تذكرتك لا تصنع الفارق: كيف تجني أفلام هوليوود أرباحها؟

الصورة: Getty/EVOK/R.Lauren

مي كامل
نشر في 2017/11/29

تكلف إنتاج الجزء الأول من سلسلة أفلام «Paranormal Activity» مبلغ 15 ألف دولار فقط، وعند عرضه في السينما حقق نجاحًا جماهيريًّا قويًّا، وجمع 193 مليون دولار في شباك التذاكر الأمريكي، الأمر الذي بدا مفاجئًا لشركة «Paramount» المنتجة، وجعله واحدًا من الأفلام قليلة الميزانية التي حققت نجاحًا ضخمًا تخطى مليون دولار.

هل نستطيع القول إن مبلغ 193 مليون دولار هو ما جناه الفيلم من أرباح؟ هل يكفي أن يغطي الفيلم ميزانيته أو يزيد عنها بمليون دولار أو أكثر للجزم بأنه فيلم ناجح جماهيريًّا؟ ماذا عن الأفلام ذات الميزانيات الضخمة التي بالكاد تغطي تكاليفها في شباك التذاكر؟ هل تخسر الشركة المنتجة أموالها؟ هل هناك سبيل للتعويض؟

نحاول هنا دراسة المراحل التي يمر بها الفيلم، بدءًا من الإنتاج ومرحلة ما قبل كتابة السيناريو، إلى الطباعة والعرض وما بعدهما، لإجابة السؤال التالي: هل حقًّا هناك فيلم سينمائي يخسر لمجرد أنه لم يُغطِّ تكاليفه من شباك التذاكر؟ وهل شباك التذاكر هو العامل الوحيد المتحكم، والذي يقرر إذا كان الفيلم ناجحًا تجاريًّا أو فاشلًا؟

الميزانية الحقيقية للأفلام

لقطة من فيلم «Paranormal Activity» - الصورة: Solana Films

تخفي شركات الإنتاج الأرقام الحقيقية التي تدفعها في الأفلام، لأنها ترغب في أن تبدو أذكى من حقيقتها.

الحقيقة أنه ليست هناك شركة إنتاج واحدة في هوليوود تُفصِح بدقة عن ميزانية أفلامها، فهناك الميزانية التي تدفعها الشركات من أجل السيناريو والإنتاج وتصوير الفيلم والمونتاج، وكل ما يقع تحت مفهوم «Post Production» (ما بعد الإنتاج)، تلك الميزانية تسمى «Negative Cost»، فهي تكلفة كل المواد المستخدمة لصناعة الفيلم، بما فيها مرتبات الأشخاص الذين ساعدوا في عمله، لكن لا يدخل فيها مثلًا أجر المخرج أو نجوم الفيلم، فهؤلاء كثيرًا ما يكون أجرهم مقسمًا بين نسبة من الأرباح ورقم ثابت في العقد المُبرَم.

حين تعلن شركة إنتاج عن نيتها صنع فيلم بميزانية تبدأ بمئة مليون دولار مثلًا، فتلك هي الميزانية المبدئية التي تحمل اسم الـ«Negative Cost»، والتي ظلت لفترة طويلة يُعتقد أنه كلما زادت استطاعت شركة الإنتاج تحقيق أرباح ضخمة وتعويض التكاليف، وهو ما يبدو ناجحًا لشركة مثل «Marvel» مثلًا، التي تعتمد على نظرية «الإنتاج الضخم = أرباح ضخمة»، لكن هناك حسابات أخرى كثيرة أوجدت مدرسة أخرى بميزانية ضعيفة وأرباح ضخمة تفوق التصورات، مثل ما حدث مع «Paranormal Activity» و«The Blair witch project»، وغيرهما.

لكن لماذا تخفي شركات الإنتاج الأرقام الحقيقية التي تدفعها؟ هذا لأنها ترغب في أن تبدو أذكى من حقيقتها، فهناك الشركات التي تُفصح عن أرقام أقل من الحقيقية، فلا تبدو كأنها بلهاء سُرقت في وضح الشمس على فيلم قد لا يستحق كل هذا المبلغ، وهناك شركات تزيد في أرقامها كنوع من تسويق الفيلم، لأن كثيرًا من الناس سيحبون مشاهدة «الفيلم الذي تكلف مليار دولار».

هناك ميزانية ضخمة أخرى تدفعها شركات الإنتاج بعد الانتهاء تمامًا من صناعة الفيلم ودفع أجور النجوم، تقسّم على الأنشطة التالية:

1. التسويق

بوستر فيلم «Jaws» - الصورة: Zanuck/Brown Productions

تتكلف شركات الإنتاج قدر ميزانية الفيلم لحملات التسويق، التي تشمل إعلانات الفيديو وإعلانات الشوارع، وهدايا مصممة من وحي شخصيات الفيلم.

