مسلسل «Thirteen Reasons Why»: كيف تستخدم نقاط ضعفك لتقديم دراما جذابة؟
ليست الدراما التي تدور في عوالم المراهقين جديدة، سواءً على السينما أو التليفزيون في أمريكا، وقُدمت بكثير من الأشكال والمعالجات: بعضها اهتم بالعلاقات الاجتماعية والتغيرات التي تدور بين المراهقين مثل «The O.C»، وأخرى دارت في عالم مرعب مثل «Buffy the Vampire Slayer»، فما الجديد الذي يمكن أن يقدمه مسلسل «Thirteen Reasons Why» بعد كل هذا؟
مع النجاح الكبير للمسلسل، يبدو أن هناك جديدًا بالفعل يمكن أن يُقال في دراما المراهقين التي كنا نظن أنها استُهلكت تمامًا. لا نتحدث عن نجاح تقليدي ونِسَب مشاهدة جيدة، بل نجاح وصل إلى كتابة ثلاثة أو أربعة مقالات يوميًّا في مواقع فنية مختلفة لمدة أسبوع بعد انتهاء عرض الموسم الأول، أما بعد الإعلان عن تقديم جزء تالٍ، أصبح الخبر ضمن أهم ما يتناوله مستخدمو موقع تويتر في العالم.
الملاحَظ هنا أن هذا النجاح صاحَبَه تناقض في آراء المُشاهدين، فبينما أحب كثيرون المسلسل وعرضوا أسبابًا عدة لذلك، وجد آخرون أنه يحتوي على نقاط سلبية يمكن التوقف عندها، سواءً على المستوى الفني، وهو أمر طبيعي، أو حتى على مستوى الرسائل النفسية التي قد يبعثها المسلسل، وحذر بعضهم من أن العمل يبرر الانتحار ويضعه في قالب مقبول.
على كثرة الأعمال التليفزيونية الأمريكية التي تُنتج كل عام، يُعتبر النقاش الدائر حول هذا المسلسل حدثًا استثنائيًّا، ويعني أنه نجح في تقديم شيء مختلف جذب كل هؤلاء وجعلهم ينتظرون الموسم الجديد، فكيف تمكن «Thirteen Reasons Why» المسلسل من فعل هذا؟
انتحار لم يكن هادئًا
نحن أمام دراما اجتماعية مغلفة بإطار من التشويق مع أبعاد نفسية لا يمكن إغفالها.
لإجابة هذا السؤال يجب الرجوع إلى قصة المسلسل، التي قدمها «براين يوركي» عن رواية بالعنوان نفسه. تحكي الرواية قصة مراهقة في المدرسة الثانوية هي «هانا بيكر» (كاثرين لانغفورد)، ندرك منذ المشهد الأول أنها انتحرت وأن الأحداث تدور بعد موتها، لكنها لم ترحل في هدوء، إذ يُفاجأ زميلها في المدرسة «كلاي» (ديلان مينتي) بعلبة بها أشرطة كاسيت أمام منزله.
ينطلق صوت هانا يروي لكلاي أنها سجلت الأشرطة لتوضح 13 سببًا دفعتها إلى الانتحار، ومن هنا جاء عنوان المسلسل. هذه الأسباب وراؤها شخصيات بعينها من زملائها في المدرسة، وهكذا يقدم المسلسل في كل حلقة شريطًا، ومعه يتكشف جزء جديد من سر انتحار هانا، وكيفية تأثير هذا على زملائها في المدرسة.
نحن أمام دراما اجتماعية مغلفة بإطار من التشويق مع أبعاد نفسية لا يمكن إغفالها، بجانب دائرة انتقام كذلك. هذه دراما عن المراهقين، ويبدو موضوعها ليس جديدًا، لكن صُنَّاع العمل نجحوا في تحويله إلى شيء مختلف وجديد، وهنا تكمن أولى نقاط القوة في «Thirteen Reasons Why»: أن تستخدم نقطة ضعفك للفوز.
