جون ويك: أن تفعل الشيء ذاته ألف مرة وتحصد نتائج مبهرة

أحمد بكر
نشر في 2017/12/13

لقطة من فيلم «John Wick: Chapter 2» - الصورة: Summit Entertainment

- أهو الغول؟

- لا، بل هو الشخص الذي ترسله إذا أردت قتل الغول.. إنه «جون ويك».

يبدو من فيلم «John Wick»، منذ المشاهد الأولى ثم مع تصاعد الأحداث وحتى النهاية، أن المؤلف «ديريك كولستاد» لم يفعل شيئًا على الإطلاق. لا يوجد في الفيلم أي تفصيلة مفارقة، أو حدث خارج السياق المعتاد لفيلم الحركة الأمريكي التقليدي جدًّا.

يقول آينشتاين إن الحماقة هي أن تفعل ذات الشيء مرتين وتتوقع نتائج مختلفة. ألا تنطبق هذه المقولة على جون ويك؟ فقد كرر صُناع الفيلم الشيء ذاته للمرة الألف تقريبًا وحصدوا نتائج مبهرة في اختلافها.

«جون ويك»، بطولة «كيانو ريفز»، الفيلم منخفض التكلفة الذي لم تجازف فيه الشركة المنتجة بميزانية كبيرة، إذ تكلف إنتاجه 20 مليون دولار، وفي هوليوود هذا مبلغ بسيط وربما يكفي لإنتاج فيلم مستقل، ما حدث أنه تحول إلى «ديانة هوليوودية جديدة»، لا تقابل محبًّا لأفلام الحركة إلا ويسألك إن كنت قد شاهدت «جون ويك».

حصد الفيلم إيرادات تقارب 90 مليون دولار، وتحمس الاستوديو لإنتاج جزء ثان، لتتجاوز إيراداته 170 مليون دولار.

عبادة جون ويك

إعلان فيلم «John Wick»

رغم التكرار والتنميط، كُتب النجاح للفيلم بسبب عنصر واحد فقط: المخرج، الذي كان «دوبلير» سابقًا في أكثر من 70 فيلمًا.

هل أدرك صُناع الفيلم أنهم بصدد صناعة «Cult»، أو طائفة، جديدة تمارس طقوس عبادة البطل في هوليوود؟ هل تخيل «تشاد ستالسكي» و«دافيد ليتش» مخرجا الفيلم أن بطل عملهما الأول سيصبح زميلًا لـ«جيمس بوند» و«إيثان هانت» و«جون ماكلاين»؟ في المستقبل، عندما يعجز كيانو ريفز عن أداء مشاهد الحركة القاسية في «جون ويك»، ربما سيستعين الاستوديو بممثل شاب ليصير بطلًا لأجزاء أخرى، وتتحول الفيلم إلى «باتمان» أو «007» جديد.

يكمُن جانب من الإجابة في ما بدأه «توم كروز» منذ أعوام في سلسلة «Mission: Impossible» بأداء مشاهد الحركة بنفسه، على خُطى الفرنسي «جان بول بلموندو»، الذي لم يكن يستعين بـ«دوبلير» أو بديل يؤدي مشاهد الحركة بدلًا منه، فيبقى الممثل في أمان ونرى نحن مشاهد الخطر يؤديها شخص آخر يرتدي ملابس البطل، يتلقى الضربات ويقفز من فوق الأسطح وتصدمه السيارات ويتسلق الجدران، وتبيع لنا هوليوود فكرة البطل الخارق الذي يجسده ممثل مدلل.

أفلام دون «دوبلير»

بلموندو كان مخاطرًا حقيقيًّا، جاء في وقت لم تكن هناك وسائل متطورة لضمان أمانه وسلامته كالتي يعتمد عليها توم كروز الآن، فرغم شجاعة كروز في أدائه المشاهد الخطرة، استطاعت هوليوود تطوير أجهزة تضمن عدم تعرض حياة الممثل للخطر وهو يؤدي المشاهد الصعبة، وكيانو ريفز من الأوفياء لهذه المدرسة.

جون ويك، بنظرة من بعيد، هو خليط من كل «كليشيهات» السينما الأمريكية المكررة الخاصة بالبطل، فهو مجرم معتزل، يريد أن يعيش حياة هادئة بعد أن أحب امرأة وتزوجها، ثم ماتت وتركت له كلبًا يسلي وحدته، وهو منتقم يريد الثأر ممن قتلوا كلبه وسرقوا سيارته العزيزة إلى قلبه، وهو رجل ذو سمعة كقاتل خطر، يتحدث عنه المجرمون بنفس العبارات المكررة من أفلام سابقة، من نوع «إنه سيجدك أينما ذهبت» و«لقد أخطأت عندما استفززته».

كل ذلك التكرار والتنميط وإعادة حَكي ما حُكي من قبل كُتب له النجاح وتحقيق الإيرادات بسبب عنصر واحد فقط، المخرج تشاد ستالسكي نفسه، كمخاطر سابق ومنفذ لمَشاهد الحركة في ما يزيد على 70 فيلمًا، وكممارس ثم مدرب لرياضة «الكيك بوكس»، بالتأكيد كان لستالسكي رأيه الخاص في ما يصوره وينقله إلى الشاشة من مشاهد عراك وقتل.