لم يكن هناك مصطلح «Blockbuster Movie» (ذات إيرادات ضخمة) قبل إنتاج «Jaws» عام 1975، وحين عُرض الفيلم في السينما حقق نجاحًا جماهيريًّا ضخمًا في العالم أجمع، فظهرت من بعده فكرة أفلام موسم الصيف، وأصبح هناك ما يسمى «ليلة عرض الفيلم»، لتصطف الجماهير بانتظار أحدث أفلام الموسم وأهم أفلام العام.

مثل هذا الانتظار هو ما تهدف إليه فكرة تسويق الفيلم منذ 1975 حتى الآن، لذا تصرف شركات الإنتاج أرقامًا ضخمة لتسويق الفيلم بحملات تقليدية أحيانًا وغير تقليدية أحيانًا أخرى، لخلق هذا الزخم الذي ينتظر الفيلم قبل عرضه ويروج له بما يسمى «Word of mouth».

في نهاية الأمر، منذ 2007، تصل ميزانية تسويق الأفلام في هوليوود إلى 80% من ميزانية الفيلم نفسه، أي أن شركات الإنتاج تتكلف قدر ميزانية الفيلم تقريبًا لعمل حملات تسويق للفيلم.

يشمل هذا كل أنشطة الدعاية، من حملات «Teaser» لإعلان فيديو مدفوع، إلى إعلانات الشوارع، والهدايا المصممة من وحي الفيلم أو ما يسمى «Branded Items»، فشخصيات «Minions» الصغيرة، التي اشترى من أجلها كثيرون وجبات من مطاعم «ماكدونالدز»، كانت اتفاقية دعائية وتسويقية بين سلسلة المطاعم الشهيرة وفيلم «Despicable Me»، ونفس الحال مع ألعاب الـ«Action Figures» لشخصيات «Marvel» و«DC» التي يعشقها الملايين.

2. الطبع والنسخ

بوستر فيلم «Shrek» - الصورة: DreamWorks

كثير من شركات الإنتاج يقترض لإنتاج الفيلم، ثم تسدد قيمة القرض من الأرباح.

هناك تكاليف كبيرة تتحملها شركات الإنتاج لتقديم نسخة الفيلم بأشكال مختلفة، فهناك نسخة ديجيتال «DVD» تُطرح في السوق، ونسخة عرض السينما، وربما نسخة «IMAX»، ونسخة أخرى لمنصات عرض الأفلام بمقابل مادي (Video On Demand) مثل شبكة «Netflix» وغيرها، ونسخة تدخل بها المهرجانات الدولية.

كل هذه النسخ التي تبدو «تكاليف غير محسوبة» هي تكاليف ضخمة بالفعل، فعلى سبيل المثال، في 2005، نفذت شركات «DreamWorks» نسخ «DVD» للجزء الثاني من فيلم «Shrek» بأكثر من احتياج السوق بخمسة ملايين نسخة، فكان المرتجع ضخمًا بالشكل الذي جعل الشركة تخسر أرباحها ربع السنوية، وبالتالي قلت قيمة أسهم الشركة كنتيجةٍ مباشرة لتلك الحسبة الخاطئة.

3. الأرباح والديون والفوائد

كثير من شركات الإنتاج تقترض لإنتاج الفيلم ثم تسدد القرض من أرباحه، كذلك هناك نسبة للمخرج أو نجوم الفيلم من الأرباح حسب العقد المُبرم، لذا حين نقول إن فيلمًا جنى أرباحًا قدرها مئة مليون دولار مثلًا، يجب الأخذ في الحسبان أن هناك نسبة 10% على الأقل من هذا المبلغ ذهبت تسديدًا لنفقات صناعة الفيلم نفسه بقرض الإنتاج أو أجور النجوم.

كيف تجني أفلام هوليوود أرباحها؟

تصوير فيلم «The Italian Job» - الصورة: Paramount Pictures

صحيحٌ أن الفيلم يبدأ جني الأرباح من شباك التذاكر، لكن من السذاجة التوقف عند الرقم الذي حققه الفيلم هناك، لأنه بداية الرحلة فقط، فالأرباح تبدأ من السينما وتمر على عديد من المنصات، مثل بيع نسخ «DVD» للفيلم، وبيع الـ«Video Games» الخاصة به، وبيع الـ«Action Figures»، وهناك الأرباح الناتجة من منصات الـ«Video on Demand»، التي يُعتقد أنها البديل الحديث والمتطور لأشرطة الفيديو القديمة (VCR).