13 سببًا للانتحار
النظرة الأولى للمسلسل سترى أن سبب انتحار هانا ليس به أي جديد، بل هي الأسباب نفسها التي نسمعها في حالات الانتحار الواقعية والأعمال الفنية، بل إن بعضها تفضله الدراما الأمريكية وتنتجه كثيرًا، مثل انقلاب صديقة هانا المقربة عليها، أو حتى فشلها في قصص الحب.
ربما ما أضاف بعض الواقعية هو اجتماع كل هذه الأسباب لتكون الدافع للانتحار، وهو أمر يستطيع المُشاهد تقبُّله مع الوصول إلى الحلقة الأخيرة، فيما ربما كان سيواجه صعوبة في تقبُّل انتحارها من أجل سبب واحد فقط، وهكذا استطاع المسلسل أن يكسب التعاطف مع شخصيته الرئيسية.
قد يهمك أيضًا: هل يشبه الانتحار في السينما العربية نظيره في الأفلام الغربية؟
ما الذي يدفع المُشاهد لمتابعة مسلسل انتحرت بطلته، بينما هو لا يستطيع التعاطف معها؟
الجانب الآخر من «Thirteen Reasons Why» هو الذي يخص الوقت الحالي، وانعكاس الأسرار التي تكشفها أشرطة الكاسيت على المراهقين الذين تحكي عنهم. فإن كنا في الماضي الذي تحكيه الأشرطة نرى معاناة شخصية واحدة هي هانا، ففي الحاضر ندرك أن الجميع يعاني لبواعث مختلفة، سواءً بسبب سر دفين، مثل الفتاة التي تخشى الاعتراف بمثليتها، أو الفتى الذي يعاني شعورًا بالنقص المادي، ممَّا يدفعه لترك صديقه الغني يغتصب حبيبته دون أن يقدر على إيقافه.
هنا، مرةً أخرى، يعيد المسلسل تدوير أفكار تبدو مستهلَكة، لكنه يوظفها بشكل ثانوي داخل الأحداث الرئيسية، ليصبح تمريرها وتقبلها سهلًا بالنسبة للمُشاهد، بل ومطلوبًا كذلك. كل المراهقين في المسلسل لديهم مشاكلهم الخاصة، لكن هانا فقط انتحرت بينما نجح الباقون في الهروب بشكل أو بآخر من مشكلاتهم.
ربما كانت هذه الملامح المكررة لتبقى صعبة التقبل لو لم ينجح السيناريو في رسم الشخصيات وتطويرها بشكل متماسك، جعلها أكثر قابليةً للتصديق بالنسبة للمُشاهد، وإن كانت ليست كل الشخصيات تقف على قدم المساواة في التوظيف.
انتحار مُقنِع
لدينا فتاة شابة منتحرة هي الشخصية الرئيسية في المسلسل. كان تقديم هذه الشخصية بشكل جذاب منذ الحلقة الأولى أهم تحدٍّ، فما الذي يدفع المُشاهد لمتابعة مسلسل انتحرت بطلته، بينما هو لا يستطيع التعاطف معها؟
لا تكشف الحلقة الأولى الكثير عن هانا، بل تقدمها بشكل غامض، ولكنه غموض يجعل المُشاهد ينتظر الحلقات التالية، التي تكشف مزيدًا من الملامح حتى تكتمل الصورة.
إن كانت مشاهدة المراهقين ينتحرون شيئًا قديمًا، فانتحار هانا رغم وجودها مع عائلة تحبها وتبذل كل جهد من أجل إسعادها كان أمرًا غير مألوف، وهنا يتجه المسلسل لمساحة أقرب إلى الواقعية.
تتعاقب الحلقات، ومعها نرى مزيدًا من التفاصيل التي تتنافى تمامًا مع فكرة أن تُقدم بطلة المسلسل على الانتحار: هانا فتاة شابة، موهوبة، جميلة، تعمل من أجل توفير مصروفها، وهو أمر شائع في أمريكا، وهي سعيدة بالعمل، وليست فاشلة في دراستها، كل هذا يجعل وقع فكرة الانتحار على المُشاهد أكثر قسوةً، وفي الوقت نفسه أكثر قابليةً للتصديق مع كل حلقة جديدة. كان بناء وتطور شخصية هانا يسير بخطوات ثابتة ليقنعنا بتصديقها، وتصديق دوافعها للانتحار.
