مرَّ عام على مقتل الشاب اليمني عمر باطويل دون ملاحقة قاتليه أو القبض عليهم، رغم أن الحادث أثار جدلًا في الشارع اليمني، وخصوصًا في عدن، المنطقة التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية وتقع تحت غطاء قوات التحالف العربي.
استهداف الشباب؟
بدأت قصة عمر باطويل على فيسبوك ولم تنتهِ عليه، فالشاب الذي لم يتجاوز 18 عامًا ظل ينتقد التطرف والإرهاب الديني في منشوراته بطريقة واضحة، مستخدمًا اسمه وصورته الحقيقية.
في أحد منشوراته، كتب باطويل يقول: «إذا رأيت المساجد تبث الحقد والكراهية والعنصرية في نفوس البشر باسم الدين، فاعلم أنها ليست دورًا لعبادة الرب وإنما لعبادة الكهنة»، وهو ما لم يكن ليمر دون تهديدات بالقتل والتصفية، خصوصًا أن عمر ظل ينتقد أفكار المتاجرة بالدين ويمارس نشاطات تطوعية على الأرض وبين الناس.
قُتل باطويل بتهمة الإلحاد وهو الذي كان يقول: أرى الله في الزهور، وأنتم ترونه في القبور.
لم يتخذ عمر موقفًا إلحاديًّا واضحًا كما قد تشير بعض منشوراته، بل كان أقرب إلى الربوبية والتدين الحر المنفتح.
كتب مرة يخاطب الله: «يا رب، أنا الآن وبفضلك وبفضل الحب الذي بيننا لم أعد أكثرت لما يقولون.. سأعبدك وأتقرب إليك كما تحب أنت وليس كما يحبون هم، فهم يفرحون بالألم وأنت تريد لنا اليسر. يا رب، كلمات الشكر والحمد لك ستكون قاصرة أمام عظمتك وجلالتك.. سأحيا كريمًا بك.. ومستمتعًا بالجنة التي خلقتها لي في الدنيا، فقد سخَّرت الكون لي لأحيا كريمًا.. شاكرًا.. عارفًا».
قد يهمك أيضًا: رحلة في موجة الإلحاد والثورة الاجتماعية في العالم العربي
كُفِّر باطويل واتُّهم بالإلحاد، وشُنَّت عليه حملات في فيسبوك تتهمه بالردة وأنه يسعى لإحداث حركة إلحادية في عدن. ورغم أن الجميع المتابعين كانوا يتوقعون أن الأمر مجرد تهديدات عابرة، فإنهم استيقظوا يوم 25 إبريل 2016 على خبر مقتله.
خُطف عمر باطويل من جوار منزله وقُتل بتهمة الإلحاد والردة، وهو الذي كان يقول: «أرى الله في الزهور، وأنتم ترونه في القبور».
قد يعجبك أيضًا: بين الإعدام المادي والمعنوي: عواقب الإلحاد في القوانين العربية
يواجه الجيل اليمني الجديد الذي يحمل أفكارًا مختلفة معركة طويلة مع القوى الدينية المتطرفة.
تفاوتت ردود الأفعال في عدن كما بدا في أحاديث الناس في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بين من يرى أن الفتى يستحق ما جرى له، ومن يؤكد أن القوى المتطرفة تعيث في الأرض فسادًا وستحول عدن، المدينة المحررة من سيطرة ميليشيات الحوثي، إلى ثكنة للتطرف القاعدي والتكفيري.
لم يصدر بيان رسمي بشأن حادث باطويل، ولم يُلقَ القبض على الفاعلين حتى الآن، وكالعادة، التزمت الأصوات الدينية المعروفة الصمت.
انتهت القصة بمقتل عمر، وهي نهاية مؤلمة لشاب كان لا يزال في مقتبل عمره، إلا أن قصة التصفيات والاغتيالات في عدن لم تنتهِ، ويبدو أن الجيل الجديد الذي يحمل أفكارًا مختلفة لا تناسب التركة الدينية الموجودة في اليمن أمامه معركة طويلة ومواجهة مع القوى الدينية المتطرفة، التي إن لم تتخذ فعل القتل فإنها ستصدر فتاوى التكفير، لتجعل حياة المبدعين في مواجهة دائمة مع الخطر.
اضطُر كثير من شباب اليمن إلى الهروب بسبب خطورة البقاء في أجواء تكفيرية، فكثيرون تعرضوا لحملات أو تهديدات بسبب كُتُبهم ومقالاتهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
محمد عطبوش شاب من عدن صدر له كتاب بعنوان «نقد الإعجاز العلمي». لم يقدم الكتاب جديدًا من ناحية نقد الإعجاز القرآني، ولم يكن سقف الانتقاد فيه مرتفعًا، بل انطلق الكاتب ينقد الإعجاز لتبرئة الإسلام ولم يوجه نقده ناحية الدين بشكل رئيسي، إلا أن عطبوش تعرض لتهديدات تُوِّجت بمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته لولا أن نجا في اللحظات الأخيرة، ليغادر اليمن بعدها إلى مدينة بنغالور الهندية.
اقرأ أيضًا: الإسلام الوسطي مجرد أسطورة: الشعراوي نموذجًا
استهداف الشباب.. ورجال الدين؟
لم تقتصر الاغتيالات على الشباب المتهمين بالإلحاد والزندقة، بل امتدت إلى رجال الدين الذين يخالفون آراء الجماعات الإرهابية وينتقدونها علنًا.