هناك جهات أخرى للتربُّح مثل التلفزيون، الذي يشتري الفيلم بعد مرور عام أو اثنين على طرحه في دور العرض، وهناك الـ«Merchandising»، الذي يشمل ولا يقتصر على الـ«Product Placement»، فإذا تعاقدت الشركة المنتجة مع شركة «فورد» للسيارات مثلًا لإظهار سياراتها بوضوح داخل الفيلم، فهناك مبلغ من المال تدفعه «فورد».

مثال ذلك تعاقد شركة «Mini Cooper» لترويج سياراتها في الفيلم الشهير «The Italian Job»، وكذلك شركات الطيران التي تشتري حق عرض الأفلام الحديثة دون الحاجة لوضع ميزانية للتسويق من شركات الإنتاج، وبالتالي فهامش الربح من شركات الطيران مثلًا يصل إلى 100%.

كم تجني أفلام هوليوود التجارية الناجحة بالتحديد؟

لقطة من فيلم «Avatar» - الصورة: Paramount Pictures

فلنتفق مبدئيًّا على أننا نقصد هنا الأفلام التجارية الناجحة التي تسمى «Blockbuster Movies»، والتي تتكلف ميزانيتها مئة مليون دولار على أقل تقدير.

نفذ «ستيفن فولوز» دراسة لمعرفة كم تجني أفلام هوليوود من أرباح خلال الفترة بين عامي 2000 و2010، فوجد أن معظم الأفلام التي تكلفت تلك الميزانية جنت متوسط أرباح وصل إلى نحو 410 ملايين دولار، وفصّل تفاصيل تلك الأرباح كالتالي:

1. دور عرض السينما

هامش الربح الصافي من الترفيه المنزلي أكبر من دور العرض، إذ لا تضطر شركات الإنتاج لصرف أموال ضخمة للتسويق مثلما يحدث في السينما.

السينمات هي المصدر الأكبر للربح دون منازع، وهي المؤشر الرئيسي والمباشر لنجاح فيلم تجاريًّا أو فشله.

جمع فولوز أرقامًا وبيانات من عدد من استوديوهات هوليوود، فوجد أن معظم الأفلام التي تكلفت ميزانيتها مئة مليون دولار حصدت 130 مليون دولار تقريبًا من شباك التذاكر الأمريكي، وأكثر من 200 مليون دولار من توزيع الفيلم في أنحاء العالم.

لكن قبل أن تحسب إجمالي شباك التذاكر الذي قد يتخطى 300 مليون دولار، عليك أن تخصم بندين من هذه الأموال:

  1. حصة دور العرض
  2. الضرائب

قد يصل هذان البندان إلى نصف قيمة الأرباح تقريبًا، وبالتالي مقدار المال الحقيقي الذي تجنيه شركات الإنتاج من شباك التذاكر هو نحو 160 مليون دولار إذا حققت 300 مليون دولار داخل وخارج الولايات المتحدة.

2 الترفيه المنزلي المدفوع والتلفزيون

ثاني أكبر مصدر للربح للأفلام بعد دور العرض السينمائية، إذ يجني الفيلم من بيعه للترفيه المنزلي متوسط 134 مليون دولار، لكن هامش الربح الصافي من الترفيه المنزلي أكبر من هامش ربح دور العرض، لأن شركات الإنتاج لا تضطر إلى صرف أموال ضخمة للتسويق مثلما تفعل مع السينمات، لذا يمكن فهم لماذا تقلق شركات الإنتاج على حصتها في سوق الـ«DVD» داخل وخارج أمريكا، لأنه ببساطة هامش الربح الصافي الأكبر.

التلفزيون المجاني أيضًا يشتري الفيلم بعد عرضه في السينما بمدة محددة (عام أو اثنين)، ثم يعرضه مصحوبًا بكمِّ إعلانات ضخم يغطي تكاليف البث. ويجني الفيلم ذو الميزانية التي تزيد على مئة مليون دولار أرباحًا تصل إلى 87 مليونًا من بيعه لشبكة التلفزيون المجانية.

3. منصات الفيديو بالطلب

المقصود بها شبكات أمثال «Netflix» و«icflix» وغيرها من منصات الفيديو عبر الإنترنت باشتراك مدفوع، التي لا تحقق رقمًا جيدًا للأفلام ذات الميزانية الكبيرة، فقد تربح تلك الأفلام ما يعادل 1% من إجمالي الربح فقط.

