاء والصراخ والنداء على أمه «لويس». والعكس، عندما قتل كلبًا آخر في منزلهم لأنه تحرش بدُميته، التي يرتبط بها في علاقة تشبه الزواج المثلي.
لتفهموا ستيوي أكثر، وكيف أنه الطفل المناقض لفكرة الطفولة، ضعوه إلى جانب بارت سيمبسون في الحلقة التي جمعت العائلتين.
انبهر ستيوي ببارت وخدعه البسيطة التي لا تنطوي على حيل علمية أو تحتاج إلى أدوات وأجهزة صاروخية وأسلحة أو آلة زمن، كالتي صنعها ستيوي ويحتفظ بها في غرفته، غير أن هذا لم يُثر انتباه أبيه أو أمه مطلقًا، وهي نقطة ارتكاز الضحك في «Family Guy»، فأنت لا تضحك على الدعابة الذكية التي بُنيت ووصلت إليك بسيطةً سهلةً دالةً على التفصيلة المفارقة في الشخصية.
هومر وبارت مضحكان بالطبع، لكن ستيوي كشرير معتوه سيُضحكك على ما لم تتوقعه.
بارت يقابل ستيوي، ثم يصطحبه إلى غرفته ويريه سلاحه الوحيد: مقلاع صغير، على عكس الأسلحة المتقدمة في خزانة ستيوي. يتصل بالبار ويطلب من العامل أن يبحث عن اسم زائف، لكن العامل يكتشف بعد أن يردد الاسم عدة مرات بصوت عالٍ أنه ينطق كلمة بذيئة، وأنه وقع فريسةً لحيلة أخرى من بارت.
هكذا يتم الأمر بذكاء وبساطة، أما ستيوي فيجرب حظه ويتصل ليخبر العامل بطريقته الحادة أن أخته تتعرض للاغتصاب الآن، ويغلق الخط ضاحكًا بمرح أمام نظرات بارت الذي لم يفهم سبب تلك الدعابة القاسية. أنت تضحك في «Family Guy» على فعل القسوة ذاته، وعلى غباء ردود أفعال الآخرين، وليس على ذكاء الدعابة. تكمُن عبقرية سيث ماكفارلن في أنه يُضحكك على لا شيء، أو يجعلك تضحك على ما يحدث دون أن تعي متى بدأت الدعابة ومتى انتهت ولماذا تضحك.
كنتُ من أشد المعجبين بسيمبسون وعائلته، حتى نصحني صديق لي بمشاهدة «فاميلي غاي». وعندما سألته عن السبب قال إنه مسلسل «معتوه مثلك». هومر وبارت مضحكان بالطبع، لكن ستيوي كشرير معتوه سيُضحكك على ما لم تتوقعه.
نرى «نيلسون»، أحد الأطفال المشاغبين في «The Simpsons»، يضرب بارت، فيقرر ستيوي الانتقام لصديقه الجديد، وهنا يكمُن الضحك، فستيوي لن يردد عبارات مضحكة تعبِّر عن غضبه أو رغبته في الانتقام، بل ما يضحكنا أننا نرى نيلسون، الطفل المتنمر الفاشل دراسيًّا، مقيدًا وعلى وشك أن يُعذَّب على يد رضيع ما زال يرتدي حفاضة، وسيتم التعذيب بأدوات تشبه ما نراه في أفلام الجاسوسية والمخابرات.
قبل أن يبدأ ستيوي تعذيب نيلسون، يستعير عبارة بارت الشهيرة «Eat my shorts» (كُل بنطلوني القصير)، لكن كوميديا ستيوي تظهر في أنه يقولها لنيلسون ثم يضع الشورت حرفيًّا في فمه ويجبره على أكله، وهو ما يدفع بارت إلى رفض صداقة ستيوي في نهاية الحلقة، بعد أن يكتشف أنه اختطف كل أعدائه من متنمري المدرسة، وحتى الناظر.
بارت مجرد طفل يلهو، وهو شديد الظرف وقادر على إضحاكك بدعاباته وحركاته، بينما ستيوي مشروع شرير من روايات «إيان فليمنغ»، قادم للسيطرة على العالم.
ربما لهذا حين نفذ سيث ماكفارلن حلقة خاصة للسخرية من فيلم «Star Wars»، اختار ستيوي لدور «دارث فيدر»، وبدى كأن ستيوي بالفعل دارث فيدر، أو حتى يصبح أكثر شرًّا وأشد بأسًا منه. كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن هذا النوع من المسلسلات، فقال لي ضاحكًا إن ستيوي حين يكبر ويصير عجوزًا سيكون «ريك سانشيز»، بطل مسلسل «ريك آند مورتي».