أحد هؤلاء كان الشيخ علي باوزير، رجل الدين المحسوب على التيار السلفي في حضرموت جنوب شرقي اليمن، الذي انشق عن تنظيم القاعدة بسبب عدم موافقته على اغتيال الضباط والجنود وانحيازه لاستقرار الأوضاع، وصرح بهذا في خطبه وانتقد تصرفات التنظيم مرارًا.
قال الرجل في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك:
«إلى المتورطين في سفك الدماء المحرمة، ونشر الفوضى في بلد المسلمين وإرهابهم وزعزعة أمنهم (...) ما تقومون به من اغتيالات واختطافات واشتباكات مع رجال الدولة، متترِّسين بالأبرياء، ضرره الأكبر يعود على أنفسكم وإخوانكم المسلمين المسالمين وبلادهم».
«أذكِّركم بالله تعالى، بأن تتقوه، وأحذركم من لعنة الله وغضبه، ومن دعوة المظلومين فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، وأذكركم أيضًا بأن حقوق الخلق مبنية على المشاحَّة، ولا يُعذر فيها بالخطأ والنسيان والإكراه، فكيف بالعمد؟ ولا يَحْملكم استدراج الله لكم على التمادي في الخطأ والإصرار عليه».
وفي فبراير 2014، أطلق مسلحون مجهولون النار على الشيخ بالقرب من مدرسة تحفيظ قرآن، فسقط ميتًا من فوره.
بعد ذلك بعامين، استيقظ أهل عدن على خبر اغتيال أحد مشايخ الصوفية وإمام مسجد الجيلاني، الشيخ علي عثمان. ويتوقع كثيرون أن انتسابه إلى المذهب الصوفي الذي تكفره الجماعات المتشددة هو سبب اغتياله، إضافةً إلى أنه كان أحد أعلى الأصوات الصوفية في حضرموت ويحظى بأتباع وطلاب كثيرون.
قد يهمك أيضًا: تاريخ الصوفية في مصر من عصور الفراعنة إلى شيوخ الطريقة
طالت الاغتيالات الشيوخ سمحان الراوي وعبد الرحمن العدني وعبد الرحمن الزهري، والملفت أن هذه الأسماء قادت قوات تابعة لها خلال حرب تحرير عدن من الميليشيات الحوثية عام 2015، ثم تحولت إلى أهداف لاغتيالات بطرق متنوعة.
يرى بعض المحللين أن سبب قتل بعض هؤلاء الشيوخ هو انحيازهم إلى قوات التحالف، لكن كيف يفسرون أن عددًا منهم لم يتبنَّ أي فصيل مقاتل اغتياله؟
يقول الناشط السلفي يوسف الشبيلي إن مخطط تصفية رجال الدعوة السلفية في المحافظات الجنوبية لليمن يهدف لإفراغ الساحة منهم وإفساح المجال للدعوات التي وُصفت بالمنفتحة، والتي لا ترفع للمخالفات الدينية رأسًا، بالإضافة إلى دفع السلفيين لحمل السلاح كي يتم حشرهم في زاوية الإرهاب ثم محاربتهم.
لم ترحم حوادث الاغتيالات ومحاولات التصفية أحدًا، بدايةً من الشاب عمر باطويل حتى كبار مشايخ السلفية والصوفية، جميع التيارات تخسر رجالاتها في شكل أشبه بالممنهج، وغالبًا ما يتبنى تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة هذه الاغتيالات.
استهداف الشباب ورجال الدين.. والصحفيين؟
كل حالات الاغتيال التي ذكرناها وقعت في الجزء الجنوبي من اليمن، أما الشمال فيبدو مغلقًا تمامًا، إذ يُسجن كل من يعارض الحوثيين هناك، ولا سبيل لمعرفة تفاصيل ما يجري على الأرض.
في إبريل 2017، صدر حكم بالإعدام على الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي يحيى عبد الرقيب الجبيحي، المعتقل منذ ثمانية أشهر في سجون الحوثيين، والذي سبق وتولى دائرة الإعلام بمجلس الوزراء اليمني، بعد أن رفض الكتابة لصالح حركة الحوثيين.
الصوت العالي في اليمن الآن هو صوت المعركة، والأمل معقود على أن تنتهي الحرب أولًا.
يقول نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، عبد الباري طاهر، إنه منذ اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر 2014 و«الحالة الإعلامية مغلقة بشكل كُلِّي ومعدومة».
وبمناسبة اليوم العالمي للصحافة، أصدرت نقابة الصحفيين في اليمن بيانًا حذرت فيه من أن ميليشيا الحوثي تحتفظ بـ18 صحفيًّا يمنيًّا مختطفًا، كما يعتقل تنظيم القاعدة صحفيًّا آخر، وجميعهم يتعرضون للتعذيب والمعاملة القاسية.
قد يعجبك أيضًا: ما لا يخبرنا به الإعلام عن صراع السعودية وإيران في اليمن
لا أحد حرًّا في الشمال اليمني والوضع أسوأ من الجنوب، ويطالب الحقوقيون الآن بالعودة إلى خط ما قبل الحرب في مجال الحقوق الإعلامية والحريات الدينية، وهي أمنيات لا تطلب إلا أقل القليل.
كل الاغتيالات المتعلقة بحرية التعبير هي مشكلة واحدة فقط في بحر ما يتعرض له اليمنيون خلال مأساة الحرب، فالصوت العالي في اليمن الآن هو صوت المعركة، وكل هذه المشكلات هي إفرازات لها، والأمل معقود على أن تنتهي الحرب أولًا.