اقرأ أيضًا: لماذا نختار الموت؟ 6 أسباب يشرحها مختص نفسي قد تدفع الناس للانتحار
على عكس بطلة «Thirteen Reasons Why» نرى شخصية كلاي، المراهق الذي أحبَّ هانا ويصر على الثأر لها بعد ما سمعه في الأشرطة. هذا شاب تقليدي، بريء، فيه ما يمكن أن نراه في عديد من المراهقين الذين يماثلونه سنًّا، وهنا اختار كُتَّاب العمل تقديم نموذج يمكن أن نراه في الحياة، وإن كان يمكن أن نراه كذلك في أعمال سينمائية أو تليفزيونية أخرى.
الشخصيات الثانوية جاءت في مرتبة أقل من حيث الاهتمام بتفاصيلها، وبعضها جاء مكررًا وتقليديًّا إلى حدٍّ بعيد، مثل الشاب الغني الرياضي الذي يلفت أنظار كل فتيات المدرسة، والفتاة التي لا يشغل بالها سوى الحفلات وممارسة الجنس مع حبيبها.
جمال يكسر الصورة النمطية
أحد الأسباب التي تجعل من نجاح المسلسل استثنائيًّا هو اعتماده بالكامل على وجوه شابة جديدة، بما في ذلك بطلته التي نشاهدها للمرة الأولى على الشاشة.
كذلك، كسر «Thirteen Reasons Why» الصورة النمطية عن الجميلات، فاختيار كاثرين لانغفورد لتلعب دور البطولة كان شديد التميز. ملامح لانغفورد الجميلة كانت لتصبح مثالية في دور الفتاة التي يتصارع عليها الشبان في المدرسة، والتي تخطف دائمًا جميع المميزات لصالحها. جمالها كان يمكن توظيفه في شخصية تبتعد تمامًا عن البراءة أو الصدق دون أن ينزعج المُشاهد من ذلك، لكن الصعوبة هي عكس ذلك.
من الصعب تخيل أن تكون صاحبة هذا الجمال ضحية، وهو ما يعمد إلى كسر قناعات المُشاهد السابقة وأخذه إلى تجربة جديدة، كأن نشاهد فاتن حمامة بجمالها الهادئ تلعب دور امرأة قاسية أو شريرة، وإن كان هذا ألقى بعبءٍ على كاهل كاثرين، إلا أنها أدت الدور بالشكل المطلوب. الكثير من الانفعالات مرت بها الشخصية بين حب وألم وقلق وبهجة، والممثلة الشابة كانت حاضرة دومًا لتقديم الشخصية كما ينبغي.
تفاوَت أداء بقية الممثلين وإن التزم أغلبهم بتقديم المطلوب. ديلان مينتي قدم أداءً طيبًا، لكن طبيعة الشخصية فرضت عليه انفعالات محدودة في معظم المَشَاهد، فيما التزم أغلب الممثلين بشخصياتهم ولم يقدم أحدهم أداءً ملفتًا بشكل استثنائي، سوى «سوسي بيكون» في دور «سكاي»، كما لم تجتهد «أليشا بو» لتقديم جديد في شخصية «جيسيكا»، وكان أداؤها شديد التقليدية طَوَال المسلسل.
فراغات على أشرطة الكاسيت
لم يفسر المسلسل خلفية شخصية «جيف»، الذي ظهر فجأةً ليساعد كلاي بقوة.
لم يمنع كل هذا من وجود فراغات لم تملأها أشرطة الكاسيت ولا سيناريو المسلسل، منها العلاقة الملتبسة بين هانا وكلاي.