قد يهمك أيضًا: 4 مخرجين بمثابة مدارس سينمائية مستقلة

جون ويك: الحكاية التي تكررت ألف مرة

كيانو ريفز يتدرب على الحركات القتالية لفيلم «جون ويك»

ستالسكي اهتم في فيلمه بأناقة التفاصيل أكثر من دقتها أو عمق تأثيرها الدرامي، فنرى عالمًا للقتلة المأجورين يتعاقد معهم عملاؤهم عن طريق فندق يسمي «كونتيننتال»، يسكن فيه من يحتاجون إلى ملاذ آمن، ويُمنع منعًا باتًّا القتل داخله، ومن يخالف ذلك يموت.

عملات ذهبية يستعملونها لشراء الأسلحة والمعدات، لا نفهم ما قيمة العملة الواحدة، ولا ما يحدد قوتها الشرائية، ولا ما إذا كان هناك نزلاء آخرون في الفندق، زبائن عاديون طبيعيون مثلًا، أم أن الجميع قتلة؟ لماذا يرتدي جون ويك وكل هؤلاء القتلة بذلات إيطالية أنيقة حين يهُمُّون بقتل أحدهم؟ لماذا كل هذا التكلف؟ أليس من الأفضل ارتداء ملابس رياضية مثلًا، تساعد خفتها على الهروب إن أرادوا أن ينطلقوا جريًا مثلًا؟

بذل كيانو ريفز مجهودًا رهيبًا للتدرب على التعامل مع أسلحة كثيرة، وتعلم الفنون القتالية المختلطة.

كان كيانو ريفز بطيئًا فعلًا في تنفيذ مشاهد الحركة والجري، ربما بسبب ضيق البذلات التي يرتديها، أو كان الأمر مقصودًا من صُناع الفيلم، ليبدو كرجل فقد جزءًا من لياقته وعاد الآن إلى القتل مرغمًا.

أُعجب ريفز جدًّا بالفكرة، وتبنّى الفيلم وعرضه على عدد من الشركات المنتجة، ليتأكد من إسهام أكثر من جهة في إنتاجه حتى لا يواجه مشاكل. كذلك، اقترح على المؤلف تغيير اسم الفيلم من «Scorn» (ازدراء) إلى «جون ويك»، ثم أقنعه بأن يستعين باثنين من المخاطرين ومصممي مشاهد الحركة اللذين عمل معهما في فيلم «The Matrix»، هما ستالسكي وليتش، لينتهي بهما المطاف إلى إخراج الفيلم بالكامل وليس فقط تصميم مشاهد الحركة.

بذل كيانو ريفز مجهودًا رهيبًا في التدرب على التعامل مع كل تلك الأسلحة، وتعلم «الفنون القتالية المختلطة»، فستالسكي كان له رأي في تنفيذ «جون ويك» بطريقة تختلف تمامًا عن فيلم مثل «ماتريكس».

قد يعجبك أيضًا: «للكبار فقط»: تاريخ تصنيف الأفلام عمريًّا

الواقعية: طقوس عبادة جون ويك

الواقعية هي ما أراده ستالسكي، الذي تأثر في رؤيته السينمائية بالمخرج الياباني «أكيرو كوروساوا»، إذ ترى مشاهد القتال بالسيوف واضحةً بأقل درجة من الخداع، وتشعر أنك تشاهد مبارزة فعلية. كذلك، يبدو تأثره واضحًا بألعاب الاستمرارية، ونتذكر هنا فيلم «Touch of Evil» ولقطاته الطويلة بدون قطع، وهو ما يتطلب مجهودًا هائلًا لتصوير كل هذا الطاقم، وتحريكه وفقًا لجدول زمني محدد.

ستالسكي أراد الواقعية الحركية وليس الخداع والإيهام الذي رأيناه في «ماتريكس»، أراد أن يُشعر المتفرج بحقيقة قتل جون ويك لهؤلاء المرتزقة، حين يراه يبدأ العراك ويطرح خصمه أرضًا ثم يفجر رأسه في تتابع حركي، وليس تتابعًا للقطات متقطعة.

على ممثل فيلم الحركة أن يبدو حقيقيًّا، يؤدي ما هو مطلوب من البطل فعله، يمارس الرياضات القتالية، يتمكن بالفعل من إطلاق النار.

الإيهام في «ماتريكس» كان اللعبة الكبرى، وحقيقة القصة ذاتها قائمة على الحياة داخل وهم كُلِّي، ولذلك وافق المُشاهد على هذه المَشاهد التي تبدو فعلًا غير حقيقية إطلاقًا، حتى على مستوى مشاهد العراك اليدوي، التي بدت كأنها رقصة بين شريكين وليست قتالًا بين خصمين.

«جون ويك» يشبه عملًا فنيًّا على مسرح يَعلَم كل المشاركين فيه توقيت دخولهم وخروجهم بالثانية، وأي خطأ قد يؤدي إلى إعادة كل شيء من البداية.