4. القسم التجاري (Merchandising)

يشمل الألعاب الخاصة بالفيلم، أو عمل اتفاقية تبادل إعلاني مع شركة ما، وغيرها من الاتفاقيات التجارية التي تُسهِم في تمويل الفيلم.

تلك الاتفاقيات تضمن للفيلم ربحًا قد يصل إلى 11 مليون دولار أو أكثر، وهامش الربح لذلك القسم التجاري كبير، فقد يصل إلى نصف الميزانية المخصصة للفيلم، لذا يمكن تصور أن فيلمًا قد يفشل تمامًا في دور العرض وينصرف عنه الجمهور، لكن شخصياته وألعابه تُباع وتحصد أموالًا ضخمة، أو تُصمّم لعبة فيديو جيم مستوحاة من الفيلم وتعوض خسارة شركات الإنتاج.

هل هناك فيلم يخسر حقًّا؟

لقطة من فيلم «The Prince of Egypt» - الصورة: DreamWorks

لا يمكن الجزم بأن فيلمًا خسر أو نجح بناءً على الأرباح التي حققها في شباك التذاكر خلال أسبوعه الأول، أو حتى إجمالي أرباحه في دور العرض داخل وخارج أمريكا، لأن هناك أوجهًا كثيرة تعوِّض شركات الإنتاج عن أموالها إذا أخفقت في السينما.

لا تنتج هوليوود فيلمًا بميزانية تفوق مئة مليون دولار ويخسر، لأنه إن لم يتمكن من تغطية تكاليفه والزيادة عليها، يغطي تكاليفه على الأقل.

لكن قد يحقق الفيلم نجاحًا ضخمًا في شباك التذاكر ثم ينهار في سوق الـ«DVD»، الذي يقدم هامش الربح الأكبر للشركات، بالإضافة إلى القسم التجاري.

وكذلك التوزيع الخارجي، قد تعوض أرباحه تكاليف الفيلم وخسارته داخل أمريكا، لذا ربما كان جليًّا اهتمام هوليوود بالأفلام الموجهة إلى الدول العربية، مثل «Gods of Egypt» و«The prince of Egypt»، وغيرها من الأفلام التي لا تلقى رواجًا في أمريكا، لكنها تنال حظها الوافر في المنطقة العربية ودول العالم الثالث.

الأمر ليس مقصورًا على دول العالم الثالث فقط، فمثلًا فيلم «Transformers Age of Extinction» استطاع أن يجني نحو 134 مليون دولار من شباك تذاكر الصين في أول أسبوع لعرضه، في الوقت الذي اقتصر فيه إجمالي أرباحه من شباك التذاكر الأمريكي على 121 مليون دولار فقط في نفس الأسبوع.

الحال نفسه مع فيلم «Pacific Rim»، الذي جنى من الصين ما يقرب من 112 مليون دولار من شباك التذاكر، في حين أن إجمالي أرباحه في أمريكا كان 101 مليون دولار فقط، وكانت الصين وهونغ كونغ السبب الرئيسي لإنتاج جزء ثانٍ، إذ ضم الجزء الأول ممثلين صينيين، وبالتأكيد ستفكر شركة الإنتاج بنفس الطريقة في الجزء الجديد.

هامش الربح أكبر من التوزيع الخارجي للأفلام، لأنه لا يشترط ميزانية للتسويق مثل التي تنفقها شركات الإنتاج للتوزيع الداخلي، فالشركة بالكاد تُرسِل البوستر الدعائي وإعلان الفيلم (Trailer) وكفى، لذا تعتمد شركات الإنتاج كثيرًا على التوزيع الخارجي.

خلاصة الدراسة التي أجراها ستيفن فولوز تؤكد أنه تقريبًا ليس هناك فيلم تنتجه هوليوود بميزانية تزيد على مئة مليون دولار ويخسر، لأنه إن لم يتمكن من تغطية تكاليفه والزيادة عليها، سيغطي تكاليفه على الأقل، وبالتالي لا تخسر شركات الإنتاج في هوليوود أموالها، قد تخسر الأرباح المتوقعة أو لا تحقق الزيادة الربحية الموعودة، لكنها لا تخسر أموالًا صرفتها على إنتاج فيلم إلا نادرًا جدًّا.

للتأكد من ذلك، يمكننا أن نحسب كل أوجه الأرباح والميزانية الحقيقية لمعرفة مدى جدية تلك الخسارة، فخسارة شباك التذاكر ليست بالخسارة التي تُذكر، بعد معرفة كل هذه التفاصيل التي تخص جهتي الصرف والربح.

مواضيع مشابهة