لماذا نختار الموت؟ 6 أسباب يشرحها مختص نفسي قد تدفع الناس للانتحار

ترجمات
نشر في 2016/11/16

إذا كنت تفكر في اﻻنتحار، توجَّه إلى شخص مُقرَّب واطلب منه المساعدة، أو يمكنك زيارة هذا الموقع.


هذا النص مُترجم إلى العربية عن مقال الدكتور (Alex Lickerman) بعنوان: The Six Reasons People Attempt Suicide.

على الرغم من أنني لم أفقد أحد أصدقائي أو فردًا من أفراد أسرتي بسبب الانتحار، إلَّا أنني فقدتُ مريضًا لدي (كتبتُ عنه في مقالٍ سابق بعنوان: السبب الحقيقي للاكتئاب).

عرفت عددًا ممن عانوا بعد رحيل أشخاصٍ قريبين منهم أنهوا حياتهم، وبالنظر إلى مدى تأثري بفقدان مريضي الذي انتحر، كان باستطاعتي أن أقدِّر مدى الانهيار الذي مرّ به هؤلاء الأشخاص، وأن أشعر بما بهم من ألمٍ يمتزج داخلهم بشعورٍ بالذنب، والغضب، والحُنُق، والحسرة، كشرابٍ مُر، شهدت مرارته التي تبقى في حلوق البعض لأشهرٍ أو حتى لسنواتٍ قبل أن تزول.

السؤال الذي طرحه الجميع دون استثناء، وأرادوا أن يعرفوا الإجابة عنه أكثر من أي شيءٍ آخر، كان ببساطة: لماذا؟ لماذا قد يقرر صديقهم، أو ابنهم، أو أحد أبويهم، أو حبيبهم، أو أحد إخوتهم أو أخواتهم، أن ينهي حياته بنفسه وينتحر؟

عادةً ما تبقى أسئلتهم عالقة بلا إجابة، حتى ولو ترك لهم المُنتحر رسالةً توضح دوافع القرار: أجل، لقد شعروا بقدرٍ كبيرٍ من اليأس دفعهم لدرجة أن يرغبوا في الموت، ولكن ما الذي تسبب في هذا الشعور؟ غالبًا ما تكون حوادث الانتحار مُباغتةً للأشخاص القريبين من المُنتحر، وهو ما قد يُفسر شعورهم بالذنب لعدم توقعهم أن شخصًا قريبًا منهم سيُقدم على الانتحار.

الذين نجوا من محاولات الانتحار قالوا إنهم لم يرغبوا في الموت قدر رغبتهم في التوقف عن العَيش، وهي ازدواجيةٌ غريبة، ولكنها سليمة. لو أن حالة وسطى بديلة عن الموت، تقع بينه والحياة، أعتقد أن كثيرًا من الراغبين في الانتحار سوف يلجؤون إليها. لذلك، فمن أجل كل مَن يقرؤون هذا المقال، هؤلاء الذين قد يكونوا تعرضوا لانتحار شخصٍ قريبٍ لهم، أردتُ أن أصف لكم كيف تعلمتُ التفكير في الأسباب التي تدفع الناس لإنهاء حياتهم، وهي ليست أسباب بديهية مثلما يظن معظم الناس.

بشكل عام، هنالك ستة أسبابٍ قد تدفع الناس لمحاولة الانتحار:

1. الشعور بالاكتئاب

وهو، بلا شك، السبب الأكثر شيوعًا لإقدام الناس على الانتحار. دائمًا ما يصاحب الاكتئاب الشديد شعورٌ غامرٌ بالمعاناة، بجانب الإيمان باستحالة التخلص من هذا الإحساس، بل في كثيرٍ من الأحيان، يزداد شعورٌ بالألم من جرّاء الوجود في هذا العالم لدى المصابين بالاكتئاب الحاد إلى أن يصبح أمرًا لا يُحتمل.

اقرأ أيضًا: حكايات الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

إذا كنت تشك في معاناة شخصٍ ما من الاكتئاب، لا تسمح لرغبتك في إنكار إمكانية تفكيره في الانتحار أن تمنعك من سؤاله مباشرةً عن أفكاره تجاه ذلك.