اقرأ أيضًا: ريك آند مورتي: كلنا سنموت في النهاية، وابا لابا داب داب
ستيوي: قَبَسٌ من طفولة ريك
لو التقى ستيوي وريك لتجادل كل واحد منهم عن أحقيته في الكون، فريك، الذي بني عالمًا خاصًّا لابنته ويستطيع التنقل بين المجرات، قد يقف عاجزًا أمام ستيوي حين يخبره أن كل هذا من صنعه هو.
في إحدى حلقات «Family Guy»، تتسبب مشاجرة بين ستيوي وبراين داخل آلة الزمن في نقلهما خارج حدود الكون حيث لا وجود لقواعد الفيزياء، وهنا يزيد ستيوي التحميل على الجهاز مما ينتج طاقة تؤدي إلى انفجار رهيب، هو أصل «الانفجار العظيم» الذي أدى إلى حدوث الكون، وبالتالي كل ما خاضه ريك من مغامرات.
قد يعجبك أيضًا: «بيغ بانغ»: كيف هزم رجل دين آينشتاين؟
براين حقوقي ساذج يرى أن الكل يستحق فرصة، بينما ستيوي مثقف حقيقي برغم قسوته وتطرفه.
ستيوي رضيع بعقلية فيلسوف، يرى أنه قادر على تغيير الطبيعة البشرية لتصبح أكثر تهذيبًا وقوة، كأنك تقرأ بعضًا من سطور الألماني فريدريك نيتشه. تشاهد هذا الرضيع يُملي على العالم، بعد وصوله إلى حُكم الكوكب، تعليماته في ما يتعلق بشكل حياتهم والسلوك المقبول بالنسبة إليه، ثم يتلو عليهم أسماء من وضعهم على قائمة الإبادة ليُمحَى وجودهم من العالم.
تصورات ستيوي هنا عن إدارة العالم ربما تبدو في بعض شطحات غضبة مناسبةً لطبيعة المسلسل الكارتونية، إلا أنها لا تمُت بأي صلة إلى التصورات الطفولية الخاصة بعالم مثالي يعيش فيه الجميع متحابين.
ستيوي حالة من الوعي المتطرف الجذري، فهو يرفض التصالح مع كل ما يكرهه، بل يرغب في تدميره، ويحتقر الحاجة إلى التوعية أو الإرشاد، ويسخر من بيتر دائمًا حين يحاول تبني أفكار تنتمي إلى مدرسة الليبرالية الأمريكية التي تتسم بقدر كبير من المحافظة. تشعر بستيوي على وشك أن يستعير عبارة فيلم «Salo»: «نحن الفاشيون، وحدنا الأناركيون الحقيقيون».
الثنائي براين وستيوي، أو: المُدَّعي والمتطرف
الكلب براين، مثله مثل أغلب الأمريكيين، يجهل ماهية الليبرالية الحقيقية، ومساحة وعيه ومعلوماته مقتبسة من عناوين الصحف وفهارس الكتب.
براين لا يقرأ حقًّا، ولهذا فإن كتاباته فاشلة، وستيوي يدرك ذلك جيدًا، ويجلد براين دائمًا بأن وعيه محدود، وفهمه للعالم يبدو مثل فهم حقوقي ساذج يرى أن الكل يستحق فرصة والجميع بخير. بينما ستيوي مثقف وعالِم حقيقي برغم قسوته وتطرفه، فهو القادر على صناعة آلة الزمن وجهاز التحرك بين الأبعاد والعوالم المشابهة للأرض، كما في أولى حلقات الموسم الثامن.
في العالم المثالي لستيوي، سيصير «هينكلي» الذي حاول اغتيال «رونالد ريغان» فنانًا ثوريًّا مرموقًا.
يتظاهر براين بمعرفة ما يتحدث عنه ستيوي، عن طريق ترديد آخر كلمتين مما يقوله عن نظرية تعدد العوالم، وستيوي يسخر من جهله.
يبدآن معًا رحلة في عدد من العوالم المشابهة للأرض في بعض الظروف ومختلفة عنها في بعضها، لكن أكثر ما يستهوي ستيوي عالم من غير الديانة المسيحية، بالتالي لم تتعطل مسيرة البشر العلمية نتيجةً لقمع الكنيسة للفكر في العصور الوسطى، فصارت الإنسانية أكثر تقدمًا بما يزيد عن ألف عام. هذا مجتمع يُدار تمامًا بشكل علمي، حتى عند الرغبة في قضاء الحاجة، يخبر ستيوي براين أن عليه فقط أن يقول إنه بحاجة إلى التغوط، وستزول الفضلات من بطنه بشكل رقمي.