جاءت الحلقة التاسعة من الموسم السادس لمسلسل «Game of Thrones» بمعركتها الأشهر «Battle of the Bastards» لتكمل ما جاء في «جون ويك»، من حرص على إظهار عشوائية حركة القتل، ورؤية العدو القادم لقتل البطل، واستدارة البطل إليه، وبداية المبارزة ونهايتها بموت العدو في لقطة طويلة غير مقطعة، ثم استعانت شركة «Focus» بديفيد ليتش وحده ليخرج لها النسخة النسائية من «جون ويك»: فيلم «Atomic Blonde».

لم يختلف الفيلم في أي شيء عن «جون ويك»، قصة التجسس وحكايات الحرب الباردة والأداء التمثيلي المبدع لـ«تشارليز ثيرون» و«جيمس ماكافوي».

هذا هو الأساس في الطقوس الجديدة لنَبِيِّها جون ويك، على ممثل فيلم الحركة أن يبدو حقيقيًّا بامتياز، وأن يؤدي ما هو مطلوب من البطل فعله حقًّا، أن يمارس الرياضات القتالية لعدة شهور قبل التنفيذ، ويتمكن بالفعل من إطلاق النار لا يتظاهر بذلك، ولا يهم إطلاقًا أن تكون الحبكة على درجة كبيرة من التكرار والسذاجة ومليئة بالمفارقات والأخطاء الدرامية، طالما أن الفيلم تتوفر فيه الأناقة الكافية.

جون ويك في مواجهة نيو

من سمات ظهور «cult» جديد في سوق الأفلام أن يتحول إلى سلعة قابلة للبيع، مثل لعبة «John Wick Chronicle»، التي اشتراها كثيرون بشكل مجنون.

القصة والسيناريو والتفاصيل أمور جانبية، علينا أن لا نلتفت إليها كثيرًا، فالمهم أن كيانو ريفز و«لورانس فيشبورن» (صديق «نيو» في «ماتريكس») التقيا ثانيةً في «جون ويك»، وأن لقاءهما بدا واقعيًّا قويًّا قائمًا على المصلحة المشتركة والوقوف في وجه عدو قادم، بدلًا من رومانسية «ماتريكس» الساذجة.

وبرغم قِصر مدة المَشاهد التي ظهر فيها فيشبورن في الجزء الثاني من «جون ويك»، وبرغم أنها بدت كأنها تلويح للمتفرج بيد المخرج الضاحك قائلًا: «هل تذكرونه من ماتريكس؟ إنه مورفيوس، لكن في دور جديد أخف وأقصر وأقل حذلقةً من ذلك الفيلم الآخر المليء بالمفاهيم العلمية والرياضية التي لا أهتم بها أنا وليتش صديقي، فنحن نفضل الكيك بوكس».

ربما يرى بعض محبي كيانو ريفز أفضلية «جون ويك» على «ماتريكس» لتوفر عنصر الواقعية فيه، فأنت تشاهد ما يمكنك بشهور من التدريب أن تفعله بنفسك في صالة للفنون القتالية أو في مساحة لإطلاق النار.

هَوَس جون ويك

إعلان لعبة «John Wick Chronicles»

«جون ويك» جذاب وعنيف بما يكفي لإثارة التساؤل حول من يمكنه الفوز على الآخر في قتال يدوي مثلًا: ويك، أم نيو من «ماتركس»؟

من سمات ظهور «cult» جديد في سوق الأفلام أن تتحول تفاصيله إلى سلع قابلة للبيع، فظهرت لعبة «John Wick Chronicle» في الأسواق واشتراها مجاذيب الفيلم بشكل مجنون، فمن السهل ملاحظة نمط الحركة في مشاهد العراك والقتل في «جون ويك»، الذي يشبه كثيرًا ما نراه في الألعاب التي تقوم على مهام ينفذها اللاعب وفيها كثير من القتل. كذلك، جون ويك يبدل أسلحته بنفس السرعة والتكنيك اللذين يمارسهما اللاعب.

قد يهمك أيضًا: كيف تجني أفلام هوليوود أرباحها؟

إضافةً إلى ذلك، تستعد شركة «Lionsgate Television» لإنتاج مسلسل تلفزيوني ستكون أحداثة مبنية على فندق «كونتيننتال» الموجود في الفيلم، وسيحمل العمل اسم الفندق.

يبدو جون ويك شديد الشبه بـ«The Punisher»، فهو يطلق النار دون رحمة على خصومه، لكنه في ذات الوقت عُرضة لتلقّي الرصاص هو الآخر، وقد يُهزم أو يُقتل. هو أيضًا ليس منيعًا مثل «نيو» بطل «ماتريكس»، ولا يمكنه الطيران مثله أو منع الرصاص من الوصول إليه بإشارة من يده. ويك جذاب وعنيف بما يكفي لإثارة التساؤل حول من يمكنه الفوز على الآخر في قتال يدوي مثلًا: ويك أم نيو؟ الإجابة هي أن كيانو ريفز هو الفائز وحده.

أحمد بكر