تتسبب حالة الاكتئاب في انحراف تفكير من يشعرون به، مما يسمح لأفكارٍ مثل «سيكون الجميع أفضل حالًا دون وجودي» بأن تكون منطقيةً بالنسبة لهم. ويجب أﻻ يُلاموا على وقوعهم فريسةً لمثل هذه الأفكار المضطربة بقدر ما يُلام مرضى القلب على شعورهم بآلامٍ في الصدر؛ فما هي إلا طبيعة مرضهم. وكما نعلم جميعًا، فالاكتئاب مرضٌ قابلٌ للعلاج في أغلب الحالات، لذا ينبغي أن نسعى لتتمييزه لدى أقرب أصدقائنا وأحبائنا.

كثيرًا ما يُعاني الناس من الاكتئاب في صمتٍ، ويخططون للانتحار دون أن يعلم أحد. بحسب خبرتي، فسؤالك المُباشر لأحدهم عن إن كانت لديه أفكارٌ انتحارية أم لا سيؤدي إلى حصولك على إجابةٍ صادقة، حتى ولو صاحَب ذلك شعورٌ بالحرج والارتباك لدى الطرفين. إذا كنت تشك في معاناة شخصٍ ما من الاكتئاب، لا تسمح لرغبتك في إنكار إمكانية تفكيره في الانتحار أن تمنعك من سؤاله مباشرةً عن أفكاره تجاه ذلك.

2. الاضطراب العقلي (الذُهان)

وفيه تحث المريض أصواتٌ داخلية على تدمير ذاته، لأسبابٍ غير مفهومة. يصعب إخفاء الذُهَان أكثر من الاكتئاب، ويُعتقد أنه أكثر مأساويةٍ منه. تبلغ نسبة الإصابة بمرض انفصام الشخصية في جميع أنحاء العالم 1%، وهو غالبًا ما يصيب الأصحاء الأذكياء الذين يتمكنون، بمساعدة الأدوية، من مواصلة الحياة، لكنها ﻻ تكون حياة مُرضيْة بالنسبة لهم على أي حال.

بحسب خبرتي، يمكن أن يتحدث المصابون بمرض انفصام الشخصية بصراحة عن الأصوات الداخلية التي تحثّهم على قتل أنفسهم، ويمكن أﻻ يفعلوا ذلك، وبالمثل عندما يتعلق الأمر بسؤالهم مباشرةً عن أفكارهم اﻻنتحارية؛ فربما يردُّون بإجابات صادقة وربما ﻻ.

مرض الذُهان قابل للشفاء، وعادةً ما يصل الأمر إلى معالجة مريض انفصام الشخصية ليكون قادرًا على مواصلة الحياة على نحوٍ طبيعي. من ناحية أخرى، فالشخص المُصاب بالذهان الذي لم يتلقَ علاجًا أو عولج بطريقةٍ غير صحيحة سيحتاج بشكلٍ دائمٍ إلى دخول المستشفى من حينٍ لآخر كي يُحجز في جناحٍ مُغلق حتى تفقد تلك الأصوات سيطرتها على رأسه.

3. الاندفاع

غالبًا ما يرتبط ذلك بتعاطي المخدرات والكحول؛ فبعض الناس يدخلون في حالة سُكرٍ شديد قد تدفعهم إلى محاولة إنهاء حياتهم، وبمجرد أن يهدأوا ويفيقوا من سُكرهم، عادة ما يشعر هؤلاء الناس بخزيٍ شديد. غالبًا ما يكون ندمهم صادقًا، لكن لا يمكن التنبؤ بما إذا كانوا سيحاولون الانتحار مرة أخرى أم لا؛ فربما يحاولون الانتحار مجددًا في المرة التالية مباشرةً التي يصبحون فيها في حالة سُكر أو انتشاء، وربما لا يحاولون الانتحار بعد ذلك قط.

عادةً، لا يتم التوصية بدخول المستشفى في هذه الحالات؛ فتعاطي المُخدرات، والدافع إليها هي الأشياء التي تستحق الاهتمام الأكبر عند معالجة هؤلاء الأشخاص، ويجب أن يتم التركيز عليها بأقصى ما يُمكن.

4. الاستغاثة طلبًا للمساعدة

فهم لا يعرفون كيفية الحصول عليها بطريقة أخرى. الأشخاص الذين يقومون بذلك لا يريدون أن يموتوا، وإنما يريدون أن ينبهوا مَن حولهم بأنَّ أمر خطير ما يحدث. في كثيرٍ من الأحيان، يقومون باختيار طرقٍ لا يظنون أن بإمكانها أن تقتلهم فعلًا، اعتقادًا منهم أنهم لن يموتوا إذا ما لجأوا إلى هذه الوسيلة بهدف تهديد أو إخافة شخصٍ ما آذاهم، لكن حساباتهم قد تكون خاطئةً في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى نتائج مأساوية.