لا يوجد في هذا العالم مجال للتفلسف أو التساؤل عن ماهية الأشياء، أو حتى للتأمل، الذي قد يراه براين ملهمًا ويراه ستيوي مضيعة للوقت، فيصطحبه إلى كنيسة «سيستينا» في الفاتيكان، ليجد أنه بدلًا من رسومات مايكل أنجلو التي استلهمها من المسيحية، فالمكان مليء بصور الممثلة «جودي فوستر»، والمسؤول عن ترتيب الصور وتصميم المكان هو «جون هينكلي».
نعم، في هذا العالم المثالي بالنسبة إلى ستيوي، سيصير مجنون مثل هينكلي، الذي حاول اغتيال الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان» عام 1981، فنانًا مرموقًا ذا نزعة ثورية.
سيث ماكفارلن هنا يؤكد سخف الليبراليين الأمركيين عبر نموذج براين، الذي يكتب كتابًا بغرض الشهرة فيحقق مبيعات عالية، لكنه يقتنع بعد ذلك بأنه كتابه مهم حقًّا وساعد عددًا كبيرًا من الناس على تجاوز مشكلاتهم والنجاح في حياتهم، لذا يضعه ماكفارلين في مواجهة صديقه مقدم البرامج «بيل مار».
يستضيف مار براين للحديث عن كتابه، ثم يبدأ مع الموجودين في السخرية منه، بدايةً من عنوان الكتاب «Wish it . Want it. Do it»، فالكتاب مليء بهراء التنمية البشرية وطرق مساعدة النفس بغض النظر عن الظروف الواقعية للحياة التي يواجهها الفرد.
اقرأ أيضًا: هكذا تنجح كتب التنمية البشرية في إقناعنا
بينما يسخر بيل مار وضيوفه من براين وكتابه في هذا المشهد، نشعر بوجود ستيوي ثقيلًا حاضرًا، كأنه يحرك السخرية ضد براين مدعي المعرفة وامتلاك الحلول.
وحين يكتب براين مسرحيته التي تنجح تجاريًّا بعنوان «Passing Fancy»، ويصدق أن إعجاب العامة بها يعني نجاحه فنيًّا، يأتيه ستيوي بمسرحية كتبها ويطلب رأيه فيها، فتصيبه الغيرة والجنون ويدفنها حتى لا يتمكن ستيوي من عرضها، إلا أن الصغير يكشف خدعته ويسترجع المسرحية.
يواجه ستيوي براين بأنه معدوم الموهبة ومتوسط القدرة، لا يملك من أدوات المؤلف أهمها، أن يكون له صوت أو شخصية لها من التحيز والقدرة على نسج التطرف وتحويله إلى رداء ترتديه الشخصيات، فيكون للعمل عمود فقري يستند إليه، بدون النظر إلى جاذبية أن يعجب الجمهور كله أو أن يكون بسيطًا مفهومًا، فستيوي يحتقر البساطة ولا يخاف من نخبويته.
مسرحية ستيوي، التي لم نعرف محتواها في الحلقة بل فقط عرفنا أن كبار نقاد نيويورك أعجبوا بها بشدة، والتي تسمى «زواج أمريكي»، تبدو كأنها تقول بهذا العنوان: هل حقًّا لم تفهموا ما الذي فعله ستيوي في مسرحية بهذا الاسم؟ عندما يتحدث ستيوي عن زواج وعائلة أمريكية، فما الذي تعتقد أنه فاعل بأحداثها وشخوصها، ذلك الذي يحتقر المجتمع بما فيه عائلته؟
ستيوي لا يعادي العائلة فقط، بل حتى فكرة الخير المطلق الممثَّلة في قديس مثل «بابا نويل» يفككها.
يبدو ستيوي هنا كأحد شخصيات فيلم «بقايا اليوم»، عن رواية «كازو إيشيغورو» بنفس الاسم، حين يوجه «سبنسر» إلى «ستيفنس» أسئلة ذات صلة بالاقتصاد والسياسة، وحين يعجز عن إجابتها يلتفت سبنسر إلى أصدقائه قائلًا بسخرية: «أيٌّ ديمقراطية هذه التي تتحدثون عنها وعن جعل السلطة في أيدي هؤلاء؟».
ستيوي يتفق مع سبنسر تمامًا ولا يخالفه، بل يظهر في أولى حلقات الموسم الثاني مع شخص ثري يتحدثان في الاقتصاد، ويبدو المشهد كأنه انتقال آني لرواية إيشيغورو، فستيوي لن يستمتع برفقة شخص جاهل مثل أخيه كريس أو أبيه بيتر، واعتماده على براين وارتباطه به ليس فقط لصداقتهما، بل أيضًا لوسطية براين ومحدودية موهبته، فالكلب وإن كان غير قادر على مجاراة ستيوي، فهو على الأقل يستطيع أن يفهم ويبدو متصلًا بشكل ما بكل ما يرغب ستيوي في الحديث عنه.