من الحلقتين الأوليين ندرك أن بين المراهقَيْن كثيرًا من الاستلطاف، لكن لسبب غير مفهوم تلجأ هانا لكل الطرق عدا الفتى الذي يميل إليها وتميل إليه. من النادر بالطبع أن ينتقي المرء الخيار الأفضل من المرة الأولى، خصوصًا في الدراما، لكن من غير المنطقي أن يكون ترتيب الاختيار الأفضل هو العاشر أو الحادي عشر، أو ربما لا يأتي من الأساس، لهذا كان موقف كلاي كشاب يخجل من الاعتراف بحبه مفهومًا، في حين كان تمادي هانا في اختياراتها بعيدًا عنه هو الأمر الصعب.
تظل براءة هانا المفرطة أمرًا يصعب تقبله، فهناك مبالغة في الهالة الملائكية التي أحاطت بالبطلة، إذ ليس من المعقول أن يتعرض شخص لهذا الكَمِّ من المضايقات دون أن يستفيد من تجاربه.
ترك سيناريو «Thirteen Reasons Why» مناطق غير واضحة تخص شخصية مهمة مثل «توني» (كرستيان نافارو)، فهو الوحيد الذي كان محطَّ ثقة الجميع طَوَال الأحداث، حتى الأطراف التي تتصارع في المسلسل. وربما كان بناء الشخصية التي شاهدناها يوحي بالثقة، ولكن ليس إلى درجة أن يثق كل طرف في أنه سيساعده هو ضد الطرف الآخر، وهو أمر لم يسلَّط عليه الضوء بشكل كافٍ.
كذلك، كان هناك غموض غير مبرر يحيط بشخصية «جيف» (براندون لاراكوينت)، الذي ظهر فجأةً بشكل قريب من كلاي وحاول مساعدته بقوة، لكن لم يمنحنا المسلسل أي خلفية عن الشخصية تبرر تصرفها هذا.
مزج سلس للأزمنة
حتى وإن كان الإخراج ليس به الكثير من الإبهار، فإن اللقطات التي تمزج بين الأزمنة تبقى جميلة ومهمة.
أحد أهم مميزات المسلسل على المستوى البصري كانت الطريقة التي ينتقل بها بين الماضي والحاضر. فمن أجل عدم إثارة الارتباك، ابتكر صُنَّاع العمل حيلة بسيطة هي إصابة كلاي في رأسه، حتى ندرك بمجرد رؤيته هل يدور الحدث في الماضي أم الحاضر، لكن الأهم هو الطريقة السلسلة التي انتقل بها المسلسل بين الزمنين، وكان للمونتاج دور رئيسي في نجاح هذه التفصيلة وخلق إيقاع جيد للعمل.
لكن أجمل ما قدمه مخرجو «Thirteen Reasons Why» هو الفصل في الألوان بين الزمنين، فيمكن ملاحظاة درجة من اللون الأزرق تطغى على مَشَاهد كلاي في الحاضر، بينما تظهر ألوان الماضي أكثر حدةً، وهذا المزج بين الزمنين أضاف متعة كبيرة للمُشاهدة.
ربما يكون الانتقال صعبًا في البداية على المُشاهد، لكنه يصير لاحقًا أحد أهم عوامل الجاذبية في كل حلقة، وحتى إن كان إخراج العمل ككل ليس به الكثير من الإبهار، فإن هذه اللقطات التي تمزج بين الزمنين تبقى جميلة ومهمة للغاية.
بانتهاء الموسم، سيجد المُشاهدون كثيرًا من الأسباب التي تصلح أن تكون إجابة لسؤال «اذكر 13 سببًا لنجاح المسلسل»، لكن أهم الأسباب سيكون المزج بين التقليدي والجديد في معظم عناصره، وإعادة تقديم أفكار معظمها قديم بطريقة متطورة، ليخرج لنا المسلسل بهذا الشكل، الذي سيضع بالتأكيد تحديًا كبيرًا أمام صُنَّاعه لتنفيذ موسم جديد يتفوق على الأول.
أندرو محسن