قد يهمك أيضًا: تجربة شخصية: أستطيع أن أفهم «فيرجينيا وولف»

المثال الأقرب لهذه الحالة يتمثل في فتاةٍ مُراهقة تعاني من قلقٍ بالغ بسبب علاقةٍ ما، سواء كانت مع صديقٍ، أو حبيبٍ، أو حتى مع أحد الأبوين، قامت بابتلاع قنينة من عقار تايلينول (يُستخدم للبرد وكمسكن للألم)، دون أن تعلم أن الجرعات الكبيرة من هذا العقار تضر الكبد على نحوٍ يتعذر علاجه. لقد رأيتُ العديد من المراهقين وهم يموتون بطريقة مروّعة في العناية المركزة بعد تناول جرعاتٍ كبيرة من العقاقير، حين يكون الندم قد خلَّصهم من رغبتهم في الموت وبعد أن يتحقق هدفهم الحقيقي بتنبيه المقربين منهم بالمحنة التي يمرون بها.

5. الرغبة في الموت بوازعٍ فلسفي

بالنسبة للبعض، يستند قرار الانتحار إلى أسبابٍ منطقية، غالبًا ما تكون بسبب وجود مرضٍ مزمن ومؤلم يتعذر معه وجود أي أمل في تأجيل مثل هذا القرار.

بالنسبة للبعض، يستند قرار الانتحار إلى أسبابٍ منطقية، غالبًا ما تكون بسبب وجود مرضٍ مزمن ومؤلم يتعذر معه وجود أي أمل في تأجيل مثل هذا القرار. لا يعاني هؤلاء الناس من الاكتئاب، أو الذُهان، ولا هم في حالة سُكر، ولا يستغيثون طلبًا للمساعدة؛ هم فقط يحاولون السيطرة على مصائرهم، وتخفيف معاناتهم، الأمر الذي غالبًا لا يمكن أن يتم إلّا بالموت. إنهم يحاولون السيطرة على مصيرهم والتخفيف من معاناتهم، وهو ما ﻻ يمكن حدوثه إﻻ عن طريق الموت، بل إنهم ينظرون في كثيرٍ من الأحيان إلى إقدامهم على الانتحار كوسيلة لاستعجال الموت الذي سيحدث على أيّة حال.

من وجهة نظري، إذا عُرِض هؤلاء الأشخاص على متخصصين مؤهلين، في مقدرتهم استبعاد الاحتمالات الأخرى التي قد تجعلهم يرغبون في الانتحار، ينبغي السماح لهؤلاء الناس بالموت بأيديهم كما يريدون.

6. الانتحار عن طريق الخطأ

يتعلق ذلك بظاهرة مأساوية حديثة، يقوم فيها الشباب باللعب على الحرمان من الأكسجين، بحثًا عن النشوة التي يشعرون بها حين يفعلون ذلك، ثم يتمادون في هذا اللعب. الطريقة الوحيدة للوقاية من هذا بالنسبة لي هي التعليم.

قد يعجبك أيضًا: كيف أسهمت المخدرات في تطور البشرية؟

الجروح التي يتركها المُنتحر في حياة مَن تركهم خلفه غالبًا ما تكون عميقة وطويلة الأمد، وغالبًا ما تتسبب العبثية الواضحة للانتحار في إشعال فتيل ألمٍ جسيم. عندما فكرت أننا جميعًا نتعامل بشكل أفضل مع المآسي عندما نفهم أسبابها، كتبتُ الفقرات السابقة على أمل أن يقرأها أي شخص تُرِك وحيدًا بعد انتحار أحد أحبائه؛ ليكون قادرًا على إيجاد وسيلةٍ للمُضي قُدمًا، والتخلي عن إحساسه بالذنب والحُنق، والتمكن من طوي هذه الصفحة.

على الرغم من الطريقة المفاجئة التي تُركتَ بها، إلَّا أنَّ الذنب والغضب يجب ألا يكونا المشاعر الوحيدة التي تشعر بها إزاء الشخص الذي قرر الانتحار.

هذا الموضوع جزء من ملف منشور عن الانتحار، لقراءة موضوعات أخرى في الملف، اضغط هنا.

مواضيع مشابهة