لهذا قتل سيث ماكفارلن شخصية براين في الحلقة السادسة من الموسم الثاني عشر، لأسباب تجارية بالطبع تتعلق بانخفاض نسب المشاهدة، ومحاولة جذب محبي المسلسل مرة أخرى بحدث جلل مثل رحيل براين وموته، ووجود كلب آخر مكانه يشبه رجال العصابات ذوي الأصول الإيطالية.
يدخل ستيوي لفترة في صداقة مع الكلب الإيطالي الجاهل، لكنه يحتاج إلى براين، إلى من يصغي له بإدراك أقل من مستوى وعيه، وهنا قد يظهر جانب طفولي من ستيوي الصغير، الذي يريد أن يشارك اللعبة مع من يفهمها، لكنه في نفس الوقت يريد أن يكسب، كما قال لبراين قبل أن تصدمه السيارة ويموت: «براين، أنت تعلم جيدًا أن الأغبياء فقط هم من لا يتركون الأطفال يفوزون».
قالها وجاء من المستقبل ستيوي آخر لينقذ براين من الموت، ويخبره أنه ما كان ليعيش بدونه، فهو صديقه ويحبه حقًّا، ثم يختفي ويخرج ستيوي الأول من المنزل ليضربه بين ساقيه ويهتف مشجعًا نفسه.
ستيوي لا يعادي العائلة فقط، بل حتى فكرة الخير المطلق الممثَّلة في قديس مثل «بابا نويل»، فككها سيث ماكفارلن في الحلقة السابعة من الموسم التاسع.
في تلك الحلقة، يذهب ستيوي إلى القطب الشمالي بغرض قتل بابا نويل، لكن ينتهي به الأمر متعاطفًا مع ذلك المسكين الذي أرهقته طلبات المجتمع الاستهلاكي في الولايات المتحدة الأمريكية. نرى نويل وأقزامه قد أصابتهم أمراض الشيخوخة وصاروا على وشك الموت، بفعل ساعات العمل التي لا تتوقف لتحقيق أمنيات أطفال العالم الغربي المدللين، ويتجلى ذلك في الأغنية الرائعة «Christmas time is killing us».
يمكن أن نُنهي الحديث عن ستيوي بكلمات من المانيفيستو، الذي ردده ومعه الحرس الرئاسي الخاص به حين حكم العالم، يتلو على الناس صفات من ينوي القضاء عليهم بعد أن يتأكد من استتباب حكمه، وهو يؤكد أن ستيوي الصوت الحقيقي لـ«جنون» سيث ماكفارلن، وتعبيره الأهم عن كل ما يتمنى أن يقوله:
الفتى الأبيض ذو الثياب الواسعة الذي يحاول التحدث كالسود،
صديقتك التي لا تفهم دعابات مسلسل «كادي شاك»،
ذلك الآسيوي الذي لا يحترم دوره في أي طابور،
و«بريتني سبيرز» التي لا تكف عن إظهار فرجها بالصدفة،
وطبيب الأمراض الجدلية الذي فشل في علاج «بيل أورايلي».
ذلك الأبله الذي تراه دائمًا يلوِّح بيديه خلف مراسلين الأخبار،
ومعه السيناتور «بيل فريست»،
الطفل البدين الذي يبتسم ببراءة بينما يتبول في حوض السباحة،
والفتى خبيث الرائحة الذي يأتي إلى المدرسة بثياب عسكرية،
جميع أبطال مسلسل «Entourage»،
منتجو «HBO»الذين أنهوا مسلسل «Sopranos» بإظلام تدريجي فقط،
وهؤلاء الذين يمدون قبضاتهم لتحيتك بدلًا من المصافحة.
الرجل الذي يجلس جوارك في الطائرة ولا يتوقف طوال الرحلة عن الضراط،
والشاعر الذي يكتب كلمات أغاني شاكيرا،
وتلك الشقراء الغبية التي تخبرك بصوت رفيع حاد عن حياتها التي يمكن أن تتحول إلى مسلسل كوميدي،
والآخر الذي يشاهد مسلسل «The Simpsons» منذ 1994 ولا يعترف أنه لم يعد مضحكًا،
وكل من أثار حفيظتي يومًا،
لن يفتقدهم أحد، وجميعهم على قائمتي.
-
أحمد بكر